![]() |
![]() |
![]() |
||||||||||||||
|
||||||||||||||||
كانون أول 2008 العدد (9) |
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا |
December 2008 No (9) |
||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
بعد مرور 24 عاما على أبشع وأكبر كارثة كيماوية صناعية في التاريخ: شركة "داو" ترفض نشر معطيات دقيقة حول خليط الغازات الذي انبعث إلى الجو في بوبال أطفال بوبال في الهند ما زالوا يولدون مشوهين خلقيا والعديد من الضحايا مصابون بالعمى
خاص بآفاق البيئة والتنمية
لن ينسى سكان المدينة الهندية بوبال(Bhopal) أبدا ليلة الثالث من ديسمبر عام 1984، تلك الليلة الرهيبة التي حدثت فيها أكبر كارثة صناعية في العالم، والتي سببها مصنع للمبيدات الكيماوية الزراعية تابع لشركة "يونيون كاربَيْد" الأميركية، وذلك حينما تسربت من المصنع عشرات الأطنان من غاز الكربمات السام MIC) methyl-isocyanate) ، مباشرة إلى شوارع المدينة، مما أدى إلى مقتل نحو 20 ألف شخص وإصابة أكثر من 150 ألفا، علما بأن العدد النهائي للإصابات لم يعرف حتى اليوم. ولا يزال عشرات الآلاف من الأشخاص يعانون من عواقب الكارثة. ومنذ عام 1984 حتى يومنا هذا، لا تزال آثار تسرب الغاز وتلوث البيئة المحيطة تنعكس بصورة خطيرة على الحقوق الأساسية للسكان المقيمين في الجوار. ولا يزال سكان المنطقة المجاورة للمصنع يصابون بالعمى وبالأمراض، لأنهم يشربون مياها ملوثة. كما أن التلوث المستمر يصيب القادمين الجدد إلى بوبال الذين لم يتعرضوا لتسرب الغاز في الأصل.
النتيجة الفورية لتسرب الغاز كانت قاتلة: وفاة ألفي شخص فورا وخلال دقائق. أما مئات الآلاف الآخرين الذين بقوا على قيد الحياة، وتمكنوا من النهوض من أَسِرَّتِهم، وجدوا أنفسهم هائمين ليلا في شوارع المدينة، علهم يجدون هواء نقيا يتنفسونه. وتحت تأثير الدهشة والصدمة الجماعية، وضغط الناس في الشوارع، انهار نظام المواصلات كليا في المدينة، ومات الكثيرون دوسا، أثناء محاولتهم الفرار. وفي المحصلة، تسببت الكارثة في مقتل عشرات الآلاف، بالإضافة إلى جرح مئات الآلاف الآخرين. كما أن الآثار الصارخة للكارثة لا تزال تتجسد في صحة سكان المدينة حتى اليوم. السبب المباشر للكارثة هو تسرب الماء إلى الوعاء الذي كان يحوي أكثر من 40 طنا من مادة MIC، حيث نتج عن التماس بين الماء وهذه المادة تفاعل كيميائي أدى إلى انبعاث غمامة سامة في الهواء تحوي على سيانيد الهيدروجين وغازات سامة أخرى. وقد انتشرت الغازات الثقيلة والسامة بسرعة في المنطقة.
الطاقم الطبي حصل على معلومات كاذبة توفي الضحايا الأوائل لكارثة بوبال في أثناء نومهم، علما بأن معظمهم مات بسبب الاختناق أو تلف الرئتين. إلا أن بعضهم توفي في مستشفى المدينة، حيث وجد الأطباء صعوبة في معالجة الأعداد الكبيرة من المصابين، بسبب انعدام المعلومات الدقيقة عن أوضاعهم. وبالرغم من حجم الكارثة، لم تزود الطواقم الطبية بأي معلومة حقيقية حول تركيب الغازات السامة التي تعرض لها الضحايا. وحين حاول الأطباء جمع بعض المعطيات من المصنع، لم يحصلوا إلا على معلومات جزئية وخاطئة، بل كاذبة. وقد بينت التحقيقات في الكارثة بأن طاقم المستشفى الإقليمي حصل على توجيهات بمعالجة المصابين باعتبارهم مجرد حالات من الحساسية الخفيفة، وبالتالي تم إعطاؤهم قطرات للعيون ومحلولا ضد السعال! وقد كلفت المعلومات الخاطئة صحة 600 ألف نسمة ممن أصيبوا أو مرضوا في الاثنين وسبعين ساعة الأولى للكارثة. وفي اليوم التالي، توفي نحو 15 ألف شخص إضافي، ومعظمهم بسبب الجروح المتعلقة بالتسمم. وإثر الجريمة، تبين أن العديد من الضحايا قد عانوا أساسا من التسمم الحاد بالسيانيد. المسئولة المباشرة عن هذه الكارثة هي شركة "يونيون كاربيد"، وهي شركة أميركية لإنتاج المركبات الكيماوية، والتي، منذ إنشائها في الستينيات، تشعبت كثيرا نشاطاتها الكيماوية، وبخاصة إنتاج المبيدات الكيماوية. وبالرغم من نفيها للمسئولية وتهربها منها، فقد أثبتت التحقيقات أن الشركة لم توفر الحد الأدنى اللازم من إجراءات الأمان للتعامل مع المواد الخطرة التي أنتجتها وخزنتها.
هروب مديري المصنع واختفاؤهم
وطوال فترة طويلة بعد الكارثة، واصل مديرو المصنع سياسة نفي علاقتهم بالجريمة ومسئوليتهم القضائية عنها، وقد هرب العديد منهم وتواروا عن الأنظار، ومنهم مدير عام الشركة وارن أندرسون الذي، وبالرغم من صدور أمر اعتقال فدرالي ضده، لم يتم تسليمه إلى الولايات المتحدة حتى يومنا هذا. ويدعي رؤساء الشركة بأن سبب الكارثة هو عمل تخريبي متعمد، وبأن المياه أدخلت عن سبق عمد وإصرار إلى الوعاء الذي يحوي مادة MIC. وبخصوص مسألة عدم توافر إجراءات الأمان، فقد ادعوا بأنه لا يوجد أي نظام وقاية يمكنه مواجهة عمل تخريبي بهذا الحجم. هكذا إذن، وفي ظل غياب إجراءات الأمان، فضلا عن انعدام التشريع والرقابة من قبل السلطات الهندية، لم تتمكن أية جهة من التأكد، في حينه، من أن مصنع الكيماويات في بوبال، بما يحويه من مواد سامة، لا يطبق مواصفات الأمان الإلزامية. وبالطبع، عدم تطبيق المصنع للمواصفات اللازمة تعارض تماما مع نشاطات مصانع نفس الشركة في الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك، لم ترفع شركة "يونيون كاربيد" أي دعوى ضد الشخص الذي تدعي مسئوليته عن "العمل التخريبي". بل، ومن خلال تورطها بدعاوى أخرى ضدها، برزت أدلة تؤكد مسئولية الشركة عن غياب معدات وإجراءات الأمان في المصنع.
عواقب الكارثة: تلوث، تشوهات خلقية وأمراض خطيرة في عام 2001 اشترت شركة "داو كيميكلز" التي تعد أكبر شركة إنتاج مواد كيماوية في العالم- اشترت شركة "يونيون كاربَيْد". إلا أن هذه الصفقة لم تغير شيئا في وضع سكان المدينة الهندية المنكوبة، إذ استمرت السياسة والحسابات الاقتصادية في فرض إملاءاتها على سير الأمور، وبالتالي تم نسيان الضحايا والبيئة اللذين تم دوسهما بالنعال.
وبالرغم من مضي سنوات طويلة على الكارثة، لم يتحرك أحد ليراقب، بشكل جدي، عملية تعقيم المنطقة. بل إن نفس موقع المصنع يستخدم حاليا كمخزن للزئبق ومواد سامة أخرى، حيث تظهر المواد الخطرة في براميل مفتوحة دون أي رقابة. كما أثبتت الفحوصات بأن مياه الشرب في بوبال ملوثة بما يزيد على 500 مرة من المسموح به حسب المعايير البريطانية. وقد بينت الفحوصات التي جرت عام 2004 على أراضي بوبال ومصادر مياهها، أن المنطقة برمتها لا تزال مشبعة بالمواد السامة، وأن الأضرار المتراكمة للكارثة لا تزال تؤثر بشكل صارخ على سكان المدينة. وتثبت التقارير الطبية أن الكثير من الأطفال الذين ولدوا في منطقة بوبال قد عانوا من التشوهات الخلقية، كما أن العديد من الضحايا مصابون بالعمى وبتشوهات باطنية ومشاكل في التنفس ومؤشرات أخرى تميز التسمم من المعادن والسيانيد.
التعويضات؟ ألفا دولار للأسرة الواحدة بعد نحو 5 سنوات من الكارثة، وتحديدا في عام 1989، توصلت شركة "يونيون كاربَيْد" مع سكان بوبال إلى اتفاق لتعويضهم، وذلك خارج قاعات المحاكم. إلا أن المبالغ التي حصل عليها الضحايا كانت تافهة، بل ومذلة: 2000 دولار لكل عائلة. وفي المحصلة، دفعت الشركة 470 مليون دولار للمصابين، و يعادل هذا المبلغ نحو سدس المبلغ الذي طالبت به النيابة. وفي المقابل، تلقت سمعة "داو كيميكلز" صفعة قوية، وتحديدا في الذكرى العشرين للكارثة ، أي في الثالث من آذار 2004. إذ، في ذلك اليوم، قابلت شبكة بي بي سي البريطانية شخصا ادعى بأنه مندوب الشركة. وفي اثناء المقابلة، أعلن ذلك الشخص بأن الشركة تتحمل المسئولية الكاملة عن الكارثة الرهيبة، ولهذا، قررت أن تعوض الضحايا تعويضا مناسبا، وأن تنظف منطقة بوبال من كل النفايات السامة المتبقية بها. وقد تبين لاحقا أن ذلك التصريح الدراماتيكي لم يكن سوى عملية توتير قام بها "أندي بيخلباوم" أحد نشيطي حقوق الإنسان. وهدف بيخلباوم أن يظهر للعالم مسئولية شركة "داو كيميكلز" عن الكارثة التي ألمت بسكان بوبال، وبالتالي إعادة أحداث ذلك اليوم إلى الوعي العام. وبالإضافة للصدى الإعلامي الذي أثارته عملية التوتير التي قام بها بيخلباوم، فقد تسببت تلك العملية أيضا في خسائر اقتصادية لا يستهان بها. إذ وبالرغم من أن الناطقين باسم الشركة سارعوا إلى نفي ما قيل في الإذاعة، إلا أن المستثمرين أخذوا يبيعون أسهمهم، مما أدى بالشركة إلى تكبدها خسائر فادحة في البورصة، خلال دقائق معدودة. وقد بلغت قيمة الهبوط الحاد نحو ملياري دولار، أي حوالي خمسة أضعاف التعويضات التي دفعت لضحايا الكارثة. وبالرغم من مرور نحو خمسة وعشرين عاما على الكارثة، فإن الغموض لا يزال يكتنف العديد من تفاصيلها. إذ أن شركة داو لا تزال ترفض حتى اليوم نشر المعطيات الدقيقة المتعلقة بخليط الغازات الذي انبعث إلى الجو، كما أن القانون الهندي لا يزال يفتقر إلى البنود الواضحة والصارمة المتعلقة بأنظمة السلامة وآليات فرضها. وحاليا، فإن كم الضحايا الكبير، والآثار البيئية الكارثية، لا تزالان تشكلان الدليل القاطع والصارخ حول الجريمة الرهيبة التي اقترفت ضد الإنسانية والبيئة في بوبال. |
||||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
التعليقات |
||||||||||||||||
|
||||||||||||||||
الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة. |
||||||||||||||||