مركز حقوقي: غياب الحقوق المائية للفلسطينيين نتيجة لممارسات الاحتلال
"مياه فلسطين" تغيب بين دهاليز الساسة
شبلاق: هدفنا الحصول على مصدر مائي مستدام نظيف وآمن
مسؤول أممي: تأمين مياه صالحة للشرب حق أساسي للجميع
|
أطفال غزة يكافحون ضد حرب التعطيش الهمجية |
سمر شاهين / غزة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
حذر مختصون وقانونيون من استمرار تدهور وانخفاض منسوب الخزان الجوفي والمياه الجوفية في قطاع غزة، مؤكدين إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي غيبت الحقوق المائية للفلسطينيين، نتيجةً للسياسات والممارسات التي ترتكبها.
وتسيطر (إسرائيل) على معظم الموارد المائية المتجددة في فلسطين والبالغة نحو 750 مليون م3 سنويا عدا عن سيطرتها على نهر الأردن وطبريا ومصادر مياه البحر الميت، بالإضافة الى ما هو متاح لها في الأحواض غير المشتركة وما هو متاح لها من المياه غير التقليدية (المعالجة ومياه التحلية).
ولا يحصل الفلسطينيون سوى على نحو 110 مليون م3- بحسب مركز الاحصاء الفلسطيني- علماً أن حصة الفلسطينيين من الأحواض الجوفية الثلاثة حسب اتفاقية أوسلو هي 118 مليون م3 وكان من المفترض أن تصبح هذه الكمية 200 مليون متر مكعب بحلول العام 2000 لو تم تنفيذ الاتفاقية المرحلية.
وتحد (إسرائيل) من الوصول إلى مصادر المياه وتفرض شروطا وعقبات على حفر الآبار وتنفيذ المشاريع وخاصة في المنطقة جـ التي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية.
ويعد قطاع غزة من أكثر المناطق في العالم من حيث الكثافة السكانية، حيث يصل عدد السكان (حسب دائرة الإحصاء المركزية) إلى 1,6 مليون نسمة ومن المتوقع أن يزيد عدد السكان ليصل إلى 2.97 مليون نسمة في العام 2025.
ويعتبر الخزان الجوفي والمياه الجوفية المصدر الوحيد لتلبية احتياجات السكان من المياه للاستخدامات المتعددة (المنزلي والصناعي والتجاري والزراعي )، ونظرا لتزايد أعداد السكان وزيادة الرقعة العمرانية في أراضي القطاع وقلة الأمطار في قطاع غزة، انخفضت نسبة المياه التي يتم ترشيحها إلى الخزان الجوفي وذلك لتعويض المياه التي يتم سحبها منه.
ويتصف الوضع المائي الفلسطيني بخصوصية تختلف عن باقي دول العالم، تتمثل في وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على جميع مصادر المياه الموجودة، ويمنع الفلسطينيين من حقهم في الوصول إلى مصادر المياه وفي الحصول على مصادر بديلة.
منذ توقيع اتفاقية أوسلو 2 عام 1995، تم استخدام الاتفاقية المؤقتة حول المياه ومياه الصرف الصحي (المادة 40 من اتفاقية أوسلو 2) كأساس لوضع الخطط الخاصة بقطاع المياه وتنفيذ المشاريع خلال "الفترة المرحلية" والتي أعقبت إعلان المبادئ حيث تم تأجيل البت في حقوق المياه إلى مفاوضات الوضع النهائي.
وتقول مراكز حقوقية وإحصائية ان أكثر من نصف المياه المزودة للمستوطنات تستخرج من الآبار والأحواض الفلسطينية حيث قدرت كمية المياه المزودة للمستوطنات ب 75 مليون م3 منها 44 مليون م3 يتم الحصول عليها من الآبار التي تسيطر عليها (إسرائيل) في الضفة الغربية، وهذا يعد أحد الأسباب التي تؤدي إلى قلة المياه المتاحة للفلسطينيين وانعكاس ذلك على حصة الفرد اليومية من المياه، حيث بلغت حصة الفرد اليومية من المياه المستهلكة 73 لترا عام 2011 مقارنة مع حصة الفرد الإسرائيلي التي تصل إلى 4 أضعاف حصة الفرد الفلسطيني، كما أكدت ذلك التقارير الدولية (البنك الدولي وتقرير امنستي).
مكان غير قابل للحياة
في غزة وصل تدهور نوعية المياه إلى حد غير مسبوق، وحذر تقرير للأمم المتحدة من أن غزة سوف تصبح مكانا غير قابل للحياة في حلول عام 2020 بسبب الأوضاع المائية والبيئية والصحية. حيث يجري استنزاف هائل للحوض الساحلي ويصل العجز المائي إلى أكثر من 100 مليون متر مكعب سنويا.
تزداد أهمية المياه في فلسطين بسبب غياب السيطرة القانونية وقلة الموارد المتاحة وانحسار مصادر المياه الفلسطينية في المياه الجوفية الناشئة عن كمية المياه المضخوخة من الآبار الجوفية والينابيع والتي بلغت كميتها 267 مليون م3 عام 2011، بالإضافة إلى كمية المياه المشتراة من شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" حيث بلغت كمية المياه المشتراة 56.9 مليون م3 عام 2011 بسعر يصل إلى 2.7 شيكل للكوب الواحد في الضفة الغربية و2.4 شيكل للكوب الواحد في قطاع غزة.
وبينت نتائج مسح البيئة المنزلي لعام 2011 أن 91.8% من الأسر في فلسطين تقيم في مساكن موصولة بشبكة المياه العامة، وتتوزع هذه النسبة بواقع 89.4% في الضفة الغربية مقابل 96.3% في قطاع غزة، أما الأسر غير الموصولة بشبكة المياه العامة وتصل نسبتها 8.2% في فلسطين، فيعتمدون في حصولهم على المياه على عدة مصادر منها شراء التنكات وتجميع مياه الأمطار في الآبار المنزلية.
وتعتمد المناطق غير الموصولة بشبكة المياه العامة على آبار الجمع المنزلية وعلى شراء الصهاريج المائية (التنكات المائية)، التي تتميز بارتفاع سعرها، حيث تراوح سعر المتر المكعب الواحد في بعض محافظات الضفة الغربية (24.4 شيكل)، أي أنه أكثر من 5 أضعاف سعر متر مكعب المياه للمستهلك من شبكة المياه العامة، أما في قطاع غزة نلاحظ ارتفاع هذه القيمة بشكل كبير، حيث وصل معدل سعر هذه التنكات إلى 27 ضعف سعر متر مكعب المياه للمستهلك من الشبكة.
|
المياه في غزة تباع على الدواب |
وضع خطير
ووصل الوضع المائي في القطاع بحسب مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل م. منذر شبلاق إلى مستوى خطير من التدهور وانخفاض منسوب الخزان الجوفي بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى تداخل مياه البحر الأبيض المتوسط مع مياه الخزان الجوفي نتيجة لذلك.
وتابع لـ"افاق البيئة والتنمية". انه كنتيجة طبيعية لهذا التدهور في كميات المياه وتداخل مياه البحر مع مياه الخزان الجوفي فقد تدهورت جودة المياه المتوفرة للشرب بشكل كبير في العديد من مناطق القطاع وخاصة الجنوبية منها.
وقال م. شبلاق ان شعبنا له الحق في الحصول على مياه نظيفة وآمنة وهو ما تسعى إليه مصلحة المياه من خلال المشاريع التطويرية لقطاعي المياه والصرف الصحي، مؤكدا على التعاون المستمر مع المؤسسات الدولية بما يحقق الشعار العالمي ليوم المياه "السنة الدولية للتعاون في مجال المياه". ويحقق كذلك أهدافنا الوطنية عامة وفي قطاع غزة خاصة، في الحصول على مصدر مائي مستدام نظيف وآمن.
وقال ميو نوموتو القائم بأعمال مدير مكتب اليونيسف في غزة لـ"افاق: "ان تقرير الأمم المتحدة لعام 2012 حول وضع المياه والصرف الصحي في قطاع غزة يشير إلى أن أكثر من 90% من المياه في قطاع غزة غير صالحة للشرب، وأن تأمين مياه صالحة للشرب حق أساسي للجميع، مؤكدا على أهمية رفع الوعي بشأن المياه.
واحتفل العالم في 22 آذار الماضي باليوم العالمي للمياه. وهي مناسبة هامة للتأكيد على حق الإنسان في الماء الذي لا يمكن الاستغناء عنه للعيش بكرامة، كما أن إعماله يعد شرطا مسبقا لإعمال جملة من حقوق الإنسان الأخرى.
التعاون في المياه
كما وأكد مركز الميزان لحقوق الانسان ان الواقع المائي الفلسطيني يشير إلى وضع كارثي، سيما في قطاع غزة الذي يعاني من تلوث كبير ونقص حاد في المياه الصالحة للشرب، فحوالي 95% من مياه القطاع غير صالحة للشرب، وما يتم استخراجه من المياه الجوفية يفوق ثلاثة أضعاف ما يتم إعادة ملئه من مياه الأمطار كل عام.
وأشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة "غزة في عام 2020: مكان ملائم للعيش" أن هذا الوضع المائي الكارثي غير قابل للاستمرار، فبحلول عام 2016 قد تصبح طبقة المياه الجوفية غير صالحة للاستعمال، وسيصبح من غير الممكن إصلاح الأضرار التي تلحق بها بحلول عام 2020 دون البدء باتخاذ إجراءات علاجية الآن. كما أنه من المتوقع زيادة الطلب على المياه ليصل إلى 260 مليون متر مكعب سنوياً في عام 2020، أي بزيادة قدرها 60% عن ما يستخرج حالياً من طبقة المياه الجوفية.
وأكد مركز الميزان لحقوق الإنسان في اليوم العالمي للمياه لـ"افاق"على أهمية التعاون الدولي في مجال المياه بما يساعد شعوب العالم في التمتع بحقوقها المائية، معربا عن بالغ الخطورة لما آلت إليه الأوضاع المائية في الأراضي الفلسطينية، والتي نجم عنها غياب الحقوق المائية للشعب الفلسطيني، كنتيجة للسياسات والممارسات الإسرائيلية التي صادرت تلك الحقوق وانتهكت حقوق سكان الأراضي المحتلة.
الاحتلال سبب
وحمل المركز المجتمع الدولي والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة مسؤولياتهم، والضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي للقيام والالتزام بمسؤولياتها تجاه المدنيين الفلسطينيين وضمان تمتعهم بحقوقهم المائية. وتجنب استهداف الأعيان المدنية والبنية التحتية ومنها المتعلقة بقطاع المياه. وضمان استمرار إدخال المعدات وقطع الغيار الخاصة بمشاريع المياه والصرف الصحي لقطاع غزة.
وأكد على ضرورة إزالة آبار المياه التي أقامتها سلطات الاحتلال على طول خط الهدنة الفاصل بينها وبين القطاع، والذي يؤثر على الكميات المنسابة إلى الخزان الجوفي من شرقي القطاع، والتخلص من السدود الصغيرة التي أقامتها دولة الاحتلال الإسرائيلي لحجز المياه السطحية للأودية سيما وادي غزة، وتوقف سلطات الاحتلال عن حجب تدفق مياه بحيرة طبريا لنهر الأردن، والسماح للفلسطينيين في الضفة الغربية بحفر آبار جديدة خاصة في الحوض الغربي لسد حاجاتهم المائية.
وطالب بالتوقف عن نقل المياه ذات الجودة العالية من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى المدن الإسرائيلية داخل (إسرائيل) والحد من استهلاك المستوطنين الجائر لمياه الضفة الغربية على حساب الفلسطينيين، التوقف عن تلويث المياه الجوفية من قبل المستوطنين بفعل عوادم المستوطنات، والدول المانحة التي توقفت عن تمويل بعض المشاريع إلى استئناف تمويلها. والدول المانحة التي حولت تمويلها من المشاريع التطويرية إلى الطارئة إلى تمويل المشاريع التطويرية لقطاع المياه، بما في ذلك في المناطق (جـ) في الضفة الغربية. والدول المانحة بزيادة الدعم المالي لتطوير قطاع المياه الفلسطيني.
ودعا مركز الميزان السلطة الوطنية الفلسطينية إلى وضع قضايا المياه على سلم أولويات أي عملية تفاوض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بما يضمن الحقوق المائية للفلسطينيين.
|