الانتخابات البلدية وقضايا البيئة: حضور أم غياب؟
|
الانتخابات البلدية الفلسطينية تحولت إلى ملوث للبيئة ونسفت ادعاءات الأحزاب في شعاراتها حول نظافة وجمال المدن والبلدات |
عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية
قبل ثلاثة أيام من الاقتراع في انتخابات الهيئات المحلية، كان الشاب علي عبد الهادي، يسير بجوار إعلانات لمرشحين، وسط مدينة جنين، وقد ألقيت على الأرض وأزيلت من مواقعها، فيما راحت عيونه تصول وتجول في الكثير من الإعلانات الضخمة.
يقول: "ستصبح كل هذه المطبوعات نفايات، تضاف إلى الملوثات الكثيرة المنتشرة في بلادنا. ولا ننسى تكلفتها العالية، في وقت نعاني أزمات مالية خانقة، وشهدنا قبل أسابيع "انتفاضة غلاء". وتبدو أن البيئة لا تهم المرشحين، وأكثر من يتضرر منها عمال النظافة، الذين ستضاف لمهامهم المزيد من الأعباء، كما سيربح أصحاب المطابع والدعاية والإعلان من هذه الفوضى المُنظّمة".
آراء
ويعتقد الأستاذ المتقاعد نافذ جوابرة ، الذي يقيم في مخيم الفارعة أن الدول المتقدمة تفرض أن تكون الدعاية الانتخابية في أماكن مُعينة، بحيث لا تؤثر على البيئة، وعند الانتهاء من العملية الديمقراطية يلزم صاحبها بإزالتها على نفقته، ليبقى المكان جميلا دون تشويه.
ويتمنى جوابرة، أن نقلد هذا السلوك ونفرض قوانين تعاقب من يشوه الأماكن العامة والممتلكات الخاصة بإعلاناته.
ويقول الشاب محمد ملحم، الذي يقيم في بلدة جنوب جنين: الحديث يجب أن لا ينحصر في تلوث البيئة بالدعاية الانتخابية، بل يجب أن يتعداه إلى النفقات الباهظة، في وقت تعاني الحكومة عجزاً باهظًا، ولا تستطيع دفع رواتب موظفيها. ويضيف: مع أن القانون يلزم القوائم المتنافسة إزالة ملصقاتها عن الجدران، إلا أنها لا تنصاع لهذا، وتتمادى في التخريب.
غير أن الناشطة النسوية في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ليلي سعيد، تعتقد أن الانتخابات ستؤدي إلى تراكم النفايات الناجمة عن العملية الديمقراطية، وستلقى أعباء التنظيف على عمال مجالس الخدمات المشتركة للنفايات الصلبة. لكنها تقول: "الأمر ليوم واحد فقط، وليس كل يوم، وستجد المجالس المنتخبة ما تنفذه من أعمال، بعد استلامها مهامها!"
وتتساءل الموظفة في بلدية نابلس رانيا طه: "لماذا يجري تعليق الصور الانتخابية على الجدران والبنايات الحجرية بالغراء والمواد اللاصقة؟ وكيف ستجري عملية تنظيفها بعد ذلك؟ وتقترح إجبار القوائم المرشحة على دفع أثمان تنظيف ما يضعونه من دعايات وصور، حتى لا تتكرر هذه الممارسات.
تحليل
وبرأي طالب الدارسات العليا في جامعة بيرزيت علاء سالم، فإن الانتخابات تحصل في كل دول العالم، ولم يجر الحديث عن تلويث للبيئة بسبب الانتخابات ودعايتها. وكلنا يعرف أننا حينما ندخل للاقتراع، نخرج دون أية نفايات أو منشورات أو أوراق حتى نرميها في الساحات.
يضيف: "ما ينتجه مصنع أمريكي أو صيني من ملوثات غازية وسائلة وصلبة في عام واحد يفوق ما تنتجه الدول العربية في تأثيره وخطورته على مدار مئة عام. وهناك من المعقول أن تنشط وتظهر حركات الحفاظ على البيئة، أما في بلادنا فمن الجيد أن يكون هناك حس ووعي بيئي لكن ليس بمستوى التفاصيل والتعقيد والتكلف".
يتابع: "قد تكون الانتخابات ملوثة للبيئة في النتائج التي ستتمخض عنها، وليس بحجم النفايات التي سيصدر عنها، وكلنا يعلم أن معظم المواد التي نستخدمها في دول العالم الثالث في الانتخابات والحملات الإعلامية هي مواد قابلة للتحلل (أوراق وخيوط وغيرها)، وهي غير ضارة بالبيئة حتى لو بقيت في الساحات لأنها ستتحلل لوحدها بفعل العوامل الجوية المحيطة بها".
يوالي: "للأسف معظم مرشحي رئاسة البلديات عاجزون عجزا ذاتيا (إلا من رحم ربي) ومتسلقون باسم عائلاتهم وأحزابهم الكبيرة، ومن الصعب أن نطالبهم بالعناية بالبيئة".
ويتساءل: "كيف سيعتني هؤلاء بالبيئة وقضاياها، ومنهم من أصبح رئيسا ليكون "ميسراً" لمصالح حزبه أو عائلته؟ وكيف سيقنع الناس الذين اعتادوا على رمي السجائر وكاسات القهوة والمحارم من نوافذ السيارات على العناية بالبيئة؟"
ويعتقد سلامة أن الخطاب البيئي يجب أن يكون موجها إلى النساء وربات البيوت. ويكاد يجزم بعدم بوجود دعاية انتخابية إلا وفيها شعارات عن العناية بالبيئة، لكنها ستظل حبرا على ورق.
يختم: "أدعو الله أن تظل البيئة على ظروفها الحالية ولا تتدهور، وبخاصة بعد فوز ذلك المرشح غير المؤهل، أو من خلال المشاريع الاعتباطية التي سيقومون بها، والحقيقة أنني لم أسمع يوما أن أي بلدية قد أجرت يوما ما تقييماً للأثر البيئي لأي مشروع عزمت على تنفيذه".
|
من آثار الحملات الانتخابية المحلية في الضفة الغربية |
ميثاق شرف "أخضر"
وكان الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، أكد لوسائل الإعلام مطلع الشهر الفائت على ضرورة إدراج ما تضمنه ميثاق الشرف البيئي للأحزاب ضمن برامج القوى السياسة وكتلها الانتخابية، كون هذه الهيئات لها علاقة بالخدمات اليومية للمواطنين.
وأشار إلى أهمية العمل المشترك في التصدي إلى السياسة الاحتلالية في استهداف مكونات البيئة الفلسطينية وانتهاكها، ومواجهة المخاطر المترتبة عليها من خلال العمل الجاد في المحافظة على البيئة، وإشراك كافة قطاعات المجتمع كل في موقعه.
وأشاد بجهد جمعية مركز الإعلام البيئي وحرصها على عقد لقاءات مع القوى الوطنية، من اجل توقيع ميثاق الشرف البيئي، الذي تم الانتهاء من إعداد مسودته النهائية من خلال المشاورات مع القوى السياسية لفتح الطريق أمام خطوات عملية للحد من انتهاكات الاحتلال ضد البيئة ومكوناتها، والتي تترافق مع العدوان على الأرض كبناء المستوطنات والجدار العنصري.
وفي وقت سابق، أكد يوسف أبو صفية وزير شؤون البيئة على الدور الأساسي لوزارته في صياغة الميثاق، ووضع المفاهيم الأساسية له وضرورة التأكيد على هذا الدور، مشيراً إلى أن حماية البيئة الفلسطينية مسؤولية وطنية واجتماعية في وقت تعاني فيه استهدافاً من قبل أذرع حكومة الاحتلال، وغياب الثقافة المجتمعية بهذه الضرورة الملحة للعمل بشكل جماعي للحفاظ عليها.
حراك بيئي ولكن
ووفق موقع "آفاق بيئية" يعتبر الميثاق نقطة تحول في اهتمام الأحزاب تجاه البيئة بعد توقيع اثني عشر حزبا على ديباجته في رام الله وهي: حركة فتح، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والجبهة العربية الفلسطينية، والنضال الشعبي، والشعبية القيادة العامة، والصاعقة، وحزب الشعب، والمبادرة الوطنية، و(فدا)، وجبهة التحرير العربية، و"التحرير الفلسطينية".
فيما أعتبر مدير "الإعلام البيئي"علاء حنتش التزام الأحزاب بتضمين برامج قوائمها الانتخابية ببرامج بيئية انجازا مهما وتطورا نوعيا في نظرة الأحزاب لهذه القضايا التي تعاني تهميشا في الشارع الفلسطيني، بالإضافة إلى فتحها حراكا شعبيا ورسميا للتشارك في حماية البيئة.
ونقل الموقع تصريحات الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني أحمد مجدلاني، الذي أكد أن ضرورة المحافظة على البيئة تقع ضمن التنمية المستدامة وتساهم في تعزيز صمود المواطن الفلسطيني. أما أمين عام الحزب الديمقراطي الفلسطيني "فدا" زهيرة كمال، فاعتبرت إشراك القوى السياسية في تبني سياسات بيئية ضمن برامجها الانتخابية خطوة بالغة الأهمية سواء في الانتخابات التشريعية أو المحلية، لما له من انعكاسات على التشريعات الفلسطينية.
فيما قال عضو المجلس الثوري لحركة فتح ومستشار الرئيس محمود عباس صبري صيدم إن موافقة الفصائل والأحزاب على هذا الميثاق يدخلها عهداً جديداً، ويعيد الأجندة الاجتماعية إلى برنامجها، لأن المعركة مع الاحتلال هي معركة بيئية على الماء والهواء والترددات والأشجار والنفايات الصلبة والسائلة والطاقة الشمسية المهددة والجغرافيا ككل.
|
هذه هي الترجمة العملية لشعار نظافة وجمال البلدات والمدن الذي رفعته الأحزاب والقوائم المتنافسة في حملاتها الانتخابية |
برامج انتخابية
تجمع "آفاق البيئة والتنمية" عدة برامج لمرشحين من محافظات: جنين ونابلس ورام الله والبيرة، وتراقب حضور البيئة في برامجها فتلاحظ استخدام عبارات:" البيئة..الارتقاء بمستوى نظافة المدينة بما يليق بأهلنا، وزراعة أشجار الزينة حيث ما أمكن تحقيقاً لشعارنا (....نظيفة وجميلة). فيما يحصر برنامج آخر البيئة بالنفايات وإزالتها وتكثيف عمليات جمعها. وتصمت رؤية إحدى القوائم عن ذكر البيئة، فيما تفصل برامج كتلة كبيرة بين الصحة العامة والبيئة فصلاً جذرياً؛ بالرغم من الصلات والارتباطات بينهما. ابتعد برنامج إحدى الكتل اليسارية المتحالفة مع مستقلين عن ذكر البيئة، واكتفى بالإشارة إلى"تحسين الظروف الصحية في الهيئة المحلية"، واتفقت البرامج كلها على تغييب الإشارة لقانون البيئة الفلسطيني، بالرغم من أهميته في ضمان "أكبر قدر من الصحة والرفاه" للمواطنين، ولطبيعة عمل البلديات واختصاصها وصلاحياتها، كما جاء في قانون الهيئات المحلية.
يقول الناشط الشبابي علي عبد الفتاح: "من يشاهد برامج الأحزاب والكتل، سيضحك لتعريفها لقضايا البيئة، وسيدرك أن ما جرى رفعه يحتاج موازنات طائلة، تصل أحياناً إلى مليار دولار، فيما تعاني الكثير من الهيئات المحلية عجزاً كبيراً وبملايين الدولارات!"
العمل السياسي والحزبي في بلدنا يتميز بالنفاق في كل شيء فما بالك بالشعارات البيئية في الحملات الانتخابية العابرة
نزار عابودي
|