|
كيف وأين ولماذا؟
الجدار والمستوطنات والخنازير البرية
عبد الستار شريدة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بدأ المواطنون في قرى شرق جنين وغرب طوباس، يلحظون حركة نشطة لبعض
الخنازير البرية التي لم يألفوا تواجدها بجوار أماكن سكناهم فيما مضى.
كذلك اعتادوا المشهد المتكرر لبعضها في المزارع والسفوح الجبلية
المشرفة على قراهم.
ولا يعرف المواطنون في هذه القرى، على الأغلب، أن هذه الحيوانات البرية
عزلت عن بيئتها الطبيعية في وقت سابق، بسبب بناء الجدار، حيث حوصرت
خارج جدار الفصل العنصري في القرى التي شقها الجدار في قرى الطيبة
وزبوبة وجلبون وغيرها من قرى محافظة جنين؛ مما اضطر قسما كبيرا منها
للتكيف مع البيئة الجديدة، مفتعلا بيئة مصطنعة من مزروعات المواطنين
الحقلية والشجرية وتحديدا اللوزيات والزيتون، متخذا منها غطاء طبيعيا
للحفاظ على بقائه ونشاطه. واضطر القسم الآخر للبحث عن موئل شبيه بالذي
كان يعيش فيه، حيث هاجر قسرا عن بيئته الطبيعية لمسافات طويلة؛ مما
يعلل تواجد هذه الحيوانات في القرى والتجمعات المشار إليها (د.بنان
الشيخ أخصائي التنوع الحيوي).
ولعل المتتبع لخط سير الجدار، يجد أن طوله ازداد بسبب كثرة التعاريج
والالتواءات الناتجة عن تداخل التجمعات الفلسطينية بالمستوطنات
الإسرائيلية في الضفة، فوصل إلى 620 كلم (معهد الأبحاث التطبيقية)،
ويلحظ أيضا صغر المساحة المتبقية كبيئة طبيعية للكثير من الخنازير
البرية، مما يضطرها للهجرة باتجاه الأردن شرقا، أو إلى داخل أراضي
فلسطين عام 1948 غربا (حسب الدكتور بنان الشيخ المختص في التنوع
الحيوي).
غير أن الطريق إلى الشرق طريق مكشوفة ونهايتها الموت لرحلة الخنازير،
وذلك لانعدام وجود غطاء نباتي وحرجي كثيف كبيئة طبيعية لهذه
الحيوانات، إضافة إلى درجات الحرارة المرتفعة التي لم تعهدها الكثير من
الحيوانات في البيئة البديلة والجديدة؛ مما قد يتسبب في موتها (د. بنان
الشيخ).
أما الطريق إلى الغرب فهي إما مغلقة بسبب الجدار، أو تم تدمير وتخريب
ما قد يكون بيئة طبيعية لها نتيجة عمليات التجريف السابقة لإنشاء
المستوطنات، إضافة إلى درجات الحرارة المرتفعة التي لم تعهدها هذه
الحيوانات في البيئة المؤقتة وصولا إلى غور الأردن (المصدر السابق).
تقطيع أوصال الطبيعة
لا يتوقف أمر جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، عند حدود مصادرة
الاحتلال الإسرائيلي لما مساحته 915000 دونم (معهد الأبحاث التطبيقية).
كذلك لا يتوقف الأمر على الخلل الاجتماعي الذي أحدثه الجدار لما يقرب
من 87600 مواطن فلسطيني من 126 تجمعا سكانيا عزلوا أو سيعزلون بشكل كلي
أو جزئي عن محيطهم. بل تعدى الأمر ذلك؛ إذ تسبب الجدار في تقطيع أوصال
الطبيعة في أراضي الضفة الغربية من خلال حرص الاحتلال على الحفاظ على
الغابات والأشجار داخل الجدار (من جهة إسرائيل) وسعيه لاقتلاع عشرات
الآلاف منها خارجه (من جهة الضفة)، وعزل 62% من مساحات الغابات في
الضفة الغربية حسب صور جوية، وأثر هذا الأمر على التنوع الحيوي البيئي
والحياة البرية حسب د. أحمد رأفت، أستاذ الجغرافيا وخبير الخرائط في
جامعة النجاح الوطنية .
تسريب وتهريب من المستوطنات
وأهم من ذلك أن عدم جثوم مستوطنات على الأراضي الواقعة بين جنين وطوباس
يؤمن حماية وغطاء للخنازير البرية، كما هو الحال في مدينة نابلس
وقراها، حيث ساهمت المستوطنات فيها بنشر 40% من الخنازير البرية
المنتشرة في الأراضي الفلسطينية (حسب الدكتور أيمن عمرو مدير دائرة
البيطرة في نابلس)، وشكلت المستوطنات هناك -حسب شهادات المواطنين
الواردة للمؤسسات ذات العلاقة- مكانا لتسريب وتهريب الخنازير البرية
انطلاقا من داخل الخط الأخضر وصولا للمستوطنات، ومن ثم إطلاقها في
أراضي المواطنين الزراعية المحاذية للمستوطنات، وهو الأمر الذي وفر لها
بيئة نموذجية للعيش والتكاثر على مزروعات المواطنين ومجاري المستوطنات.
وتدل متابعات بعض المؤسسات ذات العلاقة أن الخنازير أصبحت تتواجد حيثما
توجد مستوطنات، ومرد ذلك حسب المصادر تهريبها منها أولا، والشعور
بالأمان الذي توفره المستوطنات لهذه الحيوانات وعدم قدرة المؤسسات
والمزارعين الفلسطينيين على ملاحقتها هناك.
جدول (1): أماكن انتشار الخنازير
البرية في نابلس أينما وجدت المستوطنات
|
البلد |
المستوطنة |
|
بورين |
يتسهار |
|
عزموط |
ألون موريه |
|
الساوية |
عيلي وجبعات ليفونه |
|
الأغوار الوسطى |
الحمرا ويتسائيل |
|
الناقورة ودير شرف |
شافي شومرون |
|
اللبن |
معاليه ليفونه |
|
الباذان |
الحمرا وسميت سابقا |
|
قصرا |
مجداليم |
المصدر: دائرة
البيطرة في نابلس
ولعل المتتبع لحركة الخنازير البرية ونشاطها في الأراضي الفلسطينية
يلحظ ما تؤكده الرواية الرسمية والشعبية الفلسطينية حول ارتباط ظاهرة
انتشارها بالجدار الذي ساهم بنشر 60% منها "بيطرة نابلس"، ومن ثم
بالمستوطنات خاصة وأن هذه الحيوانات بدأ رصدها (حسب بيطرة محافظة سلفيت
التي تعد أكثر المحافظات الفلسطينية تضررا من الظاهرة) منذ العام 2000،
بما نسبته 10% من اجمالي الخنازير البرية المنتشرة حاليا، لتتضاعف
النسبة بعد إنشاء الجدار في العام 2002 إلى حوالي 50%، ولتصل النسبة
إلى ما هي عليه اليوم نتيجة عدم وجود وسائل مكافحة ناجعة نتيجة
العراقيل الإسرائيلية، وتواصل تهريبها، والمواليد العالية لهذه
الحيوانات والتي تصل إلى 10- 15 للأنثى الواحدة كل 4 شهور، إضافة إلى
تمركزها قريبا من المستوطنات والجدار مما أشعرها بالأمان (بيطرة وزراعة
سلفيت وبيطرة نابلس).
جدول (2): أماكن انتشار الخنازير في
محافظة سلفيت ( قرب المستوطنات) ونسبة تركيزها في التجمعات الفلسطينية
|
البلدة |
تركيزها (%) |
المستوطنة |
|
مدينة سلفيت |
50% |
أرئيل |
|
بروقين/ ياسوف/ فخة |
20% |
بركان/ تفوح/ أرئيل |
|
ديراستيا/ كفر الديك/ فرخة/ دير بلوط |
30% |
عمونئيل/ رفافا/ باكير/ بركان/ عالي
زهاف |
المصدر: مديرية الزراعة في سلفيت
أضرار الخنازير البرية
كان لظاهرة انتشار الخنازير البرية واتخاذها لحقول المزارعين
الفلسطينيين كغطاء طبيعي للبقاء أثر بالغ على القطاع الزراعي ظهرت
ملامحه في جميع التجمعات التي ظهرت وانتشرت فيها، وأكد المسؤولون
المحليون في الدوائر الرسمية ذات العلاقة على نوايا إسرائيل المبيتة
واستهدافها للقطاع الزراعي من خلال اطلاق وتهريب الخنازير البرية إلى
الأراضي الفلسطينية، مشددين على أن هذه الظاهرة المفتعلة من قبل
الاحتلال لا تقل عن أساليب الاحتلال الأخرى.
ففي محافظة سلفيت على سبيل المثال، يتكبد القطاع الزراعي خسائر تصل ما
نسبته 60% من إجمالي منتجات الخضار المكشوفة بسبب اعتداءات الخنازير
سنويا، وتصل الخسائر في المحاصيل الحقلية إلى ما نسبته 25% سنويا،
وتتأثر محاصيل البستنة (لوزيات وتفاحيات) بنسبة 10% (مديرية زراعة
سلفيت).
أضف إلى ذلك تخريب الخنازير البرية للجدران الاستنادية الحجرية (سلاسل
حجرية)، والاعتداءات المتفرقة على بعض المواطنين ومهاجمتهم كما حدث في
قرية الطيبة في محافظة جنين عندما هاجمت محمد خالد محاميد، وحكمت عبد
المعطي الريماوي "53 عاما" من قرية بيت ريما في رام الله وتسببت بجروخ
غائرة له وصلت حد 30 سم (مجلس قروي الطيبة، والمتضرر).
المكافحة بعد انتشار الوباء
ومع الهياج الاعلامي والشعبي حول ما اصطلح على تسميته انفلونزا
الخنازير "H1N1"
، بدا الشارع الفلسطيني أكثر تفاعلا مع تداعيات الأزمة العالمية
المتعلقة بالمرض، وبخاصة لأن انتشار الوباء ارتبط إعلاميا بحيوان ألفه
الفلسطينيون واعتادوا خلال سبع سنوات مضت على وجوده وانتشاره بين
تجمعاتهم السكانية أو بمحاذاتها، بحيث أضيف الخنزير إلى قاموس
الحيوانات البرية التي تشتهر بها تجمعات فلسطينية كثيرة.
هذا الأمر دفع المؤسسات ذات العلاقة والمواطنين في التجمعات التي تنتشر
فيها الخنازير للتداعي فيما بينها لمكافحة الظاهرة عبر عدة وسائل، منها
التسميم بواسطة مبيدات تقليدية كانت فاعليتها بما نسبته 10%، إضافة إلى
ملاحقة الخنازير في بعض التجمعات ورميها بالرصاص (بيطرة سلفيت ونابلس).
غير أن وسائل المكافحة أثبتت عدم فعاليتها في أغلب المحافظات بسبب
الغطاء الذي تؤمنه المستوطنات والجدار للخنازير لعيشها قريبا منها،
وبسبب منع السلطات الإسرائيلية إدخال سموم ومبيدات ذات فعالية لمكافحة
الخنازير مثل LANNET
وrostop
وstrcnen
وmetamox
والتي منع إدخالها لأراضي السلطة الفلسطينية بعد العام 2003 بذريعة
تأثير هذه المبيدات على المياه الجوفية والتنوع الحيوي والحياة البرية،
وبحجج عسكرية إسرائيلية غير معلنة أهمها دخول هذه المبيدات في إعداد
وتصنيع مواد متفجرة (المصدر السابق).
ورغم ذلك تنشط عملية مكافحة الخنازير البرية في الأراضي الفلسطينية
وبخاصة في أكثر المحافظات تضررا مثل سلفيت التي أتلفت مديرية البيطرة
فيها 120 خنزيرا بريا في العام 2008، لتنشط عملية المكافحة بعد الاعلان
عن انشار الوباء مسجلة 28 حالة اتلاف في قرية ديراستيا منذ مطلع شهر
أيار وحتى الخامس عشر منه، وتكون عملية الاتلاف بالعادة بعد التسمييم
بالجمع ومن ثم الحرق (بيطرة سلفيت).
إمكانية نشر الوباء بفعل الخنازير البرية
وبالرغم من احتمال إصابة الخنازير البرية المنتشرة في الأراضي
الفلسطينية بالأنفلونزا (حسب الأخصائيين) وتداعيات ذلك على الأفراد،
إلا أن جهود المؤسسات ذات العلاقة المباشرة لم يرق إلى الفوبيا الشعبية
في الأراضي الفلسطينية، وتحديدا في المناطق التي تنتشر فيها الخنازير،
ولم تعمل هذه المؤسسات في المناطق المشمولة في الدراسة على أخذ عينات
وإجراء فحوص مخبرية على الخنازير البرية، ولو لخنزير نافق أو مسموم في
حال تعذر إجراء هذه الفحوص على خنزير حي.
فلسطين خالية من مرض إنفلونزا الخنازير
وزارة الصحة الفلسطينية عادت وأكدت في العشرين من أيار خلو فلسطين من
المرض؛ ومن جانبها أكدت وزارة الزراعة الفلسطينية أن دخول المرض للبلاد
يمكن أن يتم من خلال المسافرين الذين زاروا البلاد الموبوءة ، مؤكدة
اتخاذها عدة خطوات لمنع دخول المرض لأراضيها وبخاصة لأنها لا تستورد
الخنازير أو مشتقاتها من الخارج، رغم وجود مزرعتين لإنتاج الخنازير
وتسمينها في بيت جالا وبيت ساحور بسعة 400 رأس لكل منهما. والمزرعتان،
حسب الوزارة، تتمتعان بإجراءات الأمن الحيوي وتحت اشراف طبيب بيطري خاص
وأشارت العينات الخاصة بهما إلى خلوهما من الفيروس (وزارة الصحة ووزرة
الزراعة).
ما هو مرض إنفلونزا الخنازير؟
هو مرض تنفسي يصيب الخنازير وينتشر فيها مسببا أعراضا تنفسية، وسبب
الإصابة هو فيروس من المجموعة A
ويتركب من الحمض النووي RNA
وينتقل بالعدوى عن طريق التنفس والاتصال المباشر والمعدات الملوثة.
وتتمثل خطورة إصابة الخنازير بأنه يمكن أن تكون الإصابة بفيروس
إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير والإنفلونزا الموسمية التي تصيب
الإنسان، وتحصل بالتالي عملية خلط لهذه الفيروسات داخل الخنازير وينتج
عنه فيروس جديد له خاصية الانتقال من الخنزير للإنسان ومن الإنسان
للإنسان.
وتكون الأعراض المرضية على شكل حمى وعطس وإفرازات أنفية وامتناع عن
الأكل والتهاب بالعين وإجهاضات
|