مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز - آب 2013 - العدد 56
العودة إلى الوراء.. كخيار عواصف ورقية تغزو القطاع سنويًا !! تهويد خربة سيلون: وزارة المعارف الإسرائيلية تضمها ضمن مخطط الرحل المدرسية والفلسطينيون محرمون من الوصول إليها مشروع بحث جودة المياه في عين سلوان بالقدس: تم الكشف عن مؤشرات خطيرة حول سوء سلامة وجودة المياه شذرات بيئية وتنموية: أغنام "رقمية" وحمى"أراب أيدول" ورمضانيات وسجائر! هلال ملحيس: سبعيني يُلاحق قضايا البيئة! الإضاءة الأطماع الاقتصادية الضخمة والمذابح المتوقعة لغابات اسطنبول وثرواتها الطبيعية من أهم الأسباب الكامنة خلف انفجار حركة الاحتجاج الشعبية التركية تهديد صيني بالرد على الإجراءات الحمائية الأوروبية ضد الألواح الشمسية كفاءة السيارات في استهلاك الوقود أقل مما تعلنه الشركات المصنعة تحور فطري يسهل ويقلص كلفة إنتاج وقود الإيثانول الحيوي من مخلفات الأخشاب والقش منظمة الأغذية والزراعة: زيادة الطلب على الغذاء سيرفع كثيرا الأسعار العالمية عام 2012: رقم قياسي عالمي لانبعاثات الكربون البيئة في أدب صنع الله إبراهيم زهرة من أرض بلادي: الدفلى قراءة في كتاب: الرواسب النفطية...ما الذي يدفع بشركات النفط الى البحث عن مصادر اقذر وأعمق
Untitled Document  

: منبر البيئة والتنمية

العودة إلى الوراء.. كخيار

حبيب معلوف / بيروت

تفتح قضية هدر أكثر من ثلث الطعام العالمي التي أثرناها سابقا أكثر من إشكالية في العالم اذا ما تم ربطها بتوقعات العلماء بأن يصل عدد سكان العالم الى نحو 9 مليارات نسمة بحاجة إلى طعام بحلول العام 2050. واذا ما تم ربط هذه الإشكالية أيضاً بتوقعات تتعلق بالارتفاع المرتقب بدرجات الحرارة على كوكب الأرض، والتي من المتوقع أن تزيد بمقدار أربع درجات مئوية بحلول نهاية القرن، مما سيلحق أضراراً جسيمة بإنتاج الغذاء في العالم... فسنصبح امام سيناريوهات في غاية السوء تفوق بخطورتها ما كان يُسمّى "الكوارث الطبيعية" التي كانت تعرفها البشرية. ستنعقد في الفترة المقبلة مؤتمرات عالمية كثيرة بالطبع للتباحث في هذه الكوارث المرتقبة، إلا ان الرهان الضمني الحقيقي، كما تعتقد معظم حكومات العالم في البلدان المتقدمة وتلك النامية على السواء، هو على العلم والعلماء لإيجاد الحلول. هذه الخلفية والرهانات الضمنية سترفع من أسهم الشركات التي تعمل في "الهندسة الجينية"، لا سيما على تعديل جينات النباتات لتصبح أكثر إنتاجية، وقد بدأ الإعداد لهذا التوجه منذ 40 سنة تقريباً، بالتزامن مع بدء الحديث عن استنزاف موارد الأرض وتدهور حال التربة والمياه. مقابل هذه المساعي "التقنية" التي كان يروّج لها خبراء الشركات، المقربون من مراكز القرار والذين يعمل معظمهم بصفة "مستشارين" عند حكومات وحكام ومسؤولين، كان هناك من يقول دائماً إن هناك غذاءً كافياً للجميع وإن المشكلة هي في سوء الإدارة والتوزيع وفي اقتصاد السوق القائم على المنافسة والاحتكار والاستغلال. ولطالما اكد هؤلاء أن هذه القضية لا تتعلق بنقص الغذاء، مشيرين إلى استخدام كميات كبيرة من المنتجات الصالحة للأكل لتغذية الحيوانات أو إنتاج الوقود الحيوي، أو تركها حتى تفسد أثناء التخزين أو حفاظاً على الاسعار والمضاربات... الخ.
بالإضافة الى قواعد السوق التي يفترض ان تتغير اذا كنا امام كوارث آتية، وبالإضافة الى ضرورة تغيير الانظمة الاقتصادية المسيطرة، تتحمّل الانظمة الغذائية الحديثة التي تعتمد في جوهرها على استهلاك اللحوم (ومشتقاتها) مسؤولية كبيرة أيضاً، لاسيما تلك المأكولات المصنّفة "سريعة"، مع العلم أن الاعتماد على اللحوم بشكل اكبر هو عند الطبقات الميسورة أكثر .
فالوجبات الغذائية التي تحتوي على لحوم كثيرة تستنفد الموارد، نظراً لتخصيص كميات كبيرة من الحبوب والمزارع لتربية المواشي، بدلاً من استغلالها لزراعة المحاصيل الغذائية. وقد ذهب بعض الخبراء الى وصفها بالتقنيات غير الفعالة والبائدة لتحويل الغذاء إلى لحوم.
لا تتوقف الاشكالية عند هذا الحد، فتربية الحيوانات المكثفة بحد ذاتها تنتج غازات تساهم في زيادة غازات الدفيئة وتساهم في قضية تغير المناخ. ولعل العودة الى النظام الغذائي القديم الذي كان يقوم بشكل رئيسي على الحبوب والخضار والفواكه هو الخيار المنقذ هذه الأيام، أكثر من اي تقنية حديثة، مهما بلغت درجة تقدمها او تعقيدها .
حول هذا الموضوع، برزت مفارقة أخرى. فلقد لجأت شركات لاستخدام قسم من الزراعات لإنتاج ما يسمى "البيوايتانول"، اي الوقود العضوي المنتج من النباتات كبديل عن الوقود الاحفوري المتهم الرئيسي بتغير المناخ.
وبالرغم من الحملات الدولية المنددة بهذا الخيار والتي رفعت شعار "يجب ان نأكل قبل أن نقود"، لا تزال حقول كثيرة في العالم التي كان يفترض ان تخصص للزراعات الغذائية تتحول الى انتاج وقود السيارات. وهي مفارقة على انظمة النقل الحديثة ان تحلها بالعودة ايضاً الى اعتماد سياسات تعطي الأولوية للنقل العام كما كان الحال دائماً. اي العودة الى الحلول التي كانت معتمدة قديماً بدل الاتكال على تقنيات حديثة .
لن يكون مطلب العودة الى الوراء مقنعاً بالطبع عند الذين يؤمنون بـ"التقدم"، والذين يراهنون على العلم لحل المشاكل، حتى تلك التي يتسبب بها هو نفسه. لذلك سيظهر مجدداً دعاة "تكثيف الزراعة"، من خلال تعديل البذار (جينياً) وعبر تربية الماشية الأكثر كفاءة من حيث تحويل الموارد إلى لحوم أو ألبان. بالإضافة الى تقنيات إنتاج اللحوم في المختبرات باستخدام الخلايا الجذعية العضلية... وكلها خيارات تتلاعب في أسس الحياة ولا أحد يستطيع أن يتكهن ما ستكون عليه النتائج، لاسيما على المديين المتوسط والبعيد.
لا أحد يستطيع أن يتنكّر للعلم بالطبع. ولكن عن أي "علم" نتحدّث؟ فعندما تحوّل معظم علماء العالم الى خبراء لمصالح شركات تقوم بإنتاج هذه التقنيات "المتقدمة"... وعندما لا يكون هم هذه الشركات غير الربح والمزيد من الإنتاج والتسويق والمنافسة... علينا أن نخاف كثيراً من عواقب النتائج، تماماً كما حصل مع تقنيات كثيرة كانت قاتلة كاستخدام التقنيات الذرّية والمبيدات والأسمدة الكيميائية.
نتيجة هذا الخوف معروفة عادة. إما أن نغيب عن الوعي لوضع حد لحالة الخوف النفسية. وهو نوع من الهروب المؤقت إذ سرعان ما سنعود الى الواقع ليصدمنا. وإما ان نواجه بالمزيد من التقدم، وان نحو الهاوية. وإما ان نعود الى الوراء.
فإذا تأملنا في هذه الخيارات المحتملة والمتاحة، ألا يصبح خيار العودة الى الوراء هو الأقل كلفة والأقل مغامرة ومخاطرة، ويمكن أن يريح على المستوى النفسي على الأقل؟

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية