: منبر البيئة والتنمية
غـيـاب الـنـقــد والمـراجعـة العميقـة لـلـشــراكـــة الأورومـتـوسـطــيـــة
حالة إحباط تسيطر على منتدى الجنوب المدني حول التنمية المستدامة
حبيب معلوف / بيروت
طغت على أعمال منتدى الجنوب حول التنمية المستدامة، الذي عُقد في عمان شباط الماضي، حالة الإحباط من التحولات الأخيرة في المنطقة العربية التي أطلق عليها تسمية «الربيع العربي». المنتدى الذي دعا اليه برنامج المجتمع المدني الأورومتوسطي وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية والذي شارك فيه ممثلون عن المجتمع المدني مهتـمون بقضايا التنمية والبيئة لاسيما على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط من فلسطين والأردن وتونس والجزائر والمغرب ومصر ولبنان، بالإضافة الى خبراء عرب وغربيين ومنظمات أوروبية، تجاوز القضايا التقليدية التي كانت تطرح عادة حول موضوعي الأمن والسلام في المنطقة، ولا سيما قضايا الشعب الفلسطيني والاحتلالات لدول المنطقة، لمناقشة اثر الثورات التي حصلت لا سيما في تونس والجزائر، على قضايا البيئة والتنمية المستدامة ودور المجتمع المدني في كل ذلك.
كما تمت مناقشة الشراكة الأوروبية المتوسطية منذ انطلاقتها في برشلونة العام 1995 والعثرات التي رافقتها مع التغاضي الاوروبي عما تعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم واضطهاد، والانتهاك الإسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني والذي لم يشجع على شراكة مع الاتحاد الاوروبي الذي ينادي بحقوق الانسان.
ولعل المحطة الرئيسية التي توقف عندها المنتدى هي في ضعف الاطار النظري للمجتمع المدني وعدم وجود مفاهيم مشتركة لا سيما حول موضوع تحديات التنمية المستدامة بوصفها منظومة متكاملة يجب توفرها على المستوى العالمي والإقليمي والوطني. كما تم تناول العلاقة بين السياسة والتكنولوجيا وعن قضايا الطاقة التي أخذت مساحة كبيرة من النقاش لا سيما حول الطاقة الأولية وقد طرحت مسألة مضاعفة استهلاك الطاقة في المنطقة منذ العام 1985 بالاعتماد على مصادر غير متجددة وغير مستدامة، تستخدم الكثير من الوقود الأحفوري لكونه الأرخص والأكثر توفراً الآن والأكثر تنافسية. وتم ربط موضوع الطاقة باقتصاد السوق الذي اعتبر في الكثير من المداخلات "علة العلل". كما تمّ تناول مسألة عدم المساواة في الاستهلاك اذ يستهلك المواطن الأميركي أكثر 20 مرة من المواطن الكمبودي على سبيل المثال.
في سبيل البحث عن حلقة مغلقة للطاقة التي "علينا ان نبحث عنها في الطبيعة"، كما قال احد المتداخلين في اشارة الى ضرورة تشجيع الطاقات المتجددة والنظيفة.
كما تمت مناقشة دور المؤسسات الاوروبية الجديدة للاستثمار، وقد بينت بعض المداخلات أن 70% من مشـاريع الشـراكة والبنك الاوروبي للاستثمار نفـذتها مؤسـسات أوروبية. وان المجـتمع المدني قد وجد نفسه خارج السياق لكون اتفاقيات الشراكة تعقد مع الحكومات. كما طرحت إمكانية ان يطرح المجتمع المدني البدائل "المدنية" بعد أن طغى الهاجس الامني على اتفاقيات الشراكة واحتلت الساحات قوى غير مدنية. وقد كانت لافتة المداخلة التي لم توفر بؤس العلاقة بين بلدان الجنوب نفسها، حين قدم مثل عن الجزائر التي تشتري البندورة من أميركا اللاتينية ولا تشتريها من المغرب.
مسار الاستدامة
التغيرات في المنطقة العربية بين الثورة والحراك والربيع العربي، شكلت المحور الرئيسي للمناقشة أثناء أعمال المنتدى وعلى هامشه وفي كواليسه، وقد لوحظ طغيان جو التشاؤم على ما كان يُسمّى "الربيع العربي". كما طرحت مسألة كيفية المشاركة في "المنتدى الاجتماعي العالمي" الذي ينعقد في تونس قريباً وإمكانية تحقيق شيء جديد ومفيد. كل هذه المواضيع حجبت قليلاً الموضوع الرئيسي للمنتدى والذي يتعلق بمسيرة التنمية المستدامة في العالم والمنطقة منذ العام 1970، مع بدء العالم في عقد المؤتمرات البيئية العالمية، وربط موضوع البيئة بمسألة حقوق الإنسان في الفكر الغربي، مع الأخذ بالاعتبار المشكلات الاقتصادية والتنموية كلما طرحت المواضيع البيئية بالإضافة الى قضايا الصحة. وقد اكدت مداخلات كثيرة ان فكرة الاستدامة التي تمت إضافتها الى موضوع التنمية العام 1992 في قمة الأرض التي عقدت في الريو كانت من أجل الاخذ بالاعتبار حقوق الأجيال الآتية في الوصول الى الموارد ايضا. بالإضافة الى قضية "التضامن بين الاجيال" واثر التنمية على الفرص للأجيال المستقبلية. بالإضافة الى مسألة انقراض الأنواع وتهديد التنوع البيولوجي. وقد طرحت أيضاً قضايا الفقر والديون، مع التوقف عند مؤتمر الريو العام 1992 الذي شكل محطة كبيرة في العالم لإطلاق التنمية المستدامة وضعت نظاماً من التعاون الدولي. وقد طرحت إشكاليات اخرى حول مسؤولية تطبيق الأجندات الدولية التي هي على عاتق الحكومات، وعن دور المجتمع المدني وعن طبيعة هذه الالتزامات، هل هي قانونية ام أخلاقية فقط؟ وعن الحاجة الى نظام دولي جديد.
رؤية المجتمع المدني
في مداخلات ممثلي المجتمع المدني في المنطقة برز ما قاله المتحدث التونسي الذي اعتبر أن قضايا البيئة والتنمية المستدامة كانت الضحية الأولى للثورة في تونس او على الأقل لم تحظ بأي اهتمام من الثوار وقوى التغيير. وقال "الثورة جمعتنا وقد فرقتنا الأحداث وضيّعنا الكثير من القضايا"، معدداً الكثير من القضايا البيئية الرئيسية في تونس التي تدهورت بشكل دراماتيكي من دون ان يلتفت لها احد.
اما المتحدث من المجتمع المدني المصري فقد لاحظ أن الاستثمارات الخليجية بنت أبراجاً ضخمة ومولات ولم تساهم في التنمية الحقيقية في القاهرة التي أصبحت "مدينة الألف مول" مع ملايين الفقراء. مؤكداً أنه لا يوجد في مصر قانون يضمن حرية تداول المعلومات ولا وجود لأرقام حقيقية لكل ما يحدث.
كان هم تأمين الطاقة (بالإضافة الى المياه) والتخوف من إنشاء محطة نووية في الاردن طاغياً على مداخلة الدكتور ايوب ابو دية من الأردن صاحب اكثر من كتاب عن مخاطر الطاقة النووية. "20% من الدخل القومي الأردني يذهب الى فاتورة الكهرباء مع الإشارة الى ان مدينة البتراء القديمة التي حفرت في الصخر كانت اكثر استدامة من الابنية الحديثة التي تستهلك الكثير من الطاقة"، كما قال.
كما كانت لافتة جداً الاختلافات حول تعريف المفاهيم لا سيما مفهوم التنمية المستدامة، هل هو مفهوم وصفي ام مفهوم حل ام مفهوم تسوية؟ كما سأل أحدهم. كما تم نقد مؤشرات التنمية المستدامة التي لها طابع كمي أكثر من اي شيء آخر. وقد تم الاتفاق في ان يقوّي المجتمع المدني نفسه اكثر من الناحية النظرية وان لا يكتفي بترجمة المفاهيم الجاهزة التي تصدرها المنظمات الدولية وأصحاب المصالح في تسويق المفاهيم والسلع الاستهلاكية معاً.
في غياب نقد الشراكة
ناقش المجتمعون الشراكة الأوروبية المتوسطية التي مرت بمراحل عدة من مرحلة الستينيات أو الجيل الأول من اتفاقيات المشاركة الى مرحلة السبعينيات أو الجيل الثاني من اتفاقيات التعاون، الى مسلسل برشلونة أو الجيل الثالث من الاتفاقيات. واعتبرت بعض المداخلات ان أحداث أيلول العام 2001 تسبب بعودة الهاجس الأمني الذي طغى على الشراكة ودفع الى فكرة "الاتحاد من أجل المتوسط". ولا يزال الاتحاد الاوروبي في مرحلة تقييم ما يسمى "الربيع العربي".
كما أظهرت الورقة التي قدّمها محمد أسعادي، عضو المجلس الإداري بالفضاء الجمعوي في المغرب، ان اول من انضم الى الشراكة وعقد الاتفاقيات في دول المنطقة تونس (1995)، ثم إسرائيل، المغرب، السلطة الفلسطينية، الأردن، مصر، الجزائر، لبنان وسوريا (المفاوضات مستمرة). وان اول البرامج لتطبيق هذه الشراكة كان «برنامج ميدا» الذي بدأ العام 1995 والذي اعتبر "الأداة المالية الرئيسية للاتحاد الأوروبي لتنفيذ الشراكة الأوروبية المتوسطية وأنشطتها"، كما اعتبر بمثابة "خطة موازنة تستخدم لمرافقة عملية الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي في الدول المتوسطية الشريكة لأوروبا".
اما اهم ادوات تمويل الشراكة فهو "بنك الاستثمار الأوروبي" الذي تأسس بموجب اتفاقية روما، وباعتباره هيئة من هيئات الاتحاد الأوروبي، والذي يعمل على تكييف أنشطته مع تطور سياسات المجموعة الأوروبية. وقد ساهم منذ إعلان برشلونة 1995 بتمويل مشاريع عدة في المنطقة (الطاقة، الاتصالات، البيئة) حيث خصص في إطار برنامج ميدا ما قيمته 7.4 مليار أورو، منها 6.4 مليار أورو كقروض ميسرة ومليار لتمويل الأنشطة الاقتصادية في الجنوب. الحصة الأكبر من هذا التمويل (28%) هي بمثابة قروض للقطاع الخاص و24% لدعم نشاطات متعلقة بحماية البيئة. و26% لمشاريع إنتاج الطاقة و21% لدعم قطاع الاتصالات.
ويمكن القول إن الاوراق والمداخلات التي قدّمت في هذه المحاور لم تصل الى نقد أسس هذه الشراكة ولا الى مراجعتها بشكل منهجي متكامل. وقد اعترفت دوائر كثيرة بهذا الواقع واعدة بالقيام بهذه المراجعة في وقت لاحق بعد أن تتبلور التحركات الشعبية في المنطقة.
التحديات
بعد المناقشات المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة والتي تمحورت حول إشكاليات التعريف لمفهوم التنمية المستدامة من وجهة نظر المجتمع المدني، والتحديات والصعوبات التي تواجه المجتمعات في موضوع البيئة وكيفية مواجهة هذه التحديات ودور المجتمع المدني في ذلك.
فقد تم الاتفاق على تحديد مفهوم التنمية من خلال مكوّناته او عناصره كـالبيئة (الحفاظ على الموارد الطبيعية) والتنمية الاجتماعية كحق والتنمية الاقتصادية كالنمو والربح الاقتصادي في أقل كلفة ممكنة. وتم الاتفاق على فرز مساحة مستقبلية لمناقشة معمقة بمفهوم التنمية من خلال الواقع المعاش. كما تم تحديد التحديات التي تواجهنا في التنمية وهي: حق الوصول الى الموارد الطبيعية ومن أهمها المياه الصالحة للشرب وعدم خصخصتها والحفاظ عليها وحمايتها والقدرة للوصول الى الطاقة المتجددة، والآمنة وغير المركزية. والعدالة في توزيع واستعمال الثروات الطبيعية. ومسؤولية الدول الصناعية حيال التلوث البيئي. والصعوبة في الوصول للمعلومات البيئية المتعلقة بالمخالفات والانتهاكات. وقد اعتبرت الزيادة السكانية المرتبطة بارتفاع نسب الفقر من أهم التحديات في المنطقة مع ربطها أيضاً بتعدد الزوجات. وقد أضيف الى التحديات أيضاً عدم وجود معالجات للصرف الصحي والنفايات الصلبة والسائلة والالكترونية وعدم وجود سياسات بيئية للمحافظة على الصحة (سلامة الغذاء والمياه)، بالإضافة الى التلوث الزراعي والصناعي وضعف دور الأمم المتحدة في مواجهة المنظمات الأخرى كمنظمة التجارة العالمية وتشتت وعدم فاعلية المجتمع المدني في التصدي للتحديات المذكورة.
دور المجتمع المدني
عن دور المجتمع المدني والحلول المقترحة، تم اقتراح تشكيل الراصد البيئي للحصول على المعلومة بهدف التعاون وتبادل الخبرات وتعميم التجارب والمعلومات للمؤسسات المختلفة من اجل التوعية والتعبئة (اي تشبيك المنظمات الفاعلة في المجال البيئي) وتطوير قدرات المجتمع المدني للدفاع وحماية حق المواطن في مواجهة الانتهاكات البيئية وإشراك المجتمع المدني في وضع السياسات والاستراتيجيات والخطط البيئية وأن تقوم المؤسسات بتحديد الأولويات من واقع مجتمعاتها وعدم القبول بتحكم وأجندة الممول.
|