شجرة الزيتون الفلسطينية تصارع من أجل البقاء
|
أينما تجولت في أرياف الضفة تجد آثار تخريب وتدمير المستوطنين لأشجار الزيتون |
رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
لم تتمالك الحاجة صديقة حسين البوم (72عاما) من قرية قريوت أنفاسها وهي تشاهد السنة اللهب تلتهم أشجارها الرومية الواحدة تلو الأخرى، والتي تعود جذورها إلى مئات السنين، فقد وضع المستوطنون من مستوطنة "عيليه" قبل أيام معدودة عبوات حارقة في قلب الأشجار المعمرة قبل أن يشعلوا النيران فيها، والنتيجة الحتمية كانت إحراق 31 شجرة معمرة بشكل كامل، وتحويلها إلى قطع من الفحم في صورة تعكس واقع الحقد الأعمى في نفوس المستوطنين تجاه الشجرة المباركة.
السيناريو نفسه تكرر في قرية راس كركر شمال مدينة رام الله هذا العام أيضا، فبعد انتظار دام سنة كاملة سمح للحاج جمعة بركات ابو فخيذه (56عاما) من الوصول إلى أرضه لجني ثمار الزيتون، لكن يد الغدر لقطعان المستوطنين انطلاقا من مستوطنة "زيت رعنان" المجاورة كانت السباقة لأشجاره المثمرة، فقد اتلف المستوطنون 27 شجرة زيتون روميه يعود عمرها لمئات السنين، وذلك عبر استخدام أدوات حادة ومناشير كهربائية في نشر أغصان الأشجار وإتلاف حب الزيتون، حيث حرص المستوطنون على إلحاق اكبر قدر مستطاع بتلك الأشجار وتحويلها إلى أشجار غير منتجة لا فائدة منها لفترات طويلة.
هذه الأحداث وغيرها تلقي بظلالها وواقعها الأليم في كل موسم للزيتون على مدار سنوات الاحتلال، حيث نسمع كثيرا ونشاهد بوقائع حية أو عبر شاشات التلفاز صور الحرائق التي يفتعلها المستوطنون في غابات الزيتون، عدى عن تقطيع الأشجار بطرق وحشية يندب لها الجبين، والانتهاء بمصادرة الأشجار ومنع المزارعين من مجرد التواصل مع أراضيهم التي لطالما حرموا من الوصول إليها طوال العام، الا في فترة موسم الزيتون وبعد الحصول على التنسيق المسبق.
ولكن رغم أن موسم الزيتون محفوف بالمخاطر والأزمات، إلا انه يعدّ من المواسم الهامة التي ينتظرها الفلاح الفلسطيني بفارغ الصبر، فهي ليست فقط مرتبطة بالجانب الاقتصادي بل بمناسبات اجتماعية نسجت خلالها أنماط من التراث والثقافة والعادات، جوهرها الفرحة والانبساط والاستمتاع وهي تجسيد لعلاقة الفلاح الفلسطيني مع الأرض ومع الشجرة، وحتى وصلت هذه العلاقة إلى درجة من الحب والعشق وفيها صدحت حناجر الفلاحين بالأغاني وقيلت القصائد، لكن المستوطنين الغرباء عن التراث والأرض، حولوا هذه الفرحة والابتهاج بقدومه إلى رعب وخوف وتوتر عبر اعتداءاتهم المنظمة على المزارعين.
وبحسب مؤشرات وحدة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، فإن العام المنصرف على سبيل المثال لا للحصر فقد بلغ مجموع الاعتداءات التي يقترفها المستوطنون وجيش الاحتلال بحق شجرة الزيتون في موسم الزيتون لوحده ما لا يقل عن 97 اعتداءً طالت الإنسان والشجرة المباركة.
|
المستوطنون الحاقدون أشعلوا النيران في عبوات حارقة وضعوها في قلب أشجار الزيتون الرومي بقرية قريوت الفلسطينية علما أن عمر هذه الأشجار المعمرة مئات السنين |
مناطق عازلة لصالح المستوطنين
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتف بمصادرة الأراضي بهدف توسيع وترسيخ الاستيطان في الضفة الغربية، بل تعدى الأمر إلى إنشاء مناطق عازلة طالت مساحات شاسعة من الأراضي في محيط المستوطنات الإسرائيلية، وهذه المناطق هي بالأصل أراض مزروعة بالزيتون وتعود ملكيتها لمئات العائلات الزراعية في الأرياف الفلسطينية.
والكارثة تكمن بأن الاحتلال يمنع أصحاب الارض من الوصول إلى أراضيهم الا بعد الحصول على التنسيق المسبق ولساعات محدودة، بينما المستوطنون يسمح لهم بالوصول في أي وقت وفي أي زمان، مستغلين ذلك في تنفيذ أجندتهم وهنا تكمن الكارثة.
ولعلل المزارع محمد عدنان قادوس (49عاما) من قرية الزاوية غرب سلفيت يعدّ مثالا بسيطا عن واقع تلك المناطق التي ما وجدت بالأصل الا لخدمة المستوطنين، حيث توجه المزارع قادوس برفقة عائلته قبل أيام معدودة إلى أرضه التي حاصرها سياج مستوطنة الكانا على أمل الحصول على موسم زراعي خير هذا العام، لكن يد الغدر خطفت أحلامه وكانت سباقة إلى أرضه، فقد أقدم مجموعة من المستوطنين إلى سرقة ثمار الزيتون من أرضه ونقلها إلى داخل مستوطنة الكانا، وما تبقى من محصول فقد تم إتلافه عبر ضخ مياه الصرف الصحي.
|
حاجة فلسطينية تتحسر على تدمير المستوطنين الصهاينة لزيتونها |
البوابات الزراعية ومحاربة موسم الزيتون
يذكر أنه في كل موسم زيتون، يشرع الاحتلال في وضع العراقيل عبر السماح للمزارعين بالمرور من بوابات بعيدة عن أراضيهم الزراعية.
فبالرغم من أن الاحتلال يدعي بأنه يفتح تلك البوابات لساعات محدودة ولفترة قصيرة خلال موسم الزيتون، الا أن هناك تعطيل متعمد من قبل الاحتلال كما يقول المزارع محمد خالد شريف (66عاما) من قرية جيوس شرق مدينة قلقيلية، حيث وبحسب إفادة المزارع شريف لمجلة "أفاق البيئة والتنمية" فإنه في هذا العام، قد جرى توجيه المزارعين في قرية جيوس إلى بوابات زراعية تبعد مسافة لا تقل عن 2 كم عن أراضيهم خلف الجدار والتي لا يسمح الاحتلال للمزارعين باستخدام الجرارات الزراعية للوصول إليها، ما يساهم في هدر الوقت والجهد وفي زيادة معاناة المزارعين.
|
حتى أشجار الزيتون الفلسطينية الفتية لم تسلم من حقد المحتلين |
الارتباط المدني الفلسطيني... شكاوى عديدة بلا نتيجة
يذكر أن المزارعين تقدموا مرات عديدة بشكاوى عديدة ضد الأفعال التي اقترفها المستوطنون، ولكن السؤال ما النتيجة التي انبثقت عن تلك الشكاوى؟
جاءت الإجابة على لسان احد موظفي الارتباط المدني الفلسطيني في قلقيلية الذي رفض التصريح عن اسمه بالقول: "هناك شكاوى عديدة تجاوزت أكثر من 90 شكوىً خلال العام الفائت قدمت بحق المستوطنين حول قطع أشجار الزيتون وسرقة الثمار، إلا أن النتيجة هي لا شيء، ليس هناك تعاون حقيقي من قبل الارتباط المدني الإسرائيلي أو حتى على مستوى شرطة الاحتلال في موضوع ملاحقة المستوطنين، بل هناك مماطلة وتسويف وتزييف للواقع، وهناك عقبات توضع من قبل شرطة الاحتلال حول حق المزارعين المتضررين تحول دون الحصول على حقوقهم، حيث تطلب شرطة الاحتلال أوراقاً ثبوتية تعجيزية ترهق كاهل المزارع البسيط كطلب إخراج قيد باسم المزارع المتضرر، وهذا لا يمكن تأمينه بالظروف العادية كون معظم الحيازات الزراعية في المحافظة مسجلة باسم أكثر من وريث، وبهذا تضيع معظم الحقوق".
|
ليس فقط الإنسان الفلسطيني هو المستهدف صهيونيا بل أيضا كروم زيتونه |
ضعف الإعلام والمؤسسات الرسمية
على الرغم من أن موسم الزيتون محفوف بالمخاطر والكوارث الإنسانية، والتي تُعرض حياة المزارع للخطر الشديد أثناء قيامه بالحفاظ على أرضه في وجه ما تتعرض لها من مؤامرات من قبل الاحتلال.
إلا أن هناك دوراً يوصف بالخجول سواء من ناحية الإعلام المرئي أو من قبل الجهات الرسمية في دعم صمود المزارع، فالإعلام يركز على الاكتفاء بتقرير قصير حول اعتداء ما من قبل المستوطنين في قرية ما، وكأنه خبر عادي يتم تسليط الضوء عليه لبرهه ثم يتناسى.
أما المؤسسات الرسمية فمنوط بها المزيد من الدعم للمزارع سواء من الناحية المعنوية أو حتى المادية، ولعلّ تجربة محافظة سلفيت كانت ناجحة في دعم صمود المزارعين في موسم الزيتون في محافظة تعاني استهدافاً حقيقياً في أكثر من 20 مستوطنة جاثمة على أرضيها.
ففي كل موسم زيتون - كما يشير السيد نواف صوف نائب محافظ محافظة سلفيت لمجلة آفاق- تقوم المحافظة بتنظيم مهرجان للزيتون بإشراك كافة الفعاليات الرسمية والأهلية، بل يتم أيضا تنفيذ مهرجان لتسويق الزيت والزيتون وقد لاقى نجاحا كبيرا الموسم الماضي، وسيعاد تنفيذه في هذا الموسم.
وستبقى شجرة الزيتون شامخةً بشموخ أهلها وستستمد عراقتها من أصالة شعبها المعطاء.
|
من آثار تخريب المستوطنين لأشجار الزيتون |
|