مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تشرين أول 2012 العدد-48
 
Untitled Document  

"المدارس الخضراء" ضرورة حياتية وتعليمية ملحة

مدرسة الفرندز في رام الله

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تشكل عودة التلاميذ إلى مدارسهم مناسبة جيدة لفحص حالة الوعي البيئي لدى الناشئة.  وللأسف، التربية البيئية وضرورة دمجها في النظام التعليمي لا يعتبران أمرا ملحا ومفروغا منه في مجتمعنا الفلسطيني.  حيث أن معظم الشباب لا يسارعون إلى المبادرة بأعمال بيئية تطوعية، ويعتبرون مثل هذه النشاطات عملا غير ممتع، ممل وغير مسل؛ فلديهم ما هو أهم من ذلك لإشغال وقتهم، مثل الفيسبوك، والثرثرة الإلكترونية، و"البْلاي ستيشِن" والمقاهي.  إلا أن بعض البرامج الفلسطينية التربوية البيئية غير المنهجية قد قطعت في هذا المجال شوطا مميزا ومشجعا، وبخاصة برنامج المدارس الصديقة للبيئة في رام الله؛ وهو عبارة عن مسابقة بيئية سنوية، تشرف عليها بلدية رام الله، للسنة الرابعة على التوالي، بالتعاون مع بعض الوزارات والجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية.  ويبدأ تنفيذ هذا البرنامج في مطلع العام الدراسي ويستمر طيلة السنة الدراسية، حيث يتم خلالها ممارسة بعض النشاطات والفعاليات البيئية المتصلة بالمياه والكهرباء والصحة العامة والتغذية والبستنة وتطوير الوعي البيئي.  وفي نهاية العام الدراسي تقيم إنجازات المدارس المشاركة، وفقا لمعايير علمية وتربوية بيئية؛ لتفوز المدارس الثلاث الأولى بجوائز مالية وعينية تستثمر في تعزيز وتأصيل الوضع البيئي في المدارس الفائزة.
بعض المدارس الحكومية الفلسطينية الطليعية، بادرت بإشراف وزارة التربية والتعليم، بممارسة البستنة العضوية في نطاق ذات المدارس، لإنتاج الخضار العضوية الخالية من الكيماويات، بحيث يزود المحصول للطلاب في إطار الكانتين أو غيرها.
ويمكننا تطوير مثل هذه المبادرات البيئية، لتشمل مئات، بل آلاف المدارس الفلسطينية، بحيث تصبح جزءاً تربويا بنيويا مكونا للنظام المدرسي، وليس مجرد مشاركة في مسابقات بيئية سنوية.  وفي هذا السياق قد توضع معايير ومواصفات تربوية بيئية للصروح المدرسية المؤهلة بالحصول على لقب "مدارس خضراء".  ويمكن لوزارتي البيئة والتربية والتعليم، بالتعاون مع جهات أهلية ناشطة في الحقل البيئي، أن تشرف على هذا العمل التربوي المنظم، بحيث تكون مخولة بمنح اللقب الأخضر للمدارس المناسبة، كتعبير عن الاعتراف والتقدير بالتربية البيئية الجوهرية في مدارسنا. 
وكي تحصل المدرسة على لقب "المدرسة الخضراء" يجب عليها أن تقدم نموذجا قائما على مبادئ التعلم البيئي النشط، وممارسة نمط حياة بيئي وفعاليات تهدف إلى إحداث تغيير معرفي وقيمي وسلوكي تجاه البيئة.
وقد تحصل المدارس التي قطعت أشواطا متقدمة جدا عن غيرها في الإنجازات البيئية، على لقب "المدرسة الخضراء بامتياز".  ويفترض بالمدرسة التي تحصل على هذا اللقب الأخير، أن تلتزم طيلة سنتين أو ثلاث بجميع المواصفات والمعايير، وأن تثبت بأنها وسعت نشاطاتها البيئية لتشمل جميع الفئات العمرية والصفية في المدرسة، وأن تبين بأنها خفضت كثيرا استهلاكها للموارد المحددة مسبقا، كالمياه والكهرباء والورق.  كما يطلب من إدارة المدرسة، وبالتعاون مع مجالس الطلبة والأهالي، أن تتخذ قرارا يلزمها بالتعاطي الجدي والمنهجي المنظم مع المسألة البيئية.  ومنذئذ، تنفذ المدرسة مسحا وتقييما كميا وكيفيا لحالة التربية البيئية في المدرسة وتبلور مؤشرات تعمل على تحسينها. 

نشاط مدرسي أخضر

المدرسة الخضراء هي تلك المدرسة التي تعمل في مجالات ثلاثة:  التعلم النظري، والاستخدام الرشيد والحكيم للموارد، والانخراط النشط  في مبادرات ونشاطات مجتمعية.  ويجب أن يتضمن البرنامج المدرسي ما لا يقل عن ثلاثين ساعة مدرسية سنويا للنشاط التربوي البيئي، بحيث يشمل مجموعة من الصفوف الأساسية، في إطار حصص الجغرافيا والعلوم والاجتماعيات.  أما المرحلة الثانوية فيطلب منها دروس في التربية البيئية بما لا يقل، على سبيل المثال، عن عشر ساعات لنصف طلاب الثانوي، كمرحلة أولى.  وقد يطلب من مجموعة طلابية أخرى أن تنفذ مشروعا مجتمعياً ممتداً، بهدف رفع مستوى الوعي البيئي؛ وذلك، على سبيل المثال، في مجالات التدوير، وكيفية معالجة روث الحيوانات، والعناية بالمناطق البيئية المهملة، وتشجيع تقليل استعمال الأكياس البلاستيكية، وغير ذلك.
وفيما يتعلق باستخدام الموارد، يفترض بالمدرسة الخضراء أن تصل إلى مرحلة تقلص فيها كثيرا استهلاك المياه والكهرباء والورق، وأن تجمع ثلاث مواد على الأقل بهدف تدويرها، وذلك من بين خمس مواد هي:  القناني الفارغة، النفايات الورقية، البطاريات المستعملة، النفايات الإلكترونية والنفايات العضوية.
وفي المدرسة الخضراء ينشط بيئيا جميع الطلبة وفي جميع المستويات الصفية؛ فطلاب الصف الأول، على سبيل المثال، يجمعون الورق ويشركون أهاليهم في العمل البيئي.  طلاب الصف الثاني يقللون استعمال البلاستيك، ويحضرون وجباتهم الغذائية في تغليف متكرر الاستعمال.  الصف الثالث يعمل على إعادة الطيور البرية إلى الطبيعة وينشئ بستانا بيئيا ويعتني بزاوية للأحياء. الصف الرابع يوفر في استهلاك المياه ويهتم بوضع القناني أو الحجارة الكبيرة في خزان النياغرا بالحمام لتقليل حجم المياه المتدفقة.  الصف الخامس يتعلم عن الموارد الطبيعية المتآكلة وغير المتجددة، وذلك من خلال نشاطات توعوية، وإقامة لجنة "أمناء المياه".  طلاب الصف السادس قد يعيدون، بمساعدة معلمة الفن، تدوير الكراسي والمقاعد القديمة.   وهكذا مع سائر الصفوف.  وتوضع في كل صف بضع حاويات لتدوير الورق والنفايات الرطبة (بقايا الطعام) والقناني؛ ويقسم طلاب الصف إلى دوريات تهتم بتفريغ الحاويات ونقل محتوياتها إلى موقع المعالجة والتدوير.  وفي مرحلة لاحقة، يتعرف الطلاب على، ويتعلمون عن، العمليات المتقدمة لإعادة الاستعمال.  ويهتم الطالب المناوب في كل صف بإطفاء الإنارة والتدفئة عندما يخرج الطلاب من الصف.            
ويستطيع الطلاب إنشاء استاد محلي في المدرسة يثبتون فيه مقاعد من الإطارات المعاد تدويرها.  وقد تقام في مختلف أنحاء المدرسة جنائن جمالية ودفيئة بيئية يتعلم فيها طلاب الصفوف الدنيا دروسا أسبوعية.  وفي البساتين البيئية يزرع الطلاب الخضار التي تغطي احتياجاتهم من الوجبات المدرسية.
وقد يتعاون الطلاب مع جهات محلية في مسألة بيئية معينة، مثل المياه؛ فيتعاونون، على سبيل المثال، مع قسم البيئة في المجلس البلدي أو المحلي، لجمع المياه الناتجة عن عمل أجهزة التكييف في المدينة أو البلدة (في دلاء خاصة)، واستعمالها في ري المزروعات المدرسية.  ويمكن لاحقا تطوير حلول متقدمة أكثر.
وللأسف، تراجع، في السنوات الأخيرة، النشاط الرياضي الشبابي في الخلاء والساحات العامة والشوارع، لصالح ألعاب الكمبيوتر وتصفح الإنترنت.
وبالرغم من أن عدد المدارس الفلسطينية الخضراء شبه غائب حاليا، إلا أنه يفترض بوزارة التربية والتعليم أن تتعامل مع هذه المسألة باعتبارها هدفا ملحا، بل ومنقذاً للحياة؛ تماما كما يتم التعامل مع مسألة التربية البدنية والرياضية.

التعليقات

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية