في دراسة أخيرة لمعا
التناقض الصارخ بين تجمعي المستوطنات الاسرائيلية والقرى الفلسطينية في الأغوار... لا يهدد إلاّ وجود الأخيرين
|
بركة سباحة في مستعمرة مسواه |
عرض: ربى عنبتاوي
بعد أقل من شهر منذ الاصدار الاخير لمركز العمل التنموي معا -الذي يضيء الجوانب المأساوية لواقع حياة مواطني الاغوار تحت عنوان "الأغوار الفلسطينية هل ستصبح كنزاً مفقوداً وحلما مستحيلاً"- يصدر المركز دراسته النوعية الجديدة "مقارنة الحقائق بين المستوطنات الاسرائيلية والتجمعات الفلسطينية في الأغوار" التي تتغلغل في جوانب جديدة تكشف تفاصيل الرفاهية والامتيازات الكبيرة التي ينعم بها مستعمرو المستوطنات المقامة على اراضي الاغوار الفلسطينية، في مفارقة مبكية مقارنة مع واقع الفلسطينيين الذين يلتحفون السماء في ظل ظروف معيشية بالغة الصعوبة، بحيث تأتي هذه الدراسة المعدة باللغة الانجليزية والمتوفرة على موقع المركز الإلكتروني، مكثفة بالحقائق الصادمة للقراء التي تدعمها الصور المعبرة والأرقام المذهلة.
وبنبذة سريعة عن الأغوار التي تحتل 28.5% من مساحة الضفة الغربية فأشارت الدراسة إلى تميز المنطقة بالتربة الخصبة والمناخ المعتدل والمياه الوفيرة. العناصر التي تشكل فرصةً ثمينة للشعب الفلسطيني للازدهار الزراعي والاقتصادي والسياسي. ولكن جاء اتفاق اوسلو ومكوناته الأمنية التي جعلت 95% من الاغوار منطقة جـ ، بمثابة تعزيز لهيمنة الاحتلال المطلقة على المنطقة من الناحية العسكرية والمدنية ضد سكانها الفلسطينيين. وبالرغم من تواجد 56 الف نسمة من مواطني الاغوار الفلسطينيين مقابل 9.400 من المستوطنين الإسرائيليين، إلا ان مستوى المعيشة للاخيرين متفوق الى درجة مثيرة للحسرة، ما يعكس طابع الهيمنة والتفرقة العنصرية التي تعتمدها سياسة الاحتلال في غور الاردن والتي تدعم نمو وتطور وتوسع المستوطنات، وفي المقابل تمنع الفلسطينيين من ابسط حقوقهم الإنسانية ما يضمن للاحتلال عدم تغلب الفلسطينيين على فجوة التفرقة الصارخة بين التجمعين.
وتأتي هذه الدراسة المكثفة بالمعلومات والمدعمة بالصور المقارنة والأرقام، لتؤكد دور المعونات المختلفة المقدمة للمستوطنات وسكانها في تعزيز القيود المفروضة على الفلسطينيين في نفس المنطقة، معتمدةً على مقابلات للطرفين خلال الستة شهور الماضية، لتضيء على جوانب الاختلاف المتأصلة في سياسة اسرائيل ما بين الفلسطينيين والمستوطنين في الاغوار.
|
تلاميذ فلسطينيون في مدرسة الكعابنة بالأغوار |
القصة بدأت مع ألون
وقد جاء في الفصل الاول من أسس العنصرية، تاريخ بدء الاستيطان في الاغوار الذي ازدهر مع الدعاية الاكثر تأثيرا وهي خطة وزير الدفاع " يغال الون" في تموز من عام 1967، الذي دافع عن فكرة انشاء منطقة عازلة على الحدود الشرقية لغور الاردن لحماية اسرائيل من جيرانها العرب، وتترجم المرحلة الثانية عبر دمج اكبر عدد من الاراضي بأقل عدد من الفلسطينيين. ومنذ اعتماد خطة الون توسع الاستيطان في المنطقة ليصل الى 36 مستوطنة، تتلقى الاعانات الدائمة والكبيرة من الحكومة الاسرائيلية ومؤسسات مستقلة أخرى على الرغم من مخالفتها الصارخة للقانون الدولي.
وفي الفصل الثاني تم الحديث عن "الزراعة كأسلوب للتطوير" فبعد حرب عام 67، تم تهجير ما بين 70 الف الى 300 الف فلسطيني من الاغوار الى الضفة الغربية، وقد جاء هذا الترحيل للفلسطينيين بالآلاف من اخصب رقعة فلسطينية صاباً في مصلحة الاستيطان الاسرائيلي، حيث اعتبرت الزراعة المحرك الأساسي لنجاح الاقتصاد في مستوطنات غور الأردن وجاء ازدهارها نتيجة مباشرة للاستثمار الحكومي الهائل في التقنيات الزراعية الحديثة. حيث أنه بفضل تلك التقنيات الزراعية الحديثة والاستثمار في تطوير مصادر المياه، تم الحصول على كمية منتج من الخضار والفاكهة الشتوية والتي تباع بأسعار عالية في أوروبا، ما اعتبر استثماراً مربحاً يعود الفضل فيه لخطة ألون التي ضمت مساحات كبيرة، وأمنت بدورها الاستمرارية الجغرافية بتسهيلات وخدمات عظيمة للمستوطنين على مساحة بلغت 90% من الاغوار.
|
روضة أطفال حديثة للمستوطنين بالأغوار |
معونات لا حصر لها والمقابل ابقوا هنا
وجاء في الفصل الثالث تحت عنوان منبت توزيع المعونات لمستوطني إسرائيل الاشارة الى تنفيذ سياسة قوية وممنهجة لتشجيع الاسرائيليين على الاستيطان في الضفة الغربية، ومن اكثر الاساليب التي استخدمت لهذا الغرض كانت الاغراء بالتسهيلات المالية والحوافز التي تجلت من خلال نمطين: الأول اعتبار مستوطنات غور الاردن منطقة ذات اولوية وطنية بفوائد خاصة تحت مظلة القانون الإسرائيلي والثانية: تفضيلهم على مواطني اسرائيل. وبالرغم من كون الضفة الغربية منطقة محتلة إلا ان اسرائيل تعرفها بمنطقة ذات اولوية وطنية، ما يجعل الحكومة تركز على تقديم معونات كبيرة للمستوطنين في السكن والتعليم والصناعة والزراعة والميزات السياحية مقابل استمرار بقائهم في تلك المناطق. وفي الحقيقة يرتفع دخل الاسر في المستوطنات بنسبة 10% اعلى من دخل المواطن في اسرائيل، كما ان نسبة البطالة تعادل النصف في الاغوار مقارنة بنظيرتها في اسرائيل ايضاً. فعلى سبيل المثال ومنذ عامي 2000-2002 شكل المستوطنون 43% من سكان " مناطق الاولوية الوطنية" ولكنهم يتلقون 63% من الدعم المالي المخصص، كما تلعب البلديات المحلية دور الوسيط بين الحكومة الاسرائيلية والمستفيدين النهائيين من المساعدات الحكومية، وتمثل البلديات اطاراً سيادياً عبر جسم حكومي صغير قادر على تشكيل وسيلة ضغط لصالح المستوطنين.
أما عن دور اللجان التنظيمية في المستوطنات فهو يقوم على تقديم الخدمات التي يتم التزود بها من المجالس الاقليمية او الحكومة الاسرائيلية لفائدة المستوطنين، كما تؤدي المجالس الاقليمية دورا في تقديم الخدمات وتوفيرها تماما كدور الحكومة المصغرة في الاغوار. ولا يقتصر الامر على ذلك بل تتلقى المستوطنات مساعدات ومنح مالية من مؤسسات مستقلة كالمنظمات الامريكية الصهيونية، مثل: الصندوق الاسرائيلي الموحد، صندوق تطوير غور الاردن وصندوق اطفال اسرائيلي "شيلو". هذه الخدمات والمنح التي تنهال على المستوطنين هناك، توفر لهم حياة اكثر رفاهية بشكل يفوق حال الفلسطينيين الذين يعيشون بجوارهم.
أما الفصل الرابع فاستعرض الامتيازات الخاصة بالمستوطنات، والتي تتوزع من خلال ست وزارات هي: البناء والاسكان، الحكم المحلي، التعليم، التجارة والصناعة، العمال، والشؤون الاجتماعية، بالإضافة الى احزاب سياسية مستقلة ففي عام 2004 على سبيل المثال، ساهم الحزب الوطني الديني الاسرائيلي لوحده بمبلغ 23 مليون دولار لصالح المستوطنات. كما تدعم وزارة الاشغال والاسكان توفير منح للمستوطنين تغطي حتى 50% من تكاليف بناء بيت او شراء شقة. وتساهم وزارة الصناعة والتجارة في توفير منح بقيمة 15-20% في القطاع السياحي...الخ والعديد من الامتيازات التي يطول الحديث عنها، والتي وفق منظمة بيتسيلم الإسرائيلية فانه بين الأعوام 2000 الى 2006 تدفع المستوطنات في الضفة الغربية 60% ضرائب اقل من المواطن الإسرائيلي.
|
ضاحية استيطانية جديدة في مستعمرة شادموت ميحولا |
بين أطفالهم وأطفالنا...مفارقة مؤلمة
وعلى النقيض، وفي "دراسة حالة" لفلسطينيي قرية الزبيدات الذين يحيون ظروفاً صعبة، حيث تكتظ 2000 نسمة على مساحة 42 دونم، بحيث يكون التوسع خارجها عرضة لهدم بيوت أصحابها من قبل سلطات الاحتلال، فقد تم الاستشهاد بقصة بناء بستان لاستيعاب الأطفال من عمر اربع سنوات، ولعدم امكانية بناء مبنى حديث، تم اللجوء لبيت مهدم مؤلف من صفوف رديئة ومقاعد مهترئة بحيث يفتقر لأبسط التجهيزات . وفي المقابل ينعم أطفال مستوطنة شدموت ميخولا التي يبلغ عدد سكانها 550 بمبنيين حكوميين (بستان) لاستيعاب الصغار منذ سن الثالثة، والمفارقة ان المبنيين حديثان ومجهزان جيداً بطواقم تعمل باستمرار وتنال رواتب مجزية من الحكومة.
اما الفصل الخامس فيتحدث عن التعليم في المستوطنات، حيث يزيد فيه راتب المعلم 12- 20% عن راتب المعلم في إسرائيل كما تغطي الحكومة 80% من تكاليف استئجار المعلم للسكن وغيرها العديد من الحوافز. هذا الدعم الحكومي المغري شجع الكثيرين من المتعلمين في المستوطنات على التوجه الى سلك التعليم حيث يعمل 25% منهم في التعليم مقارنة مع 13% في اسرائيل. وتتميز المدارس بأنها مجهزة وفق احدث المواصفات، بحيث تنال حظها من الدعم الحكومي للمؤسسات العامة والخاصة في المستوطنات.
المياه... شريان حياة المستوطنات الذي لا يرتوي منه الفلسطينيون
وفي الفصل السادس عن المياه، فجاء فيه "ينعم المستوطنون بكمية لا متناهية من المياه في المنطقة، حيث قامت شركة المياه "ميكيروت" بعد عام 67 بحفر آبار مخصصة للمستوطنين، تم نقل المياه عبرها الى كل المستوطنات في غور الأردن. كما قللت الحكومة تكاليف استهلاك المياه على مستوطني الاغوار، حيث تصل الى 105 شيقل في الشهر، وفقط 30 شيقلاً للساكن لوحده". وفي شمال البحر الميت يستهلك المستوطنون 727 لتراً في اليوم ما يعادل ثلاثة اضعاف ما يتوفر للقاطن في اسرائيل، وحين يتعلق الامر بالزراعة فيتجاوز ما يؤمن للمزارع بـ 1312 لتراً يوميا ما يعد 18 مرة اكثر مما يستخدمه المزارع الفلسطيني.
وبالنسبة للمعونات الاضافية للخدمات العامة، تدعم الحكومة عبر معدلات خصم ملحوظة من حيث خدمات جمع النفايات، الخدمات الطبية، الأمنية ( شرطة) وكذلك الكهرباء والمياه والانترنت. كما تشجع الحكومة السياحة في داخل الضفة الغربية عبر تقديم حوافز لتشجيع الصناعة حول البحر الميت على وجه الخصوص، حيث قلصت ادارة الاراضي الاسرائيلية رسوم استئجار الأراضي الى 69% في حال استخدامها لأغراض الصناعة او السياحة في المستوطنات، وكنتيجة لذلك أضحت المستوطنات تجذب العديد من السياح من حول العالم حيث يتم استيعابهم في بيوت الضيافة المقامة في المستوطنات.
|
قرية فصايل الفوقا بالأغوار |
حياة البادية قد تختفي من الأغوار
وفي المقابل، وفي دراسة لحالة البدو في راس العوجا القادمين اساسا من شمال صحراء النقب قبل ترحيلهم منها عام 1948 الى داخل الضفة الغربية في منطقة سوسيا جنوب الخليل، وذلك قبل النكسة التي أجبرتهم على النزوح إلى شمال غرب أريحا. المنطقة التي كانت حقولها مليئة بالمياه وأراضي الرعي المناسبة لتربية المواشي ولكن قبل اوسلو، حيث أختلف الأمر فيما بعد عبر تهديد مصدر رزقهم واعتبار وجودهم غير شرعي، ما حدا بهم الى تأمين تنكات المياه من شكة ميكيروت بأسعار باهظة، حيث يتجاوز سعر التنكة 10-15 ضعف سعر مياه الأنابيب وخلال الانتفاضة الثانية، قامت اسرائيل ولتأمين المياه لمستوطنة يتاف وأربع مستوطنات اخرى بحفر ابار عميقة ما قضى على مصادر المياه للفلسطينيين فأخذت الحقول ومناطق الرعي تجف لأكثر من تسعة شهور في السنة. واليوم تحتكر اسرائيل معظم مصادر المياه وتنكر حق الفلسطينيين في الآبار الضخمة التي بنيت لصالح المستوطنين.
وبالأرقام تعود الدراسة لتصدم من جديد حيث يعيش 1000 فلسطيني، في رأس العوجا، مع ماشيتهم على 250 دونم، بينما يتمتع 117-130 مستوطن على ما يزيد عن 100 دونم. كما يستهلك سكان راس العوجا 30 لتراً في اليوم لاستخدام الفرد الواحد، وفي المقابل يستخدم كل مستوطن في مستوطنة يتاف 317 لتراً من المياه للفرد الواحد يومياً. ما يعادل عشر مرات ضعف الفلسطينيين، في حين يدفع الفلسطينيون 11 مرة اكثر من المستوطن لكل لتر مكعب من المياه.
اما الفصل السابع فكان عن القيود المفروضة على الفلسطينيين في الاغوار، فبينما يتم تشجيع الاسرائيليين بمغريات عديدة للسكن في الاغوار يتم الضغط على الفلسطينيين لترك موطن رأسهم، فعبر مصادرة الأراضي والسيطرة على مصادر المياه، والقيود على الحركة والبناء، يجبر العديد من الفلسطينيين تحت تأثير الاحساس بالظلم المجحف إلى ترك المنطقة. فالفلسطينيون فيما يتعلق بالمياه، 37% منهم فقط يتمكن من الحصول على المياه، و 2% منهم تتوفر لديه شبكات صرف صحي امنة، بينما ينعم كل مستوطني الاغوار بشبكات مياه وصرف صحي آمنة.
وبعد ان كان سكان منطقة الأغوار يعتمدون على مياه نهر الاردن قبل عام 67، قام الاحتلال عدا عن حرمانهم من مياه الأخير، بإنكار حقهم في مصادر مياههم الأخرى عبر تدمير الاحواض الأرضية واتلاف 140 مضخة مياه، ومصادرة 162 مشروع اردني في تلك الفترة فبعد ان كان هناك 774 بئراً تم تقليص الرقم عام 2005 الى 328. كما تمنع سلطات الاحتلال بناء نظام او شبكات مياه. ووفق تصريح للبنك الدولي، فإن 106 مشروع مياه و12 شبكة صرف صحي واسعة النطاق تنتظر موافقة لجنة المياه المشتركة الاسرائيلية حتى اليوم.
اطفال المدارس يتعلمون في الخلاء
اما الفصل الثامن حول التعليم، ونتيجة لعدم قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على البناء والتوسع إلا في 5% من مساحة الاغوار، كانت النتيجة أن عددا هائلا من الاطفال والفتيان يحرمون من حقهم في التعليم او يضطرون للسير مسافات على الاقدام معرضين انفسهم للخطر للوصول الى صفوفهم، وبالرغم من حصول السلطة الوطنية الفلسطينية على ترخيص لبناء بعض المدارس في المناطق جـ، إلا ان معظم المدارس "فيزيائياً" تعتبر خطرة وغير مؤهلة لتكون مؤسسات تعليمية، حيث يبدأ 10 ألاف طفل سنوياً في مدارس (منطقة جـ) عامهم الدراسي الحالي بالتعلم في الخيام والكرفانات بلا حماية من تقلبات الطقس شتاءً وصيفاً، كما أن ثلث مدارس منطقة جـ تعاني من نقص في المياه النقية وعدم وجود شبكات لمياه الصرف الصحي، فعلى الاقل 23 مدرسة تخدم 2250 طفلاً في منطقة جـ، ينتظرون توقيف العمل او اوامر هدم. كما تعاني المدارس من نقصٍ في المعلمين والذين يأتون من مناطق بعيدة من المدرسة او من الضفة الغربية، ونتيجة للحواجز والاغلاقات يتأخر المعلمون على حصصهم، ما يؤثر على انتظام مسيرة الطلبة التعليمية.
وقد جاء الفصل التاسع عن بناء البيوت والتعرض الدائم للهدم: "يتهدد بناء بيوت جديدة في مناطق جـ عمليات الهدم من قبل قوات الاحتلال، والتي تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة اما بالنسبة للحصول على تراخيص البناء فهو أمر شبه مستحيل، فمنذ الاعوام 2000-2007 ، فقط 6% من التصاريح المقدمة منحت للسكان. وفي سياق مشابه، يمنع الفلسطينيون من بناء الابار والعيادات والأبنية الهامة الاخرى. ووفق دراسة لمؤسسة انقاذ الطفل ومركز معا فإن 31%من سكان الاغوار تعرضوا للتهجير الدائم او المؤقت منذ عام 2000 نتيجة الاجراءات العسكرية الاسرائيلية وأوامر الهدم. وفي المقابل تُمنح التسهيلات بلا قيود للمستوطنين للتوسع.
|
منزل فلسطيني-خيمة-في فصايل الوسطى بالأغوار |
غرامات واعتقالات وخطر الألغام ضريبة التجول في الطبيعة المحتلة
وحول قيود التنقل كما جاء في الفصل العاشر، فيعيش في الاغوار 56 الف نسمة، المسجلون منهم لدى السلطات الاسرائيلية يسمح لهم بدخول الاغوار من شمال أريحا، ومن لا يملك الترخيص فعليه الحصول عليه من قبل السلطات الإسرائيلية، عدا عن الحصول على تصريح آخر لعبور شارع 90 الواصل قرى الأغوار ببعضها البعض. ولكون 95% من الاغوار مناطق جـ ما يعني وقوعها تحت سيطرة المستوطنات والجيش. فإن دخول تلك المناطق يعتبر غير قانوني، ما يؤثر سلباً ويعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق السكان الاصليين الاقتصادية والإنسانية، وخاصةً من البدو والرعاة المعتمدين منذ بدايات وجودهم على التنقل والمساحات المفتوحة، وفي حال تم دخول تلك المناطق فالنتيجة: غرامات، اعتقالات، مصادرة املاك شخصية من قبل الجنود والشرطة وسلطات اخرى. عدا عن انتشار حقول الالغام والتي تسبب جراحاً هائلة وحالات وفاة كل عام، ووفق الاحصائيات فإن 30% من ضحايا تلك الالغام هم من الاطفال.
وفي "دراسة حالة" لقرية فصايل التي تنقسم الى ثلاثة تجمعات: فصايل الفوقا والوسطى والتحتا، وتنتصف غور الاردن وتحاصرها مستوطنتين هما تومر وبيزائيل . فيبلغ عدد سكانها 2100 فلسطيني يزدحمون في 400 دونم. أما فصايل التحتا فهي مصنفة وفق أوسلو على انها منطقة ب، بينما الفوقا والوسطى جـ، ما يضع المنطقتين الأخيرتين في مفارقة مع المنطقة ب، فبسبب قيود البناء وعدم اعطاء تصاريح للتوسع، يعيش معظم سكان تلك المنطقة في خيام، بيوت من البلاستيك او الطين. كما تعد الفصايل "كبش الفداء" في مسألة الهدم في الاغوار. وفي المقابل توجد مستوطنة تومر التي تأسست عام 76 لزراعة وإنتاج التمر جنوب الفصايل. يعيش فيها 340 اسرائيلي يسيطرون على 4500 دونم بحيث يحيطون جيرانهم الفلسطينيين من الشمال، فيشهد الاخيرون على مرأى أعينهم "تومر" التي تعد تجمعا مزدهرا ببنية تحتية معاصرة وصناعات ناجحة وخدمات اجتماعية يعتمد عليها. ويكفي النظر للبيوت وملاحظة تفرد كل بيت بطابقين، مع حديقة وبركة سباحة. على نقيض المظهر المأساوي للتجمعات الفلسطينية.
عذاب مريض الأغوار عذابان
وفي الفصل الحادي عشر تحت عنوان الخدمات الاخرى وخاصة الصحية، فلا توجد مستشفيات فلسطينية في مناطق جـ، بل تقع اقرب المستشفيات في اريحا ونابلس، ونظراً لكون مستشفى اريحا جنوب الاغوار بعيداً عن معظم القرى، يتطلب الوصول لمستشفى نابلس الأقرب عبور حاجز الحمرا. فالمريض وإن كان في حالة صعبة، فلا يستطيع ان ينقل مباشرة الى أي مستشفى في نابلس قبل التوجه مع سيارة اسعاف منطقته إلى الحاجز وعبوره، ثم الانتقال إلى سيارة اسعاف نابلس. كما تترك العيادات المحلية بلا اطباء في الكثير من الأوقات، وتنقصها المعدات الطبية والتمويل اللازم. حقائق حدت بالفلسطينيين في استطلاع اخير أجري لهم، بأن يعبر 8% منهم فقط عن توفر مراكز صحية مناسبة، مقابل 66% من نظرائهم في الضفة الغربية. وعلى الطرف الآخر تعتبر العيادات في المستوطنات جزءا من النظام الصحي المتطور في إسرائيل وكنتيجة طبيعية للعنصرية يمنع الفلسطينيون من ارتيادها.
وعلى الرغم من انخفاض وتيرة العنف في المنطقة، يعد عداءُ المستوطنين هو الخطر الاكبر على السكان، حيث تؤكد التقارير حالات عنف من المستوطنين وتخويف لسكان الأغوار. حيث صادر مستوطنو مسيكوت خلال الـ 18 شهرا الماضية على ارض للرعي بمساحة 200 دونم، كما قاموا بسرقة مواشي لرعاة وبدو فلسطينيين. وللمقارنة الأمنية بين الحالتين، فالمستوطنات محاطة بحماية أمنية كبيرة، حيث توجد دوريات جيش دائمة تحيط بالمستوطنة، وحرس عسكري على مدخلها، وقوات شرطة مدنية بالإضافة إلى إحاطة المستوطنة بأسوار محصنة.
من ملعب أطفال الى محرقة للنفايات
وفي دراسة حالة "مرج النعجة" الواقعة شمال الأغوار بعدد سكان يبلغ 800 نسمة على مساحة 224 دونم للمنطقة ب، و 30 دونم للمنطقة جـ، وفي قضية البحث عن مساحة لعب للأطفال، نظرا لعدم وجود بساتين أو صفوف تحضيرية قبل دخول المدرسة، يضطر الأطفال لدخول المدرسة في سن السادسة، ما يضع الاطفال الصغار حتى ذلك السن، في بيئة ترفيه غير امنة وخطرة على سلامتهم الجسمية والنفسية. فيلعبون في الشوارع او في ساحات المدرسة التي تغلق ابوابها في الثالثة والنصف.
وفي الإشارة لملعب صغير في مرج النعجة (منطقة جـ)، وبسبب غياب مجلس محلي ينتظم في عملية تجميع النفايات والتخلص منها بعيداً عن القرية، تحول الملعب عام 2009 الى مكب لحرق النفايات بشكل دوري، ونتيجة للبطالة المستفحلة والتي تصل إلى 40% عند الرجال و 80% عند الاناث، اعتبر اقتطاع مبلغ لمصاريف جمع النفايات امراً غير ضروري بالنسبة للسكان، وبالرغم من وقف الحرائق منذ 10 شهور، إلا ان تكرارها خلال الفترة الماضية جعل الملعب غير صالح لإعادة التأهيل. وعلى النقيض ينعم اطفال مستوطنة معالي افرايم الواقعة في منتصف غور الأردن، بملاعب آمنة ومجهزة بأحدث الألعاب والفعاليات.
أما الفصل الثاني عشر، فأشار إلى موضوع الاتصالات والشبكات الالكترونية، التي تنظمها وتتحكم بها اسرائيل في منطقة الأغوار ما يجبر الفلسطينيين على شراء الكهرباء وشبكات الاتصالات من هاتف وانترنت عن طريقها. بينما تحرم الشركات الفلسطينية مثل جوال، الوطنية، حضارة، بال تل من تقديم خدماتها في تلك المناطق.
وفي نفس الفصل عن العمل ونتيجة لقيود الحركة، أضحى من المستحيل على الفلسطينيين الوصول الى أراضيهم الزراعية والرعوية ما قضى على دخل الكثير من الأسر، اما الرعاة فقد اضطروا الى بيع قطيع اغنامهم لعدم تمكنهم من شراء العلف، بينما عجز المزارعون عن تخفيض اسعار منتجاتهم الزراعية كنتيجة طبيعية لغلاء اسعار شراء المياه فلم تستطع منافسة السوق. أما الفلسطينيين ممن بقوا في الأغوار فإن الفرصة الوحيدة التي اتيحت لهم كانت في العمل داخل المستوطنات، بأجور عمل يومية تقل بكثير عن معدل يومية الاسرائيلي.
وفي ختام الدراسة التي تعد مرجعاً ثميناً يضاف الى سلسلة طويلة من إصدارات معا، جاء فيها بأن الاختلاف الصادم بين واقع الحياتين في المنطقة الواحدة هو ظاهرة واضحة تعكس سياسة عقود من اساليب الاحتلال في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ومن خلال رفض اسرائيل حماية مواطني الاغوار بالرغم من هيمنتها على المنطقة، تمنع في نفس الوقت السلطة الوطنية الفلسطينية من تلبية حاجة تلك التجمعات. وفي المقابل تؤمن اسرائيل الحماية والثبات والاستقرار للمستوطنات من خلال التحسين الدائم لبنيتها التحتية وظروف عمل ساكنيها وجميع الخدمات الأخرى، كل تلك المعطيات تقود لنتيجة واحدة وهي ان مشروع المستوطنات التي قامت به اسرائيل في الضفة الغربية وما ترتب عليه من انفاق هائل للأموال، لا يدفع ثمنه إلا الفلسطينيون وذلك عبر مواصلة انتهاك ابسط حقوقهم الانسانية منذ أكثر من اربعين عاماً.
ما وجه الغرابة في أن تكون هناك فروقات صارخة بين مستوى الحياة الاجتماعية والخدمات المقدمة في المجتمع الاستعماري الاستيطاني وبين المجتمع الفلسطيني الواقع تحت احتلال استيطاني تطهيري عرقي؟
عزام السيلاوي
|