مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
أيــــــــــــــار 2012 العدد-44
 
Untitled Document  

الاستهلاك المستدام والفرص الاقتصادية الجديدة

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

ينشغل العديد من الناس في العالم بكيفية إيجاد طرق لتقليل استعمال المواد الخام والموارد الطبيعية في السلع الاستهلاكية، وذلك من خلال تقليل الاستهلاك، وتغيير أنماط وعادات الاستهلاك، والتحول نحو الاستهلاك المستدام.
ووفقا للمؤشرات الاقتصادية الرأسمالية التقليدية، والتي لا تعبر بالتأكيد عن حقيقة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشرائح الشعبية، ولكنها مع ذلك، قد تعطي فكرة عامة جدا، وإن تكن غير دقيقة، عن الحالة الاقتصادية الرأسمالية الإجمالية- وفقا لهذه المؤشرات، يتوقع أن يبلغ عدد سكان العالم عام 2030 نحو 8 مليار نسمة.  كما يتوقع حدوث ارتفاع في إجمالي الناتج الوطني للفرد، وبالتالي سيصبح عدد أفراد الطبقة الوسطى في العالم نحو 3 مليار نسمة سيتقمصون العادات الاستهلاكية المميزة لهذه الطبقة؛ ما يعني أنهم قد يزيدون الأعباء الواقعة على الموارد البيئية والمواد الخام؛ تلك الأعباء التي، ومنذ الآن،  تجاوزت قدرة الكرة الأرضية على التحمل.
وبالرغم من أن متوسط الحياة قد ارتفع ست سنوات في الثلاثين سنة الأخيرة، كما ارتفع الناتج العالمي بستة أضعاف؛ إلا أن هذا "النجاح" المزعوم يتضمن ثمنا باهظا يتمثل في استهلاك ضخم ومتزايد للموارد، وفي تدهور بيئي وتفاقم عدم المساواة الاجتماعية والفجوات الطبقية.  فعلى سبيل المثال، دُمِّر خلال السنوات الأربع الأخيرة 210 ملايين دونم من من الغابات؛ كما بلغ مجموع النفايات الناتجة من المدن 9.1 مليار طن، ومجموع ما استهلك من الوقود الأحفوري 50 مليار طن.
إزاء هذا الانفلات الاستهلاكي، من الواضح أن المبدأ الأساسي للاقتصاد الرأسمالي التقليدي والقائل بأن نمو الاستهلاك ضروري للحفاظ على اقتصاد سليم، قد فشل فشلا ذريعا في الحفاظ على الحد الأدنى من التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ وبخاصة أن تطبيق هذا المبدأ تسبب ولا يزال في استنزاف وتآكل الموارد، فضلا عن الارتفاع المتواصل في أسعارها.  كما أن الزعم الاقتصادي القائل بأنه بدلا من استهلاك الموارد وإنتاج السلع المادية، يجب التشديد على الاقتصاد المالي وبالتالي تعزيز النشاط الاقتصادي- هذا الزعم لم يثبت صحته في الأزمة الاقتصادية "العالمية" الأخيرة؛ حيث تضخمت الديون بسرعة أكبر من الإنتاج الفعلي. 
ربما، يجب على الاقتصاد العالمي المهيمن أن يتحول إلى نموذج "الازدهار" دون نمو؛ بمعنى التحول نحو اقتصاد يشدد على تغيير أنماط وعادات الاستهلاك ويتبنى أنماطاً استهلاكية مستدامة.

استهلاك الخدمات بدلا من السلع المادية
المقصود بالاستهلاك المستدام، كما ذكرنا، تغيير أنماط وعادات الاستهلاك؛ كتقليص استعمال الطاقة الأحفورية، وقف أو تقليل كميات الطعام التي يقذف بها إلى المزابل، تفضيل السلع المعاد تدويرها، وتفضيل السلع التي تتضمن كفاءة الطاقة وبصمة كربونية متدنية، فضلا عن توجيه فائض الدخل نحو استهلاك الخدمات والنشاطات الترفيهية غير المادية، والاتصالات والتربية والتعليم، بدلا من استهلاك السلع المادية.
وضمن القائمة الطويلة للتغيرات المطلوبة في العادات الاستهلاكية، يبرز مجالان أساسيان:  أولا، استهلاك الخدمات بدلا من السلع المادية.  وثانيا، الاستهلاك الجماعي للسلع.  وليس المقصود هنا استهلاك السلع التي تم إنتاجها بفعالية تقنية عالية أو بواسطة التكنولوجيات المتقدمة، بل تلك السلع التي هي ثمرة حلول الإدارة الخلاقة ونماذج الأعمال والتجارة الجديدة.      
ومن بين الأمثلة التقليدية لبيع الخدمات بدلا من السلع نذكر على سبيل المثال:  خدمة تأجير ماكنات التصوير، أو تأجير السجاد بدلا من بيعه.  وفي سياق هذا النمط الاستهلاكي، يَعْمَد المُنْتِج، لدى انتهاء عمر السلع أو صلاحيتها، إلى جمعها وإعادة تدويرها.  الربح الناتج عن هذا النمط التسويقي مزدوج:  تولد حافز لدى المُنْتِج للحفاظ على الزبون؛ أما المستهلك فيستأجر سلعة أكثر متانة واستدامة وقابلة للإصلاح والتدوير.
ومن أبرز الأمثلة العريقة على الاستخدام الجماعي للسلع: السفر الجماعي للموظفين أو العمال أو الطلاب من وإلى أعمالهم أو مدارسهم.  نذكر هنا أيضا بعض النماذج التجارية الجديدة مثل مبيعات "يد ثانية" (second hand ) عبر الإنترنت (مثال EBAY ) أو التشارك في السيارات الخاصة، بواسطة شركة ZIPCAR ، أو تأجير الدراجات، وغير ذلك.  يضاف إلى ذلك استعمال "سمارت فون" والإعلام الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات. 
الاستهلاك المستدام لا يهدف إلى خفض مستوى المعيشة؛ بل تحديدا، التفتيش عن فرص تجارية واقتصادية ابتكارية جديدة، تتناسب مع الاحتياجات والسوق المحليين.  ولإحداث التغيير الجوهري في العادات الاستهلاكية، لا بد من التدخل الحكومي الفعال، من خلال استخدام بعض الأدوات الاقتصادية والتطوعية والتنظيمية والمعلوماتية، بما يتناسب مع الهدف.  ويفترض أن تكون المؤسسة الرسمية رافعة العلم في مجال الاستهلاك؛ بحيث تشكل قدوة لجميع المواطنين، وبالتالي، تكون المقتنيات الحكومية من سلع مادية وخدمات، مقتنيات مستدامة.
وفي ظني، لو توفرت الظروف التنظيمية والاقتصادية المناسبة؛ فسيتجاوب السوق وقطاع الأعمال بسرعة مع متطلبات تغيير عادات وأنماط الاستهلاك.

التعليقات

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية