جمال الريف الفلسطيني تعكره رائحة المياه العادمة التي لا تجد لها صرفا صحياً يقي الناس شرورها
رئيس بلدية الكفريات: حين منعنا إفراغ الحفر في الأراضي ثار أهل القرية فأين يذهبون بمياه فاضت وسالت باتجاه بيوتهم؟
|
المياه العادمة التي تفرغ من الحفر الامتصاصية يتم التخلص منها في الأراضي المفتوحة |
متابعة: ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
لأن شبكات الصرف الصحي أقيمت في المدن الرئيسية منذ عهد الإدارة الأردنية للضفة الغربية، لم تكن القرى النائية قليلة السكان متباعدة البيوت بـ"الحسبان"، وفي السنوات الأخيرة ومع الزيادة الطبيعية في عدد السكان، لم تعد الحفر الامتصاصية التي يشقها سكان منطقة الكفريات في محافظة طولكرم- على سبيل المثال لا الحصر- في عمق دارهم تستوعب الكميات الكبيرة المتدفقة إليها من منازلهم، فأخذت تفيض باعثة روائح كريهة وسموما على تماس مع البيوت، ما حدا بالسكان للتخلص منها بنضحها عبر شاحنات تقوم الأخيرة بتفريغها في الوديان، ما يزيد الطين بلّة، ويثير القلق لدى السكان من المخاطر الناجمة والتي تتغلغل إلى أراضيهم ومياههم الجوفية وبالتالي تهدد صحتهم بالخطر.
حول هذا المشكلة التي لن تجد حلاً سريعاً في الوقت الحالي، تحدث محمد خضر رئيس بلدية الكفريات لـ" آفاق البيئة والتنمية" عن هذا السلوك البيئي الخاطئ والغير مسيطر عليه من قبل البلدية أو حتى المجالس المحلية، معللاً ذلك بسبب غياب شبكات صرف صحي في القرى نظراً لطبيعتها الطبوغرافية وتعداد سكانها القليل وعدم وجود تمويل كافٍ.
وأضاف واصفا الحفر الصماء التي تكون اجاصية الشكل تستوعب 80 كوباً للماء: " ليست كل الحفر صماء (مسورة بالاسمنت) فهناك حفر في الصخر مقامة بشكل غير هندسي تسمح بتسلل المياه العادمة إلى عمق الأرض وبالتالي إلى مخزون المياه الجوفية".
ولفت إلى أن من يتولى عملية النضح ومن ثم التفريغ في الوديان المجاورة للأراضي الزراعية، هم شركات القطاع الخاص وليس بلدية الكفريات، فالبلدية لا تستطيع أن تتولى إدارة الموضوع لأنه أمر خاطئ وضار بالبيئة وفي المقابل لا تجد أي بديل عملي. ولكن في حال النفايات الصلبة، أشار خضر، إلى انجاز "إزالة مكب جبارة الكريه" مقابل تحويل النفايات الصلبة في منطقة الكفريات إلى زهرة الفنجان في جنين.
|
المياه العادمة تتدفق نحو الأراضي المفتوحة والزراعية في الكفريات |
الحل في محطات معالجة منزلية
ويرى خضر أن الحل الأكثر إمكانية من حيث تحقيقه، هو إنشاء محطات معالجة في المنازل للاستفادة من المياه الرمادية في ري المزروعات ولكنها مكلفة وتحتاج إلى تركيب تمديدات منزلية جديدة وبالرغم من ذلك فهي تظل أكثر منطقية من مشروع بنية تحتية للصرف الصحي تخدم سبعة آلاف نسمة بكلفة -وفق دراسة أخيرة- تصل لـ 25 مليون دولار.
وفي ذات السياق، أشارت شروق حجاوي من "معا" منسقة برنامج القدرات ضمن مشروع امينكا، إلى التنسيق بين سلطة المياه ومركز معا من اجل إدخال منطقة الكفريات في دراسة قيد البحث تعدها الأولى تستهدف إنشاء محطات معالجة صغيرة في التجمعات، تساهم في حل معضلة تصريف المياه العادمة.
|
إنشاء الجدار العنصري يشكل عاملا مدمرا للغطاء الأخضر والتنوع الحيوي في منطقة الكفريات |
الحل في محطة معالجة مركزية
الخبير في صحة البيئة والأستاذ المساعد في جامعة بيرزيت د. رمزي صنصور، أجاب في معرض سؤاله عن إلقاء المياه العادمة في الوديان بقوله: " تشكل عملية نضح الحفر الامتصاصية في الوديان خطرا حقيقياً على المياه الجوفية في حال كانت هناك كسور في الصخور السفلية، فتسمح الأخيرة بتغلغلها مسافات كبيرة". وأشار د.صنصور إلى أنه على الرغم من كون "تحاليل فحص المياه" المنفذة من قبل وزارة الصحة وسلطة المياه والجامعات لم تشر إلى تلوث حقيقي، لكن ذلك لا يمنع وجود خطر مستقبلي في حال لم تعالج مسألة التخلص من المياه العادمة.
ولفت إلى انه تابع ورأى بأم عينيه تسرب المجاري من الحفر الامتصاصية الغير محكمة والتي امتدت لمسافة تزيد عن نصف كم، مؤكدا أن مثل تلك الحفر -من دون خزان إسمنتي- عمل مخالف لقوانين البيئة الفلسطينية.
وأشار صنصور إلى أن الحل برأيه -وقد اقترحه في منطقة الجنوب، على إحدى المؤسسات وقامت الأخيرة بدراسته لإيجاد التمويل الكافي- يتمثل في محطة معالجة مركزية عالية جداً من حيث مخرجات الماء المعالجة تربط ما بين سبع قرى، بحيث يتم نضح الحفر مرتين بالشهر ومن ثم تجميعها في محطة المعالجة، لاستخدامها مجدداً في ري المزروعات.
الجدار الخطر البيئي الأبرز
وعودة لرئيس البلدية وفي دردشة حول البيئة في الجوار، قال خضر: " ليس هناك أخطر من السياج الفاصل والذي وضعه الاحتلال". مشيراً إلى فصله أراضي كفر جمال وصور والراس عن أصحابها، كما فصل قرية جبارة عن مجموعة القرى المحيطة، فأضحى سكانها يدخلون ويخرجون لقريتهم عبر تصريح إسرائيلي يجدد من قبل الاحتلال، ما اثر بالدرجة الأولى على نمط الزراعة وحجم الإنتاج في تلك المناطق فتحولت من زراعة مروية إلى بعلية، كما اثّر هذا الجسم الدخيل، على تنقلات الحياة البرية وخاصةً الحيوانات التي اعتادت التنقل بين المناطق ما أدى إلى اختفاء الكثير منها. كما أستشهد خضر بقرية كفر جمال على سبيل المثال، حيث يسمح لأهالي الأراضي بالدخول لها، ما بين السادسة صباحاً إلى الثالثة عصراً وخلال هذه المدة يحظر عليهم مغادرة أراضيهم، وفي حال تعرضوا لطارئ فيكون الخروج بالغ الصعوبة، كما لا تعطى تصاريح لأصحاب الأراضي، إلا بعد إحضار الإثباتات اللازمة من طابو، ملكية وقيد من المالية، والتصريح يتفاوت من شهر إلى سنة.
|
مديرة مدرسة تذهب إلى قرية جبارة بتصريح عسكري |
|