:تراثيات بيئية
نكهة ربيعية فلسطينية شعبية من النباتات البرية
ناديا البطمة
تزخر الأسواق في فصل الربيع بأنواع متعددة من النباتات البرية التي تجود بها الأرض الطيبة وقد اعتادت الأوساط الشعبية، على استعمالها كغذاء شهي يستطيب مذاقها الناس ويصفونها كعلاجات لأمراض عدة وبأشكال مختلفة، وهم يحرصون على جمعها وتجفيفها لوقت الحاجة.
ومن النباتات البرية ما يشرب منقوعها الطيب الرائحة، ونكهتها ومذاقها الذي يألفه الناس ويستسيغون طعمه ويرجون فائدته، وغالباً ما تستعمل كعلاج منزلي لحالات المغص ورياح البطن والرشوحات والتهاب الحلق والقصبات الهوائية والكحة والسعال مثل الميرمية والزعتر والبابونج والزعتمانة. في هذا العدد سنقدم الهندباء والحويرنة والخبيزة والهليون والحماض وورق اللسان وورق الزعمطوط والرجلة واللوف.
الهندباء (العلك أو العلت)
أوصافها: نبات بري وبقلي وزراعي ساقها فرعاء وأوراقها مستطيلة مسننة وأزهارها تميل إلى الزرقة الزاهية والجذر وتدي طويل. وتحتوي الهندباء على مواد مرة، أما الجذور فتحتوي على (الأيولين) ومواد مدرة للصفراء والبول وهاضمة.
الهندباء في الطب القديم:
ذكر الإمام ابن القيم في كتابه الطب النبوي بأنها جيدة للمعدة وتقويها، وإذا طبخت وأكلت بخلّ عقلت البطن وخاصة البري منها، فهي أجود للمعدة وأشد قبضاً، وتنفع في ضعفها وإذا ضمد بها سكنت الالتهاب العارض في المعدة وتنفع في النقرس، وأورام العين وإذا تضمد بأوراقها واصولها نفعت في لسع العقرب، وهي تفتح السدد العارضة في الكبد وتفتح سدد الطحال والعروق والأحشاء وتنقي مجاري الكلى، وماؤها المعنصر ينفع في اليرقان، وإذا دق ورقها في الترياق، ينفع في لدغ العقرب ويقاوم أكثر السموم، وإذا اعتصر أصلها-جذرها- وشرب ماؤه نفع في لدغ الأفاعي ولسع العقرب ولسع الزنبور، ولبن أصلها يجلو بياض العين.
الهندباء في الطب الشعبي الحديث:
وصفت الهندباء البرية بأنها صديقة المعدة والكبد، مقوية، مدرة للبول منظفة للقناة الهضمية، مفيدة للمسالك البولية وانحباس البول، وكثير من الأمراض الجلدية، خافضة للحرارة وقاتلة للطفيليات، مفيدة في حالات الكسل للمرارة.
وصفات علاجية من نبات الهندباء:
1. مغلي الجذور يفيد في عمل لبخة لعلاج رمد العين وذلك بأن يغلى (25-30) غم من الجذور المقطعة في مقدار فنجانين من الماء ويستمر بالغلي حتى يبقى مقدار فنجان واحد.
2. يشرب عصير الجذور بالربيع، وذلك لعلاج احتقان الكبد والبواسير، حيث يعطى المريض ثلاث ملاعق صغيرة مع مقدار من الحليب يومياً. وفي غير أوقات الربيع يستعمل مستحلب العشبة كلها، ويجهز المستحلب بنسبة 2غم العشبة الجافة (الأوراق والأزهار) لكل فنجانين من الماء الساخن لدرجة الغليان ويشرب بجرعات متعددة في اليوم.
3. للتخلص من الإمساك: تغلى أربع عشبات من الهندباء في لتر من الماء لمدة عشر دقائق ويشرب المريض أربعة أكواب من المغلي يومياً خلال الطعام للتخلص من الإمساك.
4. جذور الهندباء المجففة تحمص وتستعمل كالقهوة، فهي تقوي الأمعاء وتلينها، وتفتح الشهية.
5. توصف الهندباء كغذاء لتنشيط إفرازات الصفراء، وإذا أضيف الثوم إليها كان ذلك مفيداً لمصابي عسر الهضم.
الهندباء البرية هي المفضلة واسمها في كتاب علم النبات شيكوري Chicotee Sourage ، ليست الهندباء بالتأكيد نباتاً طبياً فقط فهي أيضاً بقلة ممتازة تفتح الشهية، وتشجع على تناول الطعام. وهي ذات قيمة غذائية عالية وقد قدمت خدمات عظيمة وفوائد جلة للإنسانية المتألمة حسب ما ورد في كتاب الغذاء لا الدواء، والهندباء ينبغي لها أن تقطف قبل أن تتفتح فيها تلك الأزهار التي لا تدوم طويلاً سوى أيام قلائل.
تحضير وطبخ الهندباء وتناولها كغذاء:
- نقيّ الهندباء من الأوراق الصفراء واغسليها منفردة كما يغسل الخس.
- اسلقي الهندباء على النار حتى تطرى قليلاً.
- انشليها من الماء الحار واعصريها جيداً لأن ماء السلق يكون مراً لونه القرمزي يصلح شربه علاجاً كما ذكر آنفاً.
- قلبي شرائح البصل بالزيت حتى تحمر، وقلبي الهندباء المسلوقة والمعصورة في نفس الوعاء بالزيت القليل وأضيفي عليه الثوم المدقوق وعصير الليمون الحامض.
- اسكبي الهندباء في طبق وزينيه بشرائح البصل المقلي المُحمّر.
الحويرة
أما الحويرة أو الحويرنة كما يسميها البعض، فهي نبات بري ربيعي وقد اهتدى البدو والفلاحون إلى إضافة اللبن الكثيف المركز فيزيد من قيمته الغذائية ويحسن طعمه، وتقدم الحويرة باردة وتغمس بالخبز بعد إضافة الزيت، وينسجم نبات الحويرة ويتجانس مع اللبن انسجام السمن مع العسل.
وهكذا تعد وتحضر:
- تُغسل الحويرة وتفرم بالسكين على المفرمة الخشبية.
- ترش أوراق الحويرة المفرومة بالملح.
- تُمعك وتفرك باليد حيث يساهم الملح في طرد الماء.
- تعصر جيداً من الماء وينزل فيه الملح الزائد أيضاً.
- يؤخذ اللبن الرائب الكثيف وتضاف اليه الحويرة مفرومة ناعمة ومفروكة ومعصورة جيداً لتكسب اللبن طعماً خاصاً مميزاً وتخلط جيداً لتنشر وتتجانس مع اللبن.
يمكن استعمال (لبن المخيض) الذي كثف بوضعه في الخريطة من قماش قطني أو لبن (الشراع) وعاء اللبن من جلد الماعز. ولعل هذه النباتات البرية هبة من الله للبدو الذين يعتمدون في غذائهم على البقول الجافة والألبان وخاصة البدو الرحل الذين ينتقلون في البراري طلباً للكلأ والماء، فتغني طعامهم وتغير في طعم اللبن، وتزينه باللون الأخضر، وما عليهم إلا (التبقيل).
- وفي فصل الربيع مثلاً، تمتلئ الأسواق برزم الحويرة، لأنها تزرع في المزارع اليوم كما أن منطقة الغور ومدينة أريحا، تساهمان في تواجد الحويرة في وقت مبكر من الشتاء بسبب الجو الدافئ والذي يسارع في نموها وقطفها. وفي الربيع تتواجد في المناطق الجبلية والسهلية.
الخبيزة
نبات بري عشبي واسع الانتشار وينمو حول البيوت والحدائق أيضاً. والخبيزة لها استعمالات طبية كثيرة علاوة على ارتفاع قيمتها الغذائية، لاحتوائها على فيتامين (B.A ) الذي يعتبر فيتاميناً للجمال لما له من أثر في جمال البشرة وسلامة العيون وقوة البصر ولمعان الشعر وقوته.
تحتوي أوراق الخبيزة على مواد هلامية، ومواد قابضة وقليل من المواد الدابغة. لهذا النبات شهرته القديمة في الطب القديم، ووصف أنه يلين البطن ويدر البول، أما قضبانه فيه نافعة للأمعاء والمثانة، وبذره ينفع للرئة وخشون الصدر، وورقه ينفع في تسكين السعال، وزره نافع لقروح الكلى والمثانة شرباً وضماداً.
أما في الطب الشعبي الحديث فهو علاج للقروح: تجهز لبخة من الأوراق والسيقان المهروسة، وتوضع فوق المكان المصاب، وله فوائد علاجية أخرى، وفي هذا النبات مادة غروية مغذية قد تثقل على معدات بعض الناس، وقيل أنه يساعد على تكوين الحصى في الكلى الضعيفة، أما تناوله كغذاء وبشكل عادي فهو مفيد ولا أضرار له.
طريقة طبخ الخبيزة:
- تقطع الأوراق الخضراء الطرية وعروقها الصغيرة وتطبخ طازجة غير ذابلة.
- تغسل جيداً ثم تفرم بالسكين على مفرمة خشبية أو زجاجية للسلامة والصحة فاستعمال الأدوات ذات المصادر الطبيعية لا تضر الجسم كغيرها مثل المواد البلاستيكية والكيماوية.
- بطريقة (الحوس) في المطبخ الشعبي الشائع تُقلى وتقلب بالزيت والبصل ويضاف إليها الثوم المدقوق مع الملح.
- يعصر عليها الليمون الحامض عند التقديم.
- ويضيف بعض الناس البندورة الحمراء المقطعة.
الهليون
- تجمع عيدان الهليون الطرية وتشذب من الأجزاء الصلبة أو القاسية الجافة.
- يُغلى قدر من الماء في وعاء من الصلب الذي لا يصدأ.
- توضع باقة الهليون في الماء المغلي لمدة بسيطة لا تتجاوز الدقيقة كي تطرى قليلاً ثم ترفع من الماء وتوضع في وعاء، ويضاف إليها الثوم المدقوق والليمون الحامض مع زيت الزيتون وتتبل بهذه الخلطة الشهية.
- وهناك من يضيف عليه البيض والطحين ويقدم على شكل مقلي أو أمشاط أو عجة مقلية.
حماض-حُميض – حمصيص
نبتة تشبه السبانخ، ورقها رفيع وطعمها حامض ويستعمل الحماض في علاج الإمساك واحتقان الصفراء، خاصة عند الشيوخ، وذلك بتناول حفنة منه في اليوم مع السلطات أو شرب ملعقة من عصيره المحلى بالسكر يومياً.
وينصح بعدم استعمال الحماض في حالات أمراض الكلى والنقرس وحالات الإسهال، إلا أنه يمكن الاستفادة من أوراق الحماض، لما بها من مواد طبية منقية للدم.
يجهز من الحماض حساء شهي مفيد:
- يحمص القليل من الدقيق بالسمن تحميصاً خفيفاً مع حفظ اللون فاتحاً غير محروق، ثم يضاف عليه بصلة مفرومة مع كمية من مرق اللحم ومقدار مناسب من الملح، يغلى الحساء حتى الاستواء، وقبل نهاية الغلي ببضع دقائق يضاف إليه ورق الحميض المفروم.
- كما يستخدم الحميض مرافقاً للسبانخ عند حشوه بالعجين حيث يقدم كأقراص.
- بطريقة الحوس الشائعة يحاس الحميض النظيف المقطع بالبصل ويقدم فاتحاً للشهية مع الطعام.
ورق اللسان-لسان الثور-اللسينة
وهو نبات بري دجن في السنوات الأخيرة ويباع فترة طويلة منذ أواخر الشتاء حتى نهاية الصيف إلا أن النوع البري منه هو الأفضل، ويتميز ورقه الطولي بخضرته الداكنة وخشونة ملمسه، وصفه داوود الأنطاكي في التذكرة فقال: "ينفع من الجنون والوسواس، وأوجاع الحلق والصدر والرئة والسعال واللهيب".
أما كتاب التداوي بالأعشاب والنباتات لمؤلفه عبد اللطيف عاشور فقال:
"جميع أجزاء النبات غزوية فيها قبض، معرق، مدرة للبول، مضادة للالتهابات منقوعها يعطى للأطفال لعلاج نزلات البرد، ومستحلب الأوراق مع الأزهار ينقى الدم ويقوى القلب.
- ويقبل النساء على تناوله مطبوخاً حيث يحضر طبقاً صيامياً ويلف بحشوة مكونة من الأرز والبندورة المفرومة والبصل أو البقدونس وكانوا يستعيضون عن الأرز بالبرغل أو جريشة القمح أو العدس المجروش أو خليطاً من هذا كله مع زيت الزيتون.
- يحتاج الورق قبل لفه وحشوه إلى الغسل والتنظيف من الأتربة.
- يسلق سلقاً خفيفاً بالماء كي يطرى ويسهل حشوه ولفه.
- يرتب بالقدر ويضاف عليه الماء والملح.
- يضاف إليه عصير الحامض وتقلية الثوم وبعد أن يغلي يترك على نار هادئة مدة 45 دقيقة.
أما ورق اللسان محشي باللحم
- يغسل الورق من الأتربة العالقة لأن نموه يكون على سطح التربة مباشرة.
- يسلق الورق قليلاً كي يسهل لفه.
- تحضر الحشوة من الأرز واللحم المفروم والبقدونس وقليل من البندورة والبهارات والملح والزيت.
- يحشى ويلف ويرتب بالقدر، ويضاف إليه الملح والبهارات وعصير الليمون الحامض يترك للغلي على نار هادئة مدة 45 دقيقة.
ورق الزعمطوط
من الأوراق التي تجمع وتحشى (ويسمى أيضاً ورق الزكوكو) وتسمى النبات بـ (غليون سيدي) لأن زهرته تشبه الغليون، ويطبخ ورق الزعمطوط مع ورق اللسان أو منفصلاً بنفس الطريقة التي يطبخ فيها ورق اللسان، وكانوا يأكلون من الزهرة عرقها ويميل طعمه إلى الحموضة المقبولة.
وكانت النسوة حين تجمعن الأزهار تلظمنها بخيط، لتصنعن منها عقداً جميلاً هدية لأطفالهن الصغار الذين ينتظرون عودتهن، وتضفن لها الحنون الأحمر (الاقحوان)، وكأنها بداية العلاقة بالبرية والطبيعة مع الطفل الذي لم يصلها بعد.
رجلة وتسمى في بلادنا (ارجيلة)
تعرف في كثير من كتب النبات باسم (البقلة الحمضاء) وسميت بذلك لأنها تنبت في سيل الماء، فيقلها السيل ويذهب بها.
والبقلة البرية (ارجيلة) هي التي تنمو في التربة المروية، وتختلف عن البقلة باحمرار عروقها وهي نبات طري في غلظ الأصبع، تطول دون ذراع في الأرض وتؤكل أوراقها إما نيئة مع السلطة أو مطبوخة.
وقد اعتبرت الرجيلة زمناً طويلاً نبتة طبية، ووضعت لمعالجة أوضاع الرأس والمثانة، والرجيلة تشفي الجروح وتقطع النزيف، وتطرد الديدان.
وذكر ابن سينا في القانون: أنها تقلع الثآليل إذا حكت بها وبزرها إذا خلط بالخل يصبر على العطش طويلاً، وفيها قبض يمنع السيلانات المزمنة، وهي قامعة للصفراء وتنقع من بثور الرأس عسلاً، ومن الرمد كحلاً بمائها وتمنع القيء وتحبس النزف للصفراء وينفع ماؤها من البواسير الدامية، والحميات الحارة، وإذا شربت أو أكلت تقطع الإسهال.
- تجمع عروق (الأرجيلة) من أطراف قنوات الماء ومن بين النباتات المزروعة في البساتين.
- تغسل وتقطع أوراقها لتضاف إلى طبق السلطة العادية المكونة من البندورة والفلفل الحلو والزيت والحامض والملح.
أما الرجيلة المطبوخة:
- تقطع النبتة بعد غسلها على اللوحة الخشبية والأوراق والأغصان وما تحمله من بذور ناعمة وبطريقة الحوس بالزيت والبصل والثوم مقلب على النار.
- تفرم البندورة الحمراء الطازجة.
- تضاف البندورة إلى الرجيلة والبصل والزيت والملح وتقلب حتى تنضج، وتقدم طبقاً شهياً بسيطاً في مكوناته وسهلاً في إعداده ورخيصاً في ثمنه وقيماً في منافعه وفوائده وآثاره.
اللوف
نبات بري كان الناس يجمعون أوراقه ويجففونها كورق العنب والبامية وهذه الأوراق هي الجزء الذي يؤكل والنبتة لها طعم مهم جداً يشبه طعم الفلفل الحار الشديد إلى درجة غير محتملة.
يعتقد الناس أنه ينفع في علاج السرطان، أما في كتاب علم النبات فينفع في علاج أمراض الفم والحلق والأذن والسعال، ويستخدم كتابل له طعم خاص محبب بعد معالجة (الحرقة والنمنمة) التي تصيب من يأكل الأوراق قبل الطهو.
يعد اللوف بهذه الطريقة:
- إزالة السيقان الاسطوانية كالقضيب الأخضر عن الأوراق القلبية الشكل، ثم تؤخذ الورقة وتزال من داخلها العروق الممتدة.
- فرم الورق مثل السبانخ بعد تنظيفه.
- يوضع في إناء ويرش عليه الملح وعصير حبتين من الليمون الحامض، ويضاف عليه زيت الزيتون لمدة نصف ساعة.
- يعصر بعد النقع عصراً جيداً.
- يرفع الورق المعصور في إناء على النار مدة نصف ساعة.
- يضاف رأس بصل (محيوس ومذبل) مع حبة بندورة كبيرة مفرومة على الأوراق وتخلط مع بعضها البعض وتقدم.
- وطريقة أخرى: بعد سلق الورق وفركه بالملح والحامض المعصور بشدة، يضاف البيض المربوب مع الملح ويسكب على اللوف ويترك قليلاً حتى يجمد ويرش بالسماق أو عصير الليمون. أما البدو فيستعملون اللبن المخيض بدل السماق الحامض.
- والطريقة الثالثة:
- فتة اللوف – اللوف بزقاليط العجين.
- - بعد معالجة الورق وإزالة العروق الداخلية من الورقة لتخفيف (الحرقة والنمنمة) يضاف إليه كمية من الماء المغلي ويحضر عجين (زقاليط صغيرة) تسقط أثناء الغليان حتى ينضج العجين، ثم يسكب الخليط على الخبز المقطع ويشكل فتة.
- يضاف اللوف إلى شوربة الأم النفساء والولاّدة، لاعتقادهم بفوائده.
وهناك نباتات برية تؤكل نيئة من الخلاء مباشرة، فقد كان الصبيان والأطفال والرعيان ينتشرون في الخلاء في فصل الربيع يجمعون الأعشاب والنباتات، وكثيرٌ منها يؤكل في حينه طازجاً مثل السعيسة والجلثون، ثمارها كقرون البازيلاء الخضراء وطعمها يميل إلى الحلاوة.
وهناك البلبلوز وهو نوع من الفطر أو الكمأة وينمو تحت الأرض مثل البطاطا ويشوى ويؤكل، وهو لذيذ مفيد وأصحاب الأرض الذين يهوون ويعشقون الحياة البرية، يعرفون النباتات بمختلف أسمائها وأشكالها وألوانها وفوائدها واستعمالاتها ويميزون بينها.
البيئة في أدب أحمد أمين
علي خليل حمد
ولد احمد أمين في القاهرة عام 1878 وتوفي فيها عام 1954؛ ودرس بعض الوقت في الأزهر، وتخرج في مدرسة القضاء الشرعي، ثم تولى القضاء في بعض المحاكم الشرعية، ولكنه انصرف إلى الكتابة والتأليف مما أهله للتدريب في كلية الآداب بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليا)، ثم لأن يصبح عميدا لها. كتب أحمد أمين في المجلات المصرية مقالات متنوعة، جمعها في كتاب سمّاه "فيض الخاطر" وهو مكون من عشرة أجزاء كبيرة. ومن هذه المقالات، مقالات ذات صلة بالبيئة، تحدث فيها أحمد أمين عن البحر، والشمس، والمطر، وغيرها من مكونات الطبيعة وظواهرها، معبرا في ذلك عن سعادته العميقة بالانفراد بها، ومناجاتها، وبوحها له بأسرارها. وفي هذه المقالات يجمع أحمد أمين بين العاشق الذي تسحره الطبيعة بمفاتنها والمفكّر الذي تستثير تأملاته فيها الكثير من الخلجات الإنسانية العميقة.
-1-
[ البحر] أو [ديمقراطية الطبيعة]
يعجبني البحر في جماله وبهائه، وجلاله ولا نهايته؛ ويعجبني كذلك في ديمقراطيته، فهو لا يسمح لأحد أن ينغمس في مائه إلا إذا تجرد من كل المظاهر الكاذبة التي خلقتها المدنية: من ملابسه التي تميز بين الغني والفقير، ومن ريائه ونفاقه ومظاهره التي اصطنعها ليجعل من الناس طبقات يتحكم بعضها في بعض. ففي البحر تتساوى الرؤوس، لا غني ولا فقير، ولا ذو جاه ولا عديم الجاه، ولا عالم ولا جاهل، ولا حاكم ولا محكوم، لا يتميزون بشيء إلا بلباس البحر. وفي الحقيقة ليس هو لباس البحر، إنما هو لباس البر، فليس للبحر لباس إلا ماؤه.... لا يكاد ينغمس الناس في البحر حتى يسدل – بمائه الأزرق الجميل – ستاراً على كل أثواب الرياء، فلا ترى بعد إلا رؤوساً عارية لا يميز بينها شيء من الصنعة ؛ ثم هو يرسل أمواجه تداعب الناس على السّواء، فتغازل الأسود كما تغازل الأبيض، وتصفع الجميل كما تصفع القبيح، وتعبث بلحية العالم، كما تعبث برأس الجاهل.
يظهر لي أن الطبيعة في جملتها ديمقراطية لا ارستقراطية، ولا أرستقراطية إلاّ في الإنسان الكاذب؛ فالشمس ترسل أشعتها الذهبية والقمر أشعته الفضية على الناس سواء: على المؤمن والكافر، والأسود والأبيض، والغني والفقير، والكوخ الحقير والقصر الكبير.
-2-
[ الريف الجميل]
إنما يشعر الإنسان بجمال الطبيعة يوم يخرج من المدينة إلى الريف ويفرّ من الحضر إلى البدو، فينكشف له الخلق بجماله القشيب، وتأخذ بلبه السماء في لا نهائيتها، والبحار في أبديتها، ويشعر شعوراً قويا بأنه ذرة من ذرات العالم، وجزء صغير من أجزائه، ضعيف بنفسه، قوي بكله، وأنه لاشيء يوم ينفصل عنه، وأنه نغمة من نغماته يوم يتصل به.
-3-
[تأثير البيئة]
يعتمد نبوغ النابغ على عنصرين أساسيين: استعداده الفطري – أو بعبارة أخرى طبائعه الموروثة – وبيئته التي عاش فيها، كالشجرة الطيبة، إنما تنبت نباتاً حسناً إذا حسنت بذرتها، ووجدت من التربة والهواء والماء ما يصلح لها، فإذا كانت البذرة سيئة فلا أمال في شجرة ممتازة، وكذلك إن حسنت البذرة وساء الغذاء.
.......
يعمل في تكوين عقلية الشعوب عاملان قويان: البيئة الطبيعية، ونعني بها ما يحيط بالشعب طبيعيا من جبال وأنهار وصحراء ونحو ذلك؛ والبيئة الاجتماعية، ونعني بها ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية، كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وليس أحد العاملين وحده هو المؤثر في العقلية؛ لذلك كان خطأً ما ذهب اليه " هجل " من أفكار ما للبيئة الطبيعية من أثر في العقل اليوناني والثقافة اليونانية، مستدلاً بأن الأتراك احتلوا أراضيهم وعاشوا في بلادهم، ولم تكن لهم ثقافتهم وعقليتهم.
-4-
[التماهي مع الطبيعة]
أنا والبحر والبر والعالم وحدة واحدة. كل منا جزء منها، وكل منا جزء صغير من آلتها العظيمة، ولنا كلنا خطة واحدة وغاية واحدة، علمنا بعضها، وظننا بعضها، وجهلنا أكثرها، وهي كلها تخضع لإرادة واحدة، يسميها الدينيون إرادة الله، والمدنيون إرادة الطبيعة، والحقيقة واحدة والاسم مختلف.
-5-
[الشعر الأندلسي]
" شعرهم من رأسهم لا من قلبهم .... لا نتيجة شعور يتدفق، يريد أن يحتضن الطبيعة لجمالها، ولا هو صرخة إعجاب خرجت من أعماق القلب في بساطة فطرية، ولا هو تمجيد للجمال وتقديس لمناظره يخر أمامه الشاعر ساجداًً، ولا هو إحساس الشاعر باندماج الطبيعة في نفسه واندماج نفسه في الطبيعة حتى كأنه هو هي، أو هي هو، وحدة لا انفصام لها كالذي قال الحلاج:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرته أبصرتني
وإذا أبصرتني أبصرتنا
-6-
[ البيئة والإصلاح]
لو أنصف الناس، لمنحوا جمال الزهر نصيبا وافرا من زمنهم ومالهم، ولو فعلوا لصفت نفوسهم، ورق شعورهم ورقي ذوقهم.
ولو أنصف المربون لعلموا جمال الخلق عن طريق جمال الروض والزهر والطبيعة، فليست الفضيلة إلا جمالاً، ولا الرذيلة إلا قبحاً، وإدراك جمال الحس وسيلة إدراك جمال المعنى.
دع المجرم يدرك جمال الزهور وهو لا يجرم، ودع قادة السياسة الذين يدفعون أممهم لنار الحرب يدركون ما في الأزهار والطبيعة من جمال، فينقلبون دعاة سلم؛ فالشعور بالجمال يدعو دائما للخير ولا يدعو أبدا للشر. لقد وقفت بالأمس على روضة وشاها الربيع فوددت أن يجتمع حسنها كله في كأس فأشربها، أو أن أفيض عليها نفسي فأفنى فيها، فما الحياة بلا جمال ؟!
-7-
[ ردة فعل البيئة]
إن الطبيعة تصادق وتعادي، تصادق من انسجم معها وعاش وفق قوانينها، وتعادي من نفر منها وحارب قوانينها، فإذا صادقته سار في ركابها، وكان ترساً من تروسها، وصدمته الشمس من فوقه والأرض من تحته، وإلا سلطت عليه كل أسلحتها حتى حطمته.
-8-
[ التوازن البيئي]
أول كل شيء، لابد أن يوازن المجتمع بينه وبين بيئته الطبيعية؛ فمنذ خلق الإنسان وهو في حرب مع الطبيعة، كان يحارب الحيوانات المتوحشة، وكان يحارب شدة الحر وشدة البرد، وكان يحارب طغيان الماء وصلابة الأرض؛ وكان ضعيفا فقهرته الطبيعة، ثم رقي فاستخدم عقله لمحاربة الطبيعة، واستخدم قوانين الطبيعة لمحاربة بعضها بعضا، حتى توازنت قوته وقوة الطبيعة فسعد. لقد اختلف الفلاسفة في أن الطبيعة قاسية بخيلة فظيعة، أو أنها سخية كريمة تمد الإنسان بما يحتاجه. والحق أنها لا هذا ولا ذاك في حد ذاتها، إنما هي في كفة، وقوة الناس واستعدادهم في كفة، وسعادة الإنسان في توازن قواه وقوى عقله وقوى تسخيره مع قوى الطبيعة وأفاعيلها.
-9-
[ البيئة المحسنة]
تحسن الطيور إلى الإنسان كثيرا ويؤذيها الإنسان كثيرا. فهل كان الإنسان يستطيع أن يحصل على قوت زرعه لو لم يعنه الطير على الفتك بدوده وحشراته؟ فمئات منها، طعام كل يوم لكل طير من أكلتها، فكيف لو سلطت على مزارع الإنسان ولم تسعفه الطير فتقضي عليها. إذن لرأيت الأرض غطيت بالدود، واكتسحت الزرع وأعقبه فناء الإنسان.
زهرة من أرض بلادي
أقحوان فلسطيني
د. عثمان شركس / جامعة بير زيت
الاسم العلمي: Anthemis palaestina Reut
الاسم الانجليزي: Palestine chamomile
اسم العائلة: العائلة المركبة. Compositae
الاسم العربي: اقحوان فلسطيني، ربيان.
وصف النبتة:
نبات سنوي، يتراوح ارتفاعه بين 20-40 سم، يغطيه شعر قليل متباعد. الساق متفرع من الأسفل. الأفرع منبطحة. الأوراق بيضاوية مستطيلة في حدها الخارجي، مفصصة إلى أجزاء بيضاوية مستطيلة ذات قمم حادة. تتفتح أعناق الثمار في الجزء العلوي. قطر الرؤوس الزهرية 20-30مم. حراشف القناب الخارجية بيضاوية مثلثة. التخت الزهري عريض، شبه كروي. الأزهار المحيطة بيضاء. الأزهار القرصية أنبوبية، كاملة، صفراء. الثمرة فقيرة، يميل لونها إلى بني، طولها 2-3مم، وعليها أضلاع، منضغظة.
وقت الإزهار: آذار – حزيران.
التوزيع الجغرافي: ينمو في الحقول المفلوحة، والأماكن المهملة وعلى جوانب الطرق في مناطق جبال فلسطين الوسطى.
استعمالاته: يستعمله السكان المحليون لعلاج الرشح عن طريق نقع زهرته في الماء الساخن لعدة دقائق، ويكثر شربه كشراب ساخن في فصل الشتاء.
|
|
Anthemis palaestina Reut |
(عدسة عثمان شركس) |
|