مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
حزيران 2011 العدد-36
 

قراءة في فيلم وثائقي :

تهميش الدور الإسرائيلي في نهب المياه والاستنجاد بالغرب لعمل فحوصات مائية بسيطة

الفيلم: قضية المياه في فلسطين
المدة: 14 دقيقة
المنتج: سلطة جودة البيئة الفلسطينية
الداعم: شركة المشروبات الوطنية كوكاكولا /
كابي

عرض: ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

حاول الفيلم الوثائقي القصير الذي أعدته سلطة جودة البيئة الفلسطينية ومولته شركة المشروبات الوطنية كوكاكولا / كابي، مناقشة قضية المياه في فلسطين، عبر تصريحات مسؤولين ومختصين ومزارعين على تماس مع هذا الموضوع الحساس كونه أساس الحياة والغنى والازدهار لأي دولة. ولكن حاد الفيلم عن أهم مسبب لمشكلة المياه في فلسطين وهو نهب الاحتلال للمياه الجوفية في الضفة الغربية فعبّر عن التلوث المائي والخطر الحاصل منه، ولا أكثر من ذلك.   

ومنذ بداية الفيلم وحتى نهايته، ركز الفيلم في جانبه الصوري المشهدي على إبراز كل ما هو نقيض للمياه العذبة سواءٌ من صحارٍ قاحلة أو أنهار من المياه العادمة أو الملوثة، بالإضافة لتصريحات ضيوف الفيلم الذين تنوعوا من مسؤولين في سلطة البيئة والمياه، مزارعين، خبراء بيئيين ومواطنين. فأثار الفيلم بشكل مقصود مشاعر البؤس حول واقع المياه في الأراضي الفلسطينية.

استعراض مداخلات الفيلم
بدأ الفيلم بمقابلة مع جميل المطور نائب رئيس سلطة جودة البيئة، والذي أشار في مداخلته إلى كون مشكلة المياه من التحديات الكبيرة للقطاع البيئي والسلطة الفلسطينية، ولا سيما أن منطقة الشرق الأوسط تعاني الجفاف وفق تقرير الهيئة الدولية للتغير المناخي. معرجاً على موضوع التلوث وخاصةً البيولوجي في غزة، كونه الأعلى بكثير من التلوث الكيميائي في الضفة، الأخيرة التي تعتبر مياهها أفضل بلا شك، مشيراً إلى تلك التحديات التي تواجه سلطة البيئة في المراقبة والتفتيش والإدارة، وغياب الإمكانيات والفرق والمعدات اللازمة لقطاع المياه.

التغير المناخي هو أحد أسباب شح المياه
أما د. شداد  العتيلي رئيس سلطة المياه، فأرجع شح المياه إلى ظاهرة التغير المناخي والتي بدأت في طرف العالم الشمالي، ويتحمل تبعاتها الطرف الآخر، الأمر الذي وضع الشرق الأوسط بين فكي التصحر ومشاكل الأمن الغذائي. وأضاف بنبرة حادة ملمحاً من بعيد لمسؤولية الاحتلال في شح المياه: " المواطن يريد المياه 24 ساعة في اليوم، يريد أن يشرب وهذا حق إنساني..، وقد عبرّ عنه سيادة الرئيس أبو مازن حين قال: "لا يعقل ان يظل المواطن منتظراً لاتفاقية نهائية حتى يشرب بعدالة"، كما أشار إلى موقف رئيس الوزراء سلام فياض حين صرّح: "لا يعقل أن تبقى العلاقة بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني علاقة بين الأسياد والعبيد".
وأضاف أن مشاريع الصرف الصحي يتم تعطيلها دائماً من الجانب الإسرائيلي، مشيراً إلى أنه لا يعقل إنشاء خطوط صرف صحي في مناطق (أ) و(ب) لأنها مناطق تجمعات سكانية، وحسب المعايير العالمية يجب ان تبعد 1-3 كم عن المدن، ما يضع المخطط ضمن نطاق منطقة (جـ) الممنوع التوسع فيها.
ولفت إلى مأساة قطاع غزة الذي يحوي مليون و600 ألف نسمة، يعيشون في السجن الأكبر على وجه الأرض، يتزود من المياه من الحوض الساحلي الذي يوفر لهم 50 مليون كوب، ونتيجة للطلب الهائل يستنزف منه 170 مليون كوب، مشيراً إلى كارثة أم النصر حين انهار السد الأصغر وقتل خمسة أشخاص، وشرد 10 ألاف، حيث تدفقت المياه العادمة وتغلغلت في التربة ثم المياه الجوفية فلوثت مياه الشرب.

ميزانية هائلة والموضوع مؤجل
وأضاف د. العتيلي أن أسباب عرقلة الجانب الإسرائيلي لمشاريع الصرف الصحي، كانت الرغبة في توسيع المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية، لكن مع إدراك الجانب الإسرائيلي أن الحوض الأعمق الذي يسيطر عليه مهدد بالتلوث بسبب تفشي المياه العادمة، فقد سمح ضمنياً بإنشاء شبكات صرف صحي في محيط المدن الفلسطينية، ولكن المسألة تتطلب أموالا هائلة وجهود كبيرة والأمر مؤجل من السلطة الوطنية لصالح قطاعات أخرى.
المزارع عيسى نجوم من الغور، يشير إلى أرضه التي تقترب من أن تصبح بوراً بعد أن كانت  تنتج ما يقارب 200 دونم من الموز والباذنجان والبطيخ والفلفل..، يعبر: " المنطقة ليست شبه صحراوية بل أصبحت صحراوية بسبب قلة المياه"، ولفت خلال حديثه، إلى ممر مائي لم تنسب فيه قطرة ماء واحدة خلال العام الماضي، ما اضطره إلى العمل في المستوطنات للبحث عن مصدر رزق جديد.

تلوث بيولوجي وأنهار بيضاء
الباحث جمال الديك من كفر الديك، أشار إلى المياه العادمة التي تسلطها مستوطنة أرائيل غرباً لتمر بكفر الديك شرقاً، مستهدفة مساحات من الأراضي الزراعية، عدا عن الأراضي المصادرة للمستوطنة.
وذكر الديك يوماً لا ينساه في كفر الديك، حين أصيب 25 طفلاً بالاميبا والإسهال، جراء انتقال ذبابة أريحا في بلدة بورقين، وذلك نتيجة امتداد المياه العادمة إلى نبعة الفوار الواقعة بين كفر الديك ودير غسانة، وهذا ما تأكد قبل سنتين من خلال فحص أثبت تلوثاً طفيفاً، أما اليوم فالتلوث حتماً في ازدياد،  وهناك خوف من فقدان النبعة.
وقد تحدث المواطن رمضان عبيدو، جنوب الخليل، عن سبب المادة البيضاء المضافة للمياه العادمة، حيث أوضح أنها الأتربة الناجمة عن  قص الحجارة، والتي ساهمت في تغيير لون التربة وإفقارها من المواد العضوية.

شجر الكينا لامتصاص التلوث
د. محمد أبو صفات، أستاذ في  جامعة النجاح، أشار إلى أن الضفة الغربية ضمن المناطق الحساسة بيئياً، نتيجة تلوث المياه الجوفية بنسب عالية في قطاع غزة.
واقترح زراعة شجر الكينا على سبيل المثال في مدينة نابلس لتميز الشجرة، بقدرة عالية على النتح وتبخير المياه الجوفية، فلو زرعت على  جوانب الوادي، يضيف، فلن تصل المياه لأكثر من 2- 3 متر وستجف تلقائيا.
ينتهي الفيلم بدعوة جميل المطور لكل المنظمات الدولية المعنية بالبيئة، بإرسال فرق متخصصة من أجل عمل فحوصات وتقارير وتقييم لقطاع المياه في فلسطين، لما في ذلك من أهمية بالغة، لأننا نعيش في  عالم صغير.

تحليل الفيلم
من خلال متابعة الفيلم الذي لا يتجاوز في مدته 15 دقيقة، ومن خلال تلك الاضاءات المعلوماتية ذات العلاقة بالمياه، نستنتج أن تلك القضية الهامة، قد اختزلت في دائرة التلوث من المياه العادمة سواء من المستوطنات الإسرائيلية أو من انعدام وجود شبكات صرف صحي آمنة للتخلص من النفايات السائلة في الأراضي الفلسطينية، وذلك دون الحديث المباشر عن دور الاحتلال في عملية السرقة للمياه، كما تم تحميل قضايا الجفاف وشح الأمطار والمياه في السنوات الأخيرة على أكتاف ظاهرة التسخين العالمي، دون المساس بالاحتلال الذي يعد الناهب الأكبر للمياه.

453 مليون متر مكعب... كمية النهب الإسرائيلي من أحواض الضفة الغربية سنوياً
ولإيضاح دور الاحتلال المباشر، فقد تحدث الخبير البيئي من مركز العمل التنموي / معا جورج كرزم، مرات عديدة عن موضوع النهب الإسرائيلي للمياه، ونقتبس على لسانه، آخر ما كتب، في عدد نيسان الماضي لمجلة آفاق البيئة والتنمية، التي يصدرها مركز معا. وذلك في تقرير تحت عنوان: "فصل الشتاء الأخير في القدس-رام الله يعد الأكثر جفافا منذ عام  1998.
"تمارس إسرائيل عملية نهب كبرى من خلال شبكة طويلة من الآبار حفرت خصيصا على امتداد الحوض الغربي الذي يعد أغنى الأحواض المائية الفلسطينية، ويمتد على طول المناطق الوسطى من زمارين (جنوب حيفا) شمالا وحتى بئر السبع جنوبا.  ويغذي هذا الحوض، بشكل أساسي، مياه الأمطار في جبال الضفة الغربية والقدس.  وتمتد الآبار الإسرائيلية على طول حدود الضفة الغربية من منطقة سالم في جنين شمالا وحتى جنوب قلقيلية، ويزيد عددها على 500 بئر.  وتغطي كميات المياه المنهوبة من هذا الحوض ثلث الاستهلاك الإسرائيلي للمياه.  وتعد هذه الآبار جزءا مما يسمى بالنظام القطري الإسرائيلي الذي يصل مختلف الخطوط المائية بعضها ببعض.

  وقد تحدد مسار الجدار الكولونيالي على طول هذا الحوض والآبار التي تمتص مياهه، تحديدا.  كما يتم نهب المياه من جبال الضفة الغربية وربطها بنفس الخطوط.  وتضخ مياه طبرية أيضا على هذه الخطوط الرئيسية." 
"ومن الملفت للنظر، أن إسرائيل لا تمتلك كميات كبيرة من الموارد المائية في نطاق حدود الأرض المحتلة عام 1948، وإنما تعتمد على مصادر مائية خارج هذه الحدود، وتحديدا في الضفة الغربية وحوض نهر الأردن ولبنان وسوريا.  ويقدر حجم المياه المنهوبة إسرائيليا من مصادر تقع خارج نطاق الأرض المحتلة عام 1948 بنحو 1103 مليون متر مكعب سنويا، منها حوالي 453 مليون متر مكعب من أحواض الضفة الغربية، والباقي، أي نحو 650 مليون متر مكعب، من حوض نهر الأردن.  وتعادل هذه الكميات ما يقارب 57% من مجمل الاستهلاك الإسرائيلي."
"وحاليا تنهب إسرائيل نحو 80% (453 مليون متر مكعب سنويا) من المياه الجوفية في الضفة الغربية، لتغطية نحو 25% من استعمالات المياه في إسرائيل، تاركة 20% فقط (118 مليون متر مكعب سنويا) لتلبية جميع الاحتياجات المائية الفلسطينية.  وبالطبع، يحرم الفلسطينيون من حقهم في استخدام ثروتهم المائية المتمثلة في نهر الأردن والتي كانوا يستخدمونها جزئيا قبل حزيران عام 1967."

الجوهر مفقود
وبالرغم من هذه الحقائق التي لا تخفى على أحد فقد تم تهميشها في الفيلم الذي كان بكائياً على التلوث أكثر منه على النهب، عدا عن وصف المسؤولين في الفيلم للاحتلال بتعبير ألطف وأكثر طبيعية، تمثل بـ "الجانب الإسرائيلي"، الأمر الذي لو  قسناه على المياه دون المآسي الأخرى التي سببها هذا الكيان الغاصب،  فإن كلمة احتلال تعد غير معبرة بشأنه، ومع ذلك لم تستخدم.

جاء الفيلم رتيباً في طريقة عرضه، ومع أنه تنقل في عدة مناطق فلسطينية إلا انه  كان تشاؤميا لدرجة لم تجعله يعرج على المناطق الخضراء والطبيعة الساحرة في الضفة الغربية، حيث حاول إيصال صورة عن فلسطين التي انعم الله عليها بمزايا جغرافية عديدة، بأنها مجرد صحراء قاحلة وسهول تغرق بالمياه العادمة.
لم يضف الفيلم الكثير معلوماتياً، واختتامه باستنجاد المطور بالخبراء لإجراء فحوصات وإعداد تقارير عن المياه، قتل جوهر قضية المياه التي تعد مفصلاً أساسيا على طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وسخِرَ من الكفاءات الفلسطينية القادرة على القيام بالأمور المخبرية والتقريرية حول المياه. كان من الأفضل، تسمية الفيلم الوثائقي القصير: "قضية تلوث المياه في فلسطين" وليست قضية المياه.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية