منبر البيئة والتنمية
تفاصيل يوم عائلة غزيّة تسكن الشمس

فريد حماد قديح / غزة
تختلف حياة العامة في بقاع الأرض المختلفة، فلكل أسرة نمط حياة خاص ومختلف، وبرنامج يومي ترسم تفاصيله كيفما يحلو لها، إلا حياة أسر العامة في غزة وكذلك حياة الأفراد، فهناك تشابه كبير يفرضه الواقع على الجميع، واقع الحصار المادي والمعنوي المفروض على الكبار والصغار، وما يزيد الطين بله برنامج سلطة الطاقة في تقطير التيار الكهربائي على المناطق والذي تحظى وفقه كل منطقة بثماني ساعات من الكهرباء، يليها ثماني ساعات بدون كهرباء وهكذا دواليك.
هذه المعاناة ليست فقط ما يعيشه الغزيون، حيث تصب الطبيعة حمم غضبها على الأرض فيكون الارتفاع غير المعتاد في درجات الحرارة ونسبة الرطوبة في الجو، ما يجعل حياة الأسر الغزية، وكأنها تسكن الشمس ولا تنتمي لمخلوقات كوكب الأرض المأهول بالسكان .
الساعة العاشرة ليلاً، هو موعد انقطاع التيار الكهربائي في منطقتنا، فتسرع زوجتي قبيل حلول هذا التوقيت لترتيب البيت وإعداده لنوم الأطفال. فتنام الأسرة مجبرة على اعتياد تلك الظروف، بانتظار حلول الصباح حيث يعود التيار الكهربائي.
عند شروق الشمس قبيل موعد سريان التيار الكهربائي المفترض قدومه الساعة السادسة صباحاً - وفق ما أقر في جدول سلطة الطاقة- يسرع أطفالي بإيقاظ بعضهم البعض لاستغلال وسيلة التسلية المتاحة في إجازة الصيف، وهى جهاز التلفاز، فيتسابق كل واحد منهم للسيطرة على جهاز التحكم عن بعد (الريموت) حتى يفرض محطته التلفزيونية المفضلة على أخوته الباقين، هذا إن لم يكن احدهم قد سبق وأخفى (الريموت) في الليل حتى يتحكم في التلفاز نهاراً.
عند الساعة السادسة صباحا استيقظ على تصفيق صغاري احتفالا بوصول التيار الكهربائي، وبعدها يدور الخلاف فيما بينهم حول رغباتهم المتنازعة، يارا تريد الجزيرة للأطفال، حمزة يريد قناة البراعم، آدم يريد قناة سكر وراما تسعى إلى قناة نيكالودين .
تسرع زوجتي لتوفّق فيما بينهم بعيدا عن سياسة الفرض، حتى لا تكون شريكةً في الحصار والغياب القسري للتيار الكهربائي لساعات طويلة، أو تعزيز الانقسام اللعين في الشارع الفلسطيني، مضافٌ لكل ذلك، درجات حرارة الجو المرتفعة بشكل غير عادى والتي تزيد عن معدلها السنوي.
أصف تلك التحالفات المؤلمة ضد الغزيين بتعبير "محور الشر"، الذي يضيق الخناق على عامة الناس في غزة ويحرمهم العيش الكريم، ويشوه طفولة أبنائهم. وبالنسبة لأطفالي وعودةً لمشهد التهافت على التلفاز فبشكل عام يتفق الجميع أخيرا على مشاهدة قناة البراعم أحيانا، ونيكالوديان أحيانا أخرى، ويستمرون على هذا الحال حتى الظهيرة، حيث يحين وقت "القيلولة" التي نفرضها عليهم لأخذ قسط من النوم، عندها أطلب منهم إغلاق جهاز التلفاز، فيصرخ حمزة ابن الثلاث سنوات محتجاً " لا تقطع الكهرباء يا بابا " وكأنه يقول لا تكن أنت من المساهمين في مشكلة كهرباء غزة، ودعنا نحسن استغلال وجودها لنحصل على أكبر قدر من التسلية المحرومين منها.
حينها يصيبني الحزن على أطفالي، الذي ينطبق حالهم على كل أطفال غزة، فأترك لهم التلفاز حتى ينقطع التيار مجدداً عند الساعة الثانية ظهراً، فيصمت التلفاز وتتوقف المراوح الهوائية والثلاجة، ويتحول البيت مع ارتفاع درجات الحرارة إلى جحيم لا يطاق، ويخيم البؤس على وجوه أطفالي الذي أتخذ كل واحد منهم ركناً في البيت، وبيده دفتر صغير يلوح به أمام وجهه في عمليةٍ مضنيةٍ لتلطيف الجو .
في إحدى فترات انقطاع الكهرباء، كنت جالساً إلى جوار طفلي حمزة أداعبه وألعب معه، ما أشعره بأنني في قمة الانسجام معه، الأمر الذي أدخل الاعتقاد إلى نفسه، بأن أي طلب هو سهل التنفيذ فإذا به يقول: " بابا شغل الريموت حتى أتفرج على قناة براعم".
أخي الإنسان أينما كنت في الشرق أو الغرب، هذه هي حياة الأسرة الغزيّة التي تلتهب داخل الشمس في ظل غياب شمس الحق. حياة تنتمي لعصر قديم، عتقه أكثر الناس فقرا وأكثرهم جهلا وعبودية، فإلى متى يدوم هذا الظلم الذي تعيشه غزة ويبقيها تسكن الشمس؟؟
faridqudih@hotmail.com
حرية وحقوق غير المدخنين

حبيب معلوف / لبنان
لم يعد السؤال الذي يطرح غالبا حول مدى ضرر التدخين الذي أصبح مسلما به، بل أصبح حول كيفية تطبيق الحق في منعه، وكيفية تحديد أماكن المنع.
لقد أصبح السؤال حول ما إذا كان التدخين لا يزال يعتبر حقا من حقوق الإنسان، وإذا كان هذا الإنسان لا يزال حرا في أن يدخن!
فإذا كان التدخين حقا فعلا، هل من حق من يدخن ان يلوث بيئة وأجواء من لا يدخن. أليس من حق من لا يدخن بالمقابل ان لا يتنشق دخان المدخن؟ ألا تقف حرية المدخن عند حدود عدم انتهاك حرية غير المدخنين؟
يرتبط مفهوم الحق كما مفهوم الحرية أيضا بمسألة المعرفة، معرفة حدود الحقوق ومدى الحرية. في الأصل الإنسان كائن غير مدخن. وقد عاش زمنا طويلا قبل ان يكتشف النار. وحتى الأمس القريب لم يكن يعرف ان للتدخين السلبي، أي تنشق غير المدخن لدخان المدخن، الأضرار نفسها على صحة غير المدخن كما عند المدخن، لا سيما في الأماكن المغلقة والعامة. الآن بعد ان علم العالم بهذا الضرر، كان لا بد من تغيير وتوسيع مفهوم الحق ووضع قيود وحدود جديدة، تحمي الحريات الأساسية للكائن الإنساني في التمتع بهواء نظيف. عند هذه الحدود، كان لا بد من قوانين تحمي حرية غير المدخنين وصحتهم . .
ليس هناك من حاجة اليوم إلى إحصاء عدد المدخنين وقياسها بعدد غير المدخنين لمعرفة اتجاهات الأكثرية قبل البدء بالتشريع ووضع الضوابط. فالتشريع يقترب من العدالة بقدر اقترابه من الطبيعة وليس من أي مجموعة بشرية، مهما كبر حجمها أو عنفها، أو مهما كبرت مصالحها. فالإنسان كائن غير مدخن في الأصل، ويفترض إعطاء الأولوية في التشريع وفي تقسيم الأماكن لغير المدخنين. فمنع التدخين هو القاعدة، والسماح به هو الاستثناء. وترجمة ذلك في القانون تعني، منع التدخين في الأماكن العامة بالمطلق، والسماح به في أماكن خاصة جدا، كبعض الملاهي أو المقاهي .
ليس هناك من تعريف للإنسان الحر، الذي ربما لم ينوجد يوما بعد. لذلك يمكن اللجوء إلى التعريف السلبي للحرية. فالإنسان الحر هو الإنسان غير المجبر. هو الإنسان القادر على الاختيار والتغيير. إلا أن حرية الاختيار تقف عن حدود المسؤولية عن هذا الخيار. فالإنسان الحر هو الإنسان المسؤول، تماما كما على الإنسان المسؤول أن يكون حرا.
ليس هناك من إنسان حر فعلا. الحرية هي فعل تحرر دائم. هي محاولات للتحرر مما هو مفروض علينا بفعل عوامل متعددة. فإذا كان التحرر يقوم على رفض ما هو مفروض، فكيف يمكن تفسير فرض مدخن دخانه على غير المدخن؟
ليس من إنسان حر أصلا. الإنسان كائن مشروط، مقيد، مرتبط بجينات، بأهل، باسم، ببيئة محددة... والبيئة نفسها تحدد كينونة الكائن. يعيش كل كائن في شبكة من العلاقات مع باقي الكائنات ويرتبط معها في وحدة الحياة والمصير، وهو لا يستطيع بالتالي ادعاء حرية التحرك ومخالفة قوانين دورة الحياة التي يعيش فيها. قد يقال ان في التدخين لذة، وإن من حق الإنسان تحقيق رغباته وملذاته. إلا أن أي لذة لا يمكن ان تشبع نفسها إلا في الحياة ومن اجلها ومن اجل الاستمتاع بها وليس من اجل الموت. وحدود تحقيق أي لذة بالتالي هي عدم تهديد شروط الحياة. كما ان تحقيق لذة التدخين (المشكوك في تصنيفها ضمن الملذات بعد ان تتحول إلى إدمان) تأتي دائما على حساب ملذات أخرى كثيرة، يعطلها التدخين بشكل أو بآخر. فالتدخين يشوش على ملذات الاستنشاق والتنفس والتذوق (الطعام اللذيذ والروائح الجميلة) والنوم والاستمتاع بالصحة والجنس واللهو والمشي والتركيز... الخ والتوقف عن التدخين يعيد الاعتبار إلى تلك الملذات.
وإذا كان مفيدا جدا ان تستعين حملات مكافحة التدخين باقتصاديين لتبيان الخسائر الاقتصادية والصحية الناجمة عن التدخين، لا نعلم لماذا لم تتم الاستعانة بعلماء النفس للمساعدة على إنتاج إعلانات مضادة لتلك التي يروجها تجار ومنتجو التبغ الذين يستغلون مآسي ونقاط ضعف المدخنين. كما نشعر بالافتقاد إلى مفكرين يعيدون إنتاج مفاهيم مثل الحقوق والحريات والسعادة، بحيث تأخذ بعين الاعتبار كيفية احترام قوانين الطبيعة و"المجتمع الحيوي" وليس المجتمع المدني فقط.
دور المنظمات الدولية
في مجال حماية البيئة دور لاحق على إنشائها
إبراهيم عبدربه إبراهيم
باحث مصري متخصص في القانون والبيئة
تلعب المنظمات الدولية دوراً هاماً في مجال حماية البيئة، وتمثل إطاراً مناسباً لبذل الجهود المختلفة من أجل العمل على تحقيق هذه الحماية؛ حيث تمتلك العديد من الآليات والأجهزة التابعة لها، والتي تمكنها من القيام بهذه المهمة الشاقة، كما أن القيام بمهمة حماية البيئة يتطلب إمكانيات وخبرات فنية رفيعة المستوى قد يصعب على أي دولة توفيرها بمفردها.
وحقيقة الأمر أن معظم هذه المنظمات لم تكن تهدف في المقام الأول إلى حماية البيئة؛ لأن معظمها أنشئ في وقت لم تحظ موضوعات حماية البيئة بالاهتمام اللازم على المستوى الدولي، وهو ما يتضح من خلال النظر إلى مواثيق هذه المنظمات، والتي جاءت خالية من الإشارة إلى أية نصوص تعالج موضوعات حماية البيئة.
ولكن عندما حدث اعتداء صارخ على البيئة، لم تتردد هذه المنظمات في التصدي لموضوع حماية البيئة، ونظراً لأن مواثيق هذه المنظمات لم تشر صراحة إلى اختصاصها بالموضوعات المتعلقة بالبيئة، فقد حاولت هذه المنظمات وضع أساس قانوني يتيح لها التصدي لمواجهة الأخطار البيئية، وقد كان على رأس هذه الأسانيد نظرية الاختصاصات الضمنية؛ حيث استندت الغالبية العظمى من المنظمات الدولية إلى أهدافها العامة كي تعطي لنفسها الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية البيئة.
وفي سبيل قيام المنظمات الدولية بدورها في مجال حماية البيئة، سلكت عدة طرق وأساليب متعددة منها على سبيل المثال: وضع القواعد القانونية وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحماية البيئة، وكذلك إنشاء آليات جديدة كي تتخصص في حماية البيئة على المستوى الدولي.
فمن ناحية إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية؛ فقد ساهمت المنظمات الدولية في إعداد مشاريع العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحماية البيئة بأنواعها المختلفة، وعرضتها على الدول كي تقوم بالتوقيع والتصديق عليها، ومن ثم الالتزام بأحكامها، ومن أمثلة هذه المعاهدات:
- اتفاقية لندن لمنع التلوث بزيت البترول في البحار لعام 1954م.
- اتفاقية بروكسل الخاصة بالتدخل في أعالي البحار لحالات الكوارث الناتجة عن التلوث بالنفط لعام 1969.
- الاتفاقية الدولية الخاصة بمنع التلوث الذي تتسبب فيه السفن (اتفاقية لندن لعام 1973).
- اتفاقية حماية البحر المتوسط من التلوث (اتفاقية برشلونة لعام 1976).
- اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1986.
- اتفاقية جنيف بشأن حماية العمال من الإشعاعات المؤينة لعام 1960.
- اتفاقية الفضاء الخارجي لعام 1967.
- اتفاقية جنيف لعام 1977 بشأن الحماية من تلوث الهواء والضوضاء والاهتزازات.
- اتفاقية جنيف لعام 1979 المتعلقة بتلوث الهواء عبر الحدود.
- اتفاقية فينا لحماية طبقة الأوزون عام 1985م.
- اتفاقية الجزائر لعام 1968 بشأن الحفاظ على الطبيعة والموارد الطبيعية (الاتفاقية الأفريقية للحفاظ على الطبيعة والموارد الطبيعية).
- اتفاقية رامسار لعام 1971 الخاصة بالأراضي الرطبة.
- اتفاقية باريس لعام 1972 المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي.
التعليقات
|