مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
حزيران 2011 العدد-36
سوق يستهلك كل حريق تضاؤل غير مسبوق في طبقة الأوزون اختفاء النسور من معظم أنحاء فلسطين شذرات بيئية وتنموية الجزائر تتحرك باتجاه شراكة مع أوروبا لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية الصحراوية خبراء ألمان يوصون ميركل بالتخلي عن الطاقة النووية في موعد أقصاه 2021 أكثر من ثلث الغذاء البشري في العالم يهدر أو يفقد سنويا "المباني المريضة"! المطلوب معالجة آفة الاستعمال المزعج والضار لأجهزة الخلوي في الأماكن والمَرْكَبات العامة انتهاكات الاحتلال تسطو على الطبيعة لكن الروح تقاوم القبح قضية المياه في فلسطين (فيلم وثائقي) زراعة الأعشاب الغذائية والطبية نكهة ربيعية فلسطينية شعبية من النباتات البرية البيئة في أدب أحمد أمين زهرة من أرض بلادي: أقحوان فلسطيني قراءة في فيلم وثائقي: تهميش الدور الإسرائيلي في نهب المياه والاستنجاد بالغرب لعمل فحوصات مائية بسيطة خربة قمران

:سياحة بيئية

خربة قمران

إبراهيم سلامة خوري

ظن البعض ان كلمة قمران تعني مثنى قمر، وفسروا ذلك بانعكاس صورة القمر على صفحة مياه البحر الميت، إذ يخيل للناظر من تلك المنحدرات انه يشاهد قمرين اثنين، أما البعض الأخر أمثال العالم كليرمونت جان فقد اعتقد أنها مدينة عمورة بعد أن قام ببعض التحريات الأثرية فيها سنة 1873، إلا أن مدينة عمورة من المعتقد أنها تقع تحت مياه البحر الميت في جهته الجنوبية لا في شماله.
تبعد قمران 17 كلم إلى جنوب مدينة أريحا وتطل روابيها على البحر الميت من الغرب. سطعت شهرتها في العالم اثر ما عثر فيها على أهم مكتشفات هذا العصر التي اصطلح فيما بعد على تسميتها  "بمخطوطات البحر الميت".
في سنة 1947 عندما كان محمد الذيب احد الرعاة من أبناء عشيرة التعامرة الذين يعيشون في تلك البرية الممتدة بين جبال القدس وغور البحر الميت، يرعى قطيعا من الماعز، وفي غفلة منه، تبين له غياب ماعزه من القطيع فاخذ يتسلق الصخور يفتش عنها معتقدا أنها سقطت في احد الكهوف والمغاور العديدة المنتشرة في تلك الصحراء. وما ان شاهد فوهة  إحدى المغاور، حتى التقط حجرا وألقاه إلى الداخل،  فإذا به يسمع صوت فخار يتكسر، وقد قاده حب الاستطلاع، فأطل بنفسه إلى الداخل ورأى كهفا مملوءا بجرارٍ من الفخار (وعرف هذا الكهف فيما بعد برقم واحد).
بعد ان وجد العنزة، عاد الراعي إلى مضارب عشيرته، واخبرهم هناك عما شاهد في الكهف، وفي الصباح التالي وبتشجيع من احد زملائه، عاد الاثنان إلى الكهف ودخلاه. وقد دهشا عندما شاهدا بعض الجرار متركزة في إحدى زوايا الكهف، سبع منها فارغة وعددٌ كبيرٌ منها مكسور، واثنتان في حالة جيدة، تحتويان على دروج من الرق، ومغلفتان بقماش من الكتان القديم.
لم يعرف الراعي قيمة هذه الدروج من الرق وظن أنها ربما كانت نافعة لأحد صانعي الأحذية أو اسكافيا. فحمل بعضها  إلى بيت لحم اقرب مدينة إلى مضارب العشيرة وعرضها على احدهم وشاهدها تاجر العاديات المدعو (كندو) فابتاعها  بثمن زهيد وحمل التاجر درجا إلى مدينة القدس، واطلع عليها مطران  طائفته (السريان الارثوذكس) اثناسيوس صموئيل في دير مار مرقس.

كهوف قمران

أبدى المطران رغبته  في شراء الدرج وغيرها، ونجح فابتاع من التعامرة دروجا خمسة من بينها الدرج الشهير الكامل الوحيد كتاب النبي اشعيا.
وانتشر خبر الدروج وعلم التعامرة بقيمتها الأثرية،  بعد ان حاول المطران صموئيل الاتصال بالمختصين في علوم الآثار في القدس لا سيما المدرسة الأميركية  للبحث والتنقيب، ليأخذ رأيهم في ما لديه من المخطوطات، وهناك اخذ يساوم ويتحرى عن قيمتها.
وسرعان ما تبين للمطران صموئيل ان احد هذه المخطوطات وهي مخطوطة سفر اشعيا المكتوبة باللغة العبرانية القديمة ذات قيمة أثرية لقدمية عهدها، إذ يرجع تاريخها إلى القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد، فما كان من المطران إلا ان حملها واستقل الطائرة متوجها إلى أمريكا حيث باعها إلى ممثل الطائفة اليهودية هناك بمبلغ مئتين وخمسين ألف دولار أمريكي. ومن ثم وصل المخطوط إلى إسرائيل التي شيدت بناية خاصة بالمخطوطات دعتها متحف الكتابShrine of the book) ) ضمته إلى "المتحف الوطني" بالقدس. وعلى اثر هذا الاكتشاف الخطير حدثت في العالم هزة عاتية خصوصا في الأوساط العلمية، وبين أرباب الاختصاص بأسفار الكتاب المقدس.
علمت دائرة الآثار الفلسطينية عن هذه الدروج وأهميتها فسعت بدورها للتعرف إلى المكان الذي وجدت فيه، وبالأشخاص الذين عثروا عليها واتجروا بها  دون إذن الحكومة، ولكن الاضطرابات التي اجتاحت فلسطين في تلك السنة ذاتها لم تساعد  على إنقاذ هذه الآثار من العابثين، حيث قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين فاختل النظام الأمني في البلاد. إلا ان التعامرة الذين كانوا يرتادون تلك النواحي والتجول فيها لرعاية أغنامهم عرفوا جيدا مسالكها وكهوفها، فلم يكفوا عن التفتيش طمعا في العثور على مخطوطات جديدة، بعد ان علموا أنها تدر عليهم أموالا طائلة. وبالفعل عثر هؤلاء على المغارة رقم (4) وهي تبعد مئة متر عن خربة قمران. وبدأ التعامره يعرضون على المؤسسات العلمية في القدس ما وجدوه من المخطوطات، وعرف العلماء المغارة التي وجدت فيها البضاعة وقام الأب رولان دي فو وميليك من مدرسة الدومينيكان الفرنسية للآثار بالقدس في سنة 1952 بزيارة المغارة وأطبقا عليها رقم (4)، وعمل العالمان في أرضها قرابة أسبوع بالتعاون مع دائرة الآثار الأردنية وعثروا على ألفين من فتائت المخطوطات، وتم شراء ما في أيدي التعامرة بثمن باهظ، وأدى التحري إلى كهف مجاور حصلوا منه على (15) مخطوطة وإلى كهف سادس عثروا فيه على عدد آخر من الفتائت وتجمعت البضاعة في المتحف الفلسطيني (روكفلر) بالقدس.
لقد تم الكشف على 37 مغارة، أربع منها تبعد مسافة 18 كم عن المغارة الأولى، وتقع جميعها إلى الجنوب من قمران وذلك في وادي المربعات حيث أظهرت الحفريات أنها آوت الإنسان منذ حوالي الألف الثالثة قبل الميلاد. حيث عثروا فيها على فؤوس وسكاكين ومقاشط وسهام حجرية وتبين كذلك أنها كانت مأهولة لغاية العصر الروماني.
كان العلماء قد تحروا عن كهوف جبال القدس الممتدة على طول الحافة الشمالية المطلة على البحر الميت، فوجدوا المغارة التي أعطوها رقم (2)، وقد حصلوا منها على بعض القطع من الدروج وتبين لهم ان التعامرة قد سبقوهم إليها. وفي المغارة رقم (3) وجدوا درجين من النحاس حفرت عليهما كتابة عبرية تشير إلى كنوز من الذهب والفضة وغيرها تقدر بمئتي  طن مخبأة في أماكن معينة شكك الخبراء في روايتها، وهي الآن موجودة في متحف عمان بالأردن.
نشر العلماء العديد من هذه المكتشفات من بينها كتب منحولة، وهي كتاب النظام وقانون الجهاد ويصف جهاد أبناء النور ضد أبناء الظلام وغيرها. ومازال الكثير من الفتائت التي تستدعي سنين لفحصها قبل نشرها، ومما يذكر ان لغة المخطوطات تختلف بين العبرية القديمة والارامية واليونانية والنبطية والعربية كتبت على الرق واوراق البردي.
