ل دور الإعلام في نشر المعرفة وتعزيز المسؤولية البيئية التنوع: مصدر غنى أم مصدر قلق؟ بحث جديد يثبت بأن التعرض لضجيج وسائل المواصلات في الشوارع يرفع احتمال الجلطات القلبية والدماغية شذرة صغيرة: حكاية ثورات كبرى ورشة الأبراح الخلوية التي نظمتها شبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية تشعل حوارات ونقاشات ساخنة دراسة: التمييز ضد المرأة ثغرة كبيرة في بناء الاقتصاد العربي رام الله: براعم خضراء تنتصر للبيئة على طريقتها عالم بدون تدخين: ممكن الحدوث فلنتحرر من ثقافة الاستهلاك ولنتخلص من ظاهرة الإفراط في شراء السلع الغذائية ما هي نسبة أماكن العمل الفلسطينية التي تُدَوِّر الورق الناتج لديها؟ أفكار ونصائح لترشيد استهلاك الورق أهمية التصنيع الغذائي المنزلي وحفظ المواد الغذائية التربية البيئية (خلفية نظرية وتاريخية) (1) فيلم (معالجة النفايات الصلبة في طوكيو) رؤية لإطلاق صندوق بحث علمي خاص بالإشعاعات الراديوية غير المؤينة الدورة الزراعية: ممارسة بيئية لوقاية المزروعات من الآفات أيمن رزق المصري: "غرام" بالمناخ و"جنون" بالطقس زهرة من أرض بلادي : أخيليا معجم المصطلحات البيئية وادي جهنم ل

منبر البيئة والتنمية

 

دور الإعلام في نشر المعرفة وتعزيز المسؤولية البيئية

التنوع: مصدر غنى أم مصدر قلق؟

 

دور الإعلام في نشر المعرفة وتعزيز المسؤولية البيئية
(قدمت هذه الورقة في المؤتمر الفلسطيني الأول للتوعية والتعليم البيئي، 28 – 30 كانون أول 2010، بيت لحم)

جورج كرزم
مركز العمل التنموي / معا

من الملاحظ أن "حرية التعبير" في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، وأحيانا الغربية، هي حرية من طرف واحد، وبخاصة، عندما يتعلق الأمر بالمصالح الحساسة والساخنة لرأس المال المتمثل في الشركات والمؤسسات التجارية الكبيرة والاحتكارية والحكومات.  فغالبا ما تتحفظ العديد من الصحف الورقية والإلكترونية والفضائيات والإذاعات، أو ترفض، تغطية حدث أو ظاهرة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو صحية أو بيئية، حينما يتصل هذا الحدث أو الظاهرة بحكومة تشكل وسائل الإعلام بوقا لها، أو أن هذا الحدث أو هذه الظاهرة تتعلق بشركة أو مؤسسة تجارية تنتفع وسائل الإعلام من إعلاناتها التجارية، أو أن علاقات مصالح مالية وتجارية وشخصية مشتركة تربط بين الطرفين، سواء أكان ذلك لناحية كون الشركات والمؤسسات مصدر دخل هام لوسائل الإعلام، أو لناحية كون الشركات ذاتها هي المالكة كليا أو جزئيا لتلك الوسائل.  لذا، ليس مستغربا أن نجد في العديد من وسائل الإعلام تغطيات ترويجية موسعة لأعمال ونشاطات الشركات التجارية، بهدف تسويق سلعها المادية أو الخدماتية، أو وجهات نظرها وادعاءاتها.  وفي المقابل، نجد رقيب وسائل الإعلام، وبخاصة الصحف الورقية والإذاعات والفضائيات، يُعْمِل مقصه الرقابي، تعتيما أو شطبا كليا أو جزئيا، في أي تقرير أو تحقيق أو خبر؛ مهما كان موضوعيا ومهنيا ومحايدا، إذا كان يمس موقفا أو سلوكا أو عملا أو انتهاكا رسميا مؤذيا للجمهور، أو للمجتمع أو للصحة العامة أو للبيئة، أو إذا كان ذلك التقرير أو الخبر يكشف معلومات وحقائق خطيرة وحساسة في غير صالح تلك الشركات أو المؤسسات.  

وفي عصر ثورة المعلومات والصحافة الإلكترونية، أصبح من الغباء بمكان إخفاء المعلومات والحقائق أو التعتيم عليها أو شطبها.  فالإنترنت، تحديدا، يعد في عصرنا الحاضر الوسيلة البديلة للصحافة المطبوعة، وهو الأكثر فعالية وقدرة على إيصال المعطيات والمعلومات إلى أكبر عدد من الناس؛ وهو يملك إمكانيات انتشار غير محدودة، وسرعة كبيرة على التفاعل مع الأحداث، وبالتالي تعبئة الرأي العام.  ومن أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك، موقع "ويكيليكس" والتأثيرات الإعلامية والسياسية الكبيرة التي أحدثتها المعلومات والوثائق الدبلوماسية الأميركية الخطيرة التي نشرها.
ومن خلال الصحافة الإلكترونية، يمكن لعدد غير محدود من الناس الوصول إلى أحد أهم المصادر للمعرفة التي يتم تحديثها باستمرار، وعلى مدار الساعة.

وهذا الواقع الإعلامي، هو ما دفع، مؤخرا، القائمين على مجلة "الإيكولوجست" البريطانية التي تعد من أبرز المجلات البيئة في العالم، وبعد 40 سنة على صدورها بحلتها الورقية، إلى التحول كليا إلى مجلة إلكترونية على الانترنت، علما بأن العدد الواحد من طبعتها الورقية كان يباع بعشرات الآلاف من النسخ.
وقد اشتهرت، في حينه، مجلة "الإيكولوجست" حينما أصدرت عددا خاصا تناولت فيه الخلافات القانونية المتعلقة بشركة "مونسانتو" الأميركية العملاقة المنتجة للأغذية المعدلة وراثيا.  وقد ردت المجلة في ذلك العدد على الإدعاءات التي نشرتها الشركة في الصحف الأوروبية، والقائلة بأن "التعديل الوراثي مسألة وجهات نظر ويجب الاستماع إلى جميع وجهات النظر".  وإثر ذلك، فوجئت هيئة تحرير المجلة بأن الناشر الذي كان يطبع المجلة منذ عشرات السنين ألغى جميع نسخ ذلك العدد ولم يصدرها.  وبالرغم من عثورها على ناشر آخر لذلك العدد، إلا أن هيئة التحرير فوجئت ثانية، حينما رفضت شركات التوزيع، توزيع ذلك العدد الخاص؛ مما دفع هيئة التحرير إلى توزيع المجلة بشكل مباشر، وبآليتها الخاصة.  وهنا كانت المفاجأة الكبرى:  لقد كان ذلك العدد الأكثر مبيعا في تاريخ المجلة.  ويشير هذا الحادث إلى مدى قدرة هذه الشركات على ممارسة ضغوط على وسائل الإعلام، وبالتالي التحكم بما تنشر أو لا تنشر.    

وإزاء فعالية الصحافة الإلكترونية والانترنت وقدرتهما على التحول إلى حقل ناقد، والتأثير والانتشار غير المحدودين، وبالتالي تكوين رأي عام من قضايا معينة، فمن غير المستغرب أن تكون العديد من الأنظمة السياسية معادية بطبيعتها للإنترنت ولثقافة "الملتيميديا"، إلا في حال استطاعة تلك الأنظمة توجيه الإنترنت و"الملتيميديا" واستخدامهما في الترويج السياسي لصالحها.  وفيما عدا ذلك، يكون رد فعل تلك الأنظمة الرقابة على المواقع الإلكترونية أو إغلاق بعضها، أو سجن الناشطين والمثقفين أصحاب المواقف النقدية من السلطة والمعبر عنها في الصحافة الإلكترونية.   

المستوى الفلسطيني وتجربة مركز العمل التنموي / معا:

لا يوجد عمليا، في المستوى الفلسطيني، إعلام بيئي قائم بذاته ومتخصص.  لأن الأولويات والأجندات الإعلامية والصحفية الفلسطينية ليست قضايا البيئة، بل السياسة والاقتصاد والرياضة والطبخ، وكل شيء آخر، ما عدا البيئة.  علما بأن الإعلامي أو الصحافي البيئي لا بد أن يتحلى بمؤهلات ومواصفات علمية وثقافية ومعرفية ومهنية خاصة، غالبا ما نفتقر إليها، للأسف، في الضفة والقطاع.  ومن أهم هذه المواصفات: امتلاك المعرفة والثقافة البيئية، والتأهيل والتدريب على العمل الصحفي والإعلامي البيئي الذي يتطلب مهنية عالية، وانتماءً للقضايا البيئية، وجهدا ووقتا كبيرين، ويستلزم أعمال التقصي والتحري والتحقيق والبحث الميداني وجمع المعلومات والوثائق ومعالجتها.  كما يجب أن يمتلك الصحافيون والكتاب البيئيون الخبرة الصحفية، وأن تكون بحوزتهم دائما أخبار بيئية جيدة ومثيرة، وأن تكون لهم القدرة على الحكم على المعلومات والمعطيات.

وفيما يتعلق بتجربة مركز العمل التنموي / معا في مجال الإعلام البيئي، فهو، أي المركز، يعد حاليا الجهة الفلسطينية الوحيدة المتخصصة في هذا المجال، بشكل منهجي ومثابر.  وتعود بدايات تجربته إلى عام 1995، حين عمل على إصدار صفحة أسبوعية في جريدة القدس باسم "شؤون تنموية وزراعية"، استمرت حتى عام 1999.  وفيما بعد، انتقلت الصفحة الأسبوعية ذاتها لجريدة الأيام، بين عامي 1999 و2000.
ولم تكن التجربة سهلة،؛ إذ تعرضت الصفحة الأسبوعية لضغوط شرسة أدت إلى إغلاقها.  وذلك بسبب نشرها تحقيقاً يظهر استمرار تسويق المبيدات الكيماوية المحظورة من منظمة الصحة العالمية ومن إسرائيل، في الأراضي الفلسطينية.  مثلما لاقت ضغوطًاً مماثلة بعد نشرها تحقيقاً حول المصالح التي ربطت بعض العاملين في إحدى الوزارات آنذاك، بشركات المبيدات الكيماوية.  كما فتحت الصفحة تحقيقا موسعًا حول دور وكلاء فلسطينيين لسلع إسرائيلية تغرق السوق المحلية بمنتجاتها على حساب المنتجات المحلية، ودور شركات الإعلانات التجارية الفلسطينية في عملية الترويج للسلع الإسرائيلية.  وأقفلت الصفحة مرة أخرى.

وفي العام 2003، شرع المركز بإصدار ملحق "البيئة والتنمية" الذي كان يوزع شهريا مع جريدة الأيام، واستمر حتى العام 2006، ليتوقف مؤقتا لأسباب مالية، ومن ثم عاد إلى الصدور طيلة العام 2009.  واستطاع الملحق تحقيق قفزة جيدة في زمن قياسي.  وهنا أيضا لم يفلت الملحق من مقص الرقيب الذي عمل على شطب بعض القضايا البيئية التي اعتبرها حساسة سياسيا!.  فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ حينما نظمنا العام الماضي (2009) ندوة حول تأثيرات الإشعاعات الراديوية غير المؤينة المنبعثة من أبراج شركات الخلوي في الضفة الغربية، لم تنشر الصحف اليومية توصياتنا، كما أننا تعرضنا في وقت لاحق لضغوط تحريرية شطبت اقتباسات وردت في موقع ما يسمى "دائرة أراضي إسرائيل" التي رفضت السماح لشركات الخلوي الإسرائيلية بنصب أبراجها في الأحراج والمحميات الطبيعية، خوفاً على تأثير الإشعاعات على خصوبة وتكاثر الحيوانات البرية!

ومنذ مطلع العام 2008 وحتى اليوم، يعكف المركز على إصدار مجلة بيئية إلكترونية شهرية اسمها "آفاق البيئة والتنمية"، وتعد حاليا مرجعا معرفيا ومعلوماتيا مهما وشاملا حول العديد من قضايا البيئة الفلسطينية والعربية والعالمية.  وتعتمد بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، ومحطات الإذاعات والتلفزيون والفضائيات المحلية والعربية على ما ينشر فيها من تقارير ومعلومات.  ويستفيد منها العديد من الناشطين البيئيين والباحثين والطلاب والصحافيين والمنظمات الأهلية والحكومية.  واكتسب الموقع بعداً عربيًا من خلال المشاركات والتفاعلات من دول الخليج العربي ومصر والمغرب ولبنان وسوريا والأردن.  ويتراوح عدد زوار الموقع الإلكتروني للمجلة بين 15 ألف و17 ألف شهريا.
ومن خلال المعلومات البيئية المنوعة والغنية في المجلة البيئية الإلكترونية، نحاول أن نخلق حالة من الجدل في المستويين الإعلامي والمجتمعي المحليين، والمستويات الأكاديمية.
ومن خلال بعض التقارير والتحقيقات البيئية التي نشرتها المجلة الإلكترونية، والندوات الشهرية التي تُنَظَم من خلالها، وتعالج قضايا ومشاكل بيئية هامة- من خلال ذلك، تمكنت المجلة الإلكترونية من تحريك بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية المسؤولة، لمعالجة وحل بعض الانتهاكات والكوارث البيئية.  ومن بين هذه الانتهاكات والكوارث، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، قضية دفن النفايات الإسرائيلية الخطرة في بعض قرى غرب رام الله، بالإضافة إلى بعض المواقع في جنوب الخليل وصحراء بني نعيم المشكوك بكونها مدافن إسرائيلية للنفايات النووية.  والترويج لمبيدات زراعية كيماوية محظورة إسرائيليا وعالميا، والانتشار العشوائي والفوضوي لأبراج الخلوي في الأحياء السكنية وعلى أسطح المدارس والروضات والجامعات والمستشفيات.  ناهيك عن انتشار محطات الوقود في الأحياء السكنية، وما ينجم عنها من انبعاثات غازية خطرة، وتطاير لجسيمات سامة في محيطها السكني المباشر.

ومنذ تموز 2010، شرع تلفزيون وطن الأرضي، وبالتعاون مع مركز معا، في إنتاج وبث برنامج بيئي تلفزيوني شهري، هو الأول من نوعه على المستوى الفلسطيني.  ويعتمد البرنامج، بشكل أساسي، على المواد والتقارير والتحقيقات التي تنشر في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" الإلكترونية، وتطويرها إلى تقارير وتحقيقات متلفزة.  وقد تحول التلفزيون إلى فضائية ( نايل سات، تردد 10949 ) في شباط 2011، ما سيزيد من مساحة انتشاره وتأثيره الجغرافيين.

مبادئ وأسس العمل في حقل الإعلام البيئي (خلاصة تجربة مركز معا):

يُعَد التقصي والتحقق العلمي من صحة المعطيات والمعلومات، والحفاظ على استقلالية الجسم الإعلامي عن الجهات أو المؤسسات أو الأفراد التي يعمل على تغطيتها، من أهم مبادئ العمل الإعلامي البيئي الناجح والمؤثر.
ويتجسد الهدف الأولي في تزويد القراء المنتمين إلى الشرائح الفلسطينية والعربية المختلفة، بالتغطيات البيئية وبالمعرفة والمعلومات التي يحتاجونها حول القضايا والمشاكل البيئية التي تمس حياتهم، كي يصبحوا أحرارا ومستقلين في الحكم والتقدير، وبالتالي العمل على التغيير.
إن تزويد الناس بالمعرفة البيئية، والكشف عن الجوانب والزوايا البيئية الفلسطينية والعربية غير المرئية وغير المعروفة أو المُعَتَّم عليها، يمنحان الشرائح الشعبية الثقة والأمان، ويتيحان لها فرصة التخطيط والتحرك نحو التغيير.

الصحافة البيئية لا بد أن تكون مرآةً لمجتمعنا الفلسطيني والعربي.  لذا، يجب، وبشكل أساسي، إعلاء وإبراز صوت الناس العاديين أنفسهم.  ومن الأهمية بمكان، أن تكون الأصوات والألوان البيئية في المنبر الإعلامي منوعة، ومن مناطق فلسطينية وعربية مختلفة.  ومن خلال هذا التنوع في الأصوات، يستطيع الناس معرفة الحقيقة، وبالتالي الحكم على الأشياء بأنفسهم.
وبما أن المعلومات التي تنشر عبر الصحافة البيئية، قد يستخدمها الناس كمادة يتعلمون منها حول العالم والبيئة المحيطة بهم؛ فمن الضروري العمل دائما على بلورة صحافة بيئية تتسم بالتوجه نحو حل المشاكل، من خلال التركيز ليس فقط على المشاكل والممارسات الخاطئة، بل وأساسا، على الحلول الصديقة للبيئة.

الصحافة الملتزمة والمبدئية، بشكل عام، والصحافة البيئية بشكل خاص، هي التي تعمل على خدمة المحكومين، وليس الحكام.  وباعتقادنا، لا يمكن أن يصبح الناس أحرارا ما لم يمتلكوا المعرفة والمعلومات الحقيقية التي تمكنهم من كشف الأكاذيب التي تروجها جهات ومؤسسات تجارية ورسمية.  
لذا، في عملنا الإعلامي البيئي، لا بد أن نكون منصفين وعادلين تجاه الحقائق ذاتها، وتجاه فهم الناس لهذه الحقائق.  وهذا يعني، بألا نعمل على إرضاء مصادر معلوماتنا؛ سواء كانوا أفراداً أو مسؤولين أو شركات أو مؤسسات.
وبدلا من "بيع" الناس والقراء بعض المعلومات، يجب على الإعلام البيئي الحقيقي أن يبني الثقة والمصداقية، وأن ينشئ علاقة مع المستفيدين من قراء ومشاهدين؛ بحيث  تستند هذه العلاقة إلى القيم الأخلاقية والعلمية والمهنية، والشجاعة، والقدرة على الحكم، والالتزام بقضايا ومعاناة الناس. 

ومن الضروري العمل بشكل مستقل، على استكشاف الحقائق البيئية المحلية والإقليمية الجديدة، والتحقق من مدى مصداقيتها وصحتها.  ويختلف هذا التوجه، عن الممارسات الصحفية الإلكترونية المعاصرة الشائعة؛ وتحديدا من خلال شبكة الإنترنت التي تزود الصحافيين والكتاب بمداخل سهلة للقصص والاقتباسات، دون بذل أي جهد لعمل تحقيقاتهم الخاصة بهم. 
وفي الواقع، أصبحت "الحقائق" سلعة، يسهل الحصول عليها، ومن ثم إعادة تغليفها، وتحريف الغرض من تسويقها!  ففي عصر يتميز بدورات أخبار تعمل على مدار الساعة دون توقف؛ يستنزف العديد من الكتاب والصحافيين وقتا طويلا من عملهم، في التفتيش على شيء ما يضيفونه للأخبار أو الحقائق القائمة؛ وغالبا ما تكون هذه الإضافة مجرد تأويل أو تعليق، وليس محاولة للكشف عن الحقائق الجديدة الخاصة بهم، والتحقق منها.

أهم الدروس المستفادة من عملنا الإعلامي البيئي:

أولا:  لا تعتمد على ما يقوله الموظفون الرسميون أو المسؤلون فقط، أو ما يُنْشَر من روايات إخبارية؛ بل توجه للحصول على المعلومات والحقائق من مصادرها الأولية، واحرص على أن تكون منهجيا، ومُدَعِّما لما تقوله بالأدلة والوثائق والمراجع.  فلا تَتَكِئ على مصادر ثانوية من تقارير صحفية وغيرها؛ بل حاول اللجوء إلى وثائق وتصريحات ومواقف المصادر الأولية؛ فضلا عن الناس والشهود الحقيقيين ذوي الصلة بالحَدَث.  فلنقابل أولئك الناس والشهود، لنتأكد من أن المعلومات التي لديهم، تنسجم مع ما هو مذكور في الوثائق والمراجع، ولا تتعارض معها.  ولنسألهم أسئلة قد تبرز من خلال مراجعتنا للوثائق والمراجع المختلفة.
ثانيا:  يجب التواضع فيما يتعلق بمهاراتنا.  وبكلمات أخرى؛ يجب ألا نتشكك فقط مما نراه أو نسمعه من الآخرين، بل يجب أن نكون متشككين أيضا من مدى قدرتنا على معرفة ما تعنيه حقا المعطيات والحقائق التي بحوزتنا.  فعلى الكتاب والصحافيين ألا يصدروا أحكامهم المطلقة على ما يعرفونه وكيفية معرفتهم له. 
ولتجنب سوء عرض الأحداث والمشاكل البيئية، لا بد أن نكون أمناء لمحدودية المعرفة التي نمتلكها، ولمدى قدرتنا على الاستكشاف والفهم.

 

التنوع: مصدر غنى أم مصدر قلق؟

حبيب معلوف / لبنان

التنوع في السياسة والاقتصاد والبيئة والمجتمع... قد يكون مصدر غنى، وقد يشكل مصدر خطر. التنوع قد يشكل عنصر توازن وقد يتسبب بالنزاع. قد يشكل عامل استقرار أو عامل توتر وقلق دائمين.  قد يتسبب التنوع في المجتمعات بمزيد من الغنى الثقافي، كما قد يشكل عامل قلق وعدم استقرار أو مادة نزاع. قد يتسبب بإنتاج نظام شبه ديموقراطي وقد يتسبب بحرب أهلية.   
لقد وضعت فلسفة التنوع أو ثقافة التنوع في مقابل الفكر التوحيدي أو وحدة الحقيقة، على اعتبار ان ثقافة التنوع تساهم في تعزيز ثقافة الحوار وتؤمن نوعاً من الاستقرار بين الشعوب والثقافات المختلفة. وقد تم استنباط ثقافة الاختلاف والقبول بالآخر من ثقافة التنوع أيضا، كسبيل لحل النزاعات أو للتخفيف من حدتها.  إلا أن ثقافة التنوع لم تستطع ان تحل الخلافات ولا ان تهندس الحوارات، ليس لأنها لا تحمل قيماً سامية، بل لأن الواقع لا يقوم إلا على الغلبة، غلبة الأقوى، وما من ثقافة جديدة استطاعت حتى الآن أن تنجح في تجاوز هذه المعادلة أو في استبدالها. فمن يشعر بالقوة والتفوق والقدرة على الحسم، فلن يتردد في استخدام قوته.  "والظلم من شيم النفوس، فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم". ولذلك لم تنفع ثقافة الاعتراف بالآخر في حل الإشكاليات والنزاعات بين الثقافات والأنواع المختلفة. وقد تبين ان أهمية فكرة الاعتراف وجدواها، هي عندما يعترف القوي بحقوق من هم أضعف منه. وقد تبين ان مفهوم الاعتراف له ما يبرره في الطبيعة، إلا أننا لا نجد التبريرات الكافية لتواجده في طبيعة الشعوب والصراعات. فما من قوي لا يشعر بأن هناك من هو اقوي منه، وان قوته محدودة، وعليه ان يستخدمها بدافع البقاء أولا، وبدافع الدفاع ثانيا، وبدافع التحسب من الأقوى ثالثا.   
والاعتراف ليس مفهوماً عقلياً أو عقلانياً. قد يكون في جذوره غرائزيا وطبيعيا، تعرفه معظم الأنواع التي نعرفها. الاعتراف مرتبط بالمعرفة، وعلى الكائن ان يعرف قوة الآخر لكي يعترف بها... كالأشجار التي تعترف بقوة الرياح وتنحني لها حتى لا تنكسر. 
في علم البيئة، اعتبر التنوع احد أهم أركان هذا العلم بوصفه عامل توازن واستقرار، بالإضافة إلى اعتباره من المبادئ والمفاتيح لفهم قضايا البيئة. وقد اعتبرت المعاهدة الدولية لحماية التنوع البيولوجي من أهم وأقدم المعاهدات الدولية لحماية البيئة... حتى بات التنوع يعتبر من أركان الأمن الغذائي والصحي والحياتي العالمي أيضا.
وقد انسحب استخدام هذا المفهوم اليوم، عند البحث في أهم الاستراتيجيات العالمية ولا سيما على مستوى موضوع تأمين الطاقة العالمية. ولعل كلمة السر العالمية التي يتم الاعتماد عليها عند وضع الاستراتيجيات، ان على المستوى الدولي أو الوطني هي "تنوع المصادر".  فالباحثون الإستراتيجيون على المستوى العالمي ينصحون دائما بتنويع مصادر الطاقة منعا من الوقوع بكوارث ومفاجآت غير مرتقبة أو متوقعة.  هذا المبدأ في اعتماد التنوع، لم يخترعه خبراء الطاقة ولا الخبراء في وضع الاستراتيجيات. فهو كان معروفا ومطبقا في الكثير من المجتمعات الزراعية القديمة، إذ كان المزارع "ينوع" في زراعاته، خوفا من التقلبات المناخية، ولكي لا يخسر كل شيء إذا اعتمد على نوع واحد من الزراعات، إذا تعرض لكارثة ما، كموجة حر أو فيضان أو موجة صقيع أو ضربة برد أو جفاف...الخ والتنوع بهذا المعنى الزراعي، لم يكن يعني التنوع والاختيار بين المخاطر، بل بين أصناف شبه متساوية بالنفع ولا تنطوي على مخاطر مميتة. أما التنوع المقترح في قضايا الطاقة، فهو ليس على هذا النحو. فإنتاج الطاقة من الشمس أو من الهواء أو من جريان الماء الطبيعي، ليس كمثل إنتاجها من الوقود الإحفوري أو من مفاعل نووي. 
وقد تبين ان مخاطر احتراق الوقود الإحفوري تتسبب في تلوث هواء المدن وتسبب أمراضا خطيرة، بالإضافة إلى تسبب تراكم انبعاثات احتراق هذا الوقود في تغير المناخ العالمي. كما ان إنتاج الطاقة من مفاعلات نووية يمكن ان ينجم عنه كوارث كبرى بمجرد الوقوع في أي خطأ، بالإضافة إلى إنتاج كميات هائلة من النفايات النووية المشعة والخطرة التي تستمر مفاعيلها المشعة آلاف السنين. 
وكم يبدو معبراً المثل الصيني لتبيان معنى التنوع. فالصين أصبحت الدولة الأولى في زيادة السكان والدولة الأولى في إنتاج السيارات والدولة الأولى في استهلاك الفحم والدولة الأولى في عمليات التشجير، وفيها اكبر غابة مشجرة في العالم، كما أصبحت اكبر منتج للتكنولوجيا الصديقة للبيئة... ولكنها في الوقت نفسه قد أصبحت الدولة الأولى في إنتاج الانبعاثات والتسبب بتغير المناخ العالمي قبل الولايات المتحدة الأميركية!  كما أنها تنوع في البحث عن مصادر إنتاج الطاقة، من أي مصدر ممكن... حتى أنها تستثمر في جمهورية الكونغو الديموقراطية مساحة 2،8 مليون هكتار لإنتاج زيت النخيل لتصنيع الوقود الحيوي بديلا عن النفط والغاز. وهو نوع من "الاستعمار الجديد" والاستغلال، وكل ذلك في سبيل المنافسة في السوق العالمية. فما معنى التنوع في مثل هذه الحالات؟   
كان أرسطو يقول "ليس هناك علم إلا في العالمي"، أي ان المبدأ العلمي يجب انيكون عالميا وشاملا، فكيف بالحري المبدأ الأخلاقي؟ والخير أيضا لا يكون إلا عاماوشاملا، وقياس أي مبدأ ان يحقق خيرا عاما عند تطبيقه. فإذا لم تحقق الخياراتوالاستراتيجيات والعلوم الخير العام، وعلى المدى القريب والمتوسط والبعيد، فماانتفاعنا منها؟  وما هي المعايير التي نقيس بها؟ وكيف يمكن الاختيار بينالخيارات على المستوى الاستراتيجي؟  هي الأسئلة التي يفترض ان نجيب عليها قبل اننتبنى أي خيار، حتى خيار "التنوع"، الذي بدا في وقت من الأوقات خياراً استراتيجياًوعلمياً، غير قابل للجدل!

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية