"كسارة كور".. كارثة بيئية محدقة
رغم قرارات المحاكم ووزارة الزراعة والرئيس محمود عباس بإزالة الكسارة تواصل الشركة الشرقية أعمال التجريف واقتلاع الأشجار بدعم وتأييد من وزارتي البيئة والاقتصاد الوطني
|
كسارة كور تدمر الغطاء الأخضر |
رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
على التلال الخضراء المطلة على السهل الساحلي، حيث الخضرة والماء والطبيعة الخلابة.. في المنطقة المعروفة بـ"واد التين" شرق قرية "كور"، يقف الدكتور حسن فلاح السفاريني ينظر بألم وحسرة على الأشجار والطبيعة التي يتم تدميرها واقتلاعها دون رحمة أو شفقة بأنياب "جرافات فلسطينية" تدمر الزرع وتلتهم مساحات شاسعة من الأراضي يوما بعد يوم، دون رادع يحط من عزيمتها.
المُستهجن في الأمر أن عملية التدمير هذه التي تتم بطريقة منظمة لمقدرات الطبيعة والثروة الزراعية هناك، لا دخل للاحتلال الإسرائيلي بها، بل جريمة يشترك بها أناس باعوا ضمائرهم وباتوا يسعون لكسب المال، دون الالتفات إلى حجم الأضرار التي نتجت عن عملهم في كسارة تتبع للشركة الشرقية للكسارات التي تدعي اليوم ملكيتها لعشرات الدونمات الزراعية في المنطقة.
وعلى الرغم من قرار محكمة العدل الفلسطينية الصادر في الثاني من تشرين أول من عام 2012 بوقف أعمال التجريف واقتلاع الأشجار في القطعة رقم 33 حوض رقم 4 من أراضي قرية كور، ورغم الإخطار الصادر من اللجنة الفنية التابعة لوزارة الزراعة في نهاية عام 2012م للإطلاع عن كثب عما يجري في الكسارة ومدى التزامها بقرار الترخيص وشروط الصحة العامة، فقد أقرت اللجنة بتاريخ 9 كانون أول عدم شرعية الكسارة، وأنها ضرر حقيقي على البيئة والأراضي الزراعية ويجب إزالتها.
رغم ذلك تواصل الشركة الشرقية إلى اليوم أعمال التجريف واقتلاع الأشجار دون الالتفات لأي قانون أو رادع يوقف هذا الدمار والكارثة البيئية في المنطقة.
|
|
كسارة كور تمعن في تجريف الأراضي واقتلاع الأشجار |
كسارة كور تواصل تخريبها وتدميرها للتنوع الحيوي والغطاء الأخضر الخلاب |
رحلة معاناة منذ سنوات
المشكلة بدأت -كما يقول د. السفاريني المستشار المالي السابق في وزارة المالية الفلسطينية وأحد المتضررين من الكسارة- في نهاية عام 2005م عبر عمليات تجريف واسعة النطاق ومسح كامل للمنطقة التي توجد فيها الكسارة اليوم المعروفة باسم "السحايل"، حيث كان هناك تواجد لعدد من الآليات والجرافات تعود للشركة الشرقية والمفوض عنها يدعى عبد الباسط خير الله من مدينة كفر قاسم، حيث أقدمت الشركة في ذلك الوقت على شراء 10 دونمات في منطقة "السحايل" وشرعت بعملية تجريف واسعة حينها.
لكن المزارعين والمجالس القروية في سفارين وكور، بالإضافة إلى مجلس الخدمات المشترك في منطقة الكفريات، تقدموا بشكوى عاجلة لرئيس سلطة البيئة ومحافظ طولكرم، لكن الصدمة كانت في الـ 22 من كانون الثاني من عام 2007م بقرار من وزارتي الاقتصاد الوطني والزراعة عبر إصدار رخصة إقامة كسارة تابعة للشركة الشرقية على مساحة 10 دونم بحجة أنها لا تسبب أي ضرر بيئي محتم.
القرار جوبه بالرفض القاطع من أهالي الكفريات قاطبةً، حيث قدم اعتراض على قرار الترخيص لوزير الزراعة في حينه الدكتور محمد رمضان الأغا الذي بدوره قرر سحب ترخيص وزارة الزراعة، وأصدر كتاب تفسيري يبين أسباب سحب الترخيص في 14 آذار 2007م.
رغم هذا القرار، بالإضافة إلى قرار آخر من رئيس السلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس شخصيا بإزالة الكسارة، إلا أنها بقيت تعمل بدعم وتأييد من وزارتي البيئة والاقتصاد الوطني.
في 23 من ايلول عام 2008م صدر قرار من محكمة البداية في طولكرم بسحب ترخيص الكسارة بشكل كلي كونها تشكل ضرراً جسيماً على الأرض الزراعية والبيئة الفلسطينية، إلا أن هذا القرار تم إيقافه والتراجع عنه على أثر المذكرة المرسلة من وزير الزراعة في حينه محمود الهباش ووزير الاقتصاد الوطني كمال حسونة، حيث توضح المذكرة عدم صلاحية موقع الكسارة للزراعة وأنه يصلح لإقامة الكسارة بناء على رأي اللجنة الزراعية.
في تشرين الثاني 2011م قرر مجلس التنظيم الأعلى إيداع المخطط الهيكلي التنظيمي للكسارة في الصحف الرسمية، حيث يتضمن القرار تغيير صفة استعمال الأرض من زراعية إلى صناعية، ورغم الاعتراضات المقدمة إلا انه في تاريخه لم يرد عليها، وفي الـ 17 من أيلول 2012 صدر قرار من وزير الحكم المحلي يرد جميع الاعتراضات كنتيجة على تحويل صفة استعمال الأرض من زراعية إلى صناعية.
لكن هذا القرار جوبه بالرفض من المزارعين الذين تقدموا ببلاغ رسمي مدعم بالأوراق إلى هيئة مكافحة الفساد في حينه، وتم تحويل القضية إلى محكمة البداية في طولكرم، حيث نتج عن ذلك قرار بوقف أعمال التجريف من الشركة الشرقية، لكن القرار لم ينفذ حتى اليوم.
إهمال مقصود
من جهته تساءل د. السفاريني، عن أسباب عدم تنفيذ الشرطة قرار المحكمة؟ قائلا: "لا اعلم لماذا لم تحقق هيئة مكافحة الفساد في استمرار وجودها؟ ولا أعلم لماذا لم يأمر رئيس الوزراء بتنفيذ قرار المحكمة؟.
وأشار السفاريني، أنهم يمتلكون ما يزيد عن 400 دونم من أشجار الزيتون واللوزيات في موقع الكسارة، حيث كانت تنتج في الماضي ثمانية أطنان من زيت الزيتون، وبعد إنشاء الكسارة انخفضت إلى 1.2 طن زيت فقط أو حتى أقل من ذلك.
|
هذا التدمير البيئي ليس من فعل الاحتلال بل بفعل كسارات فلسطينية |
لجنة لدراسة واقع الكسارة
تجدر الإشارة إلى أن جامعة النجاح الوطنية أعدت دراسه علمية بالتعاون مع سلطة المياه وبعض الأكاديميين من الجامعة عام 2011م، تضم كلا من: البروفسور يعقوب أحمد بطة، د.عنان الجيوسي، د. أحمد حسن، د. سامر حمايدة، والمهندسان حمد الله حمد الله وبهاء أبو بكر.
وخلصت نتيجة الدراسة أن وجود الكسارة هي كارثة بيئية محدقة على البيئة والزراعة والمياه،، علاوة على التنوع الحيوي، حيث أن المنطقة التي تقع عليها الكسارة، كانت تمتاز بوجود حوالي 500 نوع من مختلف العائلات النباتية، مع العائلة النجلية والقرنية والقرنفلية والزئبقية، أما على صعيد الحياة الحيوانية البرية فهناك حوالي 13 عائلة من الثديات و45 عائلة من الطيور وهناك الطيور المقيمة والمهاجرة، إلا أن هذا التنوع معرّض للتدهور بسبب الكسارات ما يؤدي إلى اختفاء الكثير من النباتات البرية.
وبحسب الدراسة أيضا، فإن طبيعة المنطقة المقامة عليها الكسارة من الناحية الهيدرولوجية ذات حساسية عالية لمصادر تلوث المياه الجوفية، وخصوصا النفايات والمجاري، عدا أن الأعمال المتضمنة إزالة التربة قد تؤدي إلى طمر العديد من الآبار في المنطقة.
المفارقة المضحكة أن وزارة البيئة لفلسطينية بدلا ن أن تكون محامي دفاع عن البية الفلسطنية فهي محام للقوى والشركات لتي تدمر البيئة الفلسطينية والصحة العامة، كما هو حال هذه الكسارة ولأبراج الخلوية. ما هو جدوى ودور هذه الوزارة في ظل قيام الاحتلال وأدواته بتدمير منهجي منظم للمعالم البيئية والموارد الطبيعية لفلسطينية؟
هشام شعلان
|