المبيدات الفسفورية العضوية لا تزال شائعة في الضفة الغربية وقطاع غزة   محكمة إسرائيلية تتخذ قرارا بحشر 800 طفل فلسطيني في حظيرة ماعز المستوطنات الإسرائيلية تصب مياهها العادمة غير المعالجة في الأراضي الفلسطينية التدمير الإسرائيلي المنظم للإنتاج الزراعي في الأغوار الفلسطينية مجمع ""بركان"" الاستيطاني الصناعي.. تحايل، فساد، سوء إنتاج أثر الممارسات البشرية على تآكل الحياة البرية في فلسطين الفيلم الوثائقي "FOOD Inc." يعرض حقائق مخيفة عن الصناعات الغذائية الأميركية ويكشف الجانب المظلم فيها

 

أيلول  2009 العدد (17)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

September 2009 No (17)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية        

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب البيئة والتنمية في صور الاتصال بنا الصفحة الرئيسية
   

 
 

 

بالرغم من منعها في إسرائيل وأميركا وأوروبا وتسببها في السرطانات وتسمم الجنين والتشوهات الوراثية والتناسلية

المبيدات الفسفورية العضوية لا تزال شائعة في الضفة الغربية وقطاع غزة

 

ج. ك.

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

بالرغم من أن وزارة الزراعة الإسرائيلية منعت، في شهر تموز الماضي، استعمال وتسويق المبيدات الفسفورية العضوية السامة والخطرة بشكل خاص على الأجنة والأطفال، فإن الوزارات الفلسطينية المعنية (الزراعة والصحة والبيئة) لم تتخذ بعد قرارا بهذا الخصوص، علما بأن مثل هذه المبيدات تستخدم في مكافحة بعض الآفات الحشرية التي تهاجم النباتات المنزلية والزراعية، كما تستخدم لمكافحة الصراصير والبراغيث والفئران.  ويشكل الفسفور في هذه المبيدات جزءا أساسيا من تركيبها الكيميائي، وتشمل هذه المركبات طائفة كبيرة  من المبيدات الحشرية المستخدمة بالضفة والقطاع، لمكافحة العديد من الآفات الحشرية.

ومن أبرز تلك المبيدات الشائعة في الضفة الغربية وقطاع غزة "الديزكتول" أو المعروف باسمه العلمي "ديازينون" الذي تنتجه شركة "مختشيم" الإسرائيلية وتسوقه شركة "إيكوجن" التي تسوق أيضا المبيد الفسفوري العضوي المعروف باسم "فيرينكس" (إنتاج "مختشيم").  ويفترض دفن كميات هذه المبيدات المتواجدة في المخازن الإسرائيلية، في مكب النفايات الخطرة في "رمات حوفيف".

ومن بين المبيدات الفسفورية العضوية الحشرية الأخرى الشائعة في الضفة الغربية (بأسمائها التجارية):  "ديمكرون"، "نماكور"، "ميتاسيستوكس"، "تمارون" / "برودكس"، "كوتنيون"، "ديفيبان"، "فوليمات"، "ليباسيد"، "درسبان"، "روجر" و"أنثيو".  ومنذ بضع سنوات، منع استعمال هذه المبيدات في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي.   

وبالرغم من أن وزارة البيئة الإسرائيلية، منعت منذ أكثر من سنتين استعمال هذه المبيدات، إلا أن وزارة الزراعة الإسرائيلية المسئولة عن ترخيص هذه المنتجات، تمكنت من تأجيل تنفيذ قرار المنع، لإتاحة الفرصة للمنتجين كي يرتبوا أمورهم.

وقد اتخذ القرار الإسرائيلي بمنع تسويق المنتجات التي تحوي مركبات فسفورية عضوية، وبخاصة "ديزكتول" (ديازينون) و"درسبان" (كلوربيرفوس)، إثر الأبحاث العالمية التي أثبتت أن هذه المبيدات مسرطنة، وتؤثر على نشاط إنزيم "أسيتيل كولين ستيراز" المتواجد في خلايا الدم الحمراء وفي بلازما الدم وفي الأطراف العصبية وفي الدماغ وفي الجهاز العصبي، وذلك من خلال الارتباط به وبالتالي تعطيل عمله، وبالنتيجة تتكرر وتتواصل حركة الإشارات الكهربائية بشكل غير متحكم به؛ الأمر الذي يؤدي إلى ارتعاشات سريعة ومتكررة وغير متحكم بها لبعض العضلات، فضلا عن صعوبة كبيرة في التنفس وتشنجات عضلية وارتجافات، بل وفي الحالات القصوى، الوفاة.  وقد تتسبب المبيدات الفسفورية العضوية في تشوهات جينية (وراثية) وفي الإخلال بالنشاط الهورموني، علاوة على العقم وتسمم الجنين (في حالة النساء الحوامل) والتشوهات الخلقية.  كما تتسبب هذه المبيدات في تعطيل جهاز المناعة وفي إتلاف العظم النخاعي وخلايا الدم البيضاء والسائل المنوي وتشوهات تناسلية أخرى.

ومن بين البدائل غير الكيماوية للمبيدات الفسفورية العضوية، تنتشر حاليا في الأسواق مبيدات طبيعية تنتجها العديد من الشركات، مصنوعة من زيوت نباتية بإمكانها قتل النمل وذباب وثاقبات الأوراق والحشرات الماصة وغيرها من الآفات الحشرية، دون أي خطر على الإنسان أو الحيوان.

وتجدر الإشارة أيضا، إلى أنه بالرغم من أن وزارة الزراعة الإسرائيلية منعت، منذ بضع سنوات، استخدام المبيدات الحشرية الكلورية العضوية، فإن مثل هذه المبيدات التي تعد مسرطنة لا تزال شائعة الاستخدام في الضفة والقطاع، بل إن بعض النشرات الإرشادية الزراعية الرسمية التي صدرت في السنوات الأخيرة، توصي باستعمالها.  ومن بين هذه المبيدات "ثيونكس" (إندوسلفان)، "أكرين" (ديكوفول) و"ليندين" (ليندين).  وتتسبب المبيدات الكلورية العضوية التي تعتبر كثيفة الكلورة، في تعطيل الإفرازات الهورمونية الطبيعية في جسم الإنسان.  كما تتسبب في تشوهات جينية وخلقية، وتسمم الجنين، وفقر الدم وخلل في الجهاز التناسلي وتلف جهاز المناعة والجهاز العصبي المركزي، وتلف المثانة والرئتين والكلى والكبد وكريات الدم والطحال.      وقد سبق أن حظر استعمال هذه المبيدات في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوروبا.

     للأعلىé


 "المدرسة" ملاصقة لمصنع تعدين تنبعث من مداخنه غازات سامة وروائح كريهة

محكمة إسرائيلية تتخذ قرارا بحشر 800 طفل فلسطيني في حظيرة ماعز

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

هل توافقون على أن يدرس أبناؤكم في مدرسة تقع في قلب منطقة صناعية، وبمحاذاة مصنع تعدين، وفي مبنى كان سابقا حظيرة ماعز؟  أهالي طلاب مدرسة "راس خميس" في حي شعفاط بالقدس الشرقية لا يمكنهم، بالتأكيد، الموافقة على ذلك.  وبدعم من "جمعية حقوق المواطن" الإسرائيلية، رفع الأهالي مؤخرا، دعوى قضائية لمحكمة "العدل العليا الإسرائيلية"، ضد بلدية القدس، وذلك بعد أن رفضت محكمة الشئون الإدارية بالقدس، في شهر حزيران الماضي، الدعوى القضائية التي  رفعها الأهالي العام الماضي، حيث طالبوا بنقل المدرسة إلى مبنى آخر بديل، لا يكون فيه الطلاب معرضين لمخاطر بيئية وصحية.

ومنذ فترة طويلة، يناضل أهالي طلاب مدرسة "راس خميس" التابعة لبلدية القدس الإسرائيلية، ضد سلطات الاحتلال التي لم تحرك ساكنا لحل أزمة تعليم أبنائهم.  ويشدد الأهالي على أن موقع المدرسة المحاذي لمصنع التعدين يشكل خطرا صحيا جديا على أبنائهم ويحرمهم من حقهم الأساسي في التمتع ببيئة تعليمية مناسبة وصحية.

ويدرس في مدرسة "راس خميس" نحو 800 طالب تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 12 سنة جلهم من حي شعفاط المقدسي.  ولطالما حذر سكان شعفاط من نقل أبنائهم إلى المبنى المذكور الذي كان سابقا حظيرة ماعز.  ويقول السكان إن دخانا وغازات سامة وروائح كريهة تنبعث من مداخن المصنع.

ويشتكى الطلاب من الروائح المعدنية الكريهة والحادة الصادرة عن فرن المصنع المجاور للمدرسة، وأوجاع حادة في الرأس، والدوار والتقيؤ.  ونظرا لعدم تجاوب البلدية مع نداءاتهم، قرر أهالي الطلاب، في بداية العام الدراسي الماضي (2008 / 2009)، أن يضرب أبناؤهم عن الدراسة، على أمل أن تتراجع البلدية عن قرارها بوضع الطلاب في بيئة مسمومة، لكن دون جدوى.  وليس فقط الطلاب لم يستطيعوا تحمل الروائح السامة، بل أيضا المعلمون الذين هربوا من الصفوف.

وبالرغم مما جاء في قرار المحكمة الإسرائيلية للشئون الإدارية بأنه من غير المنطقي إقامة مدرسة قرب مصنع وفي وسط منطقة صناعية، إلا أن القضاة وافقوا على موقف بلدية القدس القائل بأن "تواجد المدرسة في داخل المنطقة الصناعية لا يعد غير قانوني، لأنه لا يوجد بذلك انتهاك لمعايير جودة الهواء"!!  وادعى ممثلو البلدية في المحكمة بأن وزارة البيئة الإسرائيلية لم تجد أي تجاوز لمعايير جودة الهواء في محيط المدرسة، مما يعني أن الوزارة لا تعارض الموقع الحالي للمدرسة!!

إلا أنه، وفي استئنافهم إلى المحكمة العليا، كشف أهالي الطلاب عن رسالة رسمية كتبها "شوني جولدبرغر" مدير قضاء القدس في وزارة البيئة الإسرائيلية، ورد فيها صورة مغايرة تماما لادعاءات البلدية، إذ جاء في الرسالة أنه "من غير المعقول، أو، على أقل تقدير، من غير المرغوب فيه، إقامة مدرسة يتعلم فيها مئات الطلاب، بمحاذاة منشأة صناعية من هذا القبيل"، بمعنى أن وزارة البيئة لا تؤيد الموقع الحالي للمدرسة كما ادعت البلدية. 

كما أن محكمة الشئون الإدارية لم تأخذ برأي الدكتور "أرييه فنغر" خبير التلوث الهوائي، القائل بأنه في موقع المدرسة، تم قياس انتهاكات لمعايير جودة الهواء وللتعليمات الخاصة بترخيص المصنع. 

وتؤكد المعطيات العلمية التي تم جمعها من موقع المدرسة، وجود مستويات مرتفعة من ملوثات الهواء المؤذية لصحة الأطفال. 

وبتحويلها حظيرة الأغنام إلى مدرسة، وبمحاذاة منطقة صناعية ملوثة، داست بلدية القدس الإسرائيلية على الحقوق الأساسية للمواطنين الفلسطينيين المقدسيين، والمتمثلة بالحق في الحياة والصحة، والحق ببيئة نظيفة والحق في التعلم.

الجدير بالذكر، أن مجلة آفاق البيئة والتنمية كانت قد أثارت في عددها الصادر في تشرين الثاني 2008، أزمة مدرسة "راس خميس"، حيث ذكرت في حينه، أن ممثلي "جمعية حقوق المواطن" ووزارة الصحة الإسرائيليتين وجدتا العديد من العيوب الصحية والبيئية الخطيرة، وقد أشارت تقاريرهما، آنذاك، إلى أنه بسبب محاذاة المدرسة للمصنع، فإن المبنى غير صالح للاستعمال كمؤسسة تعليمية.    

  للأعلىé


التجمعات الفلسطينية في الضفة تنتج سنويا 56 مليون م3 مياه عادمة يتدفق معظمها إلى الوديان دون معالجة

المستوطنات الإسرائيلية تصب مياهها العادمة غير المعالجة في الأراضي الفلسطينية

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

أشار تقرير منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية الذي نشر مؤخرا، إلى أن كميات كبيرة من المياه العادمة تتدفق من المستعمرات الإسرائيلية إلى الوديان والجداول في كل من الضفة الغربية وإسرائيل، مما يتسبب في تلويث البيئة والمياه الجوفية الفلسطينية.  وشدد التقرير على أن أكثر من ثلث المستوطنات الإسرائيلية تصب مياهها العادمة غير المعالجة في الأراضي الزراعية  والوديان الفلسطينية. 

ونوه التقرير إلى وجود 121 مستعمرة "معترف بها" في الضفة الغربية، إلا أن أقل من ثلثي تلك المستعمرات مرتبط بمحطات لتنقية المياه العادمة.  ويتدفق سنويا، من أكثر من ثلث المستعمرات، نحو 6 مليون متر مكعب من المياه العادمة الخام غير المعالجة إلى الوديان والجداول في الضفة الغربية.  وذكر التقرير بأن "الإهمال الإسرائيلي المتواصل يتسبب في أذى شديد في مختلف أنحاء الضفة، كما قد يؤدي إلى تلويث المياه الجوفية الجبلية التي تعد أهم مصدر للمياه وأكثرها جودة".

ومن ناحية أخرى، قال التقرير إنه بالرغم من أن نحو 60% من المياه العادمة التي تتدفق إلى الوديان في الضفة الغربية مصدرها التجمعات الفلسطينية، إلا أن ذلك يعود إلى إهمال الاحتلال الإسرائيلي طيلة عشرات السنين إقامة البنية التحتية اللازمة لمعالجة المياه العادمة، علما بأن ما يسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية لا تزال تضع العراقيل الكثيرة أمام تطوير شبكات المجاري ومحطات المعالجة، وتعيق إصدار التصاريح اللازمة لإنشاء محطات معالجة.  وفي ذات الوقت، تستغل إسرائيل لمصلحتها المياه العادمة الفلسطينية المتدفقة خلف ما يسمى "الخط الأخضر" (نحو إسرائيل)، فتعالجها في أربعة محطات خاصة أقامتها في إسرائيل، لتعيد استعمال المياه المعالجة في الري الزراعي وتغذية الجداول والأنهار. 

ويقدر التقرير أن التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية تنتج سنويا نحو 56 مليون متر مكعب من المياه العادمة، لا تتم معالجة معظم هذه الكمية (نحو 90%).  ويوجد حاليا محطة معالجة عاملة واحدة في الضفة، هي محطة البيرة.

يضاف إلى ذلك، كما يقول التقرير، أن محطات المعالجة العاملة في المستعمرات قديمة وصغيرة وتعاني من مشاكل فنية كثيرة.  ولا يوجد في المستعمرات محطات معالجة "إقليمية" متقدمة، كما هو الحال في داخل إسرائيل.  وخلافا للقانون الإسرائيلي، لا تشترط إسرائيل، لإقامة المستوطنين في المباني أو الأحياء أو المناطق الصناعية الاستيطانية في الضفة، أن يتم وضع حلول لمعالجة المياه العادمة.  فهناك العديد من الأحياء الاستيطانية التي يستوطنها عشرات آلاف المستوطنين تخلو من أي معالجة للمياه العادمة التي تتدفق إلى الوديان والأراضي الفلسطينية.

وبالرغم من وضوح وخطورة هذا الواقع البيئي الاستيطاني، إلا أن وزارة البيئة الإسرائيلية تتجاهله ولا تعمل على فرض "القانون" البيئي الإسرائيلي على المستعمرات التي تلوث البيئة في الضفة الغربية.       

كما يوضح التقرير بأن نحو 18 مليون متر مكعب من المياه العادمة الإسرائيلية تتدفق سنويا من القدس الغربية ومن الأحياء الاستيطانية في القدس الشرقية نحو الضفة الغربية، علما بأن أكثر من 10 ملايين متر مكعب تتدفق دون أي معالجة نحو جنوب شرق القدس، حيث تتسرب تلك المياه إلى خزان المياه الجوفي الجبلي الذي يعد حساسا للتلوث، مما يتسبب في أذى صحي وبيئي خطير.

وشدد التقرير على أن تلويث مصادر المياه قد يفاقم أزمة مياه الشرب الفلسطينية، علما بأن الفلسطينيين يعتمدون بشكل أساسي على المياه الجوفية.  كما أن الري الزراعي بالمياه العادمة غير المعالجة يشكل خطرا صحيا كبيرا على المواطنين الفلسطينيين، فضلا عن أن ذلك قد يدمر مصدر رزق العديد منهم.      

 

 للأعلىé


 

التدمير الإسرائيلي المنظم للإنتاج الزراعي في الأغوار الفلسطينية

 

عبد الستار شريدة / خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

مما لا شك فيه أن القرى الفلسطينية في الأغوار أصبحت بفعل الوقائع التي يفرضها الاحتلال على الأرض تجمعات سكانية عشوائية مقارنة بالمستوطنات التي تلاحق ظلها للتوسعة وقت الشروق والغروب، وكل ذلك على حساب الأراضي والحضور الزراعي الفلسطيني في المنطقة.

وقد تمكنت السلطات الإسرئيلية منذ بداية احتلالها لأراضي الضفة الغربية عام 67 من إيقاف النمو الديمغرافي وإعاقة التنمية الاقتصادية في ما يقارب 24 تجمعا سكانيا فلسطينيا في الأغوار مقارنة بعمليات التوسعة والتنمية لما يقرب 36 مستوطنة زراعية وصناعية.

واستطاعت قوات الاحتلال الإسرائيلي ربط دورة الحياة في التجمعات الفلسطينية بوجود المستوطنات من خلال عزل المنطقة عن محيطها الفلسطيني، ومن خلال العمالة الزراعية تحديدا بعد أن أعاقت عمليات الإنتاج الزراعي من خلال توزيع مهام التضييق والتخريب بين المستوطنين الذين عملوا على مهاجمة وإتلاف الحقول الزراعية للمواطنين، والحواجز العسكرية التي عرقلت تسويق الناتج الزراعي وسعت إلى تفريغ المنطقة من قاطنيها عبر إجراءات عدة.

كثير من المعيقات دفعت الشباب الفلسطيني في الأغوار والمناطق الشفا غورية إلى الإحباط والعجز عن مجاراة آبائهم في عنادهم لمواصلة زراعة أراضيهم، واستعاض الغالبية منهم عن ذلك بالعمل في المستوطنات المحاذية نتيجة عدم الجدوى الاقتصادية للناتج الزراعي في السوق الفلسطينية المفتوحة على المنتجات الإسرائيلية المنافسة في النوعية والسعر، وسيطرة الإسرائيليين على مصادر المياه واعتماد المزارعين على المياه المشتراة من شركة ميكروت الإسرائيلية بأسعار باهظة.

كما كان للعراقيل التي تضعها سلطات الاحتلال على تسويق الناتج الزراعي من خلال الحواجز العسكرية أثر سلبي، بحيث عزلت المنطقة كليا عن محيطها الفلسطيني وربط الدخول إليها بتصاريح خاصة لغير حملة البطاقات الشخصية المحددة مكان إقامتهم بغير قرى الأغوار.

كل هذه المعيقات نتج عنها اقتصار التسويق على السوق المحلية والإسرائيلية في بعض الأحيان، مع تعذر تسويق الناتج الزراعي للأسواق الخارجية لسيطرة إسرائيل على المعابر.  أضف إلى ذلك قلة التوعية والإرشاد وتوجيه الزراعة نحو أصناف محسنة وذات كفاءة اقتصادية.

كما كان لعدم توافر شركات تسويق واعتماد المزارعين على تجار ووسطاء فلسطينيين وإسرائيليين، خاصة لتسويق الناتج داخل الأراضي الإسرائيلية، وما يترتب على ذلك من عمليات تحايل واستغلال، أثر سلبي تمثل في تذبذب الأسعار وتدنيها نتيجة الشحن العشوائي وسلوك الطرق الإلتفافية لتجنب الحواجز العسكرية، إضافة إلى إغلاق الأسواق الرئيسة بسبب الحواجز والإغلاقات المستمرة للمدن الفلسطينية وارتفاع أجور النقل وما يترتب على ذلك من قلة الجودة المؤدية إلى تدني الأسعار.

 للأعلىé


   

مجمع ""بركان"" الاستيطاني الصناعي.. تحايل، فساد، سوء إنتاج

 

ع. ش / خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

يعد مجمع "بركان" الاستيطاني الصناعي الجاثم على أراضي محافظة سلفيت المحتلة من كبريات المناطق الصناعية الإسرائيلية ذات المواصفات العالمية.  ويستغل الاحتلال الأراضي الفلسطينية لتشغيل مصانع ذات تأثير سلبي وخطير على صحة الأفراد والمزروعات والبيئة، كمصانع البلاستيك وتكرير المحروقات، إضافة إلى رخص الأيدي العاملة الفلسطينية، والمجال المتاح للقائمين على هذه المصانع للتحايل على الضرائب وقوانين التشغيل المعمول بها داخل إسرائيل بخصوص حقوق العمال المالية من حيث الأجور ومستحقات نهاية الخدمة.  ويتم ذلك إما من خلال التهرب من دفع المستحقات من خلال التحايل على القوانين بإشهار الإفلاس، أو بنقل خطوط الإنتاج من المنطقة الصناعية إلى مكان القوى العاملة في القرى الفلسطينية للتهرب من استصدار تصاريح عمل، وبالتالي التهرب لذات الغرض من الضرائب الإسرائيلية وقوانين التشغيل الإسرائيلية الحازمة بخصوص حقوق العمال.

وبالإضافة لكون المنطقة الصناعية "بركان" بؤرة للتحايل على القوانين الإسرائيلية، أصبحت أيضا بؤرة للتحايل في تصنيع منتجات تفتقر للمواصفات المطلوبة من قبل المستهلكين الإسرائيليين المتذمرين من منتجات المنطقة الصناعية، حيث أبطلت مؤسسات حيوية إسرائيلية عقودا لها مع بعض المصانع في مستوطنة "بركان" بعدما تبين لها عدم أهلية منتجاتها من الناحية الصحية.  

ووصل التحايل لدى بعض أصحاب المصانع الجاثمة على الأراضي الفلسطينية، وتحديدا في مستوطنة "بركان"، حد إقدامهم على حرق منشآتهم التصنيعية للحصول على تعويض شركات التأمين الإسرائيلية التي تغطي الأضرار.

 وقد نفذ العديد من أصحاب مصانع إسرائيليين في المنطقة الصناعية الملحقة بمستوطنة "بركان" عمليات تحايل وفساد مالي وإداري، فضلا عن عدم الجودة في المواصفات والمقاييس.

 

مصنع ألبن بعييم للمكيفات والتبريد

بعد عمل وتصنيع ما يقرب من 24 عاما للمكيفات وبرادات التخزين الضخمة وكل ما يتعلق في التبريد، أعلن مصنع "ألبن بعييم" إفلاسه في العام 2005، نتيجة سوء الإدارة وقلة الطلب على المنتج من قبل المستوردين الأوروبيين تحديدا، الذين قاطعوا منتجات المستوطنات الإسرائيلية.  هذا ما أكده العمال الفلسطينيون في المصنع، والذين بدورهم توجهوا إلى الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في محافظة سلفيت وعددهم "58" عامل من أصل حوالي 80 عاملا كانوا يعملون على مدار الساعة في المصنع قبل إغلاقه.

المصنع الإسرائيلي قام بهذا الإجراء وأشهر إفلاسه من باب التهرب من دفع المستحقات المترتبة للعمال الفلسطينيين، كإجراء احترازي مسبق ينظر فيه وفقا للقوانين الإسرائيلية، غير أن العمال الذين أنهيت خدماتهم كتحصيل حاصل بعد إشهار المصنع إفلاسه، توجهوا لاتحاد النقابات ووكلوه برفع دعوى ضد إدارة المصنع للمطالبة بحقوقهم المتمثلة بفارق الأجور إضافة إلى أتعاب نهاية الخدمة، ومستحقات الإجازات السنوية.

وبالفعل رفع الاتحاد الدعوى عام 2005 في محكمة العمل الإسرائيلية بتل أبيب للمطالبة بمبالغ مستحقة قدرت بحوالي 2.5 مليون شيكل إسرائيلي، وتم تحويل الدعوى إلى "التأمين الوطني الإسرائيلي" الذي اتخذ قرارا عام 2007 شمل تعويض 34 عامل بمبلغ مليون وستمئة وخمسين ألف شيكل إسرائيلي، ضمن آلية تحول من خلالها المبالغ المالية إلى أرصدة مستحقيها في البنوك الفلسطينية مباشرة.

 

 مصنع "متفريت" للخياطة

مصنع "متفريت" للخياطة أنشىء في المنطقة الصناعية "بركان" في العام 1998، وبقي يعمل في "بركان" معتمدا على الأيدي العاملة الفلسطينية من قرى محافظة سلفيت حتى العام 2001، لينتقل بعدها بكامل خطوط إنتاجه من المنطقة الصناعية في المستوطنة الإسرائيلية إلى قرية دير بلوط في محافظة سلفيت، في محاولة منه للتحايل على القانون الإسرائيلي والتهرب من الضرائب، ولرخص الأيدي العاملة بعد نقل المعدات وخطوط الإنتاج إلى مواقع الأيدي العاملة، وما يترتب على ذلك من عدم الحاجة لاستصدار تصاريح عمل وبالتالي التهرب من الالتزام بدفع المستحقات سواء من أجور أو أتعاب نهاية الخدمة كما تبين لاحقا.

وبقي مصنع "متفريت" للخياطة يعمل في القرية الفلسطينية حتى العام 2004، لينتقل بشكل مفاجيء في ذات العام بكامل خطوط إنتاجه من دير بلوط إلى المنطقة الصناعية في إربد بالأردن، وبصحبته المقاولان الفلسطينيان اللذين كانا يديران له العمل من منزليهما في دير بلوط، وهما أخ وشقيقته.  وسبب الانتقال، كما في المرة الأولى، البحث عن أيد عاملة أرخص، واللجوء لقانون ضرائب أخف من الساري والمعمول به في إسرائيل.

وقد توجه 12 عاملا فلسطينيا من العاملين في المصنع بعد هربه إلى الأردن، للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، لتوكيله برفع قضية والمطالبة بمستحقاتهم المالية والأجور المترتبة عن شهري عمل، وكان المشغل الإسرائيلي قد تمكن من الهرب ونقل معدات المصنع قبل أن يسدد التزاماته الخاصة بالعمال.

وبالفعل رفع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في سلفيت دعوى لدى محكمة العمل الإسرائيلية  عام 2007 للمطالبة بحوالي 13 ألف شيكل بدل أجرة شهرين ل 12 عاملا، إضافة إلى 250 ألف شيكل بدل أتعاب عن مدة عمل تتراوح من سنتين إلى 6 سنوات لبعض العمال.

وقد أرسلت المحكمة الإسرائيلية نسخة عن الدعوى المرفوعة ضد المشغل الإسرائيلي الجديد في عنوانه بالمنطقة الصناعية في إربد، والذي سعى بعد تلقيه نص الدعوى إلى التحايل من جديد على العمال، عندما عاد وفتح بعض خطوط الإنتاج في دير بلوط.  ومقابل تشغيلهم من جديد، اشترط (المصنع) على العمال الذين رفعوا الدعوى ضده، التنازل عن حقوقهم المالية وإسقاط الدعوى والتوقيع على أوراق قانونية بذلك.

 للأعلىé


المستعمرات والطرق العسكرية والاستيطانية الإسرائيلية دمرت العديد من المواطن الطبيعية للحيوانات البرية

أثر الممارسات البشرية على تآكل الحياة البرية في فلسطين

 

سعد داغر

 

تأثرت الحياة البرية الحيوانية (وغير الحيوانية) في فلسطين وتتأثر بالتغييرات الكبيرة التي بدأت تطرأ منذ بداية القرن العشرين، وما زالت تحدث تغييرات جوهرية ذات أثر بعيد المدى على البيئة الفلسطينية.

وكانت الحيوانات البرية في الماضي كثيرة العدد في فلسطين، كما هو الحال في إقليم البحر المتوسط؛ غير أن بعضها كالأسد والثور الوحش وحمار الوحش والفيل قد انقرض وأصبح غير موجود في المنطقة. ومن الحيوانات المنقرضة في فلسطين أيضاً فرس النهر ووحيد القرن والضبع المرقط وغيرها (اشتية وحمد،1995).

لقد انتشر الصيد، ودخلت الأساليب الزراعية الحديثة، وترافقت هذه الأساليب مع إدخال الكيماويات الزراعية بمختلف أنواعها واستعمالاتها، كالمبيدات الحشرية والفطرية ومبيدات الأعشاب، بالإضافة إلى الأسمدة الكيماوية. ومن جهة أخرى حصلت زيادة كبيرة في عدد السكان ترافقت مع حركة بناء واسعة طالت الأراضي الزراعية، وترافقت مع شق وتعبيد الطرق، وغيرها من التغييرات التي طالت كافة نوحي الحياة في فلسطين. فكيف أثرت الممارسات البشرية على الحيوانات البرية؟

 

أولاً:  الصيد العشوائي

ظاهرة الصيد ليست جديدة، فهي كانت موجودة على مر العصور، وازدادت انتشاراً مع تطور وسائل الصيد. لم يكن الصيد في الماضي يهدد الحياة البرية كما هو الحال اليوم، حيث تنتشر بنادق الصيد والشباك التي تصطاد أعداداً كبيرة من الطيور في المرة الوحدة، وأنواع الأدوية المخدرة التي تستخدم في تخدير الطيور ومن ثم صيدها. وما ينطبق على الطيور ينطبق أيضاً على الأسماك، بل وفي كثير من الأحيان يتم التعامل مع صيد الأسماك بوحشية أكبر.

كانت فلسطين وحتى بدايات القرن العشرين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، ولم يكن هناك قوانين خاصة تُطبق لتنظيم عملية الصيد؛ وبقي الوضع على حاله في ظل الاستعمار البريطاني رغم إصدار قانون ينظم الصيد، إلا أنه لم يكن فعالاً ولم يجرِ تطبيقه، مما أدى إلى اختفاء حيوانات فقارية وبشكل خاص بعض الثدييات والطيور. ومن الحيوانات التي اختفت نتيجة لذلك المها العربية، حمار الوحش (الأخدر السوري)، الفهد، والنمر، والنعام. وقد كان للرعي الجائر وإزالة الغابات والصيد دور مهم في تناقص أعداد الغزلان، التي تشكل فرائس مهمة للفهد مما أدى لانقراضه.

لقد أدى الصيد إلى انقراض شبه كامل للسلاحف الخضراء والسلاحف البحرية كبيرة الرأس، التي كانت تعشش على طول الشواطئ الرملية للبحر المتوسط. ففي الفترة الممتدة بين 1920-1930 تم قتل حوالي 30,000 سلحفاة، وعثر في العام 1985 على طول الساحل الفلسطيني للبحر الأبيض المتوسط على 14 عشاً فقط لهذه السلاحف (اشتية وحمد،  1995).

 

ثانياً:  تدمير البيئة الطبيعية للحيوانات

أدى التطور العمراني والصناعي، والتغيير في الأساليب الزراعية، والقضاء على الغابات الطبيعية وإنشاء الغابات الصناعية، إلى إلحاق ضرر كبير بالبيئات الطبيعية للحيوانات البرية؛ مما قلل من أعداد الكثير من الحيوانات وانقراض بعضها.

 

ثالثاً:  قطع المسارات الطبيعية للحيوانات البرية

عمد الاحتلال منذ البدء إلى شق الطرق لخدمة بنيته العسكرية ومستوطناته، وقد تميزت هذه الطرق بتخريبها للبيئة الفلسطينية بمختلف عناصرها، ومن ذلك تخريب الممرات البيئية التي اعتادت الحيوانات البرية سلوكها منذ آلاف السنين من خلال حفر الجبال لأعماق كبيرة في أثناء شق الطرق، وتعريض حياة الحيوانات للخطر في أثناء قطعها للطرق في تنقلاتها الطبيعية؛ فكثيراً ما تُشاهد الحيوانات البرية مقتولة على الطرق دهساً، كالقنافذ والسلاحف والأفاعي، وكذلك النسناس والسنجاب وغيرها. كما أدى شق الطرق بالطريقة التي يتبعها الاحتلال إلى تدمير مواطن الحيوانات البرية وأماكن الأعشاش وتوالد الحيوانات والطيور، مما أحدث خللاً في أعدادها وهدد بقاءها.

وقد لعبت المستعمرات اليهودية دوراً مهماً في حرمان الحيوانات البرية من مَواطنها التي استوطنتها عبر تاريخ طويل، وذلك من خلال التجريف الواسع للأراضي وتسييج محيط المستعمرات وبناء الأسوار حولها، التي أَخَلَّتْ أيضاً بالممرات الطبيعية للحيوانات إضافة لحرمانها من مواطنها الطبيعية.

 

رابعاً:  الزراعة

أثرت الممارسات الزراعية الخاطئة على الحيوانات البرية بأشكال مختلفة، وأدت إلى تناقص خطير في بعض الحالات، بينما أدت في حالات أخرى إلى زيادة كبيرة في أعداد أنواع مختلفة من الحيوانات.

يعتبر دخول الكيماويات الزراعية واحداً من الأسباب المهمة، التي أدت إلى انقراض الحيوانات، وهي تعد من أشد الأخطار التي تهدد الحيوانات البرية وتؤدي إلى خفض أعداد الطيور والأسماك والحشرات (ومنها النافعة، كالحشرات المفترسة، وتلك التي تلقح أزهار النباتات).

وقد أدت طريقة الحرث باستخدام الجرارات الثقيلة والحرث العميق إلى التأثير السلبي على بعض أنواع الحيوانات التي تعيش داخل الأرض من زواحف وثدييات صغيرة، وكذلك التأثير على بعض الطيور وتدمير الأعشاش التي تبنيها على سطح التربة.

وبينما تناقصت أو انقرضت أنواع معينة بسبب الممارسات الزراعية، نجد أن أنواعاً أخرى ازدادت أعدادها لتتحول إلى آفات بسبب توافر الغذاء الناتج عن الزراعة على مدار العام، كالغزال الجبلي الذي ازدادت أعداده ليتحول إلى مشكلة، وكذلك الشنار. كما ازدادت أعداد أنواع أخرى مثل عصفور الدوري واليمام المطوق والحمام البري بسبب تربية الحيوانات في زرائب مفتوحة، وتوافر الغذاء فيها باستمرار.

 

خامساً: النفايات الصلبة

تنتشر النفايات بطريقة عشوائية حول الكثير من التجمعات السكانية، مُوَفِرةً بذلك الغذاء للحيوانات القَمّامَة التي انتفعت بهذا المصدر الغذائي كبعض أنواع الغربان. وقد أدى ازدياد هذه الأنواع إلى التأثير السلبي على أنواع أخرى كالرخمة المصرية التي تهاجمها الغربان وطيور أبو زريق.

 

أمثلة على حيوانات انقرضت وأخرى مهددة بالانقراض:

فُقد الكثير من الحيوانات التي كانت حتى وقت قريب موجودة في فلسطين والمنطقة المحيطة (سوريا، لبنان، الأردن) لأسباب متعددة كما ذكر سابقاً؛ حيث كان للممارسات البشرية الأثر الأكبر في انقراض تلك الأنواع من الحيوانات. ومن الأمثلة على الحيوانات (ثدييات، طيور، زواحف) التي اختفت: الأيل الأسمر، المها العربية، الدب السوري، الفهد (الشيتا)، النمر ، النعام. وقد أصبحت بعض الأنواع من الطيور إما نادرة أو نادرة جداً، مثل: الرخمة المصرية، الحدأة السوداء، النسر الأسمر، صقر الجراد، العوسق الصغير. وهناك بعض  الطيور أصبحت منقرضة أو أن مجتمعاتها قلت إلى درجة قليلة جداً، مثل: العقاب المرقط، العقاب الأسود، العقاب أبيض الذيل، النسر الملتحي.

  للأعلىé


بسبب الإدمان على المشروبات الخفيفة والوجبات السريعة:  واحد من كل ثلاثة أولاد أميركيين ولدوا بعد عام 2000 يعاني من السكري

الفيلم الوثائقي "FOOD Inc." يعرض حقائق مخيفة عن الصناعات الغذائية الأميركية ويكشف الجانب المظلم فيها

شركات الأغذية الكبيرة تخفي معلومات خطيرة عن الأوساخ الغذائية التي نبتلعها

 

ج. ك.

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

الدواجن التي تربى وتنفخ بواسطة مواد كيماوية صناعية، حتى يصبح حجمها ضخما ومخيفا.  التصنيع الذي يختبىء خلف مشهد ريفي وهيمنة الاحتكارات الضخمة.  هكذا تُعْرَض الصناعات الغذائية الأميركية في الفيلم الوثائقي الجديد الصادر في الولايات المتحدة.

الفيلم الذي يحمل عنوان "FOOD Inc." يحذر من أن التغير الذي شهدته الصناعات الغذائية الأميركية في السنوات الأخيرة يشكل خطرا على صحة الجمهور وينتهك البيئة وحقوق العمال وحقوق الحيوانات.

ويعرض الفيلم صورا صورتها كاميرات خفية في داخل المصانع الكبيرة التي تنتج منتجات الدواجن والخنازير، والتي يحشر بداخلها العمال إلى جانب الحيوانات التي تساق إلى الذبح.  وفي أحد المشاهد، سمحت صاحبة إحدى الحظائر للمصورين بأن يوثقوا الدجاجات اللواتي يسقطن خائرات بسبب ضخامة أوزانهن، إثر حقنهن بالمواد الكيماوية الصناعية لتسريع نموهن المتضخم.  وبعد أن انكشف الأمر، خسرت صاحبة المزرعة العقد المبرم مع شركة إنتاج الدواجن "فردو فارمز".

ويصف الفيلم كيف سيطرت الشركات الاحتكارية الضخمة على فرع الإنتاج الغذائي.  ومن أبرز تلك الاحتكارات، شركة البذور والكيماويات الزراعية "مونسانتو"، وشركة اللحوم "تيسون"، وشركة إنتاج لحوم الدواجن " فردو فارمز".  ويبين الفيلم كيف أن تلك الشركات تحرص في وسائل الإعلام وفي أوساط الجمهور، على صبغ ذاتها بالصبغة الريفية، وسط المزارع الصغيرة ذات التنوع المحصولي، والبقر الذي يرعى في المراعي، والفلاحين الذين يحصدون المحصول في الحقول الجميلة.  إلا أن الحقيقة هي أن إنتاج هذه الشركات يكون في المصانع والمختبرات، بعيدا عن الحقول والأرياف.  ويأتي الربح الاقتصادي في رأس سلم أولويات تلك الشركات، وقبل أي اعتبار لصحة الجمهور.

"ويزيل الفيلم الستار عن الطريقة التي يتم فيها إنتاج غذائنا"، قال "ميكل بولن" الذي اشتهر بمقولته:  "تناول غذاء حقيقيا، وبكمية معتدلة، وأكثر من الخضروات والفاكهة، وقلل كثيرا من اللحم".  ويعد بولن أحد أبرز الرموز الناشطة ضد الغذاء المصنع في الولايات المتحدة، والذي منحه الفيلم مساحة كبيرة للإدلاء برأيه.  وأضاف بولن قائلا:  "تعرض لنا أغلفة المواد الغذائية مزرعة جميلة، إلا أن الغذاء المغلف يأتينا في الواقع من المصانع".

وبالطبع، لم تتقبل احتكارات الغذاء هذا النقد بصمت.  بل إنها رفضت إرسال مندوبين عنها لمقابلتهم في الفيلم.  ومن ثم حاولت مهاجمته بوسائل مختلفة.  وعلى سبيل المثال، أقام اتحاد منتجي اللحوم موقعا إلكترونيا خاصا في الإنترنت يهاجم الفيلم وما ورد فيه. 

ويقول الفيلم إن الغذاء المصنع الذي يتم إنتاجه بوسائل رخيصة يتسبب في ظواهر صحية مرضية مثل السمنة الزائدة، والسكري، والتسمم من جراثيم "السالمونيلا" و"كولي"، كما أنه يلوث البيئة بالمواد الكيماوية السامة التي يتسرب بعضها إلى المياه الجوفية.

وأضاف بولن أيضا:  "الزراعة القائمة على تربية عدد كبير من الحيوانات التي يتم حشرها  في أماكن مغلقة تلوث البيئة.  بل إنها تنتج تلوثا بيئيا أكثر من المصانع.  كما أنها تعتمد على استعمال المضادات الحيوية في الغذاء، مما يمهد الطريق للأمراض المقاومة للأدوية.  وهذا مكلف لوزارتي المالية والصحة".

إذن، يعالج الفيلم صناعة الأوهام التي تبيعنا غذاء سريعا ومريحا ورخيصا، لكنه يكلفنا وسيكلفنا غاليا من الناحية الصحية.  ويعرض الفيلم حقائق مخيفة، حيث إنه يكشف الجانب المظلم في الصناعات الغذائية، ذلك الجانب الذي تحاول تلك الصناعات إخفاءه بكل قوة، في الوقت الذي يفضل الكثيرون، غالبا، غض النظر.

وتبرز العديد من مشاهد الفيلم، أوجه الشبه بين صناعة الأغذية وصناعة التبغ، حيث إن هم الشركات الكبيرة ينحصر في مضاعفة أرباحها، دون الالتفات إلى عواقب ذلك.  كما أن السلطات الحكومية تحرص على مصالح الشركات أكثر من حرصها على مصلحة وصحة المستهلكين الذين، غالبا، ما يخنعون لآلة التسويق الدسمة، بل يقنعون أنفسهم بأن لا مشكلة في تناول تلك الأطعمة.

و في محتواه، يشبه هذا الفيلم فيلما سابقا بعنوان "الغذاء السريع" (Fast Food) الذي اعتمد على كتاب  (Fast Food Nation) لمؤلفه "أريك شلوسر" الذي يعد أيضا أحد مخرجي هذا الفيلم. 

ويعد فيلم "FOOD Inc." بمثابة محاسبة قاسية للصناعات الغذائية الأميركية، بخاصة، والعالمية بعامة.  ويحاول فهم كيف أن الأميركيين، ودون استثناء تقريبا، تحولوا، خلال عشرات السنين، إلى محكومين من قبل بضع شركات غذاء كبيرة، تعمل كل ما بوسعها لمضاعفة أرباحها على حسابهم؛ فتطعمهم غذاء رخيصا ودسما وغير صحي.  ومع ذلك يتهافت الأميركيون على ذلك الغذاء أكثر فأكثر.

ويحاول الفيلم، خلال 94 دقيقة، أن يوجز كيفية إنتاج الأغذية المصنعة، وأن يكشف الخبايا التي تقف خلف 47 ألف منتج غذائي تباع في محلات السوبرماركت. 

ويبين أحد المشاهد المثيرة في الفيلم، أسرة مكونة من الزوج والزوجة وابنتيهما، يدخلون إلى أحد فروع "بورغر كينغ" ويشترون وجبة عشائهم المكونة من 8 "سندويشات" همبورغر بسعر دولار واحد لكل "ساندويش"، بالإضافة إلى مشروبات خفيفة، ليأكلوها في السيارة.  وبلغت تكلفة الوجبة برمتها 11 دولار و36 سنتا، وذلك دون شراء أي حاجيات أخرى، ودون استهلاك الوقت في تحضير الوجبة، ودون أوان وسخة، بل تناولوا غذاء "لذيذا".  لكن، والد العائلة مريض بالسكري وصحته المهزوزة تهدد دخل العائلة. أما الأم فتقول إنهم يشترون الهمبورغر لأنه لا يوجد لديهم الوقت لإعداد وجبة العشاء، وهم لا يملكون النقود لشراء شيء آخر، بل إنهم بحاجة للنقود لشراء الأدوية العلاجية  لوالد الأسرة.  والمفارقة، أن من يتناول باستمرار الوجبات السريعة، يزيد كثيرا لديه احتمال ليس فقط، إصابته بالسمنة المفرطة، بل إصابته أيضا بالسكري.  ومن المثير للشفقة أن جميع أفراد الأسرة، ومنهم الوالد، يشربون العصائر (الكيماوية) الخفيفة، مع الهمبورغر، بدلا من الماء، وهذا بالطبع لا صلة له بمشكلة الوقت والنقود.  وهكذا فإنهم لا يجهزون على والدهم، بل يرفعون بشكل جدي من احتمال إصابة الابنتين بالسكري.

ولا تكمن المشكلة في هذه الأسرة فقط، بل، ووفقا للمعطيات المريبة التي يكشفها الفيلم (استنادا إلى معلومات أل CDC)، فإن واحدا من كل ثلاثة أولاد أميركيين ولدوا بعد عام 2000، قد تطور لديه أحد أنواع مرض السكري.  وترتفع النسبة أكثر لدى فئة السود، لتصل إلى واحد من كل اثنين.  والسبب الأساسي في ذلك هو الإدمان على المشروبات الخفيفة والوجبات السريعة والرخيصة.

والسؤال الجوهري الذي يطرحه الفيلم:  ما هو البديل الصحي المناسب للوجبات السريعة والرخيصة التي يتم تناولها مع الكوكاكولا والبيبسي كولا؟  بالطبع، الجواب هو الأغذية الطبيعية الموسمية والمحلية (البلدية) والعضوية، ذات السعر المتوسط أو حتى الرخيص أحيانا.

والمعضلة هنا، كما يوضح الفيلم، لا تكمن فقط في إيجاد البدائل، بل في وجود الوعي بالمشكلة.  إذ دون الوعي بأن لديك مشكلة، كيف تستطيع أن تبدأ أصلا في التفتيش عن الحلول؟ 

وبالرغم من أننا نعيش في عصر تكنولوجيا المعلومات، يكشف لنا الفيلم، كيف تبذل شركات الأغذية الكبيرة قصارى جهدها كي نعرف أقل ما يمكن عن الأوساخ الغذائية التي نبتلعها.  بل تعمد تلك الشركات إلى تفريغ الرقابة التي تمارس عليها من قبل الجهات السلطوية المسئولة، من محتواها.  أي أن هناك نوعا من التحالف بين رأس المال والنظام الحاكم.  وهنا بالذات، تكمن أهمية الفيلم:  تعميق وعي المستهلكين وإثارة أسئلة هامة تم تهميشها، بشكل أو بآخر. 

ومع أن الفيلم يركز على المجتمع الأميركي، إلا أن الحقائق والظواهر التي عالجها تنسحب أيضا على المجتمع الغربي بشكل عام، وبمدى أقل على مجتمعاتنا العربية والفلسطينية، وبخاصة المدن العربية التي أخذت تغزوها بقوة أنماط الاستهلاك الغنية بالقاذورات الغذائية المسببة للسمنة وتصلب الشرايين وأمراض القلب والسرطانات.   

للأعلىé


 

التعليقات

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
 
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا.