![]() |
![]() |
![]() |
||||||||||||||
|
||||||||||||||||
تشرين الثاني 2008 العدد (19) |
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا |
November 2009 No (19) |
||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
منبر البيئة والتنمية:
|
||||||||||||||||
"حرية تعبير" من طرف واحد الإعلام...رأس المال...وإخفاء المعلومات جورج كرزم
من الملاحظ أن "حرية التعبير" في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، وأحيانا الغربية، هي حرية من طرف واحد، وبخاصة، عندما يتعلق الأمر بالمصالح الحساسة والساخنة لرأس المال المتمثل في الشركات والمؤسسات التجارية الكبيرة والاحتكارية والحكومات. فغالبا ما تتحفظ العديد من الصحف الورقية والإلكترونية والفضائيات والإذاعات، أو ترفض، تغطية حدث أو ظاهرة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو صحية أو بيئية، حينما يتصل هذا الحدث أو الظاهرة بحكومة تشكل وسائل الإعلام بوقا لها، أو أن هذا الحدث أو هذه الظاهرة تتعلق بشركة أو مؤسسة تجارية تنتفع وسائل الإعلام من إعلاناتها التجارية، أو أن علاقات مصالح مالية وتجارية وشخصية مشتركة تربط بين الطرفين، سواء أكان ذلك لناحية كون الشركات والمؤسسات مصدر دخل هام لوسائل الإعلام، أو لناحية كون الشركات ذاتها هي المالكة كليا أو جزئيا لتلك الوسائل. لذا، ليس مستغربا أن نجد في العديد من وسائل الإعلام تغطيات ترويجية موسعة لأعمال ونشاطات الشركات التجارية، بهدف تسويق سلعها المادية أو الخدماتية، أو وجهات نظرها وادعاءاتها. وفي المقابل، نجد رقيب وسائل الإعلام، وبخاصة الصحف الورقية والإذاعات والفضائيات، يُعْمِل مقصه الرقابي، تعتيما أو شطبا كليا أو جزئيا، في أي تقرير أو تحقيق أو خبر؛ مهما كان موضوعيا ومهنيا ومحايدا، إذا كان يمس موقفا أو سلوكا أو عملا أو انتهاكا مؤذيا للجمهور أو للمجتمع أو للصحة العامة أو للبيئة، أو إذا كان ذلك التقرير أو الخبر يكشف معلومات وحقائق خطيرة وحساسة في غير صالح تلك الشركات أو المؤسسات. وفي عصر ثورة المعلومات والصحافة الإلكترونية، أصبح من الغباء بمكان إخفاء المعلومات والحقائق أو التعتيم عليها أو شطبها. فالإنترنت، تحديدا، يعد في عصرنا الحاضر الوسيلة البديلة للصحافة المطبوعة، وهو الأكثر فعالية وقدرة على إيصال المعطيات والمعلومات إلى أكبر عدد من الناس؛ وهو يملك إمكانيات انتشار غير محدودة، وسرعة كبيرة على التفاعل مع الأحداث، وبالتالي تعبئة الرأي العام. ومن خلال الصحافة الإلكترونية، يمكن لعدد غير محدود من الناس الوصول إلى أحد أهم المصادر للمعرفة التي يتم تحديثها باستمرار، وعلى مدار الساعة. وهذا الواقع الإعلامي، هو ما دفع، مؤخرا، القائمين على مجلة "الإيكولوجست" البريطانية التي تعد من أبرز المجلات البيئة في العالم، وبعد 40 سنة على صدورها بحلتها الورقية، إلى التحول كليا إلى مجلة إلكترونية على الانترنت، علما بأن العدد الواحد من طبعتها الورقية كان يباع بعشرات الآلاف من النسخ. وقد اشتهرت، في حينه، مجلة "الإيكولوجست" حينما أصدرت عددا خاصا تناولت فيه الخلافات القانونية المتعلقة بشركة "مونسانتو" الأميركية العملاقة المنتجة للأغذية المعدلة وراثيا. وقد ردت المجلة في ذلك العدد على الإدعاءات التي نشرتها الشركة في الصحف الأوروبية، والقائلة بأن "التعديل الوراثي مسالة وجهات نظر ويجب الاستماع إلى جميع وجهات النظر". وإثر ذلك، فوجئت هيئة تحرير المجلة بأن الناشر الذي كان يطبع المجلة منذ عشرات السنين ألغى جميع نسخ ذلك العدد ولم يصدرها. وبالرغم من عثورها على ناشر آخر لذلك العدد، إلا أن هيئة التحرير فوجئت ثانية، حينما رفضت شركات التوزيع، توزيع ذلك العدد الخاص؛ مما دفع هيئة التحرير إلى توزيع المجلة بشكل مباشر، وبآليتها الخاصة. وهنا كانت المفاجأة الكبرى: لقد كان ذلك العدد الأكثر مبيعا في تاريخ المجلة. ويشير هذا الحادث إلى مدى قدرة هذه الشركات على ممارسة ضغوط على وسائل الإعلام، وبالتالي التحكم بما تنشر أو لا تنشر. وإزاء فعالية الصحافة الإلكترونية والانترنت وقدرتهما على التحول إلى حقل ناقد، والتأثير والانتشار غير المحدودين، وبالتالي تكوين رأي عام من قضايا معينة، فمن غير المستغرب أن تكون العديد من الأنظمة السياسية معادية بطبيعتها للإنترنت ولثقافة "الملتيميديا"، إلا في حال استطاعة تلك الأنظمة توجيه الإنترنت و"الملتيميديا" واستخدامهما في الترويج السياسي لصالحها. وفيما عدا ذلك، يكون رد فعل تلك الأنظمة الرقابة على المواقع الإلكترونية أو إغلاق بعضها، أو سجن الناشطين والمثقفين أصحاب المواقف النقدية من السلطة والمعبر عنها في الصحافة الإلكترونية.
الافتقار إلى العقلية المنهجية تعاني الصحافة الفلسطينية، إجمالا، من أزمة التفكير النقدي؛ إذ إن معظم التغطيات والتقارير لا تواجه بوضوح وصراحة جذور الظواهر والمشاكل والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية والبيئية التي تعالجها، وبالتالي لا تلتقط الحلقة المركزية في العمل الإعلامي، وتظل تراوح عند مستوى الملاحظات والانطباعات الأولية والعامة والتقديرات الإجمالية، وتكتفي، غالبا، بعرض أو تحليل مشاكل أو ظواهر معزولة لا قيمة لها؛ فلا تخرج بتصورات شاملة ومتماسكة عن مجمل المسائل المعالجة، وبالنتيجة ترجمة هذه التصورات من قبل الجهات والمؤسسات والأفراد المعنيين إلى قرارات ومواقف فعالة وعمليات تغيير وتطوير نوعية. وتكمن العلة الأساسية في افتقار العديد من الإعلاميين والصحافيين الفلسطينيين إلى التفكير النقدي والجدلي، بما يعنيه ذلك من كتابات جامدة ووحيدة الجانب، تتعامل مع الظواهر الاجتماعية- الاقتصادية-السياسية والصحية والبيئية من منطلق سببي ميكانيكي، بدلا من الغوص في المتناقضات المعتملة في أعماق الأشياء والظواهر وبالتالي فهم ديناميتها وصيرورتها، انطلاقا من إدراك العلاقة المتبادلة بين عناصرها ومكوناتها والترابط والتفاعل الشبكي والتاريخي فيما بينها وتأثير كل منها في الآخر وما ينتج عن ذلك من حركية وتغير. لهذا، ليس غريبا، في ظل قصور التفكير التحليلي النقدي الجدلي، أن يتم التمسك غالبا بالتوجه التبريري والتسطيحي للمشاكل والظواهر، عبر إسقاط أسباب الفشل ومظاهر الفساد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والإداري والمالي على عوامل خارجية بشكل أساسي. وفي المحصلة، الاكتفاء بالمستويات الخارجية التي تشكل عادة قناعا يخفي الحقيقة، وبالنتيجة إطلاق الأحكام القطعية والنهائية بشكل مضلل. وهذا الأمر، أفقد العديد من الكتاب والصحفيين قدرتهم على الإبداع الفكري مع كل محاولة كتابية جديدة، حيث نلمس الافتقار إلى العقلية المنهجية والوقوع في التكرار الذي يصل، أحيانا، إلى زيف التنظير والثرثرة حول نفس المشاكل والظواهر.
"ثورة المعلومات" والحرب النفسية تشكل عملية التحكم بالمعلومات، في عصرنا الحاضر، الشرط الأهم للتطور العلمي والتكنولوجي. من هنا تأتي أهمية ما يسمى بثورة المعلومات المتمثلة بشبكة "الانترنت" التي حولت العالم إلى بلدة صغيرة، ليس فقط من حيث تبادل المعلومات أو البريد الالكتروني، بل أيضا كوسيلة هامة من وسائل معاملات التجارة العالمية. وبالرغم من أن المعلومات والمنجزات العلمية والتكنولوجية الحديثة، مثل تقنيات الطاقة البديلة والنظيفة، على سبيل المثال لا الحصر، تختزن طاقة كامنة كبيرة لتحسين مستوى حياة سكان البلدان الفقيرة، إلا أن احتكار هذه المعلومات والمنجزات في أيدي ثلة من الاحتكارات والدول الغربية لن يؤدي إلى سوى تعميق الفجوة الاجتماعية والطبقية والتناقضات التناحرية بين هذه الدول والاحتكارات، وبين الأغلبية الساحقة من البشرية التي تعاني من الأمية والجهل والفقر والمرض، بينما يبذر أعوان الغرب من الحكام الأمراء والشيوخ والسلاطين العرب وغيرهم أموال شعوبنا العربية على طاولات القمار في أوروبا وأمريكا ودول شرق آسيا، وعلى انحرافاتهم الأخلاقية. ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن عملية تصنيع دول "الجنوب" من قبل الاحتكارات الغربية (متعددة الجنسية) تنحصر في مجرد نقل السلع التي تنتجها المعرفة الغربية؛ إذ إن ما يميز سياسة الدول الصناعية الغربية هو الحؤول دون امتلاك "الجنوب"، والضفة والقطاع غير مستثنين من ذلك، للقدرات المعرفية والتكنولوجية المتطورة التي تنتج السلع نفسها، وليس مجرد مرحلة تجميع أو تركيب القطع الجاهزة والمستجلبة من الدول الغربية. بمعنى أن الفجوة بيننا وبين الدول الصناعية الغربية ليست رقمية فحسب، بل هي فجوة معرفية بالدرجة الأولى. والهدف الأساسي من احتكار التكنولوجيا الرقمية المتقدمة وتوابعها، بذريعة الملكية الفكرية، هو ضمان مراكمة أكبر كم ممكن من الأرباح الناتجة عن تسويق مستلزماتها إلى الدول المستهلكة بأغلى الأسعار، فضلا عن أن الطرف المحتكر هو المرجع الوحيد للبرمجيات المختلفة. هناك أيضا جانب آخر، في غاية الخطورة، ويتعلق بتسخير أميركا وإسرائيل وغيرهما "لثورة" المعلومات والاتصالات في خدمة الحرب النفسية التي تتخذ شكل الحرب النفسية الاستراتيجية الموجهة لعموم الجماهير العربية والإسلامية بل وشعوب "العالم الثالث" بعامة، وليس مجرد حرب نفسية تكتيكية؛ إذ إن التقدم العلمي الغربي المعاصر على صعيد وسائل الاتصال وتحليل الرأي العام وسلوك المجموعات البشرية، أسهم في تطوير الحرب النفسية لتصبح تقنية منظمة ذات أبعاد تكتيكية واستراتيجية، بل إنها أصبحت غالبا أكثر أهمية من الحرب العسكرية. وتهدف هذه الحرب الى التأثير سلبيا على مشاعر ومعنويات وآراء ومواقف وسلوك الشرائح للشعبية العربية والمسلمة والقضاء على إرادتها في الكفاح والمقاومة، بل ودفعها الى تقبل الاحتلال والغزو الكولونيالي الحديث بكافة أشكاله. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن هناك في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل مجموعات من "الأخصائيين" و"علماء النفس" تعمل في "مراكز أبحاث" ومعاهد خاصة، غالبا ما تكون ملحقة بالجامعات، ومهمتها دراسة إمكانيات التغلغل إلى نفسية وعقلية الإنسان العربي والمسلم، عبر التركيز على أفكار ومصطلحات عامة تدفع الناس إلى قبولها دون التساؤل عن محتواها التاريخي أو عن البواعث الكولونيالية التي تختفي وراء الدعوة لها، مثل مصطلحات "الإرهاب" و"الديمقراطية" و"حقوق الانسان" و"السلام" و"التنمية الاقليمية". ولاتستثنى لأهداف الحرب النفسية أية وسيلة من وسائل الإعلام والاتصال، ابتداء من الصحف والمجلات والكتب، مرورا بالراديو والفضائيات والأفلام السينمائية وانتهاء بشبكة "الانترنت". بل إن شركات ووكالات أميركية وأوروبية رسمية و"غير رسمية"، تعمل على تجنيد بعض وسائل الإعلام العربية والإسلامية والمحلية، عبر دعمها فنيا وتمويلها، لأهداف تشويه الثقافة الوطنية وقتل روح الكفاح لدى الشباب والشابات، وذلك من خلال بث برامج التلفزيون والإذاعة السياسية والاقتصادية والتاريخية و"العلمية" الغربية المتنوعة ونشر الكتابات والتقارير التي تغلف ظاهريا "بالموضوعية العلمية"، لكن محتواها الحقيقي ليس أكثر من نكران فظ للمعرفة والعبث بالتاريخ الجغرافيا وهدم الذاكرة الوطنية. ويمكننا القول إن هناك نوعا من الإرهاب الإعلامي الدولي الذي يضخم الأخطار لتبرير عمل عدواني أو عسكري ما، في سياق عملية تضليل ونفاق وكذب مكثفة ومنظمة ومنهجية، كما في حال إيران (حاليا) وبرنامجها النووي، أو كما في حال العراق (سابقا) وادعاء امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، في وقت يتم فيه تجاهل امتلاك دول أخرى مثل إسرائيل وأميركا وغيرهما ترسانة أسلحة مخيفة وخيالية، سواء أكانت نووية أو بيولوجية أو كيماوية، لا تقارن بأي من أسلحة دول "الجنوب"، من ناحية ضخامتها وقوتها التدميرية الرهيبة على كامل الكرة الأرضية من كائنات بشرية وحيوانية ونباتية وبحرية.
شبكة انترنت عربية موحدة مع أهمية تسلحنا بالوعي الكافي لحقيقة تحكم إسرائيل والغرب بالمعلومات وبالقدرات المعرفية وتسخيرهم لأحدث وسائل الاتصال والإنترنت لأهداف عدوانية (فلسطين، لبنان، العراق، السودان، إيران وغيرها) إلا أنه، ومع ذلك، بإمكاننا، نحن العرب، وكما يؤكد د. علي الأعسم، الخبير العراقي في شؤون "الإنترنت"، كسر (ولوجزئي) لاحتكار المعرفة، من خلال التخطيط لتأسيس شبكة إنترنت عربية موحدة ومدعومة بشبكة مراسلات حديثة، بحيث تستند هذه الشبكة إلى بنوك المعلومات في مراكز الأبحاث والجامعات العربية، وذلك لتحقيق عدة أهداف، أهمها: أولا: تبادل المعلومات والمساهمة في مراكمة سريعة للمعرفة العربية (بكافة فروعها واختصاصاتها). ثانيا: الارتباط بالعديد من بنوك المعلومات العالمية في المؤسسات العلمية والحكومية، بهدف الحصول بسرعة وبسهولة على معلومات علمية واقتصادية وبيئية وتقنية هامة. فضلا عن الاتصال الالكتروني السريع والرخيص وتبادل المعلومات، يوميا، مع العديد من الباحثين (غير العرب) في العالم. ثالثا: استخدام "الإنترنت" لتعريف دول العالم الأخرى بواقع الشعوب العربية وآمالها وتطلعاتها، من خلال نشر المعلومات والتحليلات الخاصة بالوطن العربي، عالميا، بحرية ودون أية عوائق رقابية وغيرها. |
||||||||||||||||
عندما يتكرر "النموذج" حبيب معلوف / لبنان
أعلنت بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان، في بيان لها أوائل أيلول الماضي، عن قبول طلبات لتمويل مشاريع بيئية بمبلغ إجمالي يقدر بنحو 63 مليون يورو من موازنة العام 2009. على أن تتراوح قيمة طلبات المشاريع المقترحة بين 500 ألف و 2,5 مليوني يورو للمشروع الواحد. ويأتي هذا التمويل في إطار "برنامج البيئة والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية ومنها الطاقة". وختمت بأنها تمنح الأولوية لـ"المشاريع المبتكرة" والفعاليات التي من شأنها "تعزيز العمل الإقليمي، داخل الإقليم الواحد، أو بين الأقاليم المختلفة في العالم، والعابرة للحدود". لم نفهم جيدا ما هو القصد من تشجيع ما تسميه "العمل الإقليمي" أو "المشاريع الإقليمية"؟ هل الهدف هو في تكبير المشاريع وبالتالي استبعاد المنظمات أو الشركات الصغيرة عن الالتزام والتنفيذ؟ أم المقصود توظيف المشاريع لأهداف سياسية، ولا سيما ما يسمى "مشاريع السلام في المنطقة"؟ ام هي مسألة تنفيع بعض الشركات الأوروبية وتقنياتها الصاعدة (مع خبرائها) وتشجيعها للعمل عبر فتح أسواق جديدة لها؟ وما تأثير ذلك على اقتصاديات الدول "المستفيدة"؟ وإذا كانت الأهداف أكثر طموحا تحرض على التعاون بين الدول المختلفة، ألا يفترض العمل على حل النزاعات أولا بشكل عادل حتى لا تعود وتدمرها مع أول أزمة؟ ولماذا حصر المشاريع بقضيتي الموارد الطبيعية والطاقة؟ هل هي بمثابة اعتراف بمسؤولية الدول المتقدمة التاريخية عن استغلال موارد البلدان النامية واستنزاف هذه الموارد والطاقات، وتأتي هذه المساعدات بمثابة تعويض لهذه البلدان عما أصابها أو يفترض أن يصيبها من آثار سلبية لانعكاسات التغيرات المناخية المرتقبة والتي تسببت بها "الثورة الصناعية الغربية" أيضا؟ فإذا كان هذا التقدير صحيحا، لما لا يعلن عنه صراحة، حتى يتشارك الجميع في تحديد الثمن الحقيقي الواجب دفعه؟ مع العلم أن المبلغ المرصود، بالنسبة إلى المشاكل، صغير جدا، ولا يمكن أن يترك تأثيرات جوهرية في أي من الأهداف المتخيلة. وعندما يتحدث المانح عن "المشاريع النموذجية"، أو عن "المشاريع المبتكرة"، فهذا يعني أنه يريد أن يقول بطريقة غير مباشرة، إن هذه المشاريع ليست كاملة ولا متكاملة ولا هي شاملة، ولا تشكل بديلا عن الدولة. كما يمكن القول إنها بهذا المعنى، "تجريبية". فهل نحن لا نزال في طور التجارب؟ أما حان الوقت بعد للبدء بمشاريع إستراتيجية ولها صفة الديمومة؟ هل نحن لا نزال مشاريع بلدان ومشاريع أوطان ومشاريع دول... وقد توافق الجميع على التعامل معنا كمشاريع مواطنين أيضا؟ وهل درس المانحون كفاية ما كان مصير المشاريع الصغيرة والنموذجية التي مولوها أو دعموها في السنوات الأخيرة؟ تقوم الجهات المانحة عادة بإجراء مشاورات لمناقشة مشاريعها، ولكن السؤال الذي يطرح: مع من تناقش أفكارها ومشاريعها؟ هل مع الشركاء فقط؟ مع محترفي تقديم الطلبات التي ترضي شروط الجهة المانحة فقط؟ تلقفت دوائر الاتحاد الأوروبي هذا النوع من النقد وبدأت بفتح دورات تدريبية لتعليم من يريد، كيفية إعداد طلبات المساعدة وكيفية التنفيذ والالتزام... أما النقاش الجدي حول جدوى المشاريع الصغيرة وحول "المسؤوليات التاريخية" وحول كيفية تحديد التعويضات والأثمان الحقيقية الواجب دفعها للبلدان المتضررة من "تقدم" البلدان الصناعية... فلم يفتح يوما! تشترك مشاريع الاتحاد الأوروبي مع مشاريع وكالة التنمية الأميركية في صغر حجمها، وفي حمل صفة "النموذجية"، وقد تم تكرار نفس النماذج في أكثر من منطقة دون مراجعة حقيقية لجدواها وقدرتها على الاستدامة، وقدرة مشغليها والمستفيدين منها... فتعثر معظمها. وقد اصطدم معظم هذه المشاريع بغياب الاستراتيجيات والخطط الحكومية للمعالجة أو بالتضارب معها إذا وجدت. وقد أصيبت تلك المشاريع بعدوى المشاريع الحكومية المؤقتة والطارئة وغير الاستراتيجية المشكو منها طويلا... كما هي الحال مع ملف المقالع والكسارات، هذا القطاع الذي لا يزال يعمل ضمن ما يسمى "المهل الإدارية" المؤقتة، أي ضمن حلول جزئية وتجريبية، ولم يرتق إلى مستوى التنظيم المقونن ضمن استراتيجيات عامة وشاملة. كذلك الأمر بالنسبة الى ملف إدارة النفايات، حيث لا نزال نعمل ضمن ما يسمى "الخطة الطارئة" التي وضعت من العام 1997، ولم نستطع أن ننتقل إلى الحلول شبه نهائية. حتى على مستوى طريقة استهلاك أهم مادة غذائية كاللحوم، ففي لبنان لا يزال أكبر مسلخ للحيوانات في مدينة بيروت في منطقة الكرنتينا، يعمل تحت عنوان "المسلخ المؤقت" منذ عشرات السنوات. بالإضافة إلى مئات المشاريع "النموذجية" والمكررة في المناطق كافة، من معامل معالجة النفايات الصغيرة إلى محطات معالجة الصرف الصحي الصغيرة أيضا، إلى المشاريع الصغيرة أيضا وأيضا لمعالجة زيبار الزيتون... الخ. بالأمس أيضا تم تكرار تنفيذ مشروع إنشاء برج لمراقبة حرائق الغابات في بعبدا بعد 12 سنة على إنشاء أول برج "نموذجي" في القبيات، في وقت كانت البلاد بحاجة إلى خطة متكاملة وتعميم النموذج إذا كان ناجحا! فما معنى تكرار النماذج؟ هل بسبب قلة مصادر التمويل؟ ولماذا لا تجمع "التمويلات" الصغيرة هنا وهناك في مشروع كبير واستراتيجي واحد، يحمل صفة الديمومة وإمكانيات الاستمرارية والجدوى الاقتصادية الأشمل؟ وما الهدف من الإكثار من المشاريع الصغيرة؟ هل لتكبير حجم وأعداد المستفدين شكليا؟ هل من أجل الدعاية؟ هل هي ملهاة؟ أي سياسة ولأية أهداف؟ يشكو البعض من فساد الدولة وإداراتها وأجهزتها، ولذلك يتم التعامل مع المجتمع وقواه المحلية والمدنية مباشرة. ولكن ألم تفسد المؤسسات الصغيرة من هذه المشاريع الصغيرة غير المجدية أيضا؟ ألم يحن الوقت بعد للاقتناع بأن المطلوب إصلاح الدولة وليس الالتفاف حولها وعليها؟ |
||||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
التعليقات |
||||||||||||||||
|
||||||||||||||||
الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة. |
||||||||||||||||