مشاهد بيئية
شذرات بيئية وتنموية
عبد الباسط خلف
(1)
المرأة الطاهية وموائد رمضان
تُذهب ثقافة الأطباق والموائد الرمضانية والترويج الدعائي، الكثير من بريق شهر الصوم. كاستهلال، لو سألنا عن حجم الوقت والجهد الذي تبذله النساء في المطبخ، وقارناه بالوقت القصير في إملاء المعدة، لأدركنا الخلل في ثقافتنا.
أن تقضي المرأة خمس ساعات في شؤون المائدة وتوابعها: كالطبخ، والتحضير، والتفكير بالمائدة القادمة نزولاً عند رغبة الأسرة وتنظيف الأطباق، فذلك ليس بالأمر المثالي للوضع الصحي ولا حتى البيئي.
يُفهم من الشهر، أن الواجب يُملي علينا التقشف خلاله، لأنه شهر الإحساس بالآخرين، وليس محطة للمنافسة على دخول موسوعة الأرقام القياسية في تقديم الوجبات البطيئة، والملونة!
يرافق هذا كله، موجات تلفزيونية تتحدث عن الأطباق، وهي برامج تختلف في أسمائها، ومقدماتها أو مقدميها. لكنها على الأغلب تتوحد في استهدافها للمعدة، وتعزز بقاء المرأة العربية رهينة للمطبخ والسفرة، وتعمل كل ما بوسعها لتنمية الأطباق، ليس إلا.
وتتوحد مع هذا، ثقافة الإعلانات الاستهلاكية، التي تستغل النساء، فهن يتحدثن عن الزيت والأرز والشوربات واللحوم والشحوم ومواد التنظيف للأطباق وغيرها. لدرجة بتنا وكأننا نعيش لنأكل، لا العكس.
(2)
حوار أخضر
السنة الراهنة لا تُبشر بالخير؛ حرارة مرتفعة بمعدلات قياسية، فاقت الأربعين درجة مئوية. فتح قيظ هذا العام الباب على مصراعيه للاستفهام حول دور البشر في تغذية الاحتباس الحراري، ومساهمتهم في صناعة التغير المناخي.
في الحافلة العمومية، أشعل نقاشًا حول دور الإنسان في التسبب بمفاقمة هكذا ظواهر. يعتقد السائق علي إبراهيم، أن حديثنا ليس في مكانه الصحيح، فنحن لا نمتلك الصناعات الثقيلة، وبلد صغير. لكنه يتراجع في النهاية، ويقتنع بأن البيئة لا تعترف بالحدود السياسية، مع الأخذ بالاعتبار، المسؤولية التي يتحملها كل كيان سياسي في دول الأرض.
تقول السيدة علياء عمر، وهي موظفة في شركة خاصة برام الله: هذه السنة ليست جيدة، وممارساتنا أيضًا ليست صحيحة، فلو عرفنا الطريقة الصحيحة للتعامل مع محيطنا الأخضر لتغير الوضع.
كمثال، كانت السيدة علياء تسكن في منطقة تشرف على سهل مرج ابن عامر بجنين، وكانت ترى، خلال أيام طفولتها، المساحات الخضراء الممتدة، لكن بفعل الأيام تراجع كل شيء.
مما أضافه المعلم سعيد عبد الستار: "حدثنا والدي كثيرًا عن نهر المقطع، الذي كان يطفئ حر مدينة جنين، ويخضر حقولها، لكنه اليوم تحول إلى ممر للمياه العادمة".
يشارك سامر يونس، الطالب الذي يدرس الكيمياء برأيه، ويقول: " ليس لدينا ذلك الوعي البيئي الكافي، فنحن لا نعرف شيئاً عن البيئة، ولا أحد يتذكرها، وكلنا يشارك في تدمير توازنها" .
(3)
ملامح سوداء
خلال فترات حر تموز وآب المتعاقبين، أوثق عدة تغيرات حاصلة في الغطاء الأخضر: تراجع حاد في محاصيل العنب واللوز، وموجات هائلة من آفات صمغية طاردت أشجار اللوزيات، ونباتات صّبار معروفة بقدرتها على تحمل الحر والعطش خفت نجمها وضربها الجفاف، وقصر هائل في عمر المحاصيل الصيفية كالكوسا، وتراجع في جودة ولون المحاصيل الصيفية، وتغير ملحوظ في طبيعة خضرة أشجار الزيتون المزروعة في منحدرات صخرية قليلة التربة، وقائمة طويلة من المشاهد التي تدعو إلى القلق.
يقابل هذا كله، الاحتلال الإسرائيلي لمياهنا وما ينجم عنه من عطش، وسوء إدارة المتاح لنا من "سر الحياة".
(4)
عزون العتمة
أصل إلى بوابة قرية عزون العتمة في محافظة قلقيلية. أحاور مزارعًا سرق الجدار أرضه وأحلامه، ولم يعد يستطع الوصول إليها إلا بتصريح.
تفوح من كلام المزارع علي قادوس، رائحة الأسى، فقد سطت الأسلاك الشائكة على بئر المياه في أراضي قريته، واسمه "بئر الشلة"، ولم يكتفوا بذلك، وإنما حولوا بيارة البرتقال الخاصة به، والتي كانت تمتد على مساحة (20) دونم، إلى مجمع للحصى والإسفلت.
يقول: "تسبح قلقيلية على حوض ماء كبير، ونعطش اليوم نحن ومزروعاتنا، ويروي المستوطنون واليهود بمياهنا الحشائش في الشوارع!"
aabdkh@yahoo.com
|