مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
نيسان 2013 - العدد 53
حالة إحباط تسيطر على منتدى الجنوب المدني حول التنمية المستدامة رثاء زائر عزيز! شذرات بيئية وتنموية: كذب أخضر وزراعة مُفترى عليها وأوضاع بالمقلوب! طوباس: روضة تغرس الأحلام الخضراء! بسبب انعكاساتها المدمرة على المجال البيئي في المنطقة: جمعيات ومنظمات مغربية تطالب بإلغاء مناورات عسكرية مغربية ـ أمريكية خلال شهر نيسان في طان طان المغرب يخطط لسد عجزه بإمدادات الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح النفط الصخري قد يغير السياسات الاقتصادية في الخليج نظام اقتصادي مواز في إسبانيا لمقايضة السلع والخدمات يجتذب مئات الآلاف الزراعة المنزلية البيئية بدون حديقة الطعام التراثي الموسمي الفلسطيني: الــقـمــح أقدم وأقدس طعام البيئة في فكر عبد الرحمن منيف (1) زهرة من أرض بلادي: الدبق (عنيبة) أجندة "التعليم البيئي": بحث عن العدالة الخضراء وانحياز للتوعية بيت صيدا
Untitled Document  

:تراثيات بيئية

 

الطعام التراثي الموسمي الفلسطيني
الــقـمــح أقدم وأقدس طعام

الباحثة: نادية البطمة
مركز حسن مصطفى الثقافي

يعتبر القمح من اقدم ما عرفه الانسان من الغذاء لاسيما في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط، ويعود عهد الانسان به الى العصر الباليولتي (الحجري)، وتشير الحفريات الاثرية ان  للقمح نصيب عظيم من احترام الناس وتقديرهم واعتبارهم اياه نباتا مباركا يستحق التقديس والتوقير، وله منزلة سامية في الطب القديم. ويسمى القمح ايضا حنطة ووبر.
في وطننا فلسطين، يشعر الفلاح بالامتنان تجاه الله الذي يعطي كل شيء بعد الانتهاء من الحصاد، ولهذا يقدم لبعض المقدسات والمقامات أول الفاكهة مثل العنب وأجود الزيت وهكذا، كما يعتقد أن اول صاع من القمح كان صاع الخليل ابراهيم عليه السلام، الذي يعطى للفقراء.

وكما ورد في فلكلور النبات للدكتور توفيق كنعان: "يذبح خروف عند الانتهاء من درس القمح ويدعى خروف الخليل، ويعلق كثير من المسلمين في الولي " كف قمح" وتدعى ايضا "مشط قمح" او قشط قمح واحد او اكثر كعلامة لامتنانهم.

ويعتقد الشرقيون ان القمح في الاصل كان شجرة لمعرفة الخير والشر والتي كانت موجودة وسط جنة عدن، ومنها قطف الثعبان الثمرة واعطاها لحواء وكانت حبة القمح بذلك الوقت بحجم الخيارة، فقام ادم بزرعها ولكنها نمت بحجمها الحالي فقط.
ويقال بأن حبوب القمح ما زالت تحمل حرف (أ) وهو اول حرف لكلمة الله، ولذلك تعامل باحترام ويبذل الفلسطيني اقصى اهتمامه بعدم ايقاع فتات الخبز على الأرض، واذا صدف وان وجد قطعة خبز على الارض يرفعها باهتمام ويقبلها في مكان لا تطأه الاقدام.
وهناك قصة تتناقلها الأجيال توضح هذا الاهتمام، فقد حدث مرة ان رجلا غنيا دعا الله ان ييسر له تصريف جزءٍ من ماله للمحتاجين حيث انه لا يستطيع انفاق كل ما يملك، فأرسل الله اليه الملاك جبريل عله السلام الذي قال له:
اذا اردت ان تستجاب دعواتك، تناول طعامك وأنت تمشي، فاتبع الرجل النصيحة السماوية ولكنه ثبّت حول عنقه كيسا ذا فتحة واسعة خوفا من وقوع فتات الخبز على الأرض وعندما رأى الله عظمة ولاء خادمه لأصغر هبة وهبها له، منحه عشرة امثال ثروته.
ويذكر اسم الله لضمان البركة على القمح مثل: الزرع، والدرس، والغربلة، والكيل، والطحن وكذلك العجين والخبيز وتقطيع الخبز واكله واول وجبة تطبخ من محصول القمح بعد غربلته وتنظيفه وتدعى "سماط"، وتقدم "لخليل الله" او لقديس او لولي من الاولياء ومن ثم توزع على الفقراء.
وتوضح بعض الاقوال امتياز القمح عن غيره من الحبوب ومنها:
-  " العيش مصحف الله"   
ويسمع المثل التالي في الخليل " لو الله بيوكل، لأكل خبز وعنب"
- وفي الاقوال الشعبية للسؤال عن نجاح مهمة او فشلها يقولون: " قمحة ولا شعيرة ؟" والقمحة رمز النجاح والشعيرة رمز الفشل.
- ويسمع المثل التالي في طولكرم: في ايام الحصايد بنغني قصايد، بمعنى ان العمل الشاق مثل الحصاد يعتبر مناسبة مفرحة دائماً، ويقوم بالعمل الرجال والنساء والأطفال، ويغنون في الحقل وفي الايام والليالي التي يقضونها على البيادر.
- زوان بلادك ولا قمح الصليبي، بمعنى ان فتيات بلدك افضل من الغريبات الجميلات
- هوا السبل بيهد الجبل، بمعنى ان الفلاح يخشى الرياح القوية عند ظهور سنابل القمح حيث ان مثل هذه الرياح تؤذي السنابل.
وتعبر الدلعونة عن امتنان الفلاح ورضاه بما رزقه الله من خير فيقول:
غربلت قمحي من الزوانِ          وبظل عالبيدر والله بامانِ      
عايش في ارضي سلطان زمانِ           ما بظلم حدا وما بظلمونا 
وترغب ربات البيوت ذوات الكفاءة العالية في ادارة المنزل وتوفير الطعام لأسرهن، ان يكون لديهن المخزون الكافي من القمح فتقول:" ان كان القمح  في البيت  فرحت وغنيت"
- " الخبز والزيت عمارة البيت "
قيل انه عندما اراد النبي عليه الصلاة والسلام تزويج ابنته من علي اعترضت على الزواج بسبب فقر علي، وحينئذ اجابها والدها: " تبارك الله في الفقير ابن الفقير، تبارك الله في القمح خلط الشعير".
ويصنف الفلاحون خصائص كل من القمح والشعير والذرة بالحوار التالي:
" انا القمح برمح رمح بتقدم للضيف بلا غماس "
" انا الذرة الذراية زي الرمح العالية، زيني زين الملاح طولي طول الرماح وتقول ايضا "انا الذرة المتذارية ام الفروع العالية يسرحوني في الجربان بيرجعوني عالجمال".
اما الشعير فهو محتقر "الشعير للبعير " واحيانا تسخر الذرة من القمح وتقول " اسكت يا اصفر يا مبطبط يا ملعبة البنات ".
ومع ان الارز من اهم الاطباق العربية لكنه لا ياخذ مكانة القمح " الرز ما هو عيش ما بيشبع ولا جحيش "،  "جحش صغير "
الخبز والرز هما الغذاء الرئيسي للشرقيين وخصوصا الطبقة الوسطى منهم، ويستعين الفقراء عنه بالبرغل والعدس الارخص ثمنا وهما بمثابة ارز الفلاحين فيقال " العدس رز الفلاح"
والبرغل من منتجات القمح والفرق بين الارز والبرغل يعبر عنه بالقول " العز للرز والبرغل شنق حاله "
وفي اول ليلة من شهر رمضان ينثر الفلاح في مدخل البيت حفنة من سبعة انواع مختلفة من الحبوب هي القمح والشعير والذرة والكرسنة والدخن والعدس والفاصوليا، وفي بعض الاماكن يضاف اليها الملح.
كان يعتقد ان هذه الطريقة فعالة في منع الارواح الشريرة من دخول البيت، ويظن انهم يختفون في شهر رمضان خلف جبل الكاف.
ويروى ان فاطمة الزهراء ابنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، عندما ارادت ان تدخل غرفة نوم والدها في فترة حيضها لفت انتباهها وجود حبة القمح على العتبة فتراجعت فورا لانها لم ترد ان تخطو فوق حبوب العيش المباركة وهي في حالتها تلك، وفي الايام التالية كانت تمتنع عن الدخول للسبب نفسه، حيث كانت حبة القمح تظهر وتختفي بصورة عجيبة، وعندما انتهت فترة حيضها اختفت حبة القمح، وحتى يومنا هذا لا تدخل امرأة أي مزار او تخطو فوق أي شئ مقدس في فترة حيضها. وايضا لا يمكن لأي امرأة مسيحية وهي في فترة حيضها مرافقة جوقة الترتيل في أي كنيسة شرقية.
ويقال ايضا بأن رجلا اسود وجد قطعة من الخبز على بقعة نظيفة، فرفعها واكلها ونتيجة عمله الطيب حلت البركة عليه، فلوّن خده الذي مضغ قطعة الخبز وأخذ يشحب تدريجيا وأصبح لونه ابيض.

مما تتألف حبة القمح
 تتألف حبة القمح من غلاف خارجي ينبذ بعد الطحن ويؤلف 9% من وزن القمح وهو ما يسمى بالنخالة. وتلي الغلاف الخارجي طبقة رقيقة جدا تؤلف 3% من وزن الحبة وهي تحتوي على عنصر الآزوت، وما تبقى من الحبة فهو الطبقة الداخلية النشوية وهي قوام  الدقيق الابيض الصافي، وهذه الطبقة تشغل 85% من وزن الحبة ثم الرشيم او (جنين القمح) وهو قسم صغير يتمركز في زاوية من زوايا حبة القمح. ويؤلف 4% من وزنها، وهو لا يكاد يرى بالعين المجردة إلا بصعوبة، ولكننا نستطيع تمييزه وتحسسه اذا ابتل القمح بالماء او اصابته رطوبة، لأن الرشيم – آنذاك يبرز قرنه كما يرفع رشيم البطاطا راسه اذا ما خزنت في مكان رطب ندي.
ويتألف الخبز الاسمر من طحن حبوب القمح كاملة أي بأغلفتها وأجنتها وطبقاتها الداخلية.
ويعتبر رشيم القمح غنساً بالفيتامينات والمعادن، ويليه الغلاف الخارجي (النخالة )، اما الطبقة الداخلية المؤلفة لقوام الحبة فهي خالية من جميع هذه العناصر.

نخالة القمح:
-الردة- لها اهمية عظيمة في الغذاء والدواء.. ولذالك فإن الخبز الاسمر المشتمل على النخالة يعتبر المغذي الحقيقي والأنفع، حيث أن الخبز الأبيض الخالي من النخالة يفتقد للفيتامينات والمعادن، فيوجد في النخالة: الكالسيوم الذي يبني العظام والسيلكون يقوي الشعر ويزيده لمعانا، واليود يعدل عمل الغدة الدرقية، والبوتاسيوم والصوديوم والمغنيسوم عناصر تكون الانسجة والعصارات الهاضمة.

القمح غذاء ودواء ويوصف في حالات كثيرة كالآتي:
- يستعمل مغلي النخالة كمهدئ للسعال والزكام الخفيف والحميات، وذلك بغلي مقدار قبضة منها في لتر من الماء، ثم يشرب هذا المغلي.
ويفيد مغلي النخالة مع قليل من العسل في حالات تقرحات المعدة والامساك، وبدون عسل يفيد في حالات الاسهال المزمن.
- غسل الوجه جيدا بمغلي النخالة يجمله وينقيه من الكلف.
- استعمال كمادات من النخالة مع الخل يفيد في حالات الالتواءات المفصلية.
- لعلاج الروماتيزم  يتم عمل حمام من مغلي النخالة، وذلك بغلي كيلو غرام من النخالة في خمسة لتر من  الماء  لمدة نصف ساعة ثم يضاف هذا المغلي الى ماء الحمّام.
- يستخدم دقيق القمح كعلاج لتهيجات الجلد الملتهب، وذلك بعمل عجينة توضع فوق الجلد وتربط حتى الصباح، لتزول الالتهابات والاورام وتخف الاوجاع.
- ان الخبز غذاء ممتاز لا غنى عنه للإنسان، وأول طرق الاستفادة تكون بمضغه جيدا، كما ان الخبز الجاف اسهل هضما... لذا يستحسن تحميص الخبز ليسهل هضمه والمضغ الجيد يمكّن الغدد اللعابية التي تفرز "خميرة اللعابين" التي تحل المواد النشوية وتحولها من مرحلة الى أخرى حتى تصبح قابلة للهضم في المعدة، وابتلاع الخبز الطازج دون مضغ تام لاسيما الطازج منه يتحول الى كتل لا تستطيع العصارات الهاضمة ان تصل اليها.
لذا انتشر تناول الخبز المحمص "التوست" لدى الغرب وتم صنع الات منزلية خاصة لتجفيفه وتحميصه.
- ومن السهل الحصول على الفائدة المنشودة من نخالة القمح الثمينة، بإضافة جرام واحد من مسحوقها الى طعام كل شخص في كل وجبة، والى الاطعمة التي توصف بصعوبة الهضم والتي لا تعطي فائدة غذائية كبيرة.
وهذه الكمية البسيطة تعطي نتائج مفيدة جدا في حالات عسر الهضم والمغص.
ويمكن تناولها للكبار والصغار على السواء، وهي في الوقت نفسه تعتبر تابلا من التوابل تعطي للطعام نكهة طيبة.
وقد ثبت علميا ان تناول خبز القمح مع نخالته –الخبز البلدي- يقي الاعصاب والدماغ وأجهزة التناسل والدم والعظام والاسنان والشعر، ويعدل وظيفة الغدة الدرقية وينشط العصارات الهاضمة ويحفظ الجسم من عدة امراض ويعطيه الحيوية والنشاط.
ومن اصدق ما وصفت به حبة القمح (البيضة النباتية) لأنها تحتوي اكثر العناصر الفعالة والضرورية للغذاء.

منتجات القمح الغذائية
صناعة البرغل
يغسل القمح المنقى من الزوان والمغربل من الحصى والتراب والمنقى من الشوائب، ويوضع في دست كبير او حلة نحاسية سابقا ثم من الالمينيوم، واليوم يفضل ان تكون من ستينلس تيل أي الصلب الذي  لا يصدأ.
- يسلق القمح نصف سلقة لأنه سيكتمل طبخه في الوصفات واذا نضج فانه سيكون مائعا كثيرا.
- بعد سلقه، يشمس لسبعة ايام على السطوح حتى يجف تماما مع وضعه ليلا بداخل المنزل خوفا من الندى.
- وفي مناطق الخصب ومناطق زراعة القمح في السهول بكثرة، كان يعد يوم سلق القمح عيدا، حيث تؤخذ منه كميات يطيبونها بالسكر او الدبس وماء الزهر وحب الرمان والمكسرات.
- بعد ان يجف القمح المسلوق يجرش على المجرشة الحجرية (الطاحونة) ثم يذرى مجددا في الهواء للتأكد من نظافته ثم "يقطع" او يصنف الى برغل خشن وبرغل ناعم ولكل منهما استعمالات خاصة به، فالبرغل الناعم يستعمل للكبة والخشن للطبخ.
- ويعدّ من البرغل وصفات عدة، ويستعمل في تقشيد وصناعة السمن البلدي حيث يضاف الى الزبدة المغلية ويمتص اللبن ويكتسب طعم البهارات الخاصة واللون الاصفر، وكان الناس يأكلونها بعد تصفية السمن وفصله عنها، وكانوا يضيفون منها في حشوة المحاشي فتكسبها طعما لذيذا دسما ويسمونها (قشدة).
وفي مناطق البادية والقريبة من مناطق صناعة دبس العنب كالخليل، كانوا يعدون اكلة بسيسة القدرة بالبرغل مع السمن البلدي، بينما تعد في المناطق الجبلية بزيت الزيتون والسميد او الطحين، ويفرك دقيق البرغل الناعم مع السمن، وهذا الدق هو ما يخرج من البرغل تسنينه وفصله.
-  نضيف دبس العنب ونخلط المواد حتى نحصل على عجينة متماسكة تمد في صينية وتخبز.
- من الممكن تقطيعها مثل الكبة بالصينية ثم تقدم.
- التنسيف: هو نسف الحب بالمنسف أي نفضه وتذريته، والمنسف جمعها مناسف وهي الغربال كما يسمى الوعاء الذي توضع فيه اكلة المنسف المشهورة وهي فتة اللبن واللحم والأرز بالمنسف.
- ومن اكلات البرغل انواع الكبة التي تشتهر بها مناطق زراعة القمح الشمالية منها خاصة مثل كبة بالصينية مفرودة ومقطعة وكبة لبنية وكبة ارنبية وكبة مشوية وكبة مقلية.... الخ
- ويستعمل البرغل بدل الارز مع اكلات اليخاني او يضاف اليه الخضر واليخنة بالزيت البلدي والبندورة ويستعمل مع قليل من الارز منفردا في المحاشي البلدية، مثل ورق العنب بالزيت او ورق القرنبيط او ورق السلق وورق اللفت وورق اللسان، ومحاشي الكوسا خاصة ايام الفقر وانعدام وجود الأرز ولا يزال هناك من يرغب بالنكهة والطعم ويستعمله في المحاشي خاصة في الاكل "الصيامي"، الذي يعتمد على النبات والخالي من الأطعمة الحيوانية،  فالبرغل يعطي شعورا بالشبع والامتلاء، وهناك اكلة المجدرة أي العدس والبرغل.

وصفة الكبيبة بالصينية :
لكل وقية من اللحم فنجان ونصف من البرغل في فصل الصيف وفنجانان من البرغل في الشتاء.
تدق اللحمة حتى تنعم جيدا والافضل ان تدق لحمة الكبة في الجرن فيبقى عرقها اقوى وتبرك فتتحمل اكثر من البرغل، ويمكن ان تفرم بماكنة اللحمة ايضا.
يصول البرغل بالماء ويعصر حالا ويضاف الى اللحمة مع البصل المدقوق والفلفل والبهار والملح، ثم يجبل البرغل مع اللحمة وبطريقة الفرك مع قليل من الماء البارد في الشتاء والماء المثلج في الصيف، ثم تدق الكبة بالجرن حتى تنعم، مغطسا المدقة بالماء البارد اثناء الدق حتى تنعم اللحمة والبرغل ثم تدهن الصينية بالسمن ويفرش عليها راقة رقيقة من الكبة المدقوقة ثم يفرش فوق الراقة من التطبيقية من اللحم الصنوبر والبصل المقلي ( أي الحشوة). تغطى براقة أسمك من الاولى ثم تقطع كقطع البقلاوة الصغيرة ويمد فوقها اكثر من فنجان من السمن حسب الكمية، ويعمل فتحة في وسط الصينية بقدر دائرة الكشتبان حتى يتمكن السمن ان يتخلل الكبيبة ثم يخبز، بعد الخبز تغطى بصينية اخرى اوسع من صينية الكبة حالا حتى تبقى طرية، واليوم تغطى بورق القصدير.

الكبيبة باللبن:
(او عصير بندورة او شوربا)
يمكن ان تقرص الكبيبة كما اعدت في الوصفة السابقة اقراصا محشوة باللحم والصنوبر والبصل المقلي او محشو بالدهن والبهارات والملح وتسلق باللبن او بمرق اللحم او بعصير البندورة او شوربا باللحم او بعصير ابي سفير(أي الخشخاش)مع طحينية وبصل مقلي حتى يشقر، او بشوربة اللحم والحمص المنقوع والمسلوق في شوربة اللحم.

الكبيبة المشوية:
تؤخذ العجين بحجم البيضة، ترق مستديرة وتوضع منها ملعقتين شاي من الشحم مع الفلفل والملح والبهار ثم تحشى بالزبدة، وتضع فوقها طبقة اخرى وتلحم جيدا بالكبس بالأصابع وتوضع على النار وتشوى والبعض يشويها في الفرن.
وهناك الكبة الارنبية وهي بصلصة الطحينة المحلولة بالحمضيات مثل الخشخاش كما يسمى في فلسطين والليمون الحامض، ثم تكبب الكبة ايضا وتقلى بالزيت وهي محشوة بالزيت والبصل واللحم والصنوبر.

صناعة الفريكة
بعد اكتمال نمو حبة القمح في الربيع وقبل ان تبدأ السنابل بالاصفرار تحصد سنابل القمح الخضراء وتشوح السنابل على النار حتى يسهل نزع الحبوب من السنابل وفركها عن بعضها البعض ثم تفرد الحبوب على مسطحات من الارض النظيفة وتحرك كل يوم حتى لا تتعفن ولا تتكدس على بعضها البعض في اكياس لانها رطبة وخضراء، وبعد ان تجف جيدا تحفظ للطبخ ليأكل الناس حبوب القمح الخضراء (الفريكة) نيئة حيث طعمها محبب. وقبل ان تطبخ الفريكة المجففة تجرش على الطاحونة او المجرشة الحجرية ثم تنسف ويزال منها الدق الناعم، ويعد من الفريكة شوربة هي اهم نوع من الشوربات الفلسطينية وتقدم للوالدات والمرضى، وهي الشوربة الاكثر انتشارا وتقدم في الولائم كطبق يبدأ به الاكل وتعد من مرق الخروف المحشي الذي كان يطبخ سابقا بالقلي في الدست، وبعد تحميره بالقلي يسلق ويستفاد من المرق الكثيف في صنع شوربة الفريكة.
ويعد اهل الساحل من هذه المرقة الكشك ايضا والذي دخل القمح المجروش في اعداده ايضا وقد ورد اعداده بالتفصيل في موضوع اللبن.

كيف تعد شوربة الفريكة:
تحضر شوربة الفريكة بمرق الدجاج واللحم المسلوق والمبهر بالمطيبات وحسب القدرة المادية يمكن اضافة الكفتة الدوائر او كرات صغيرة الى الشوربة المنقاة والمجروشة، تغسل بالماء حتى يزول اثر السواد والدخان والشحبار الذي يمكن ان يكون قد علق في الحبوب عند حرق السنابل وتصفى بالمصفى الناعمة جيدا، تتسرب اجزاء ناعمة من الفريكة المجروشة اثناء التصفية
تقلب الفريكة على النار مع البصل المحوس وقليل من الزيت او السمن البلدي، يضاف اليها المرق المعد والكافي لانضاجها ويبقى عليها مرق زيادة، وبعد النضج تسكب في الصحون ويفضل بعض الناس هرس الفريكة الناضجة على هراسة الخضار او معدة الطعام واخذ عصارتها فقط، مضافا اليها الحبوب وكرات الكفتة التي تضفي على الشوربة طعما لذيذا وقيمة غذائية.

لفريكة المفلفلة او (قدرة الفريكة):

بعد غسل الفريكة المجروشة تضاف الى البصل المحوس قليل من السمن البلدي، ويضاف اليها مرق اللحم الناضج والمسلوق والمبهر بالمطيبات مثل ورق الغاروحب الهيل او الحب هان وبهار الفلفل وتحويجة من السبع البهارات المعروفة او حواجة السمن البلدي.
يضاف مرق اللحم الى الفريكة بقدر كاف لانضاجها وبكميات تدريجية غير زائدة كما في حالة الشوربة وتسمى هذه الطريقة (بالتقدير) وعندما تقترب من النضج وتكون رطبة بالمرق توضع في الفرن كي تتفلفل، ويوضع اللحم المسلوق على وجهها كي يتحمر كما في قدرة الارز.
تسكب في منسف ويوضع اللحم المحمر فوقها ويرش على وجهها الصنوبر واللوز.

الفريكة بالأرز:
تستخدم نفس طريقة الفريمة المفلفلة ولكن يضاف الى الفريكة نصف كميتها من الارز المنقوع ويتفلفل معها ودخول الارز مع الفريكة يعطي طعما اخر.

اشكال اخرى لتناول القمح :
 1. قلية القمح
في ايام الشتاء الباردة يقضي الناس معظم اوقاتهم في البيوت ويتجمعون حول كوانين النار يتسامرون، ويطيب الاكل والشرب الذي يمدهم بالطاقة والحرارة، ومن اشهر هذه الاكلات قلية القمح حيث يوضع القمح في (محماسة القهوة الحديدية) وترفع على نار الموقدة او الكانون ويبدأ بالتحميص والتقليب بواسطة اليد الطويلة للحماسة وعندما ينضج القمح ويتحمص لونه الى احمر يوزع على الحضور، ويأكلونه ساخنا لذيذا ورائحته زكية.
وفي ايام الفقر الشديدة وغياب مشروب القهوة كانوا يزيدون في تحميص القمح، حتى يحترق ثم يغلونه بدل القهوة ويشربونه كالقهوة السوداء المحروقة.
كما ورد في موضوع فلكلور النبات في الخرافات الفلسطينية للدكتور توفيق كنعان يقول "يشوي الفلاحون اخر حزمة من القمح ويحتفلون عند انتهاء الحصاد، بأكلها وتدعى قلية (من قلى أي يشوي ) وما زالت العادة الاصلية السامية القديمة موجودة في بعض الأمكنة وهي دفن آخر حزمة من القمح في نفس المكان الذي حصدت فيه، بينما تتلى بعض الايات القرآنية.
2. سليقة القمح
عند وفاة احد الناس من الاخوة المسيحيين يقدمون للحضور والمعازيم سليقة القمح، وهي عبارة عن قمح مسلوق وناضج، ويرش بدقيق القمح المحمص ويضاف اليه قليل من السكر الناعم ويقدم كرحمة عن روح الميت أثناء العزاء.
3. قمح العيد والبربارة
في عيد القديسة بربارة  يحتفل المسيحيون الفلسطينيون في ذكراها وتقام احتفالات خاصة في بلدة عابود قضاء رام الله، ويحتفل به المسيحيون الغربيون يوم الرابع من كانون الأول والشرقيون في السابع عشر منه، ويقولون في الامثال " في عيد البربارة بتطلع المية من وكر الفارة" او "من قدوح الفارة " (مخبأ الفارة) لغزارة المطر في هذا الوقت من العام في عيدها.
عشية العيد تقوم ربة البيت بإعداد القمح لهذه المناسبة ويسلق القمح ويضيفون اليه اليانسون والقضامة الملونة والمكسرات وجوز الهند والزبيب ويطيب ايضا بماء الورد او ماء الزهر، وعن عادة اكل القمح المسلوق في هذا العيد، فهي ترجع الى ان القديسة بربارة التي يقال انها ولدت في فلسطين وعند هروبها من والدها، اختبأت في حقل قمح واحتمت بين السنابل التي غطتها خوفا وهربا من ملاحقة والدها الوثني بعد علمه باعتناقها الدين المسيحي.
ملاحظة: يقول المثل الشعبي: " ان طلعت البربارة يا بدارة حطوا الشعير في المطمارة والقمح في الغرارة " والمثل الثاني يقول " ضب القمح في وكاره لما تيجي بربارة"، ومعنى البربارة هنا نجم يطل من ناحية الشرق اوائل كانون الثاني، ويعتبر ظهوره نهاية لموسم زراعة الشعير وعلى المزارعين اعادته لمخازنه، وكلمة "البدارة" تعني المزارعين الذين يبذرون االحب وليس المقصود القديسة بربارة او عيدها.
4. السنونية
من العادات الاجتماعية التي كانت سائدة، فعند ظهور اول سن لدى الطفل توزع هذه الأكلة على الجيران والأقارب والأطفال، والسنونية عبارة عن قمح غير مقشور يغسل جيدا بالماء البارد ثم يغمر بالماء ويرفع على النار حتى ينضج وتوضع حبوب اليانسون والقرفة في قطعة شاش لتغلي وتنزل خلاصتها أثناء السلق. تصفى من الماء، ويحلى ويزين وجهها بالجوز واللوز والقضامة الملونة ويقدم باردا وجافا.
5. الجريشة أو العصيدة
تعد الجريشة من الطعام الجماعي الذي يقدم في المناسبات كالأعراس والعقود والنذور وبعض الناس يطبخونها بمرق اللحم لوحده، وبعضهم يضيفون الى مرق اللحم لبن الجميد فيمنحها طعما الذ واطيب.

تسلق اللحوم الحمراء المقطعة والمغسولة في الدست، وفي دست آخر تسلق الجريشة  ثم يضاف اليها المرق واللحم ويقلى لها بالسمن البلدي مع دوام التحريك حتى لا تشعط او تلسق في قعر الاناء، لذا يخصصون ( محراك خشبي ) خاص طويل اليد للجريشة لأنها (تبربر) وتغلي ويمكن ان تؤذي القريب منها. تسكب في المناسف والصواني وأواني التقديم الشعبية. ويرص فوقها اللحم وتقدم لتؤكل بالملاعق لأنها رخوة.

المفتول او المرمعون او المغربية :
يسمى في القدس الكسكسون ولعل وجود الجالية المغربية في القدس اثر في هذه التسمية، ويعد المفتول من الاكلات الجماعية المقدمة في الافراح والاتراح وفي مناطق السهول ومناطق زراعة القمح، كما ان المفتول مأكول شتوي ويستغل الفلاحون ايام البرد الشديد وايام تساقط الثلج ويقولون "اليوم يوم مفتول" ولا يستحب اكله في الصيف لأنه يسبب العطش وشرب الكثير من الماء ولأنه يعطي طاقة وحرارة بسبب دسمه.
كيف يعد المفتول :
تجرش المرأة القمح حتى يتحول الى سميد ناعم او تستعمل البرغل الناعم ويرش السميد في (لجن العجين) او الباطية ويرش عليه الطحين وقليل من الماء، وتحركه بيدها حركة لولبية حتى يتكوم ويلتصق الطحين المبلول على حب السميد او حب البرغل، وتصبح حبة المفتول بحجم حبة الكرسنة وتكرر هذه العملية عدة مرات حتى تحصل على كفاية العائلة منه، وبعد ذلك يوضع المفتول في القصرية الفخارية والتي كانت تسمى "قور" وتلفظ "كور"

 واليوم يشترون طنجرة للتهبيل خاصة على بابها مصفاة ليمر من خلالها البخار المتصاعد وينضج المفتول.

يطبخ على النار اللحم والمرق والحمص والبصل والخضر المقطعة بحجم كبير كي لا تنهرس ومنها القرع الاصفر والكوسا والبطاطا والجزر، ويشكل الناس انواع الخضر حسب توفرها ثم تغلق الحافة ما بين الكور والقدرة بالعجين، ليمنع تسرب البخار الى الخارج، وأحيانا يهبل على بخار الماء المغلي وتعد اليخنة اللازمة في وعاء اخر منفصل.
يترك المرمعون فوق البخار مدة ساعة ويحرك اثناءها بالشوكة لتبقى حبات المرمعون مفككة ولا "تتجبل" ولا يحرك المفتول المهبل قبل مضي ثلث ساعة على رفعه فوق البخار.
بعد مضي الساعة وانضاج المرمعون يوضع في وعاء كالمنسف او صينية او باطية خشبية ويدهن ويقلب بالزيت او السمن البلدي.
يشرب المفتول المهبل بالمرق "يتسقى" ويغمر بطبق القش حتى تنتفخ الحبات، واذا كان المفتول جافا وناشفا بعد تهبيله اي جاهزا، فانه يقدّر كالارز حيث يضاف اليه المرق والبصل الممعوك، ويطهى في الفرن حتى يتشرب المرق وتعود اليه طراوته كانه طازج،  وترتب على وجهه يخنة الحمص والبصل واللحم والخضر المضافة.

ان اكلة المفتول بمرق الحمص والبصل واللحم، هي الطبق الاصلي القديم واخذ الناس لاحقا يقلدون المفتول المغربي ويضيفون الخضر المنوعة والقرع الاصفر، وبعض الناس يعيدون الفاصولياء الناشفة المطبوخة بالبندورة واللحم على المفتول، وهناك من يستخدم مرقة مقادم الخروف لتسقية المفتول وهكذا.
تقوم الجمعيات النسائية والتعاونيات بإعداد المفتول وانضاجه وتهبيله ثم تجفيفه وبيعه في المحلات، وذلك ليسهل نقله كهدية للمغتربين، كما تقوم بعض النساء بتحضير المرحلة الأولى، اي فتل المفتول وبيعه طازجا حسب توصية ربات البيوت العاملات ومن لا يستطع منهن القيام بهذه المهمة، ويمكن حفظه ايضا بالتجميد في البرادات وهذا فتح ابواب عمل ورزق ووفر الوقت لكثير من السيدات، ووفر الوقت والجهد على نساء اخريات عاملات يبحثن عن مواد جاهزة.
ومن اجواء اعداد المفتول عندما كانت العائلة الممتدة تسكن الحوش وكان مجموع اطفالها يحرمون من اللعب في الخارج ايام البرد والمطر فيغنون في يوم اعداد وليمة المفتول وتجمع العائلة:

هبل يا كور المفتول          هبل ولا هبلت

               واحنا حواليك بنجول

اما الدلعونة، فتخلد الاكلة الشعبية وتمدح "الديات " المعدلة التي طبختها فتقول :
ما احلى اكل اللحمة مع المفتول          من ديات حبيبي زريف الطول

مهما عملتِ بايدك عندي مقبول          يا ام عيون الكحلى والحاجب نونا

 

البيئة في فكر عبد الرحمن منيف (1)

علي خليل حمد


(1 )
شركات النفط ومجزرة أشجار وادي العيون

كانت تلك الحركة ( من التراكتورات ) إيذانا حقيقيا ملعونا حافلا مجنونا بالنهاية،  وإذا كان هناك أحد يتذكر تلك الايام البعيدة، الأيام التي كان يوجد خلالها مكان يسمى وادي العيون، ورجل يدعى (متعب الهذال)، وعين من الماء وأشجار، وبشر من طبيعة معينة ..... إذا كان لا يزال هناك من يتذكر، فإن أقوى ثلاث ذكريات لا تزال تخبط القلب كلما عاد الإنسان إلى تلك الأيام وتذكر: التراكتورات وهي تهجم مثل ذئاب جائعة على الأشجار وتبدأ تمزقها، وترميها أرضا، الواحدة بعد الأخرى؛ ثم بعد ذلك تسوي بين شجرة وثانية، بين الساقية والأرض التي حولها، حتى إذا انتهت من مجموعة من الأشجار هجمت بنفس الضراوة والوحشية على مجموعة جديدة وبدأت تقتلعها؛ كانت الاشجار وهي تميل وتترنح، قبل أن تسقط، تصرخ تستغيث، تولول، تجن، تنادي نداء أخيرا موجعا، حتى إذا اقتربت من الأرض هوت تتضرع وكأنها تحتج أو تريد أن تلتحم بالتراب من جديد، في محاولة لأن تنبثق، لأن تتفجر مرة أخرى.
هكذا بدأت مجزرة وادي العيون، وهكذا استمرت حتى أتت على كل شيء. ومتعب الهذال الذي شهد بداية المجزرة لم يشهد نهايتها، لأن الرجال الذين وصلوا على صوت الآلات المجنونة، ووقفوا يراقبون ما يجري أمامهم، وبعد أن أفاقوا من الذهول الذي سيطر عليهم ... قالوا إنهم لاول مرة في حياتهم يشهدون رجلا مثل متعب الهذال يبكي ...
كانت دموعه تتساقط بغزارة، لكن وبصمت أيضا .... متعب الهذال ترك الرابية باتجاه الظهرة، وخلال فترة قصيرة، رغم توسلات ( وضحة ) التي هوت على قدميه تقبلهما، ورغم محاولات الأقرباء، كان قد اتخذ قرارا ... لم ينس التقاط بندقيته وقربة الماء .. لكز ناقته فاهتزت اهتزازا قويا وهي تنهض.

( مدن الملح : التيه، ص ص 105، 106 )

(2 )
عائدان إلى وادي العيون

لما وصلا إلى وادي العيون، بدا المكان لفواز وكأنه لم يره من قبل؛ لم تعد له صلة بالوادي الذي تركه، لم يبق فيه شيء من الاشياء القديمة. حتى الريح التي كانت تهب في مثل هذا الوقت من السنة طرية منعشة، أصبحت الآن لفحا قاسيا خلال ساعات النهار كلها، وبردا ينفذ إلى العظم في ساعات الليل المتأخرة. أما الرجال الذين تجمعوا، لا يعرف من أين، في البيوت الخشبية والخيام، فقد كانوا خليطا عجيبا من البشر، ولا يشبهون أيا من الذين يمكن أن يلتقي بهم الإنسان ... هنا في وادي العيون هذه المرة، يشهد مخلوقات غريبة متنافرة مملوءة بالصمت والحزن، وبدا له كل واحد من العمال أشبه بطير من الطيور ضل سربه وطريقه، فلا يستطيع البقاء، ولا يقوى على متابعة الرحيل.

(  مدن الملح : التيه . ص 131)

(3 )
(تحوّل حرّان بعد اكتشاف النفط )

في حفلة العشاء، تبادلا أحاديث طريفة وشائقة لهما وللآخرين عن حرّان كيف كانت، وكيف هي الآن. ( قال أحدهما إنها لم تكن ) مثل المدن الأخرى التي عرفها في أسفاره الكثيرة "حتى الهواء الذي يأتي عذبا منعشا من ناحية الغرب والجنوب في معظم الأماكن التي عرفتها، وحتى في البحر، فإنه في حرّان شيء آخر. أما عندما استعرض الاثنان محاولات التشجير التي قام بها الأميركان، وغيرهم، من أجل أن يكون في المدينة عرق أخضر، وكيف ماتت الأشجار الواحدة بعد الأخرى، فالشجرة التي لم تمت من الجفاف ماتت بعد ذلك من الرائحة الخانقة، أو من تلك الغازات التي تتسرب من المصافي، فقد اتفقا أن حران مدينة صعبة، وأن لا أحد يستطيع الإقامة فيها إلا إذا كان مضطرا.

( مدن الملح : الأخدود،  ص 166 )

(4 )
(الأرض والربيع )

الأرض، هذه الأم، التي بلها المطر، وجللها الصمت والسكون خلال الفترة الطويلة السابقة، لم تعد قادرة على البقاء هكذا حين جاء آذار.
فجأة بدأت تتململ، ثم راحت تهذي. كان هذيانها نشيدا مجنونا يعلن ولادة جديدة، فأشجار اللوز، وقد كانت أقرب إلى الحطب الذي نسي تكسيره خلال فصل الشتاء كله، دبت فيها الحياة بنشوة جارحة، واكتست خلال أيام قليلة غلالة بيضاء زاهية. والبستان الذي كان يرى من بدايته إلى أقصاه أيام الشتاء، تحول فجأة إلى غابة يعجز النظر عن اختراق أكثر من بضع شجرات.

( سيرة مدينة ( عمان ) . ص145 )

(5 )
( قال الإنجليزي هاملتون للأمير)

البحر، يا صاحب السمو، ليس المياه والزرقة والأمواج، إنه فلسفة كاملة، تبدأ بالخوف ثم التأمل وأخيرا بالتواصل. والتواصل يشكل قاعدة المثلث، لأن الصحراء تشترك مع البحر في الصفتين الأخريين، إذ بمقدار ما تثير الصحراء الخوف في حالات معينة، فإنها بعد أن يزول الخوف، تحمل الإنسان على التفكير والتأمل وتوحي له بعد أن يزول الخوف ، تحمل الانسان على التفكير والتأمل، وتوحي له بالكثير، لكنها مع ذلك تضع بينه وبين الآخرين سدا...

(مدن الملح : بادية الظلمات، ص7 )

(6 )
( الإنسان : أعنف الحيوانات )

متى نشأ هذا الحيوان ؟ كيف نشأ ؟ لا أحد يعرف. أفاقت الحيوانات ذات يوم فإذا بها تجد نفسها أمام شيء جديد، لم تألفه من قبل. وقد حاولت كثيرا أن تقيم صلات عاقلة مع هذا الحيوان. وافق في البداية، لكن مع الأيام، أخذ يوقع بينها ويقتلها؛ وقد تسبب في انقراض أعداد كبيرة من الحيوانات الرائعة التي كانت تعيش على الأرض، ولما تكشفت نوايا هذا الحيوان الجديد، ابتعد عنه الجميع، ذهبوا بعيدا وتركوا له كل شيء ؛ لكنه لم يكتف، بدا يحاصر الحيوانات ويقتلها في كل مكان، ولما لم يجد شيئا يقتله أخذ يقتل بعضه. وهكذا بدأت المجازر منذ آلاف السنين ولم تتوقف. ولذلك يعتقد أن انقراض هذا الحيوان، اصبح وشيكا خاصة وأن الطرق التي يتبعها في القتل الآن تطورت كثيرا، وأصبحت فعالة بحيث لا تخطىء أبدا.

(   شرق المتوسط . ص ص 20-21 )

(7 )
السجان عدو البيئة

كان سالم العطيوي ( السجان ) ابن قرية طيبة الوادي، معاديا لكل ما هو أخضر! فنحن السجناء ليس لدينا إلا الوقت، وكنا نحاول أن نتعامل معه ( الوقت) بشكل عقلاني: أن نقرأ، أن نغسل ملابسنا، أن نزرع. كنا نقضي الأيام تتلوها الأسابيع، ونحن ننقل التراب ونبعد الحجارة، نمهد الأرض كي نزرع بعض النباتات. ما تكاد هذه النباتات ترتفع قليلا حتى يسرح سالم الغنم فيها. ما تكاد حبات الفول تكتنز وتبشر بموسم، ويكون للجنود فيها الحظ الأكبر، نعم الجنود، ثم السجناء، حتى يدوسها بقدميه، كان يطحنها، يحولها إلى ركام تأنف حتى الغنم من الاقتراب منها أو أكلها.
كنت أفكر أن أدرس هؤلاء البشر، وأن أعرف الأسباب والدوافع التي تجعلهم هكذا. حتى الآن لا أجد تفسيرا.

( الان ... هنا أو شرق المتوسط . ص ص 353- 354 )

 ( 8)
( سكان المدن )

(تساءلت:) كيف يهجر هؤلاء الناس الطبيعة في لحظات عنفوانها، ويحبسون أنفسهم وراء الجدران، متعمدين أن يخلقوا فاصلا بينهم وبين مصدر الحياة الحقيقي؟ ولقد توصلت إلى إجابات اعتبرتها شديدة البؤس: فمن أجل أن يظهر هؤلاء الأغنياء ثراءهم من خلال السجاد والسيوف وأدوات الأكل، ولتظهر النسوة ما لديهم من الثياب والحلي، ولكي يتفننوا في ذلك، فقد حرموا أنفسهم، وببلاهة، من الكنوز التي يمتلكونها.

( أرض السواد (3 ). ص ص 71-72 )

 

زهرة من أرض بلادي
الدبق (عنيبة)

1

د. عثمان شركس/ جامعة بيرزيت

الاسم اللاتيني: Viscum cruciataum sieb.
الاسم الإنجليزي:oviental mistletoe      
اسم العائلة: اللورانثية  loranthaceae
الاسم العربي: دبق، عنيبة.

وصف النبتة:
نبات معمر اخضر نصف طفيلي، الأفرع متقابلة خشنة سهلة الكسر اسطوانية تقريبا، الأوراق لحمية جلدية يصل طولها إلى 5سم، ولها أعناق قصيرة مستطيلة، وتستدق عند القاعدة وقممها مستديرة الأزهار، جالسة تقريبا وتحمل كل 2-4 أزهار على عنق واحد، الأزهار المذكرة لا يوجد لها تويج ويبلغ طولها 9 ملم، الأزهار المؤنثة صغيرة 1-2مم، وتحتوي على تويج مكون من اربع بتلات حرشفية، الثمرة عنبة يبلغ قطرها 4-6 ملم، كروية، حمراء، لزجة.

فترة الإزهار: شباط – آب.

التوزيع الجغرافي:  في مناطق أشجار وغابات منطقة أحراش جيبيا رام الله.

استعمالاته: اسم العائلة  Loranthaceae مشتق من المقطع اللاتيني Lorun  ويعني  شريط، ومقطع anthos  اليوناني ويعني زهرة، والكلمة اللاتينية Viscum تعني فضلات الطير.
النبات مقدس لدى بعض الكهنة في انجلترا واليابان، وبعض العشائر الإفريقية. وقد ذكر أن الصليب الأصلي صنع من خشب هذا النبات. وعقابا له فقد حلت عليه اللعنة، وفرض علية الحظر في الأرض. ويطلق علية أسماء عامة مختلفة. لقد استخدم في معالجة الانتفاخ والالتهابات. حيث كان يعمل عجينة من الثمار بالدق والترتيب او المضغ، كما ذكر أنه يفيد في علاج العقم والصرع بشرط ألا يسمح للنبات بأن يلامس الأرض. ويعتبر النبات ساما للحيوانات. يضعف نمو الأشجار ويقلل من جودة الخشب، ويزيد من قابلية تعرض الشجر للآفات.
تحتاج عملية إنبات البذور إلى 6 أسابيع وتنتحي الجذور الجينينة انتحاء ضوئيا سالبا (وهي متعادلة بالنسبة لانتحاء الجاذبية)، وبمجرد ملامسة سطح العائل فإن خلايا قمة الجذير، تتحول إلى قرص ماص يفرز مواد مصلبة (مقسية) ليشكل غطاء مانعاً لاختراق الهواء.

Viscum cruciataum sieb.

 
(عدسة عثمان شركس)
التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية