![]() |
![]() |
|||||||||||||||
|
||||||||||||||||
حزيران 2009 العدد (15) |
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا |
June 2009 No (15) |
||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
شخصية بيئية: أستاذ الجغرافية في جامعة بير زيت عثمان شركس: سحر الطبيعة خطف يومياتي
عبد الباسط خلف:
تلمع صور فوتوغرافية لأزهار فلسطين وطيورها جمالا فوق جدار مكتب د.
عثمان شركس، رئيس دائرة الجغرافيا في جامعة بيرزيت، فيما تستلقي قرب
النافذة نباتات مجففة كالسماق وشمعة بيت لحم والسنارية وكف مريم وأنواع
من الصخور والصدف البحري وغيرها. من النافذة والباب وحتى الحاسوب الذي يعج بمشاهد التنوع الحيوي وعدسة التصوير التي ترافق د. عثمان في حله وترحاله، تتشكل ملامح شخصية الأستاذ والجغرافي والمحب للبيئة والمنحاز لجمالها والمدافع عنها. تفوح من عباراته رائحة السعادة، وهو يروي مقتطفات من حياته، وكيف التصق بالبيئة واختارها صديقة دائمة وتخصصاً وممارسة يومية منذ التحق في جامعة بغداد طالباً وعاد إلى جامعة بيرزيت محاضراً.
قسوة اللجوء ولد في الثالث عشر من شباط العام 1957 في خيمة بمخيم بلاطة: "يومها كان الثلج يتساقط على نابلس بكثافة، فيما كادت والدتي(زينات) تغرق في مياه أمطار لم تفلح الخيمة في التصدي لها..اعترفت لي أمي لاحقاً أن جسمي تلون بالأزرق من شدة البرد وكدتُ أفقد حياتي". ينحدر شركس من قيسارية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وكان والده علي صياد أسماك قبل أن تلقي العصابات الصهيوينة بشباك القتل والتدمير على قيسارية وأهلها، حالها كالوطن المصاب بالنكبة. سافر عثمان إلى بغداد العام 1976، وأحب دراسة الجغرافيا، لكن أنظمة الجامعة كادت تطيح بأحلامه، وتفرض عليه دراسة التاريخ:"دخلت إلى غرفة عميد الكلية د.نور القيسي، وأخبرته بأنني جئت للعراق لدراسة الجغرافيا، وأجد نفسي بها أكثر من التاريخ، وإن لم أتخصص الجغرافيا فسأعود لبلدي. رد العميد بوضوح: الجامعة هنا تحدد التخصص وليس الطلبة".
ألح شركس على العميد، فأخبره بأن يتدبر أمره، وطلب منه التوجه إلى
قاعة الإدريسي، حيث كان د. محمد حامد الطائي يغرق طلابه بمحاضرة عن
الجغرافيا الإقليمية لقارة إفريقيا، ليبحث عن طالب يرغب بالانسحاب من
التخصص وينتقل إلى قسم التاريخ، فوجد ضالته، وفرح كثيرًا : "تخرجت
الأول على قسم الجغرافيا، وعلى كلية الآداب كلها في حزيران العام 1980،
وتعينت معيداً فيها، لكن د. الطائي نصحني بأن لا أقبل هذا العرض، لأن
الفلسطيني له مجالات أكبر في الخارج، وبوسعه إكمال دراساته العليا،
فتركت العراق، عملاُ بالنصيحة، ثم اندلعت نار الحرب العراقية
الإيرانية.
خياران لم يجد شركس نفسه في عالم السيارات والمال، ووقع تحت ضغط الاختيار بين الغني البعيد عن أحلامه، والفقر المصاحب للحياة الأكاديمية، فرجّح الخيار الثاني، وعاد لوطنه ليعمل مساعد باحث في جامعة بيرزيت عام 1983. قبلئذ كان د. عثمان قد استثمر أوقات العطل الرسمية، للسير في البراري والطبيعة الصحراوية المتنوعة بالكويت والعربية السعودية: "في أيلول 1984 غادرت جامعة بير زيت إلى بريطانيا لأكمل الدراسات العليا في علم "الجيومورفولوجيا" والتربة والمناخ وعدتُ محاضرا عدة سنوات قبل حصولي العام 1994 على درجة الدكتوراه في الجغرافيا الحياتية من جامعات ألمانيا، وتسلمتُ مواقع عديدة وصولاً إلى رئاسة دائرة الجغرافيا وبرنامج الماجستير في الجامعة".
يعمل د. عثمان اليوم على إكمال دراسة مُعمقة في البيئة والنباتات
الفلسطينية، باسم" الدليل الميداني للنباتات والأزهار في جبال فلسطين
الوسطى" من حيث تصنيفها والأسماء العلمية(اللاتينية) التي تحملها، وثقت عدسة شركس الغروب والشروق والندى والضباب والثلوج والنباتات والمشاهد الطبيعية والاعتداءات عليها كالرعي الجائر وقطع الأشجار وتجريف التربة وغيرها: "أحمل آلة التصوير جنباً إلى جنب مع بطاقتي الشخصية، وصارت الكاميرا قطعة مني".
عيون إلكترونية ترقد في مكتبة د. عثمان عشرات آلات التصوير، بموديلات وأنظمة وماركات تجارية وألوان مختلفة، بعضها رقمي وطائفة منها عادية أو أكل الدهر عليه وشرب وقسم منها غير شائع : "أحتفظ في مكتبتي بآلاف الصور التي تتحدث عن الطبيعة بجمالها وتنوعها النباتي الهائل، ولا أغفل عن توثيق الاعتداءات التي يصنعها البشر، وعندما أسمع صوت منشار الأشجار، أحس وكأنه ينهال بالضرب على رأسي". تجول أستاذ الجغرافية في أرجاء فلسطين كلها ملاحقاً جمالها وغناها الثري من نباتات يقترب عددها من 2500 نوع ويرى خصوصيتها بأنها: "تتمتع بتنوع الأقاليم رغم صغر مساحتها؛ وتحتفظ بعرض لا يتعدى 70 كيلومتراً بأربعة أقاليم نباتية: إقليم البحر المتوسط والإقليم الإيراني- الطوراني، والتغلغل السوداني، والعربي. في بعض البلدان قد تسير لمسافة ألف كيلو متر ولا تجد تنوعاً إقليمياً نباتياً واحداً".
مسارات بيئية
لا زالت ذاكرة د. عثمان تختزن المسارات البيئية التي كان ينظمها
لطلبة مساق جغرافيا فلسطين لثلاثة أيام كاملة: " ننطلق من نقطة البداية
في بيرزيت إلى نابلس وجنين فجبال الكرمل ثم عكا وراس الناقورة والإياب
إلى الناصرة والمبيت بإحدى كنائسها. ينتقل شركس ليورد قائمة بالأزهار الثرية التي تحتفظ بها فلسطين: كالسوسن وشقائق النعمان والأقحوان والسحلب والترمس البري وعين البقر والخرشوف واللوف الفلسطيني والزعتر والطيّون والقريص وغيرها. فيما يعرج على طائفة مهددة بالانقراض كحال الزعتر البلدي والقيقب والزعرور والسحلب والسوسن. حوّل د. عثمان الحديقة القريبة من منزلة في حي الطيرة غرب رام الله من مكب للنفايات إلى جنة خضراء، فأحاطها بالسلاسل الحجرية، وغرسها بأشجار التين المتنوعة (البياضي والخرطماني والموازي والعدلوني والسوادي والدافور والعسيلي) واللوز والسماق والعناب والكرز والأزهار بأصنافها المتعددة، واستثمر مساحاتها لزراعة البصل والفول والثوم وغيرها. تشارك سيما زوجها الشغف بالطبيعة، وتخرج معه في جولات سير على الأقدام لمسير يمتد ثلاث ساعات، فيما يحب نزار(17 سنةً)الطبيعة كوالده، ويتناول أيمن(15 ربيعاً) البيئة بالرسم، وتتأثر حلا( 19 عاماً) قليلاً بوالدها الذي يجيد إلى جانب لغته الأم الإنجليزية والألمانية، وله الكثير من الإسهامات العلمية والأبحاث والدراسات ومشاريع الأبحاث ومساهمات في مناهج الجغرافيا المدرسية، وهو عضو بجمعيات جغرافية في فلسطين ومصر وسوريا وألمانيا والمملكة المتحدة. aabdkh@yahoo.com |
||||||||||||||||
![]() |
|
![]() |
||||||||||||||
التعليقات |
||||||||||||||||
|
||||||||||||||||
الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة. |
||||||||||||||||