l بدلا من الجدار الاسمنتي الكولونيالي: وزارة الحرب الإسرائيلية تقرر إنشاء "سياج" عنصري بمحاذاة قرية بتير استكمالا لحصارها وعزلها عن محيطها
 
 
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
نيسان 2013 - العدد 53
 
Untitled Document  

بدلا من الجدار الاسمنتي الكولونيالي: وزارة الحرب الإسرائيلية تقرر إنشاء "سياج" عنصري بمحاذاة قرية بتير استكمالا لحصارها وعزلها عن محيطها
جدران الاحتلال تمعن في تدمير مشهد التراث الزراعي الغني والجميل للسفوح الجبلية الساحرة ونظام المصاطب الزراعية والجدران الاستنادية المميز لمنطقة الولجة وبتير وسائر جبال القدس

مشهد طبيعي ساحر لقرية بتير حيث يخطط الاحتلال إقامة جداره العنصري

جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية

قررت وزارة الحرب الإسرائيلية إنشاء "سياج" للفصل العنصري بمحاذاة قرية بتير (قضاء بيت لحم)؛ استكمالا لحصار القرية وعزلها عن محيطها؛ وذلك بدلا من الجدار الاسمنتي الكولونيالي الذي كان مقررا أصلا إقامته هناك.  ويهدف الاحتلال من خلف هذا القرار إلى الظهور بمظهر الحريص على المشهد البيئي-الزراعي المميز في المنطقة، وتقليل عملية تشويهه؛ وبخاصة أن مخطط الاحتلال لإقامة جدران على المدرجات والمصاطب الزراعية الطبيعية القديمة والعريقة في بتير، دفعت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة لبحث مصير تلك المنطقة المرشحة لأن يعترف بها كإحدى مواقع التراث العالمي.
وكان من المقرر إسرائيليا إقامة جدار اسمنتي مرتفع في مقطع طوله نحو كيلومتر بمحاذاة القرية؛ بذريعة حماية خط سكة الحديد المتجه نحو القدس ويمر بجوار منازل بتير ومدرستها.
وقد رفع أهالي القرية وبعض ما يسمى اليسار الإسرائيلي التماسا لمحكمة "العدل العليا" الإسرائيلية ضد إقامة الجدار.  وفي ردها على التماسهم، اقترحت الحكومة الإسرائيلية إنشاء سياج معدني "شفاف"، بذريعة "الموازنة بين الحفاظ على المشهد الطبيعي وبين الاحتياجات الأمنية" حسب زعم الاحتلال.  وقد بلغت صفاقة حكومة الاحتلال واستخفافها بعقول الفلسطينيين لدرجة القول بأن "هذا التغيير يتضمن مخاطرة أمنية؛ إذ أن كفاءة السياج أقل من كفاءة الجدار، وبخاصة من زاوية إطلاق النار ونصب العبوات المتفجرة"، أي أن الحكومة تعتبر قرارها بإنشاء السياج "تنازلا" و"تضحية" على حساب "الأمن" الإسرائيلي.  وفي كل الأحوال، سواء كان عزل القرية بسياج أم جدار؛ فسيتم بتر التواصل الطبيعي بين القرية وحقولها الزراعية التي سيقع الكثير منها خلف الجدار أو "السياج".  ولتخفيف وطأة ممارسته العنصرية، سينشئ الاحتلال معبرا لمزارعي بتير، من خلال إقامة بوابة زراعية على "السياج"، للتحكم بحركتهم نحو أراضيهم الزراعية.
وبالطبع، يرفض الأهالي قرار الاحتلال، ويطالبونه بإيقاف حركة القطارات في المنطقة؛ إذا ما كانت "نيته إنقاذ المشهد الطبيعي" في المنطقة، وبخاصة أن خط سكة الحديد هناك لا يستخدم كأداة مواصلات للناس عموما، بل لتسيير قطارات سياحية.  ويؤكد الأهالي على أن النتيجة العنصرية والتخريبية للبيئة المحلية واحدة، سواء بإنشاء "سياج" أم جدار؛  فالمصاطب الطبيعية العريقة ستتشوه بشكل مباشر أيضا لدى إقامة "السياج" عليها، ناهيك عن القيود الصارمة التي ستفرض على حركة المزارعين لفلاحة أراضيهم.

"مخربون" و"إرهابيون"! 
وقد سبق لمجلة آفاق البيئة والتنمية أن عالجت عمليات التجريف والتخريب المتواصلة التي يقترفها الاحتلال بقوة لأخصب الأراضي الزراعية في محيط قرية الولجة المجاورة لبتير، والواقعة جنوبي مدينة القدس بمحافظة بيت لحم، وذلك بهدف استكمال إنشاء جدار العزل الكولونيالي وإطباق الخناق على أهالي الولجة بالجدار والمستعمرات.  وسيحاصر الجدار البلدة من جميع جهاتها، مع ترك بوابة كبيرة تتحكم بخروج ودخول الأهالي باتجاه بيت جالا.  وتعكف معاول الاحتلال التي اقتلعت آلاف الأشجار المثمرة من أراضي الولجة، على تدمير تواصل الأهالي مع أراضيهم الزراعية وعزلهم كليا عن القدس.  وقد شوه الجدار تشويها بشعا السفوح الجبلية الخضراء الساحرة لقرية الولجة، بما في ذلك الوديان الغنية بالينابيع.  وتعمل حاليا قوات الاحتلال على سد ما تبقى من ثغرات الجدار في أطراف الولجة، مرورا بقرية بتير ووصولا إلى منطقة وادي فوكين جنوب غرب القدس. 
ويزعم الاحتلال بأن فتحات الجدار التي ينوي إغلاقها قرب قرية بتير تشكل "خطرا على خط سكة قطار القدس" و"ممرا مفتوحا وحرا خطرا للمخربين إلى القدس وداخل إسرائيل"!  بمعنى أن أهالي الولجة وبتير ووادي فوكين يعتبرون ضمنا في قاموس الاحتلال "مخربين" و"إرهابيين"! 
ويعمق الجدار الكولونيالي تخريب وتدمير مشهد التراث الزراعي الغني والجميل للسفوح الجبلية المنحدرة ونظام المنحدرات الزراعية والجدران الاستنادية المميز لمنطقة الولجة وبتير وسائر جبال القدس. 

جدار الموت
وقد تطرقت آفاق البيئة والتنمية سابقا لجدار العزل الكولونيالي في منطقة بيت لحم، وما يشكله من عامل تدمير للأنظمة البيئية والمعالم الطبيعية في المنطقة، وللترابط بين المناطق المحمية. وبينت آثاره المميتة على تنقل ليس فقط الإنسان الفلسطيني في المنطقة؛ بل وحتى الحيوانات البرية، نتيجة لتجزئة الأنظمة البيئية بين الأرض المحتلة عام 1948 والضفة الغربية من جهة، وغياب التواصل بين الممرات البيئية الطبيعية من جهة أخرى.
وتشكل الأراضي الزراعية المهددة ما يقارب 28% من مساحة الأراضي الزراعية الكلية في الضفة الغربية.  ويعزل الجدار الكثير من آبار المياه والينابيع الفلسطينية، مما يحول دون استخدامها من قبل الفلسطينيين، أو على الأقل يفرض قيوداً صارمة على استخدامها.
 وتشكل مدينة بيت لحم حالة نموذجية مأساوية لما سببه جدار العزل العنصري من تدمير رهيب للأنظمة البيئية المتمثلة بالأرض والمياه والإنسان والحيوان.  وتشير الأرقام الإسرائيلية إلى أنّ الجدار يمتد في محافظة بيت لحم بطول يزيد عن 50كم، بدْءاً من شمال شرق المحافظة في مدينة بيت ساحور وباتجاه الغرب عند المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، وحتى الجهة الغربية والشمالية الغربية لمدينة بيت جالا.
وقد فصل الجدار أراضي محافظة بيت لحم الزراعية عن المناطق السكنية فيها. إذ فصل ما يقارب 12% من مساحة المحافظة، أي نحو  70 ألف دونم تقع خلف امتداد الجدار.  ولا يستطيع أصحاب هذه الأراضي الوصول إليها إلا من خلال تصاريح خاصة تصدر عن ما يسمى "الإدارة المدنية الإسرائيلية" بعد إثبات ملكيتهم لتلك الأراضي.
ويشكل الجدار حاجزاً أمام حركة السلع الغذائية من المناطق الريفية في المحافظة باتجاه المدن الرئيسية، ما أدى إلى هبوط كبير في الوفرة الغذائية، وبالتالي ارتفاع كبير في أسعار تلك السلع.
وقد التهم الجدار أكثر من سبعة آلاف دونم من أراضي بيت لحم وحدها.  وتقع هذه الأراضي على الحدود الفاصلة بين بيت لحم والقدس، وبالتالي مُنع المواطنون من التواصل والتنقل، فضلا عن القضاء على أي مجال للتوسع السكاني والعمراني في تلك المنطقة.
وبالإضافة لما عانته بيت لحم من نهب وتآكل كبيرين لأراضيها الطبيعية، عبر عقود طويلة من الاحتلال، بما لا يتناسب مع الزيادة السكانية المتواصلة والتوسع العمراني في المحافظة، فقد ثبَّت الجدار وفاقم عملية نهب المياه الجوفية في المنطقة، فضلا عن عزل مساحات شاسعة من الأراضي الطبيعية.
كما يهدد الجدار تهديدا كبيرا الحياة البرية في منطقة بيت لحم، لأنه يشكل حاجزا غير طبيعي يمنع استمرار الحياة البرية الطبيعية بين الريف الشرقي والريف الغربي للمحافظة.  وبالفعل، أخذت أعداد متزايدة من الحيوانات البرية تنفق في أثناء محاولتها الانتقال ما بين المناطق الريفية في منطقة الفصل، وهي المنطقة التي يسميها البعض "منطقة الموت".

التعليقات

الموضوع رائع, وهذا ما تعودنا عليه من كتاباتك,

سوسن تميمي

 

الاحتلال يمعن وبقوة في تنفيذ مشروعه الاستيطاني التهويدي أما السلطة الفلسطينية فمشغولة بتوزيع المناصب لشكلية وإغراق البلد في ديون فلكية، رغم أنها ليست دولة مستقلة ولا تملك سيادة على أي شيء ...

سامر كحتوت

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية