مبادرات بيئية :
الزيتون ونساء فلسطين: الزيت والدمع ومحاربة الفقر..
عبد الباسط خلف:
تعرف السيدة بهيجة إبراهيم كل شيء عن أشجار زيتونها. تروي: "أتذكر موعد زراعتنا أنا وزوجي لكل شجرة، وتحت كل واحدة ذكريات كثيرة".
وفق بهيجة أم محمد، التي تسكن غرب نابلس، فإن الشجرة مثل الابن تماماً، تفرح وتحزن وتكبر وتبرد وتخاف وتشعر بصاحبها وتتألم. ولهذا لا تسمح لأحد بضرب الأشجار بالعصي لقطاف الثمار، وتبدي حناناً كبيرًا على الشجرة، وتعاملها بلطف كبير.
تضيف: "في أيامنا هجر كثير من الناس أرضهم، وبعضهم لا يأتي إلى زيتوناته إلا في الموسم. ولو أننا أعطينا الزيتون لأعطانا أكثر".
تعدد أم محمد وظائف الزيتون فتقول مع تعديلات طفيفة في الشكل لا المضمون: "يعطينا الزيتون الزيت، والحطب والجفت، ويعيننا على أيام الشدائد، ويكفي أنه يجعلنا نحب أرضنا ولا نتركها للمستوطنين".
استخدامات
تختفي في يوميات فخرية عباهرة، التي تسكن بلدة اليامون قرب جنين المزيد من التفاصيل، فهي تعمل في الاعتناء بأشجار زيتونها، تحرث وتعشب وتقلم وتجمع الثمار.
تقول: "عندي أشجار زيتون، أجمع ثمارها، وأعد من زيتونها ما نأكله، كما أصنع منه الصابون لأسرتي ولمن يرغب من الناس".
تحارب أم الصابر الفقر، بعد رحيل زوجها، بواسطة مهن اشتقتها لنفسها، فتحضر على الحطب والنار الصابون البلدي، وتلبي طلب الزبائن في إعداد طبخة من الصابون المصنوع بزيت الزيتون.
"سلاح" الزيتون
تقول علا عبد الهادي، الطالبة الجامعية: للزيتون علاقة خاصة بالنساء، فهن اللواتي يذهبن للحقل لتعشيب الأرض، ولجمع الثمار، ويصنعن المخلل الأسود والأبيض منه، وبعضهن يستعملن الجفت للتدفئة وللطابون البلدي الذي يوشك على الانقراض، ولا ننسى الزيت الذي يدخل في كل صغيرة وكبيرة في المطبخ."
تصف: "الزيتون أساس البيت، فبدونه لا تستطيع الأسر الفقيرة العيش، وهو لا يحتاج للكثير من الجهد مقارنة بالأشجار غير المعمرة كاللوزيات قصيرة العمر وكثيرة المرض".
تنهي علا: "سمعت من أمي عن موسم زيتون العام 1989، وبالتحديد يوم لقي الحاخام اليهودي المتطرف مائير كاهانا، (زعيم "حركة كاخ العنصرية") حتفه في الولايات المتحدة إذ أقدم مستوطنون على قتل إحدى نساء بلدة ترمسعيا في محافظة رام الله، عندما كانت تتجه وزوجها إلى حقلهما، لاستهلال موسم القطاف".
مراحل
بدورها، تعود الحاجة أم محمد لتعدد مراحل جمع الزيتون، فتقول: "في تشرين أول يذهب الفلاحون إلى الأرض، ويجمعوا الثمار التي تساقطت مبكرا في عملية اسمها "الجول"، بعدها يحضروا فراشاً من البلاستيك والخيش ليضعوه تحت الشجر أثناء القطاف، ثم يشرعوا في عملهم، فمنهم من يقطف المحصول بيده، ومنهم من يستخدم العصي، وهذا أكبر (غلط)، ثم تجمع الثمار في أكياس من الخيش وتترك لفترة قصيرة، لحين جمع المزيد من المحصول. تتابع والفرح يطوق وجهها: بعدها نذهب إلى المعصرة ونحضر الزيت والجفت".
تنهي: "تحتاج شجرة الزيتون لشغل طول السنة، مثل الحرث وإزالة العشب والفروع (الأغصان) الخربانة."
جبهتان
تقول أم إبراهيم إحدى المزارعات العاملات في حقول سهل مرج إبن عامر، بحكم الظروف الإستثنائية إضطررت وزوجي وأبنائي الخمسة للعيش داخل المزرعة حيث نعمل، إذ من الصعب التوجه بشكل يومي من المنزل إلى الحقل، بفعل ظروف الحصار، وتضاعف المسافات وارتفاع أثمان المواصلات.
تضيف: "أصبحنا نتخلى عن رفاهيتنا وراحة بالنا، من أجل توفير قوت أطفالنا، وعندما ننهي مواسم الزراعات الحقلية، نكمل العام الزراعي بقطاف الزيتون، وندمج أحيانا بين العمل الزراعي في قطاف الزيتون و حقول الخضراوات".
فاتن
فيما تبدو السعادة بجلاء على وجه فاتن صبيح، وهي تروي حكايتها في مقاومة الفقر، وتأسيس عمل خاص بها. تبدأ حديثها: كان وضعنا الاقتصادي على درجة كبيرة من السوء، وكان توفير التزامات الأسرة مسألة ليست بالسهلة، وتراكمت علينا الديون، إلى أن قررت تأسيس عمل خاص بي، بعد تجربتنا الصغيرة في جمعية مالية بين عدة صديقات.
كانت فاتن توفر مائة شيقل شهرياً، وتدفعها لرفيقاتها فايزة وشادن وسهام وليلي وغيرهن، لتستلم بعد أشهر مبلغاً محترماً كما تقول.
في بداية العام 2002، أخذت فاتن قرضاً بمبلغ ألف دينار من الجمعية، وأسست برفقة صاحبتها حورية شيخ إبراهيم تعاونية لشراء الزيتون الأبيض والأسود، وتخليله وتسويقه. نجحت الصديقتان في مشروعهن الأول، وأسسن بعد عام متجراً في بلدتهن، ووظفن فيه عاملاً بأجر شهري.
تقول: "مشروع الزيتون ساعدنا على مقاومة الفقر، وهو مصدر مهم للدخل، وبه نجحت نساء كثيرات في العمل والعيش الكريم".
تروي فاتن، وهي اليوم عضو هيئة إدارية للجمعية: "تزوجت في سن مبكر عام 1991، وانقطعت عن دراسة الثانوية العامة ست سنوات، وعدت لمواصلة تعليمي، وكنت أدرس وأنا وأولادي الثلاثة: أحمد(19 سنة)، وأيسر( 18) عاماً، ووعد (15) ربيعاً. تقول: "كان وضعنا الاقتصادي سيئا قبل أن أفكر في الخروج إلى العمل، فزوجي المزارع والموظف الحكومي، لم يستطع سد احتياجاتنا كلها".
بعد سنوات، ساعدت فاتن شريك حياتها في إكمال دراساته العليا، وتنوي أن تخطط بشكل جيد مسألة التعليم لأولادها. بينما تضع على أجندتها المستقبلية، عدة مشاريع، أهمها مصنعٌ لتعبئة زيت الزيتون وتصديره إلى الخارج.
|