:اصدقاء البيئة و التنمية
_______________
طاح الفوار
تحسين يقين
طاح الفوار!
أو: الفوار طايح..
ولا أدري من أين اشتقت كلمة طاح، المستخدمة في العامية الدقاوية بمعنى نزول الماء، أو تدفقه..!
أما الفوار، فهو مكان يقع غرب القرية (بيت دقو) بين تقاطع وادي سلمان ووادي آخر، لعله وادي العجب نسبة إلى عين عجب، أو الوادي الذي يفصلنا عن القبيبة، ولا يكون الفوار إلا بحدث انطلاق الماء من باطن الجبل، عند أخمصه بشكل محدد..أي عند رجليه..فهل للجبل رأس وأرجل وبطن وظهر؟ نعم وقد قيل راس الجبل وحيط الراس، وبطن الهوى وظهره أي مساحة أكبر من الرأس تكون في أعالي الجبال..واللغة تجيء من التشبيه أحيانا ومن الصوت والملمس والرائحة والمذاق والبصر..من الحواس.
إذن كان الفوار هذا العام، صار وأصبح وأمسى وظل وبات..
وما هي ساعات أو يوم أو يومين حتى انتشر خبر "طيحان الفوار" في القرية، ثم في القرى المجاورة، قرى غرب القدس، ومنها بيت عنان التي تحدنا وتلاصق الفوار، وبيت إجزا القرية اللصيقة بنا، وبدو وبيت سوريك والقبيبة وربما قطنة.. وغرب رام الله، مثل الطيرة التي تطل على الفوار أيضا، ويفصلنا الوادي عنها، وبيت لقيا وخربثا المصباح وربما بيت عور..
ولأن الطريق الترابية ممهدة بشكل مقبول، من آخر القرية إلى مكان قريب من الفوارـ فقد تشجع الدقاقوة والقرويون لزيارة الفوار، والاستمتاع به، أفرادا وعائلات، فوصل آلاف منهم إلى المكان.
بعد أيام انضممت إلى الآلاف..فتوجهت مع أطفالي وأطفال أخي مشيا، وصاحبتنا الصديقة الإسبانية إيارا، ولما كنت وإيارا ومجموعة من المتجولين قد سرنا 5 ساعات في وادي القلت قبل ايام، فقد رأينا أن مشي نصف ساعة أو أكثر قليلا لا يدعو للذهاب بالسيارة..حملنا قليلا من الماء لأن الماء هناك كثير وعذب..
مسار التجوال إلى الفوار من بيت دقو واحد من اثنين، أما الانطلاق بالطريق غرب القرية فوق المرتفعات، ثم الهبوط إلى الفوار، أو سلوك الطريق الشامي، أي السير وسط الجبل، لعله بطنه، ثم الاتجاه غربا، هبوطا إلى الوادي، ثم الدوران معه وصولا إلى الفوار، عند أرجل الجبل، الذي يتربع على ظهره تل أثري، صخري، نطلق عليه اسم "الخربة"، وهو اسم شائع يطلقه الفلسطينيون على الأماكن الأثرية، التي كانت مأهولة قديما..
في حياتي سلكت المسارين، الغربي مع أشعة الشمس، والشامي مع برودة الهواء..
بدأنا المسير، بشغف الصغار والكبار، وفي حين راحت إيارا تلتقط الصور لكل ما يقع عليه بصرها، من معمار محلي وطبيعة وناس، فكل شيء أمامها أثارها، إنها تكتشف وتوثق بالكاميرا ما ترى، فلم أحثها على المسير، أما أنا فرحت إلى المكان نفسه، لكن في زمان آخر..عدت إلى عام 1981..
المسار الغربي وأشعة الشمس الدافئة: سألت عن الطريق، فقيل لي ولنا سيروا إلى الغرب، وهناك انحرفوا إلى الشمال فالغرب تصلون الوادي، وهناك تجدون الفوار...لم يكن هذا صعبا على أطفال قرويين أن يهتدوا إلى مجمع الأودية..لم تمر سوى دقائق، حتى وصلنا "خروبة الشفا" بسبب أننا ركضنا حبا وشغفا للاكتشاف..كنا نسمع عن الفوار والآن سنرى..
ثم هبطنا حتى صارت "خربة جفنا" إلى يميننا، فغربنا، فدخلنا أرضا خرابا ليس فيها شجر، فاغتربنا عن الأخضر، لكن انتشار الرعاة خفف وطأة خراب المنحدر الغربي إلى الوادي، لم يكن هناك سوى درب جبلي خرب فسرنا به، وصرنا نجد الأطفال العائدين المرسوم على وجوهم الفرح والسرور..وحبات العرق بسبب تسلق المنحدر أثناء الصعود من الوادي إلى "الخربة"..
رعاة هنا كثيرون، وبعض راعيات، وجود الراعيات كان غريبا عليّ، لأننا اعتدنا الرعاة..لفتت تلك الراعية انتباهي، امرأة سمراء طويلة طوحتها الشمس طويلا، ملامحها قاسية. كانت هناك أكثر من راعية..
صوت الخراف والكلاب منتشر، ورائحة الأرض زعتر بريّ ونتش ولبيد وزوزو وشقائق نعمان..ثم اقترب صوت الماء..وكنا قد تعلمنا أن اسم صوت الماء هو الخرير...
أيقظني رفاق رحلة هذا العام 2012، من تذكر رحلة عام 1981..كم مرّ من السنوات يا محمد؟
- ...............
- كنت أكبر منك قليلا..كنت في الرابعة عشرة، وأنت الآن في العاشرة..
- هل جئت وحدك؟
- جزء من الطريق مع رفاقي وجزء وحدي..ولعله الجزء الأكبر.
ما زالت إيارا تصور، وتتحدث مع بيسان ابنة أخي بإنجليزية الصف الثامن..، أما أنا فقد أخذت بالبحث عن الغنم والرعاة، ورحت أبحث عن الراعية السمراء الأربعينية..
- صارت سيدة سبعينية يا ولدي!
- سبعينية؟
- أجل وانظر إلى رأسك هل ترى فيه شعر؟ وانظر إلى مفرقك كيف غزاه الشيب!
- لكنني ما زلت طفلا يلعب هنا يبتهج بالماء ويحتفل..
- وهؤلاء الأطفال الرفاق؟
- إنهم أطفالي..لكنني ما زلت مثلهم صدقني!
- لم تعد طفلا يا رفيق!
- بل أنا كذلك..
- كنت..
- وآلة الزمن؟
دقائق في الأرض البور تحت الخربة، ثم يطل الماء، لا أنادي على الأطفال، تصور إيارا المشهد من بعيد، يقف الأطفال وينظرون..
- تماما كما كنت تنظر قبل 31 عاما..أليس كذلك؟
- تماما..
من أين يأتي الصوت؟ قلت لمحمد ابني..
- لكن لا صوت هنا يا والدي..
- اه..لا صوت هنا..!
|
|
تصوير : إيــارا منتنن بو |
تصوير : إيــارا منتنن بو |
سنقترب مكررا عشرات المرات الحذر الحذر حتى لا يسقط طفل أو طفلة..المكان هو المكان، برك الماء في الوادي، والخروبة التي يوقد الشبان تحتها لتدفئة أجسادهم بعد السباحة..والنباعات..واحدة هنا، وهناك الثانية، وأخرى إلى الغرب..نباعات بماء عذب جميل نقي..
يحتفل القرويون هنا، افترشوا شاطئ الوادي الموقت، قهوة وشاي، طعام وشراب، شواء، أصوات أطفال وصبية، دخان، عيون الكبار تتذكر أيام الطفولة، وعيون الصغار تكتشف المكان، وباليد والأذن والمذاق والرائحة..
تواصل إيارا التقاط الصور، وأطلب منها صورة مع الخروبة، أما هي فتطلب صورة لها مع الحمار..فأضيف الخروبة أيضا..
أصغي:
- ما زال المئات يأتون يوميا..
- بالأمس كان هنا ربما آلاف، ضاق المكان بزائريه..
أعود إلى المسار الشامي مع برودة الهواء..
- كنت رومانسيا يا صاح!
- .............................
- وقتها سرت وحدك مصطحبا أوراقاً وقلما..وصرت تسير قليلا وتكتب قليلا..
- ............................
- وصلت إلى عين جفنا، وهناك احتفلت برائحة الليمون، وشربت من العين، وتأملت بركة عين جفنا الصغيرة، ولم تصعد إلى العين الفوقا الأكثر عذوبة، تلك التي اكتشف والدك المرحوم أنك لم تطعه بأن تملأ الإبريق منها، لأنك آثرت الهبوط إلى العين التحتا لترى البركة وتشم رائحة الليمون، وتذوق حبة منه..
- لكن كيف ميّز والدي بين الماء والماء!
- تلك خبرة طويلة يا ولدي..تعلمها عقودٌ من السنوات..
- ................................
- ثم بدأت تكتشف خطوط الماء في الوادي، واكتشفت نباعات صغيرات، وشربت منها، كما تأملت ملمس الصخور وحجارة الوادي، وشممت رائحة الشومر، فدرت قليلا مع الوادي، حتى وصلت الفوار..وهناك كان ناس كثيرون..تعرفت هناك على قرويين من القرى الأخرى، وكانت مناسبة لاكتشاف لهجات جديدة..كما تفحصت بعينيّ رومانسي لعل حسناء هنا تنير المكان..فكانت وكانتا وكنّ..واستغرب الأطفال من زائر يحمل الأوراق ويكتب (ستعود في الليل تبحث عن نصك القديم الذي كان عام 1986 والذي حاكيت فيه أسلوب جبران خليل جبران)..سرت بشيء من الخجل والهدوء، جلست هناك تتأمل الناس، ولم تسبح، فقط شربت..وسرت مع الوادي إلى بركة ياسين، وبركة العنانينة، وبركة السبلة، ولا أدري لم أسموها بالسبلة..لكنك تذكر أنهم يحذرون الناس من الغرق فيها لارتفاعها ولطريقة مرور الماء فيها...ثم كأنك تصفحت وجها مليحا ونظرت إليه في خفية، وكذلك فعل..
- وقتها عدت إلى القرية من الطريق الغربية، فاستمتعت بدفء الشمس، ووقتها كان رعاة وراعيات...
- والراعية السمراء يا ولدي..؟
- انشغلت براعية بيضاء عنها..فزال خوفي..
- والبيضاء هذه القادمة من أقصى الغرب الأوروبي؟
- هي إسبانية يجمعني بها حب التجوال والسفر والكتابة..
- انظر هناك رومانسيون مثلك ينظرون تجاهها، مستسلمون لكاميراتها..يمرون خجلا، يلقون السلام عليك، وعليها يلقون محبتهم..
- كأنك لم تسمع أغنية فيروز: في قهوة ع المفرق!
- والكتابة؟ لماذا لا تكتب الآن؟
- لأنني أرعى أطفالي وأطفال أخي..
أعجبني صوت الماء والدفء وودت لو نمت قليلا هنا لعلني أحلم بطفل قدم إلى هنا من الطريق الغربي وفتى قدم من الطريق الشامي..حملا الأحلام والأماني بالحرية وبالسفر والسباحة في بحار كبيرة مليئة شطوطها بالبيضاوات والسمراوات..
أحمد يتأمل ومحمد يغامر قليلا، وأسماء وابنة عمها سلام وجدتا صويحبات صغيرات قفزن معا على الصخور في الوادي وخلفه، عمر وعبد الرحمن يلعبان كطفلين صغيرين، وبسان وإيارا تدوران حول الفوار..
عناق السماء هذا العام لأرض قريتنا فجّر حبها الداخلي فانفجر الفوار مطلقا أطنانا من الماء، بزبدها الأبيض..
الماء للشرب بعد العطش يعني الماء الذي نحتاج ونحب، فما الماء الذي نرى ونسمع خريره ونلهو به!
هل هي احتفالية إذن بالماء!
هل لأنها عناصر الحياة: الماء والنار والتراب والهواء بها نحتفل!
كم لعبنا بالماء! وكم عجنا التراب فيه صانعين التماثيل والأشكال! كم تدفأنا بالنار! وكم ركضنا بالهواء!
إذن كان الفوار هذا العام، صار وأصبح وأمسى وظل وبات..لكنه أوشك على الرحيل، ليعود جافا كما يكون..دون أن يمحو ماء الذكريات التي لا تجفّ..
Ytahseen2001@yahoo.com
"العقبة" تنتصر على الاحتلال بالأعشاب الطبية!
عبد الباسط خلف:
شقت خطوات رئيس مجلس العقبة الحاج سامي صادق طريقها، عبر كرسي الإعاقة، إلى مصنع الأعشاب الطبية، الذي افتتحته القرية الشفا غورية، في نيسان الماضي. فيما طوقته ابتسامة عريضة، وهو يحمل العبوة التجريبية الأولى، من محصول "النبتة الطيبة".
يقول: "بدأت الفكرة من الشاب علاء صبيح، الذي اقترح إنتاج أعشاب طبية بمغلفات صغيرة( ليبل)؛ كونها تغيب عن السوق المحلي، ونستوردها من تايوان والصين. ثم أخذنا نعمل على تطبيقها، ونسقنا جهودنا، وحصلنا على دعم ياباني لافتتاح المصنع في جمعية المرأة الريفية".
فرص عمل
يتابع: "يوفر المصنع فرصة عمل لعشرة موظفين، فيما يبيع 150 مزارعاً من الأغوار والعقبة منتوجاتهم، وقد بدأنا المرحلة الأولى بالزعتر والنعناع والميرمية، وسنحاول بكل جهودنا تسويق بضاعتنا في الخارج، رغم الحصار الذي يفرضه الاحتلال علينا، كما سنشجع المزارعين على العودة إلى الأرض، والتمسك بها وزراعتها بالأعشاب الطبية الأخرى، وفي خططنا المستقبلية التوجه نحو توسيع خطوط الإنتاج، وإضافة أصناف أخرى من النباتات الطبية".
يعدد صادق أقسام المصنع، الذي يبدأ بآلة التنظيف، يليها وحدة التجفيف، ثم الغربلة والتنقية، بعدها الطحن، ثم الخلط، فالتغليف، والتعبئة، ويقول إن معظمها محلية الصنع في جنين، باستثناء وحدة التغليف المستوردة من الصين.
والمفارقة التي يقدمها رئيس المجلس المحلي، الذي تسكن بجوار قلبه رصاصة إسرائيلية ذات عيار ثقيل منذ العام 1971، ويخوض معركة مفتوحة داخل أراضي قريته شرق طوباس، أن المصنع مهدد بالهدم بقرار الاحتلال، شأنه كبيوت القرية كلها، ومدرستها، وعيادتها الصحية، وروضة أطفالها، وشوارعها، ومسجدها، وأراد للقرية أن تكون معسكرًا لتدريبات جيشه، بحجة أن طبيعتها تشبه جنوب لبنان!
|
الحاج سامي يشرح عن ماكنة تعبئة الأعشاب الطبية |
معركة مفتوحة
يقول: "في العام 1998، قررت أن ابدأ بمعركة مع الاحتلال الذي هجر قريتنا، وأعلنها منطقة عسكرية مغلقة، وأحاطها بمعسكرات: كوبرا (1)، وكوبرا( 2)، فرفعت قضية في المحكمة العليا الإسرائيلية، وبدأت أعمل لإعادة بناء بيوت القرية، وتوجنا انتصارنا بقرار قضائي أزال المعسكر".
وواصل صادق معاركه السلمية في قرية يبلغ عدد سكانها 299 مواطناً، فيما يقول بضحكة تحمل مرارة: "فقط يدّعون أن أربعة بيوت من العقبة هي قانونية؛ لأنها بنيت في الثلاثينيات، ورغم ذلك عمّرنا البيوت، ونقيم مشروعات إسكان لإعادة أهالي القرية الذين هجرهم الاحتلال، والبالغ عددهم قرابة 400، يتوزعون بين بلدة تياسير ونابلس والأردن.
ويستذكر ما كتبته صحيفة إيطالية عن العقبة، كأول "مستعمرة فلسطينية داخل معسكرات جيش الاحتلال". ويردد دائما أنه لن يتزوج، وأنه سيحارب بكرسيه من أجل إنهاء الاحتلال، ويتبنى قضايا قريته، التي فقدت 13 شاباً من أبنائها، وجرح منهم خمسون، وهجر قرابة الـ 400.
عمل أهلي
أطلق صادق ثلاث جمعيات أهلية في قريته التي تمتد فوق 3500 دونم يستولي الاحتلال على معظمها، ويصنف "منطقة عسكرية مغلقة": واحدة للمرأة، وأخرى للمهجرين وإعادتهم، وثالثة للمرأة الريفية، وقرر تشييد مئذنة للمسجد تحمل شارة للنصر.
ينهي: "انتصرنا في السابق على معسكر جيش الاحتلال، وسياسات هدم البيوت، وتدمير شارع أطلقنا عليه اسم (السلام) مرتين، لكننا هذه المرة ننتصر عليه بالأعشاب المجففة، وبعبوات الزعتر والنعناع؛ لأن جذورنا أقوى من كل محاولات الاقتلاع والتهجير".
|