تأسست في الفترة الأخيرة شبكات أهلية تهتم بمكافحة الفساد والرشوة، وقد دعت الإعلام إلى ان يكون شريكا للمساهمة في إنجاح هذه المهمة. وتأتي هذه الحملة من ضمن مشروع دولي شبيه، حيث انبرت منظمات دولية للاهتمام بهذا الموضوع. وقد دعت الشبكة الوطنية اللبنانية إلى اجتماعات عدة لمناقشة "وضع إستراتيجية إعلامية لمكافحة الفساد عبر محاربة الرشوة وتعزيز الشفافية والمساءلة".
"بقدر ما يبدو موضوع مكافحة الفساد ملحا وخطيرا في لبنان والعالم، بقدر ما يبدو الطرح لمقاربته ومكافحته سطحيا جدا. فعناصر الإستراتيجية الأساسية غير متوفرة في الطرح. ليس هناك اتفاق على توصيف الفساد وأوجهه أولا، ولا على مواصفات وقدرات حاملي مهمة مكافحته. فالفساد لا يقتصر ويختصر بفعل أو ارتكاب دفع الرشى، ولا بالأشكال المعروفة مثل الاحتيال والغش والسرقة والاختلاس، ولا على الوساطات والمحسوبيات والمحاباة أو التمييز والتهرب من دفع الضرائب وقبول الهدايا واستغلال المنصب... الخ، ولا تحصر مجالات ممارسة الفساد في سير المعاملات وطرق التملك والمناقصات وصرف المال العام والخصخصة وطرق التوظيف والتعيين...الخ، قد يحمل الفساد معانٍ ومظاهر أكثر تعقيدا ويشمل كل أوجه الحضارة الحديثة تقريبا.
فالفساد هو كل خروج على نظام. هو كل تدخل جسم غريب من نظام معين بنظام آخر. هو كل تجاوز للحدود. هو كل تغيير في المعالم والواقع والمواقع قسرياً. هو كل استغلال قسري ومفرط. هو كل استقواء وتعد وتحد. وقد ضرب الفساد اليوم في كل شيء. من المعرفة إلى العلم والأخلاق، وليس إلى طرق الحكم ونحل المعاش فقط .
وانطلاقا من ذلك، نسأل: ألا يعتبر "تبرع" الشركات الكبرى (التي تبتغي الربح) للجامعات ومراكز الأبحاث إفسادا لها ولدورها الأكاديمي المحايد؟
ألا يعتبر "تمويل" الشركات للحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو البلدية فسادا؟
ألا يعتبر "التعاون" بين القطاع الرسمي والقطاع الخاص في وضع معايير ومواصفات للإنتاج والسلع والانبعاثات والمخلفات المسموحة ... فسادا؟
ألا يعتبر تسخير العلم والعلماء والخبراء لإنتاج تكنولوجيا عملية وطرحها في السوق قبل تجريبها مغامرة وفسادا؟
ألا يعتبر استغلال الايدولوجيا للتكنولوجيا فسادا؟ ألا يعتبر تدخل الدين في السياسة أو العكس بالعكس فسادا؟
ألا يعتبر غزو الدول واستغلال الموارد والشعوب من دون احتساب الحقوق وقدرة هذه الموارد على التجدد استغلالا وفسادا للأرض؟
ألا تعتبر سيطرة الأقوى على الأضعف واستغلاله فسادا؟
ألا يعتبر تراجع أدوار الدول في العالم لصالح الشركات الخاصة فسادا؟
ألا يعتبر تراجع دور العقل لصالح ما دونه فسادا؟ ألا تعتبر سيطرة منطق القوة على قوة المنطق فسادا؟
ألا تعتبر صناعة الأقوياء للقوانين التي تحمي مصالحهم فسادا؟
أمّا حول الدعوة السطحية لان يكون للإعلام دور ما في المشاركة في صناعة الإستراتيجية لمكافحة الفساد فهي تتجاهل حقيقة عدم وجود إعلام مستقل أولا . فهل تدخل الأنظمة في الإعلام لا يعتبر فسادا؟ هل خضوع الإعلام لسلطة الإعلان لا يعتبرا فسادا للرأي؟ هل تملّك وسائل الإعلام من قبل أنظمة أو طوائف أو رؤوس أموال معينة لا يعتبر مفسدة له ولدوره ويؤثر على حياديته؟ هل إلغاء الحواجز والمسافات بين الإعلامي والسياسي والمستثمر، وتخلي الأول عن فكره النقدي لا يعتبر فسادا؟
والحال هذه، كيف يمكن الخروج من هذه الدوامة الفاسدة عامة، والتي نسجت على مر الزمن شبكات متداخلة بخيوط رفيعة ومعقدة، مما زاد من صلابتها وقوتها، وأصبحت عصية على أي خرق أو تغيير؟ قد لا يمكن الخروج من هذه الدوامة، من هذه الأنظمة الفاسدة التي مصيرها الموت الجماعي، إلا بإعادة إنتاج أنظمة اجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة ونظم من القيم العالمية، تحاكي الأنظمة الطبيعية لناحية حفظ التنوع، ووقوف كل نوع عند حده وحدوده واحترام دورة الحياة.
التعليقات
مجلة افاق البيئة و التنمية
الصفــحة الرئيسيـــة
لماذا آفاق البيئة والتنمية
منبر البيئة والتنمية
الراصد البيئي
مشاهد بيئية
أخبار البيئة والتنمية
أصدقاء البيئة
أريد حلا
مبادرات بيئية
تراثيات بيئية
قراءة في كتاب
سياحة بيئية وأثرية
البيئة والتنمية في صور
أسرة افاق البيئة و التنمية
أعداد سابقة / الارشيف
كُتَابُنا
رسائل القراء
للاشتراك
الاتصال بنا
روابط
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية
يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.)أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء). ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة. الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
نلفت انتباه قرائنا الأعزاءإلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء منالمجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكرالمصدر .
توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة