الاحتلال الإسرائيلي يقيم خطاً لجمع المياه العادمة من مستعمرة "أرئيل" والمستعمرات الواقعة في محيطها وبعض قرى سلفيت ونقلها إلى داخل "إسرائيل" لمعالجتها
"إسرائيل" تطالب الفلسطينيين بأن يسدوا عجزهم المائي الخطير الناجم عن سرقتها المفتوحة للمياه من خلال استعمالهم للمياه العادمة في الزراعة وبالتالي تكريس النهب الإسرائيلي للمياه
|
المياه العادمة غير المعالجة تتدفق من القواعد العسكرية الإسرائيلية نحو الوديان والأراضي الزراعية الفلسطينية |
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
قررت سلطة المياه الإسرائيلية مؤخرا إنشاء شركة فرعية خاصة تابعة لشركة مياه ومجارٍ إسرائيلية تدعى "عين أفيك"، بهدف إقامة أنبوب لنقل المياه العادمة من بعض مناطق الضفة الغربية إلى داخل "إسرائيل". وسيمر الأنبوب في مناطق حساسة جدا للتلوث، باعتبارها تحوي أحد أهم الأحواض الجوفية في فلسطين (الحوض الغربي)؛ إذ سيمتد خط المياه العادمة بمحاذاة الينابيع وآبار المياه. وبحسب قرار سلطة المياه الإسرائيلية، ستؤسس شركة "عين أفيك" التي تعالج حاليا المياه العادمة في رأس العين وكفر قاسم، شركة فرعية أخرى تحت مسمى "أفيك شومرون" التي ستعمل بدورها على إنشاء وتشغيل خط لجمع المياه العادمة من مستعمرة "أرئيل" والمستعمرات الواقعة في محيطها، إضافة للمياه العادمة المتدفقة من بعض القرى الفلسطينية بمنطقة سلفيت؛ علما بأن جزءاً من هذه المياه يصل حاليا إلى محطات معالجة إسرائيلية متدنية الجودة، في حين تتدفق كميات أخرى في الوديان المفتوحة. ومن المخطط إسرائيليا أن ينقل الأنبوب الجديد المياه العادمة إلى داخل "إسرائيل" ليتصل بنظام أنابيب جمع وتنقية المياه العادمة لمدن منطقة "تل أبيب".
وتكمن خطورة هذا الخط في إمكانية حصول خلل فني، كما حدث في شباط الأخير، حينما انفجر خط الصرف الصحي الرئيسي الذي يصرف المياه العادمة في جميع البنى التحتية بمنطقة رأس العين، ما أدى إلى تدفق كميات كبيرة نحو البيئة المفتوحة.
ويعد خط الصرف الصحي الذي يبدأ في مستعمرة "ارئيل" أكبر مشروع لنقل المياه العادمة في أنبوب من مناطق الضفة الغربية إلى داخل "إسرائيل".
تهديدات إسرائيلية
وطالما هددت إسرائيل بتقليل كمية المياه التي تعطيها للسلطة الفلسطينية، بسبب تدفق المياه العادمة من مناطق السلطة إلى إسرائيل، ولأن الفلسطينيين، حسب الزعم الإسرائيلي، لا ينشئون محطات لمعالجة المياه العادمة وبالتالي استغلالها في الري الزراعي.
ووفقا لاتفاقات المياه بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ عام 1995، التزمت الأولى بتزويد الأخيرة بـِ 28.6 مليون متر مكعب من المياه سنويا فقط، ومنها خمسة ملايين متر مكعب سنويا إلى غزة. وتدعي سلطة المياه الإسرائيلية بأن إسرائيل وفَّرت للسلطة الفلسطينية أكثر من 65 مليون متر مكعب سنويا؛ أي أكثر بمرتين من الكمية الملزمة لإسرائيل؛ وذلك عبر تزويد السلطة مباشرة بالمياه أو من خلال منحها تصاريح حفر آبار جديدة.
وتزعم "إسرائيل" بأنها طالبت منذ مدة طويلة، بأن ينشئ الفلسطينيون محطات لتنقية المياه العادمة؛ إلا أنهم لم يفعلوا شيئا. وتقول بأن الفلسطينيين التزموا في الاتفاقات الموقعة عام 1995 بإقامة مثل هذه المحطات، وإن الدول المانحة خصصت أموالا لهذه الغاية.
الجدير بالذكر أن إسرائيل تعد من الدول الرائدة في مجال معالجة المياه العادمة؛ إذ إنها تعيد استخدام أكثر من 70% من مياهها العادمة المعالجة في الري الزراعي.
وبالرغم من أن مسألة معالجة المياه العادمة في مناطق السلطة الفلسطينية أثيرت مرارا وتكرارا، إلا أن إسرائيل تتجاهل تماما أنهار مياه المجاري المتدفقة بوضوح نحو الأراضي الزراعية الفلسطينية من المستعمرات والقواعد العسكرية التابعة لجيش الاحتلال؛ علما بأن تدفق المياه العادمة غير المعالجة نحو الطبيعة وفي الأراضي المفتوحة والوديان تتسبب في أذى بيئي خطير، وبخاصة تلويث المياه الجوفية.
ويقول خبراء المياه بأن كميات هائلة من المياه العادمة تتدفق من المستعمرات الإسرائيلية إلى الوديان والجداول في مختلف أنحاء الضفة الغربية، مما يتسبب في تلويث البيئة والمياه الجوفية الفلسطينية. ويتدفق سنويا، من أكثر من ثلث المستعمرات، نحو 6 ملايين متر مكعب من المياه العادمة الخام غير المعالجة إلى الوديان والجداول في الضفة الغربية؛ ما يتسبب في أذى شديد في مختلف أنحاء الضفة، وتلويث المياه الجوفية الجبلية التي تعد أهم مصدر للمياه وأكثرها جودة. يضاف إلى ذلك أكثر من 10 ملايين متر مكعب من المياه العادمة تتدفق دون أي معالجة نحو جنوب شرق القدس، حيث تتسرب تلك المياه إلى خزان المياه الجوفي الجبلي الذي يعد حساسا للتلوث، مما يتسبب في أذى صحي وبيئي خطير.
وtي وادي النار الذي يبدأ من القدس ويصل إلى البحر الميت، فيتدفق يوميا أكثر من 35 ألف متر مكعب (أو أكثر من 12 مليون م3 سنويا)، من المياه العادمة غير المعالجة الآتية من بعض أحياء القدس (الشرقية والغربية) المحتلة، ومن عدد من القرى الفلسطينية بالمنطقة. وبالرغم من أن الوادي يعد من محميات الطيور الهامة في فلسطين، إلا أنه من أكثر الوديان تلوثا فيها. وعلى طول الوادي، سُجِّلَ نحو 900 موقع تلقى فيها النفايات بأنواعها المختلفة.
وحاليا، يجمع الإسرائيليون المياه العادمة المتدفقة في الوادي قبل أن تصل إلى البحر الميت، وتحديدا من خلال ما يسمى "جمعية مياه الغور" الإسرائيلية؛ فتعالجها ومن ثم توزعها على مزارعي المستعمرات في المنطقة، ليستخدمونها في عمليات الري.
وقد سبق أن قرر الاحتلال الإسرائيلي إنشاء محطة تنقية في منطقة النبي موسى لمعالجة المياه العادمة في وادي النار واستعمالها لأغراض زراعية في مستعمرات الأغوار والبحر الميت، وبالتالي ترسيخ الاستيطان الصهيوني في المنطقة.
وتقدر أوساط إسرائيلية أن بالإمكان تنفيذ المشروع من خلال دعم الدول الأوروبية والبنك الدولي الذين يمولون الفلسطينيين في مشاريع البنية التحتية.
وسبق أن رصدت مجلة آفاق البيئة والتنمية نحو مئة وخمسين قاعدة عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية ووادي عارة تلقي يوميا كميات هائلة من المياه العادمة غير المعالجة نحو الوديان والأراضي الفلسطينية المفتوحة، فضلا عن عشرات المستعمرات التي تتدفق منها سنويا ملايين الأمتار المكعبة من المياه العادمة نحو الأراضي الزراعية والوديان والسهول الفلسطينية، متسببة في تلويث الأراضي والمياه السطحية والجوفية.
ومن الواضح أن تلويث مصادر المياه قد يفاقم أزمة مياه الشرب الفلسطينية، علما بأن الفلسطينيين يعتمدون بشكل أساسي على المياه الجوفية.
ومن المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي أهمل طيلة عشرات السنين إقامة البنية التحتية اللازمة لمعالجة المياه العادمة، علما بأن ما يسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية لا تزال تضع العراقيل الكثيرة أمام تطوير شبكات المجاري ومحطات المعالجة، وتعيق إصدار التصاريح اللازمة لإنشاء محطات معالجة.
وقد نشاهد، هنا وهناك، تدفق المياه العادمة الفلسطينية في الوديان، وذلك، أساسا، بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين إنشاء محطات معالجة النفايات السائلة، لأنها تقع في ما يسمى مناطق C الواقعة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة. وتتمثل الحالة الوحيدة التي قد توافق فيها سلطات الاحتلال على إنشاء محطات تنقية، في قبول السلطة الفلسطينية استخدام المستوطنين أيضا لمثل هذه المحطات.
|
المياه العادمة غير المعالجة تتدفق من مستعمرات الخليل في الأراضي الفلسطينية |
لجنة إسرائيلية-فلسطينية شكلية
الجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية تقدمت إلى ما يسمى لجنة المياه الإسرائيلية-الفلسطينية المشتركة بطلب إقامة محطة تنقية في منطقة العبيدية (في ما يسمى منطقة "C ")، لحل مشكلة المياه العادمة في وادي النار، وبحيث تستوعب المحطة كل المياه العادمة المتدفقة في حوض وادي النار. إلا أن السلطة الإسرائيلية أحبطت جهود السلطة الفلسطينية؛ برفضها المشروع الفلسطيني في "اللجنة المشتركة".
والجدير بالذكر أن "اللجنة المشتركة" أُنشئت وفقا لاتفاقية أوسلو الثانية، وهي تعد لجنة شكلية تهدف إلى الإيحاء بالشراكة الفلسطينية الإسرائيلية؛ إلا أنها في الواقع ليست سوى لجنة احتلالية هدفها منح النهب الإسرائيلي للمياه شرعية فلسطينية، وذلك من خلال العضوية الفلسطينية الصورية فيها. فالسلطة المطلقة على مصادر المياه بيد ضابط المياه الإسرائيلي في ما يسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية، والذي يملك السلطة الفعلية على "اللجنة المشتركة"؛ إذ إنه يمارس حق النقض ضد قرارات "اللجنة المشتركة" التي تتكون عضويتها من "عدد متساو من الممثلين الإسرائيليين والفلسطينيين"!
إذن، تعد سلطة المياه الفلسطينية، من الناحية الشكلية والرسمية، المسؤولة عن إدارة الموارد المائية وتوزيعها. لكن، من الناحية الفعلية، فإن ما يسمى "الإدارة المدنية الإسرائيلية" وشركة "مكوروت" هما اللتان تملكان السيطرة الفعلية على الموارد المائية الفلسطينية، وتحددان الكميات والحصص المائية واستخدامها وإدارتها.
دوافع "الحماسة" الإسرائيلية
ويكمن خلف "الحماسة" الإسرائيلية لحث الفلسطينيين على معالجة مياههم العادمة، دافع سياسي-أمني-استراتيجي يتمثل في ضمان إسرائيل مواصلة نهبها شبه المطلق للمياه الفلسطينية العذبة، وبالتالي مطالبة الفلسطينيين بسد عجزهم المائي الخطير الناجم عن السرقة الإسرائيلية المفتوحة للمياه، من خلال استعمال المياه العادمة في الزراعة؛ وبالتالي تكريس النهب الإسرائيلي للمياه.
ويقدر حجم المياه المنهوبة إسرائيليا من مصادر تقع خارج نطاق الأرض المحتلة عام 1948 بنحو 1103 مليون متر مكعب سنويا، منها حوالي 453 مليون متر مكعب من أحواض الضفة الغربية، والباقي، أي نحو 650 مليون متر مكعب، من حوض نهر الأردن الذي يشمل بحيرة طبريا. وتعادل هذه الكميات ما يقارب 57% من مجمل الاستهلاك الإسرائيلي.
وحاليا تنهب إسرائيل نحو 80% (453 مليون متر مكعب سنويا) من المياه الجوفية في الضفة الغربية، لتغطية نحو 25% من استعمالات المياه في إسرائيل، تاركة 20% فقط (118 مليون متر مكعب سنويا) لتلبية جميع الاحتياجات المائية الفلسطينية. وبالطبع، يحرم الفلسطينيون من حقهم في استخدام ثروتهم المائية المتمثلة في نهر الأردن والتي كانوا يستخدمونها جزئيا قبل حزيران عام 1967.
والجدير بالذكر أن إسرائيل لا تملك كميات كبيرة من الموارد المائية في نطاق حدود الأرض المحتلة عام 1948، وإنما تعتمد على مصادر مائية خارج هذه الحدود، وتحديدا في الضفة الغربية وحوض نهر الأردن ولبنان وسوريا، ما يعني أنه مع تفاقم أزمة المياه ستزداد عملية النهب الإسرائيلي للمياه الفلسطينية. وهذا يعني أيضا، أن الفجوة الكبيرة القائمة بين كميات المياه المتوافرة للمواطنين الفلسطينيين وبين احتياجاتهم المائية الفعلية ستتعاظم بشكل أخطر.
إذن، يعيش فلسطينيو الضفة الغربية تحت "رحمة" الاحتلال المائية؛ إذ إن شربهم للمياه العذبة أو استحمامهم أو ريهم للمزروعات يرتبط كليا بمدى الاستعداد الإسرائيلي " للتكرم" عليهم ببعض المياه، علما بأن الاحتلال يهيمن بالمطلق على الموارد المائية والأحواض الجوفية والسطحية المتواجدة بين النهر والبحر؛ وذلك تحت سمع وبصر العالم الغربي "الحر" والمؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان!
وبالرغم من هذا الواقع الكولونيالي البشع؛ فإن إسرائيل تطالب الفلسطينيين بأن يسدوا عجزهم المائي الخطير الناجم عن السرقة الإسرائيلية المفتوحة للمياه، من خلال استعمال المياه العادمة في الزراعة؛ وبالتالي تكريس النهب الإسرائيلي للمياه.
شكرا جزيلا لمركز معا التنموي الذي هو حقا ودائما يقف سدا منيعا لحماية البيئة وصحة الانسان ونشكركم ايضا لتسليط الضوء على مشكلة المياة في كفردن .ودمتم,ونأكد لكم اننا مصممون بعون اللة ثم مساعدة اهل الخير لانتزاع حقنا من المياة رغم انف الاحتلال .
نحمد الله على وجود صوت إعلامي فلسطيني علمي وطني يلاحق ويرصد بمنهجية موثقة جرائم الاحتلال الصهيوني المنظمة بحق مواردنا البئية والطبيعية وإنساننا...أين سائر وسائل الإعلام الفلسطينية؟
آمال كزبرة
|