عندما كانت البعثات الأثرية تواصل التنقيب في منحدرات جبال القدس، جذبت خرائب قمران الأنظار إليها فقرر المسؤولون إجراء حفريات في تلك الخربة التي كان كليرمونت قد نشر عنها بعض تحرياته كما ذكرنا سابقا، لا سيما ان بليني الروماني في كتابه (Historica Naturalis) الذي كتبه عام 70م، قد ذكر بأنه رأى ديرا للاسينيين بالقرب من شاطئ البحر الميت الغربي، وبناء على اعتقاد الأستاذ (D.Summer) لا بد ان يكون هذا الدير أحد المباني في خربة قمران إذ ليس من المعقول أن تكون تلك المخطوطات الكثيرة المكتشفة قد  كتبت في الكهوف الضيقة المظلمة المجاورة للدير. ونتيجة لهذه الاستنتاجات تقرر القيام بأعمال التنقيب في خربة قمران.
جرت الحفريات المنظمة في عام 1951 بعد ان عهدت الحكومة الأردنية الأب رولان دي فو الذي قام بالحفريات خلال ستة فصول ما بين سنة 1951-1956 أدى الكشف إلى عدد كبير من النقود بدءا من النقود الفضية التي سكها انطيوخس السابع في السنوات 136، 130، 129، قبل الميلاد. وكذلك من يوحنا هركانوس 135-104 وغيرها بتواريخ عديدة لغيرهم، وأكثر النقود التي وجدت تعود إلى اسكندر هركانوس (103-76) قبل الميلاد. مما حدا بالأثريين إلى الاعتقاد بان خربة قمران كانت آهلة بالسكان في هذه الحقبة من تاريخ فلسطين. ويجدر بنا ان نذكر ان الخرائب خلت من نقود تعود إلى الملك هيرودس الكبير (37-4) قبل الميلاد.  ولعلها خلت من السكان أيضا لأن السلالم والصهاريج لا زالت تحمل آثار زلزال كبير حدث في عهد هيرودس سنة 31 قبل الميلاد، ومن المعتقد ان عاد إليها السكان في النصف الأول من القرن الميلادي الأول.
كما أدت الحفريات إلى الكشف عن بقايا أبنية  تعود إلى ما بين القرن الثامن والسادس قبل الميلاد وقد تبين ان مدخل خربة قمران الذي يقع في الجهة الشمالية، ينتصب إلى يسار مدخله  برج مؤلف من أربعة طوابق، الطابقان الأرضيان مبنيان من الحجارة والعلويان من الطوب، وهذا المدخل عبارة عن ساحة غير عريضة نعبر منها إلى بوابة تقودنا إلى غرفة متعددة. أهم هذه الغرف تقع إلى جنوب البرج، وهي القاعة التي افرزها جماعة قمران لاستنساخ أحدث الدروج فجعلوا فيها الموائد والمقاعد للكتابة، وانشأوا المغاسل للتطهير قبل البدء بالعمل، وقد وجد المنقبون بعض هذه الموائد وكذلك المحابر ولدى تحليل مادة الحبر المترسب فيها تبين انه من ذات النوع من الحبر الذي كتبت به دروج قمران وهناك غرفة الإدارة المسؤولة عن الجماعة محاذية  لغرفة الموائد (1) والى الشرق من البرج، بناء خصص للمطابخ وفيه المواقد لإعداد الطعام، أما مغاسل الثياب والمصابغ وثلاثة صهاريج فتقع إلى الجنوب من المطابخ، ويظهر على واحد منها اثر الزلزال الذي وقع سنة 31 ق.م.
ويقع بين هذه الصهاريج مصنع الخزف والى جانبه الفرن لشواء الخزف لجعله صلبا. ويقابلهما في الجنوب الغربي صهريج مستطيل له درجات للنزول إلى الماء للاغتسال والوضوء، ويلتصق به بناء طوله 22 مترا وعرضه 4 أمتار ونصف، وقد اعتبره رجال الاختصاص قاعة الاجتماع التي تتلى فيها النصوص المقدسة وتقام الأدعية والصلوات وتقدم وجبة الطعام المقدسة. وعثر في غرفة ملاصقة لهذه القاعة على أكثر من ألف صحن محفوظة للاستعمال عند الحاجة.
ونعود للمدخل الرئيسي فنرى على يمين الداخل أماكن عمل كالمخبز ومطحنة الحبوب وغرف لخزن الثمار المجففة وغيرها من علف الحيوانات، وكذلك الإسطبل يحتوي على ثمانية أجران لسقاية الدواب وصهريجا كبيرا وآخر مستديرا، وتبين انه توجد شبكة من القنوات تغذي هذه الصهاريج بالمياه، يأتيها بواسطة قناة رئيسية موصولة بجسر على وادي قمران القريب من المنحدرات الجبلية. لقد اعتمد سكان قمران على مياه الأمطار رغما عن استغلالهم عين الفشخة القريبة لزراعة الخضار فقط بسبب ملوحة المياه فيها.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية