مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
آذار 2013 - العدد 52
 
Untitled Document  

وادي النار من منطقة طبيعية سياحية الى حاكورة خلفية للمياه العادمة
آفاق البيئة والتنمية تتبع بالصور مسار المياه المفترض في طريقها لوادي النار
حتى المياه العادمة... اسرائيل تنهب معظمها في محطة النبي موسى

أبو فهد من العبيدية يشرح عن وادي النار

ريبورتاج: ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

الحوض النهري الذي يبدأ من منطقة القدس في الجزء الجنوبي الشرقي مخترقاً وادي النار ومنطقة النبي موسى ليصب في البحر الميت، كان على مر الزمان نهراً مائياً عذباً يقصده الفلسطينيون لرعي اغنامهم ومواشيهم حيث كانوا يتخذون من مغره اماكن اقامة مؤقتة، وكانت مياهه تروي ظمأ العطشى، وسكونه ملاذاً للمتصوفين والنساك، وصخوره وتعرجاته مأوىً للحيوانات البرية، أما اليوم فقد تحول إلى حاكورة خلفية مقيتة لمياه الصرف الصحي من المستوطنات الاسرائيلية والأحياء العربية التي تصرفها بلدية الاحتلال في الوادي من جهة، ومياه الصرف الصحي لبيت لحم وبيت ساحور والعبيدية من جهة أخرى، مع القاذورات التي تجرفها مياه الامطار نتيجة الاستهلاك البشري الزائد وغياب مشاريع التدوير، فالوادي الذي يفترض ان يكون مزاراً سياحياً طبيعياً ودينياً للمسيحيين لوجود دير مار سابا المقام على صخر الجبل، تحول إلى مكرهة صحية على تماس مباشر مع قرية العبيدية التابعة لمحافظة بيت لحم.

اختلاط النفايات الصلبة بالمياه العادمة في وادي النار
الغزاوي يشير إلى حوض المياه الشرقي من منطقة وادي النار

تتبُع مسار المياه الجوفية والسطحية إلى وادي النار
بدأت مسيرة مجلة "آفاق البيئة والتنمية" من مطلة مرتفعة بالقرب من الجامعة العبرية شمال جبل الزيتون، حيث تبدأ المياه بالتجمع، مع الأحياء الواقعة على الحوض النهري ( التلة الفرنسية، الشيخ جراح، وادي الجوز، الطور، سلوان، جبل المكبر)، حيث بدأت الجولة من أعلى هبوطاً عبر حديقة خضراء مزروعة بأشجار الزيتون صودرت عام 67 تحت مسمى اراضي طبيعية، ثم تم الاتجاه جنوباً في المسار المقابل لسور القدس الشرقي الجنوبي، فالمرور بسلوان المدينة المليئة بالآثار التاريخية والشهيرة بنبعتها التي يسيطر الاحتلال عليها، وهناك تم ملاحظة أكوام النفايات التي تلقى من البيوت والتي تعتبر أحد ملوثات الحوض.
ومن سلوان، تم استئناف الطريق بالحافلة الى قرية العبيدية، الاقرب لوادي النار وقد لوحظ في الطريق الى الوادي، وجود مكب كريه للنفايات الصلبة الذي سبب مشاكلاً بيئية وسياحية لمنطقة دير مار سابا ووادي النار عموماً، ووفق رئيس بلدية العبيدية سليمان العصا فسيتم خلال شهور بدعم نمساوي البدء بمشروع تدوير النفايات للتخفيف من ضررها على البيئة.
عند الوادي وقفت الحافلة وسارت المجموعة بمحاذاة دير مار سابا الموجود منذ أكثر من 1500 عام، والذي يعيش فيه الرهبان حياة بدائية دون ماء أو كهرباء حيث يرتوون من نبعة داخل الدير، وينيرون الغرف المظلمة بالفوانيس، على مقربة من ذلك المبنى التاريخي المحرّم على النساء، اتجهت المجموعة عبر درجات حجرية لأسفل الوادي حيث رأت عن قرب منظر الماء العكر وبقايا النفايات واشتمت رائحة المجاري الكريهة.
وبمقابلة سريعة مع احد سكان العبيدية "ابو الفهد"، اشار الى ان مشهد المياه العادمة في الوادي كان مألوفاً منذ صغره، ما جعل الوادي منبوذاً من اهالي القرية ممن يرعون المواشي فلم يعد يقربه أحد، ويزوره فقط السياح للاستكشاف والتعرف على دير مار سابا. ويستاء "ابو الفهد" من مكب العبيدية على أطراف منطقة وادي النار والذي يقدم صورة سلبية للسياح القادمين خصوصاً لرؤيته.
وقد لوحظ أثناء الجولة انعدام اشكال الحياة الطبيعية من نباتات وحيوانات باستثناء نبات البصيل السام والخروع الذي أقلم نوعه مع المياه العادمة، كما لا تُرى الطيور على مقربة من سماء الوادي حيث تنساب مياه المجاري قاتلةً للتنوع الحيوي من حولها، وفي طريق العودة وبتنهيدة رضا بعد مشهد وادي النار الحزين، ترى على اطراف الشارع اعمدة انارة تولد بالطاقة الشمسية، وقد وضعت بدعم من جمعية قطر الخيرية، بطول 3.5 كم، تمتد لخمسة وتسعين عمودَ إنارةٍ شمسية تستغل الطاقة المتجددة، وتقلل من استهلاك الكهرباء الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري.

المياه العادمة في وادي النار
المياه العادمة والنفايات الصلبة تشكل أخطر عامل مدمر للبنية البيئية في وادي النار

قصة التحول
أثناء الجولة مع مجموعة من معلمي مدارس القدس، التقت "آفاق" بالخبير السياحي والبيئي محمود الغزاوي المشرف على برنامج التوعية البيئية في مدارس القدس الواقعة على الحوض النهري للوادي، حيث يسرد قصة تحول الوادي من مزار طبيعي إلى مكرهة صحية، قائلاً: "حين جاء الانتداب البريطاني إلى فلسطين أوائل القرن الماضي، قام بتحويل مياه الآبار المنزلية التي كانت تشكو أنابيبها الفخارية من التلوث، إضافةً لانتشار مرض الطاعون، إلى نظام الضخ عبر الأنابيب الحديدية الى الحنفيات، ما زاد من استهلاك المياه عشرات الأضعاف، وبالتالي الحاجة للتخلص منها، كما ازداد خلال الانتداب الاعمار والبناء وإقامة المنشآت الصناعية، وبالتالي ازداد الاستهلاك وتباعاً النفايات والتي وجدت مكباً لها الحاكورة الخلفية أو وادي النار.
وعدا مياه الصرف الصحي التي تصب في الوادي، تجرف مياه الأمطار في الشتاء قاذورات مناطق الحوض النهري في القدس، من بقايا طعام وعبوات وأكياس بلاستيكية وبطاريات ومخلفات بناء بحيث تتغلغل في الأرض، فإما يشربها الخزان الجوفي او تخرج على شكل ينابيع.

النفايات المنزلية قرب سلوان في الحوض المائي
النفايات في وادي النار تلوث الحوض النهري

الغزاوي: علينا أن نبدأ التغيير من أنفسنا
ويرى الغزاوي بأن "ما تصنعه اليد اليسار تلقاه اليمين"، مشيراً إلى أن البيئة تبدأ من البيت والتركيز على الطلبة " قيادات البيئة المستقبلية" على حد وصفه يساعد في تقليل الاستهلاك بنسبة 70% من خلال ثقافة استعمال الموجود، والحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز ذلك عن طريق ورشات عملية وجولات ميدانية ليشارك العقل مع اليد، عبر ايصال محاور مهمة هي المياه، التنوع البيولوجي والبيئة، من خلال معلمي المدارس الذين يتعرفون عن قرب عن الحوض المائي والمسارات والمكونات الأخرى، ويرون بأم عينهم القاذورات الصلبة والتي تتغلغل مع مياه الأمطار الى جوف الأرض، فينقلون ما اختبروه الى تلاميذهم عبر جولات مشابهة وطرق تعليمية غير تقليدية، يتعرفون من خلالها على الطبيعة، فيزيد ارتباطهم بها فيقل تجاهلهم للانتهاكات البيئية من حولهم".
ويضيف الغزاوي بأن التلوث الحاصل بالبيئة وخاصة في منطقة الحوض النهري، قد قضى على كثير من الاشجار التي كان يشتهر بها المكان كأشجار البلام، البلوط، البطم، العوسج، الاثل والعليق، مشيراً في الوقت نفسه الى بعض النباتات التي تأقلمت على مياه الصرف الصحي كالخروع.
وحذر الغزاوي من مخاطر المياه العادمة والتي تعمل على تلويث المياه السطحية والجوفية، حيث تزيد نسبة الأملاح والنترات مما يجعل المياه غير صالحة للاستخدام الآدمي، أو حتى الاستخدام الزراعي كما هو الحال في مياه نهر الأردن.
كما أن تركيز أملاح الصوديوم في التربة التي تتعرض للمياه العادمة، أضاف الغزاوي، يعمل على انسداد مساماتها فتصبح غير قابلة للزراعة، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تصحر الأراضي الفلسطينية، عدا عن المظاهر الواضحة من نشر الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات الضارة وانتشار الأوبئة.

إنارة شمسية في العبيدية
جولة في وادي النار باتجاه الحوض المائي

الفلسطيني تغيب سلطته حتى على المياه العادمة
وقد جاء نقلاً عن الخبير البيئي جورج كرزم في مقال نشر في مجلة آفاق البيئة والتنمية، حزيران 2012، الإشارة إلى التدفق اليومي في وادي النار الذي يبدأ من القدس ويصل إلى البحر الميت بأكثر من 35 ألف متر مكعب (أو أكثر من 12 مليون م3 سنويا)، من المياه العادمة غير المعالجة. وبالرغم من أن الوادي يعد من محميات الطيور الهامة في فلسطين، إلا أنه من أكثر الوديان تلوثا فيها، وعلى طول الوادي، سُجِّلَ نحو 900 موقع تلقى فيه النفايات بأنواعها المختلفة.
وكان رئيس سلطة المياه د. شداد العتيلي، قد ندد في خبر نشر على وكالة وفا 18-4-2012، وضمن لقاء نظمته بلدية العبيدية بالقرار الإسرائيلي لبناء محطة معالجة على الأرض الفلسطينية في منطقة النبي موسى بشكل أحادي الجانب دون مصادقة لجنة المياه المشتركة، ما يخالف الاتفاق المرحلي ويقوض عمل اللجنة، مشيرا إلى أن المخطط الإسرائيلي يرمي إلى استخدام المياه المعالجة لأغراض توسيع الاستيطان الإسرائيلي في منطقة الأغوار والبحر الميت وتعزيز سيطرته عليها.
فيما اشار نائب رئيس بلدة العبيدية المحامي ناجي الردايدة في حديث لآفاق وكمبادرة للتصرف الايجابي في ظل أحادية الجانب الاسرائيلي فيما يتعلق بمحطة النبي موسى المقامة منذ أربع سنوات، الى اقتراب تنفيذ مشروع محطة معالجة المياه العادمة في وادي النار على ارض العبيدية بإشراف "مهندسون بلا حدود"، لاستغلال ما يقدر بحوالي 17 مليون كوب من مياه المجاري للأغراض الزراعية، مضيفاً أن هناك جهات عديدة على استعداد لتمويل المشروع المتوقع تنفيذه خلال سنتين، آملاً تحويل منطقة وادي النار من مكرهة صحية الى محمية طبيعية.

دير مار سابا في وادي النار
مشهد أخضر جميل في القدس المحتلة
التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية