مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
أيـــــار 2011 العدد-35
فوكوشيما في زمن الرجعية والتخلف فمن يحتاج هذا الكم من الطاقة؟ العالم بين كارثتي الطاقة النووية وتغير المناخ شذرات بيئية وتنموية الإحصاء الفلسطيني يعلن النتائج الأولية لأول تعداد زراعي في الأراضي الفلسطينية ربع الأفراد في الأراضي الفلسطينية فقراء خلال العام 2010 مئات من الطيور الجارحة تمر في سماء جنين نحو تحويل "الجِفت" إلى مورد بيئي ثمين يستخدم في التدفئة والخَبز هل نهتم بمحتويات ما نشتريه؟ بدلا من تبذير كميات ضخمة من المياه العذبة النظيفة في تنظيف المراحيض: تدوير المياه الرمادية ضرورة بيئية وصحية لا بد منها سؤال اليابان والحاجة للوحدة الإنسانية والبحث العلمي! تشجيع الأسر الفلسطينية على شراء "كُمْبوستِِر" منزلي الاتجاه الخاطئ... ومسؤوليتنا البيئية مجلس الخدمات المشترك لادارة النفايات الصلبة في أريحا والأغوار شراكة تتخطى الحواجز (فيلم وثائقي ) التسميد الطبيعي المتوازن ومكافحة الآفات الزراعية "جرين واي" أو الطريقة الخضراء... مغامرة بيئية لغسيل السيارات تبناها الصحافي إبراهيم الحصري المطر وإنتاج الغذاء نوعاً وكماً زهرة من أرض بلادي: الحمحم التكيف مع التغير المناخي مراحل درب الصليب - طريق الآلام-

: منبر البيئة والتنمية

فوكوشيما في زمن الرجعية والتخلف فمن يحتاج هذا الكم من الطاقة؟!

انفجار مفاعل نووي في فوكوشيما

نسرين مزاوي / الناصرة
خبيرة في الإدارة البيئية

ما زالت الأخبار تتوافد حول الكارثة النووية في فوكوشيما في اليابان. وبينما تتصدر الأخبار أنباء انفجار تلو الأخر... المفاعل الأول، المفاعل الثاني، الثالث، والرابع... يشغلني السؤال كم من المفاعلات النووية تحتاج دولة واحدة؟! ولماذا نحتاج إلى كل هذا الكم الهائل من الطاقة؟  في محض الأزمة النووية تتعالى أصوات قارعي الطبول البيئية لتهليل مصادر الطاقة البديلة الأقل تلويثاً، فيبرز الخطر الإشعاعي الناتج عن الطاقة النووية والتلوث البيئي الناتج عن حرق النفط والفحم فيظهران لنا كمصدري الشر والدمار البيئي. وفي قمة الخوف والفزع العالمي تتألق الطاقة البديلة وتظهر كمنقذة للعالم من الدمار البيئي ومرة أخرى تتحول الكارثة البيئية إلى فرصة اقتصادية لأصحاب الفطنة وسريعي البديهة وهذه المرة لترويج شركات الطاقة البديلة وعلى رأسها الطاقة الشمسية حيث يُهيئ لنا الانتهازيون أن اعتمادنا الطاقة البديلة الغير ملوثة هو الحل لقضايانا البيئية وهو موطن خلاص العالم من شر الآفات البيئية!! 
الكرة الأرضية بطبيعتها زاخرة بالطاقة. الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الطاقة البركانية، الطاقة الكامنة في باطن الكرة الأرضية، طاقة حركة القارات التي تتجلى لنا في الهزات الأرضية وطاقة الأمواج المائية ولا سيما منها التسونامي. فإن تجاهلنا لبرهة الاعتبارات التقنية والاقتصادية فكل هذه هي مصادر طاقة بديلة، لكن الاعتماد على أي منها قد يكون له أثار جانبية على توازن الطاقة للكرة الأرضية لا نعي عواقبها بعد. فإذا عدنا إلى طاقة الرياح على سبيل المثال فلا بد أن عملية أسر الطاقة في طواحين الهواء التي تمتد على مساحات شاسعة، تخفف من سرعة الرياح في المناطق المحاذية لها والبعيدة عنها، ولذلك الأثر الكبير على حالة الطقس والمناخ في تلك المناطق. كذلك الأمر بالنسبة لطاقة الأمواج المائية، فما زلنا لا نعي ما لهذه الحركة المائية من تأثير على نوعية المياه والحياة فيها. أما بالنسبة للطاقة الشمسية فان ألواح الطاقة تمنع الشمس بنورها وحرارتها عن الوصول لبقعة الأرض مما يسبب بحسب ادعاء العلماء إلى تصحر الأرض، فينصحون بدورهم المبادرين إلى استعمال هذه الطاقة في الأراضي الصحراوية، لكن إذا أمعنا النظر قليلا فحتى الصحراء بدون نور الشمس وحرارتها، ليست صحراء أبداً، وفي الآونة الأخيرة بدأ البعض بوضع هذه الألواح على أسطح المباني والبيوت السكنية كجزء من نظم البناء الأخضر. ومع تهليل مصادر الطاقة البديلة يتعامل بعض البيئيين مع قضية الطاقة بشكل عيني ومحدود متجاهلين شمولية القضية البيئية. من هنا أريد العودة إلى السؤال الأول، وهو لماذا نحتاج إلى كل هذا الكم الهائل من الطاقة؟ ماذا نرجو منها وماذا نفعل بها؟ وهل الطاقة البديلة هي التي ستخلص العالم والكرة الأرضية من آفاتها البيئية؟  
إذا تساءلنا لماذا تحتاج اليابان إلى هذا الكم الهائل من الطاقة فإن الإجابة بسيطة، حيث أن الطاقة هي التي تشغّل عجلة الاقتصاد حيث تغذي الإنتاج الصناعي، الزراعي، التجارة وكافة الأعمال اليومية التي يمارسها أفراد المجتمع والدولة عموماً. من هنا فإن نجاح اليابان وتألقها كقوة اقتصادية عالمية يعتمد على توفر الطاقة، الكثير من الطاقة!! كذلك الأمر بالنسبة لكل دولة تود المثابرة في السباق الاقتصادي العالمي فكل دولة تبحث عن الكم الأوفر من الطاقة بالسعر الأرخص. لكن إذا نظرنا إلى الموضوع بنظرة شمولية أكثر، تضح لنا الأمور بشكل مختلف، فالتعامل مع القضية البيئية بشموليتها من المنظور الاقتصادي يكشف لنا جوانب أخرى للقضية، حيث أن عملية الاستهلاك الغير محدود للطاقة في عالم محدود ليست إلا أمر مستحيل ووهم لا أساس له من الواقعية.  فالحاجة إلى الطاقة تحتم علينا اختيار الطاقة الخضراء كأقل ضرراً من بين الخيارات المتوفرة، لكن الوهم الذي يحيكه لنا هذا الخيار، يخفي عن أعيننا الإهمال البيئي الذي يعتمده نمط الحياة الاقتصادي ذو الاستهلاك غير المحدود. فالنمو الاقتصادي الغير محدود مشروط بعملية استهلاك غير محدودة، ولكي تستمر عجلة الاقتصاد بالدوران فلا بد لنا من الاستمرار بالاستهلاك وتنمية ثقافة استهلاك غير محدودة. من هنا، يتوجب علينا طرح السؤال ماذا نستهلك ولماذا؟  مما يثير العجب انه في عصر التقنيات المتقدمة وفي زمن حققت به البشرية انجازات لم يحلم بها أسلافنا، في عصر وصل به الإنسان إلى القمر وأبعد وطور به آلات تخترق الفضاء وتخضعه، في عصر تطورت به تقنيات المعلومات لتحمل كم هائل من المعلومات على قطع صغيرة من الشرائح الالكترونية، في هذا العصر، ما زالت هواتفنا النقالة تُتلف بعد ثلاث سنوات،  ومعدل عمر سياراتنا لا يزيد عن العشر سنوات، وبراداتنا تتحول بسرعة إلى خردوات نفضل التنازل عنها على تصليحها، وإذا حافظت على بعض الآلات واعتنيت بها فسريعا تجد من يقنعك أنها ليست جميلة ولا تتماشى مع الموضة، أو من يقنعك أنها غير مريحة ولا تتجاوب مع حاجاتك الخفية التي لم تعِ وجودها إلا أن أخبروك عنها أو ربما أوجدوها لك. في عصر التقنيات المتقدمة تتلف الأدوات والآلات بوتيرة لم تتلف بها بأي عصر من قبل، كل ما ينتج لنا وكل ما نقتني من معدات يتلف سريعا ويفنى... كلها إلا النفايات. فإذا عدنا للسؤال لماذا نحتاج إلى هذا الكم الهائل من الطاقة وماذا نفعل بها؟ فتظهر لنا الإجابة بسيطة جداً ومجردة: نستهلك ونستهلك ونستهلك وننتج نفايات بوتيرة لم تعرفها البشرية من قبل كماً غير محدود من النفايات يحوّل الكرة الأرضية تدريجيا إلى مكب نفايات واحد شاسع ضخم وكبير! 
فإذا عدنا للتقنيات المتطورة الجيدة والغير ملوثة، على سبيل المثال تقنيات السيارات، فهي متوفرة منذ زمن إلا أن الشركات التجارية تمنع وصولها إلى السوق لأسباب تجارية بحتة. تقوم الشركات الكبرى باقتناء الاختراعات الجديدة وحقوق نشرها وتوزيعها، وهكذا بالإضافة إلى السيطرة عليها والامتناع عن إنتاجها وتسويقها بواسطة حقوق اقتناء المعلومات، تمنع هذه الشركات ترويج المعلومات حول هذه التقنيات وبهذا تمنع تطور البشرية عامة والتقدم في مجال التطوير والاختراعات. فما بالكم أن أستفرد أديسون في حقوق إنتاج الكهرباء فأين ستكون البشرية اليوم؟!! وهذا ما تقوم به هذه الشركات فبالإضافة إلى السيطرة على السوق وإنتاج سلع سريعة العطب تتماشى مع اعتباراتها الاقتصادية، فإن هذه الشركات تقوم بالسيطرة على المعلومات وحصرها لتخدم مصالحها الاقتصادية، وعملياً، تعيق التطور والتقدم التقني للبشرية حيث قد يكون أسرع بكثير مما نحن عليه اليوم.  إذاً فإن التقنيات المتوفرة توفر إمكانية إنتاج أدوات بجودة عالية معدل عمرها أكبر بكثير من النفايات التي تباع لنا اليوم في الأسواق، لكن الأمر غير مربح اقتصادياً لمن يبغي الربح المالي، لا للشركات الصناعية والتجارية ولا للدول التي تبغي تصدّر السباق الاقتصادي المالي. وهكذا بدل ان نعيش حياة رفاهية متقدمة نجد حياتنا رجعية متخلفة تعيق التقدم والتطور التكنولوجي وترفضه لأسباب اقتصادية ذات أهداف قصيرة المدى.  من حين إلى آخر نجد بعض التقنيات الحديثة التي تجد طريقها إلى السوق لكن هذه التقنيات عمرها قصير جداً. كذلك لا يتم ملاءمتها مع الأدوات الموجودة في السوق، فتُظهر لنا مسار التطور التقني كمسار متقطع غير متواصل، يتطور بقفزات منفصلة للواحدة عن الأخرى، خلافا للواقع التراكمي له، وهكذا ما اقتنيناه فقط بالأمس سريعاً، ما يتحول إلى نفايات وخرداوات.  في سياق كل هذا يتسابق بعض البيئيين، واسمحوا لي أن أدعوهم بالزمّارين والطبالين البيئيين، ذوي النظرة البيئية المحدودة باللهث وراء المصادر البديلة للطاقة، متجاهلين ان معظم ما نقوم به بواسطة هذه الطاقة هو استهلاك  تلو استهلاك  وإنتاج خرداوات ونفايات!!! قد يتحدثون بغالبيتهم عن إمكانية تدوير هذه النفايات أي إعادة تصنيعها أو إعادة استعمالها وما ذلك إلا وهم بيئي حيث ان التدوير بحد ذاته، ما هو إلا عملية صناعية تجارية تقتصر على الثلويث البيئي كغيرها من العمليات الصناعية الأخرى، ويمتنع هؤلاء عن وضع الأصبع مباشرة على المحك البيئي الأكثر حيوية وهو مناهضة ثقافة الاستهلاك الآني والأحادي والتحول إلى صناعة بيئية ذات جودة عالية واستدامة طويلة الأمد. لذلك قبل التسارع بالانضمام إلى الجوقة البيئية للطاقة البديلة وعلى رأسها الطاقة الشمسية، التي تحولت إلى السلعة الأكثر مواكبة للموضة الخضراء يجب التوقف والتروي والتفكير، ربما لا نحتاج إلى هذا الكم الهائل من الطاقة!!! قد نستطيع الاكتفاء بأقل من ذلك بكثير!!! لكن أي من الدول لن تبادر إلى الاكتفاء بالقليل فإن الاكتفاء بالقليل من الطاقة معناه أقل إنتاج، وأقل اقتصاد، وأقل عمل... والمعنيون بردعنا عن ذلك سوف يقولون "وأقل دخلا للفرد وأكثر فقرا"...، لكن هذا غير صحيح وغير محتم فمن يحتاج إلى هذا الكم الهائل من العمل؟! ولماذا لا نعمل جميعنا بشكل أقل، ونتمتع بوقت حر، وبرفاهية أكبر، ففي نهاية الموضوع نحن نعيش في زمن التقنيات المتقدمة، لكن النساء منا يعلمن ان دخول التقنيات الحديثة للبيت كالغسالة والنشافة والجلاية والمكنسة الكهربائية، لم تكن هي تلك التي حررتهن وليست هي التي سوف تحررهن، إنما كانت مناهضة المنظومات الاقتصادية وعلاقات القوة الهرمية، فهل ستقوم التقنيات المتقدمة بتحرير الكرة الأرضية من عبء الاستهلاك والاستغلال البشري؟!

للإطلاع على مقالات إضافية للكاتبة يمكنكم زيارة مدونتها:www.nisreenmazzawi.blogspot.com

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية