"البيئة في كتاب "الحيوان" للجاحظ
 

ايلول 2009 2009 العدد (17)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

 September  2009 No (17)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب البيئة والتنمية في صور الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

تراثيات بيئية:


 

البيئة في كتاب "الحيوان" للجاحظ

علي خليل حمد

 

        كتاب "الحيوان" كتاب ضخم في سبعة مجلدات، من أشهر الكتب التي خلّفها الجاحظ (775-868م) وكان هدفه من تأليفه تقديم نظرة علمية شمولية لعالم الحيوان، بصنوفه المختلفة، وحالاته المتعددة، وطباعه المتنوعة؛ وقد ضمن الجاحظ في الكتاب معظم الأشعار التي نظمها العرب عن الحيوان، وربما كان قصده من ذلك إثبات أن معرفة العرب العلمية في هذا المجال كانت واسعة، بعكس ما يذهب إليه الشعوبيون في عصره.

          ويحتاج موضوع "البيئة في كتاب الحيوان" إلى دراسة تفصيلية واسعة، لا يتسع لها المقام هنا؛ ولذلك اكتفينا باختيار بعض النصوص ذات الصلة المباشرة بموضوع البيئة، نقدمها فيما يلي.

 

[المساواة بين الكائنات]

          كل الكائنات مهمة، فيما يرى الجاحظ،، ولا فرق بين صغيرها وكبيرها، أو ما يبدو منها جميلاً أو غير جميل؛ وفي ذلك يقول (ج1، ص ص. 206-207):

          "في الجميع [=الكائنات على اختلافها] تمام المصلحة، وباجتماعها تتم النّعمة، وفي بُطلان واحدٍ منها بُطلان الجميع... فإن الجميع إنما هو واحدٌ ضُمَّ إلى واحد، وواحدٌ ضُم إليهما؛ ولأنّ الكل أبعاض، ولأنّ كلّ جثة فمن أجزاء، فإذا جوّزتَ رفع واحد والآخر مثله في الوزن، وله مثل علّته وحظّه ونصيبه، فقد جوّزت رفع الجميع؛ لأنّه ليس الأول بأحقّ من الثاني في الوقت الذي رجوت فيه إبطال الأوّل، والثاني كذلك، والثالث والرابع، حتى تأتي على الكلّ وتستفرغ الجميع..."

          "ألا ترى أنّ الجبل ليس بأدَلّ على الله من الحصاة، وليس الطاوس المستحسن بأدل على الله من الخنزير المستقبح... وأظنّك ممّن يرى أن الطاوس أكرم على الله تعالى من الغراب، وأن التُّدرُج [=اسم طائر] أعزّ على الله تعالى من الحِدَأَة [=اسم طائر]، وأنّ الغزال أحبّ إلى الله تعالى من الذئب. فإنما هذه أمور فرّقها الله تعالى في عيون الناس، وميّزها في طبائع العباد، فجعل بعضها بهم أقرب شَبَهاً، وجعل بعضها إنسيّا، وجعل بعضها وحشيّا، وبعضها غاذياً، وبعضها قاتلاً.. فلا تذهب إلى ما تريك العين، واذهب إلى ما يريك العقل."

 

[التكافل الغذائي]

من الأمثلة التي قدّمها الجاحظ للتكافل الغذائي بين الحيوانات قوله (ج6، ص. 344):

          "التمساح مختلف الأسنان، فينشب فيه اللحم، فيغمّه فينتن عليه؛ وقد جُعِل في طبعه أن يخرج عند ذلك إلى الشط، ويشحا [=يفتح] فاه لطائرٍ يعرفه بعينه، أرقط (مليح)، فيجيء من بين الطير حتى يسقط بين لحييه، ثم ينقره بمنقاره  حتى يستخرج جميع ذلك اللحم، فيكون غذاءً له ومعاشا، ويكون تخفيفا عن التمساح وترفيها؛ فالطائر الصغير يأتي ما هنالك يلتمس ذلك الطُّعم، والتّمساح يتعرض له، لمعرفته بذلك منه."

 

[السلسلة الغذائية]

تحدث الجاحظ عن السلاسل الغذائية في أكثر من موضوع من كتاب الحيوان، فمن ذلك قوله (ج6، ص. 313) بعنوان (أرزاق الحيوانات):

          "ومن العجب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله، ويصيد الثعلب القنفذ فيأكله، ويُريغ [يقصد] القنفذ الأفعى فيأكلها وكذلك صنيعه في الحيات ما لم تعظم الحيّة، والحية تصيد العصفور فتأكله، والعصفور يصيد الجراد فيأكله، والجراد يلتمس فراخ الزنابير وكلَّ شيءٍ يكون أُفحوصُة [=أُدحيّته] على المستوى، والزنبور يصيد النحلة فيأكلها، والنحلة تصيد الذبابة فتأكلها، والذبابة تصيد البعوضة فتأكلها."

 

[أثر البيئة]

تحدث الجاحظ عن أثر البيئة في طبائع الناس وألوان الكائنات، فقال (ج4، ص ص.70-71):

"لا ينكر أن يفسد الهواء في ناحية من النواحي فيفسُد ماؤهم وتفسُد تربتهم؛ فيعمل ذلك في طباعهم على الأيام، كما عمل ذلك في طباع الزنج، وطباع الصقالبة، وطباع بلاد يأجوج ومأجوج؛ وقد رأينا العرب، وكانو أعراباً حين نزلوا خراسان، كيف انسلخوا من جميع تلك المعاني؛ وترى طباع بلاد الترك كيف تطبع الإبل والدواب وجميع ماشيتهم، من سبع وبهيمة، على طبائعهم. وترى جراد البقول والرياحين وديدانها خضراء، وترى في غير الخضرة على غير ذلك. وترى القملة في رأس الشاب الأسود الشعر سوداء، وتراها في رأس الشيخ الأبيض الشعر بيضاء، وتراها في رأس الأشمط شمطاء، وفي لون الجمل الأورق [= ما في لونه بياض وسواد]، فإذا كانت في رأس الخضيب بالحمرة تراها حمراء، فإن نَصل خضابه صار فيها شُكّلَة [= اختلاط البياض بالحمرة] من بين بيض وحمر."

          "وقد نرى حَرَّةَ [=أرض ذات حجارة سوداء] بني سُلَيم، وما اشتملت عليه من إنسان، وسَبُع، وبهيمة، وطائر، وحشرة، فتراها كلّها سوداء."

          وعن أثر البيئة القوي في عقائد الناس ودياناتهم، يقول الجاحظ (ج2، ص ص.326-328):

          "فإن تعجبت من استسقاطي لعقل كِسرى أبَرويز وآبائه، وأحبّائه، وقرابينه [=خاصته]، وكتّابه وأطبّائه، وحكمائه، وأساورته [=قادة جيوشه]، [=لعبادتهم النار] فإني أقول في ذلك قولاً تعرف به أني ليس إلى العصبية ذهبت"

          "أعلم أني لم أعنِ بذلك القول الذين ولدوا بعدُ على هذه المقالة، ونُشئوا على هذه الديانة، وغُذّوا بهذه النحلة، ورُبّوا [جميعا] على هذه الملّة؛ فقد علمنا جميعا أن عقول اليونانية فوق الديانة بالدُّهرية [=الماديّة] والاستبصار في عبادة [البروج] الكواكب؛ وعقول الهند فوق الديانة بطاعة البُدِّ... وعقول العرب فوق الديانة بعبادة الأصنام والخشب المنجور، والحجر المنصوب، والصخرة المنحوته"

          "فداء المنشأ والتقليد، داءٌ لا يحسن علاجه جالبنوس [= كبير أطباء اليونان في عصره]، [ولا غيره من الأطباء]. وتعظيم الكبراء، وتقليد الأسلاف، إلف دين الآباء، والأُنس بما لا يعرفون غيره يحتاج إلى علاج شديد، والكلام في هذا يطول."

          "فإن آثرت أن تتعجب، حتى دعاك التعجّب على ذكر أبرويز –فاذكر سادات قريش، فإنهم فوق كسرى وآل كسرى."

 للأعلىé

 

 

التعليقات

 
 

 

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
 
التعليق:

 

 
     
 

 االآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.