أيلول 2008 العدد (6)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا 

September 2008 No (6)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب الصورة تتحدث الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

 

هواء وأراضي طولكرم:  مكب للغازات السامة والنفايات الكيماوية الإسرائيلية

جورج كرزم

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

تنبعث الغازات السامة التي تلوث الهواء من المصانع الإسرائيلية الواقعة على أراضي طولكرم، بالإضافة إلى الأغبرة والأسمدة الكيماوية المتطايرة مع الهواء، والمتساقطة من حمولة السيارات في أثناء عملية النقل، وهذه المصانع غير مزودة بمصاف لتنقية الهواء، حيث يسقط الدخان المنبعث منها على المباني العربية المجاورة للمصانع من الجهة الشرقية. كما أن المنطقة الصناعية غير مربوطة بشبكة مجارٍ، وتصب مخلفاتها السائلة غير المعالجة قرب المصانع في الجهة الغربية، بحيث يصل بعضها إلى الأراضي الزراعية القريبة.

 وقد تبين من فحص مكونات تلك المخلفات أنها غنية بحامض السلفانيك
 (
H2SO3) الذي يشكل مادة خاما في صناعة المبيدات العشبية. وحسب شهادة وزارة البيئة الإسرائيلية، تخلو هذه المصانع من أماكن تخزين ضمن الشروط والمواصفات المطلوبة في إسرائيل. في المحصلة، تتعرض طولكرم لآلاف الكيلوغرامات من الفضلات الخطرة، والملوثات السامة، التي تنفثها المصانع الإسرائيلية في الهواء والتربة والماء في المنطقة المحيطة بها.

وتقع المنطقة الصناعية الإسرائيلية في منطقة طولكرم في الجهة الغربية من طولكرم حيث تقع على الطريق الواصل بين مدينتي طولكرم والطيبة، وتبعد عن المنطقة السكانية العربية لمدينة طولكرم نحو مئة متر فقط،  ويوجد فيها العديد من المصانع، وأخطرها خمسة:  مصنع للفيبرجلاس والإسبست، ومصنع للغاز (أُغلق مؤخرا)، ومصنع للمواد الكيماوية والمبيدات الحشرية، ومصنع للأسمدة الكيماوية، ومصنع للكرتون. وتعد معظم الأرض المقام عليها المنطقة الصناعية أرض وقف إسلامي صودرت بقوة السلاح وبالأوامر العسكرية عام 1967، ويوجد أيضا بعض الأراضي ذات الملكية الخاصة، كما في حالة مصنع الغازات (دكسون غاز) المقام على أراض يملكها المواطن حمدان حويلة. وإجمالا، تصل مساحة الأراضي في تلك المنطقة إلى 150 دونما. 

وبسبب موقع منطقة طولكرم قرب "الخط الأخضر"، فإن كميات كبيرة من الملوثات تنبعث من المناطق الصناعية في "إسرائيل" لتصل، من خلال الرياح الغربية، إلى منطقة طولكرم؛ وبالتالي تفاقم مشكلة التلوث الهوائي في تلك المنطقة الناتجة أصلا عن الصناعات الإسرائيلية المنتشرة هناك، علما بأن العديد من المستوطنات ("الكيبوتسات") الصناعية الإسرائيلية التي تمتاز بالنشاط الصناعي المكثف،  تقع بجوار منطقة طولكرم، في "إسرائيل"، حيث تنبعث منها الملوثات إلى الجو.

 

تدمير بساتين الحمضيات ومزارع الخضروات

وقد أقيم المشروع الصناعي الإسرائيلي على أراض زراعية خصبة حيث كانت تكثر بساتين الحمضيات ومزارع الخضروات التي اقتلعت تماما.

ويتعرض حوالي خُمْس الأراضي الزراعية في المنطقة الصناعية للتلوث الكيماوي، حيث أصبحت المساحات المحيطة بالمنطقة الصناعية الإسرائيلية غير قابلة للزراعة، أما المناطق القريبة فتعاني من إنتاجية متدنية إن لم تكن معدومة، بسبب تراكم الدخان الكيماوي على أوراق الأشجار مكونا طبقة عازلة أمام أشعة الشمس؛ وبالتالي تلف الأوراق وتساقطها وجفافها. وقد تلوثت التربة وتناقصت خصوبتها وإنتاجيتها بسبب الملوثات الهيدروكربونية، والأمطار الحمضية، ومياه المصانع العادمة التي تسكب دون معالجة في الأراضي الزراعية المجاورة. أما غازات الكربون المنبعثة من المصانع فتؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري ورفع درجة الحرارة.  والجدير بالذكر أن إحصاءات وزارة الزراعة الفلسطينية تقدر حصة الزراعة في اقتصاد طولكرم المحلي بأكثر من 40%.

وإذا علمنا أن  منطقة طولكرم تكثر فيها الينابيع والآبار الأرتوازية التي تشكل مصدرا للشرب ولري الأراضي الزراعية، فإن طرح المصانع الإسرائيلية لمخلفاتها السائلة في الأودية يؤدي بالتالي إلى تسرب هذه المخلفات إلى طبقات الأرض الجوفية، وتلويث كبير في مصادر المياه الجوفية.

 

مركبات خطرة على الجهاز العصبي

تنتج المصانع الإسرائيلية في منطقة طولكرم الصناعية مواد كيميائية خطرة على صحة الأهالي، مثل المبيدات الحشرية أو العشبية، وأكاسيد الكربون والكبريت والنيتروجين، والأمونيا والكلور، فضلا عن تسرب المركبات الهيدروكربونية من خزانات الوقود في المنطقة الصناعية، علما بأن تعرض الإنسان لهذه المركَّبات بشكل متواصل مدة 30 دقيقة بتركيز 15 جزءا من المليون قد يتسبب في إتلاف خلايا الدماغ والجهاز العصبي،  أما التعرض لكميات قليلة فقد يؤدي إلى تلف الكبد والكليتين.  

وتعد مصانع البلاستيك والفيبرجلاس الإسرائيلية، مثل مصنع "شاحف" للفيبرجلاس، من أخطر المصانع في طولكرم، حيث يستخدم المصنع أنواعاً خاصة من الدهان يدخل في تركيبها الرصاص، فضلا عن مواد عازلة مثل الصوف الصخري والإسبست والفيبرجلاس، وعند حرق مخلفاته بشكل عشوائي ينبعث الدخان الغازي الأسود الكثيف والسام، والغيوم الحامضية فوق منطقة المحطة في طولكرم، حيث ينتشران بسرعة ليغطيا بضعة كيلومترات. وقد أقيم مصنع "شاحف" أصلا للاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة والإعفاءات الضريبية، بالإضافة إلى الترخيص من وزارات الصحة والبيئة والزراعة الإسرائيلية.  وقبل بضعة أعوام بيع مصنع "شاحف" إلى مصنع "جيشوري".

تفاقم أمراض الجهاز التنفسي والسرطان

أما مصنع "سول أور" (مصنع اسطوانات الغاز) فيعد من المصانع الإسرائيلية المريبة في طولكرم، حيث يغلق المصنع إغلاقا كاملا ويمنع دخوله بشكل مطلق.   

  كما أن مصنع "ديكسون غاز" الذي تم نقله من مدينة "نتانيا" الإسرائيلية إلى طولكرم، يحرق مخلفاته الصلبة في الهواء الطلق، علما بأن جزءا أساسيا من تلك المخلفات يتكون من البوليستر والفيبرجلاس اللذين يستعملان للعزل الحراري في صناعة الثلاجات، وعليه فإن حرق تلك النفايات يؤدي إلى انبعاث دخان أسود خطير، وغازات سامة تحملها الرياح الغربية إلى المناطق المأهولة في مدينة طولكرم والقرى المجاورة، وهذا يتسبب في مخاطر صحية كبيرة، علما أن أمراض الجهاز التنفسي لدى الأطفال في غربي مدينة طولكرم حيث تتركز المصانع الإسرائيلية، أصبحت ظاهرة شائعة.      

ومن الأمثلة الأخرى البارزة على المصانع الإسرائيلية التي تلوث الهواء في طولكرم، مصنع "جيشوري" الذي ينتج مبيدات الأعشاب والأسمدة والحوامض، علما أن المصنع كان قد أغلق في مكان تواجده الأصلي في "كفار سابا" بأمر من المحكمة الإسرائيلية في أوائل الثمانينيات، بل ومنع من العودة للعمل في المناطق الزراعية أو المأهولة بالسكان، ومع ذلك أعيد إنشاؤه عام 1987 في مدخل مدينة طولكرم وعلى أرض الوقف الإسلامي المصادرة، حيث عاد ينتج وينفث سمومه. وتقع على حدود المصنع، من الجهة الأولى أرض زراعية، ومن الجهة الثانية منطقة سكنية فلسطينية.  ولدى إنشاء المصنع، أبرزت الصحف الإسرائيلية اعتراض المستوطنين في مستوطنة "نتساري عوز" على إقامته هناك بجوار المستوطنة، ورفعوا الاحتجاجات، بما في ذلك "للكنيست"، إلا أنهم أُخْبِروا بأن المصنع يقع في الأراضي المحتلة، وبالتالي فإنهم لا يملكون عمل أي شيء، بل إن صاحب المصنع طمأنهم بأن عليهم ألا يخافوا من التلوث، لأن الرياح تهب باتجاه الشرق (أي باتجاه مدينة طولكرم). وبالفعل، تهب الرياح باتجاه الشرق محملة بالغازات الممرضة والسامة التي تسببت بأمراض الربو وبأمراض تتعلق بالجهاز التنفسي لمئات الأطفال الفلسطينيين في منطقة طولكرم ، علما بأن العديد من الأطفال الذين ينتمون لنفس العائلات التي تسكن على مسافة عشرات الأمتار من مصنع "جيشوري"، أصيبوا بأمراض صدرية  والتهابات رئوية وبالربو.

وفي السنين الأخيرة، لاحظت المؤسسات الطبية في المدينة ارتفاعا كبيرا في نسبة أطفال مدارس طولكرم المصابين بأمراض سرطانية.

ومن الملاحظ أن سكان المنطقة المجاورة يعيشون في خوف وقلق دائمين بسبب الحالات المرضية التي تسببها المنطقة الصناعية، مما يؤدي إلى نزوح بيئي اجتماعي.  

قواعد عسكرية مغلقة

في أوائل انتفاضة الأقصى (تشرين الأول 2000) هاجم مئات الشباب الفلسطينيين الغاضبين بضعة مصانع إسرائيلية تنتج الموت البطيء لسكان طولكرم مثل مصنعي "جيشوري" و"ديكسون غاز" حيث حطموا محتوياتها وأضرموا النار فيها. وفيما بعد، أعاد الإسرائيليون على وجه السرعة بناء وترميم وتشغيل المصانع، حيث وضعت الحراسات المشددة عليها وأقيمت الجدران حول المنطقة الصناعية لمنع الاقتراب منها أو اقتحامها.

وفي أذار هذا العام، قتل مقاوم فلسطيني حارسين إسرائيليين مهمتهما تفتيش العمال الفلسطينيين القادمين يوميا للعمل في المصانع الإسرائيلية في المنطقة.

ويؤكد العمال العرب الذين يعملون في هذه المصانع، أنه، وفي أعقاب هجوم شباب طولكرم على بعضها، ازدادت كثيرا الحراسات الإسرائيلية عليها، واشتد الحصار المضروب على المدينة، وتحولت تلك المصانع إلى قواعد عسكرية مغلقة، مما جعل من المستحيل على أية جهة مراقبة، فلسطينية أو خارجية، أن تتابع وتراقب طبيعة النشاطات الصناعية في داخل المنطقة الصناعية الإسرائيلية في طولكرم.  وقد سهَّل هذا الوضع على أصحاب هذه المصانع مواصلة إطلاق المزيد من الغازات السامة في أجواء المدينة، وإلقاء النفايات الكيماوية الصلبة والسائلة الخطرة، والملوثة للهواء والأرض والمياه الجوفية.

 

ملاحظة هامة:  إذا كنت تعرف عن المزيد من الانتهاكات والجرائم البيئية الإسرائيلية المقترفة في الضفة الغربية بشكل عام، وفي منطقة طولكرم، بشكل خاص، الرجاء إبلاغنا عنها، أو الكتابة حولها (لمجلة آفاق البيئة والتنمية) على العنوان التالي:  george@maan-ctr.org

 للأعلىé

 

 

التعليقات

 
 

البريد الالكتروني: sufyanm@gmail.com

الموضوع: رئيسي 2-العدد 6

التعليق:

أعتقد بأن تسليط الأضواء على جرائم إسرائيل البيئية هام وضروري، لكن الأهم هو طرح آليات عمل استراتيجيات لمواجهة هذه الجرائم...

مصطفى سفيان


البريد الالكتروني: abarghoth@hotmail.com

الموضوع: رئيسي 2-العدد 6

التعليق:

نشكركم جزيل الشكر على ما تم كشفه من معطيات بيئية وصحية خطيرة ناتجة عن الجرائم البيئة الإسرائيلية والتي ستفيدنا جدا في الحملات الإعلامية التي يقوم بها اللوبي البلجيكي المتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وبخاصة أننا نوثق حاليا كل ما يتعلق بالانتهاكات والجرائم الإسرائيلية ضد الإنسان الفلسطيني وأرضه وبيئته لرفعهاإلى البرلمان الأوروبي..

أيمن برغوت / بروكسل


البريد الالكتروني: nakawi_cc@gmail.org

الموضوع: رئيسي 2-العدد 6

التعليق:

لأول مرة أجد موقعا إلكترونيا عربيا بيئيا مهنيا شاملا ومحترما في تغطياته وتقاريره التي تعد وبحق علامة إعلامية وعلمية مميزة ورائدة..

نعمة الله عكاوي


 

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
 
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.