مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز - آب 2012 العدد-46
 
Untitled Document  

السوق الفلسطيني مستباح للمنتجات الغذائية المعدلة وراثيا
الاتحاد الأوروبي يعارض الحظر الفرنسي على زراعة الذرة المعدلة وراثيا في فرنسا
معارضة شعبية أوروبية واسعة للتعديل الوراثي
تناول الغذاء البلدي والعضوي يشكل ضمانة لتفادي الأطعمة المعدلة وراثيا

نشطاء غرينبيس يتظاهرون في شتوتغارت بألمانيا ضد زراعة الذرة المعدلة وراثيا- تصوير AFP

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

تواجه حاليا المحاولات الفرنسية لمنع زراعة الذرة المعدلة وراثيا في فرنسا معارضة من الاتحاد الأوروبي؛ إذ نشرت "السلطة الأوروبية للغذاء الآمن" في أواخر أيار الماضي، تقريرا قالت فيه إن الأدلة العلمية التي عرضتها فرنسا أمامها باعتبارها الأساس الذي استندت إليه لحظر زراعة الذرة المعدلة وراثيا والتي تسوقها شركة "مونسانتو"- هذه الأدلة غير مقبولة لديها.  وزعمت السلطة الأوروبية بأنه "لا يوجد أدلة علمية تؤكد أن الذرة المعدلة وراثيا تشكل خطرا على صحة الإنسان والحيوان أو البيئة".
ويجيز إعلان سلطة للغذاء الآمن للمفوضية الأوروبية بأن تفرض على فرنسا إزالة الحظر على زراعة الذرة التي عدلت وراثيا بحيث تفرز بروتينا ساما للحشرات الضارة.  وتعد الذرة المنتمية لسلالة MON 810 النبات المعدل وراثيا الوحيد الذي سمح بزراعته في أوروبا لأغراض الغذاء، علما بأن الرقابة الأوروبية في هذا المجال متشددة. 
لكن السؤال الذي تطرحه آفاق البيئة والتنمية هو:  إذا كان البروتين الناتج عن التعديل الوراثي للذرة ساما للحشرات، فما الضمانة بألا يكون مؤذيا أيضا للإنسان، علما أن البنية البيوكيميائية الداخلية للإنسان مشابهة في نواح عديدة لبنية الحشرات؟
ومنذ عام 1998، حين سمحت المفوضية الأوروبية زراعة الذرة، عارضت فرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية هذا الأمر وحظرت زراعة الذرة في بلدانها.  وقد حدث هذا الأمر عام 2008 في فرنسا، على خلفية المظاهرات المناهضة للمحاصيل المعدلة وراثيا.  وبعد ذلك بثلاث سنوات، قررت محكمة العدل الأوروبية أن حظر فرنسا لزراعة الذرة المعدلة وراثيا يفتقر إلى الأساس القانوني.  ورغم ذلك، جددت فرنسا الحظر مرة أخرى في آذار هذا العام، لأسباب بيئية.  وقبل ذلك بشهر قدمت فرنسا ادعاءاتها لتجديد الحظر، إلا أنها رفضت. 
وتستورد أوروبا من العالم محاصيل معدلة وراثيا، بالرغم من عدم وجود زراعة محلية معدلة وراثيا، وبالرغم من الرقابة المشددة في هذا المجال.  وتعد الولايات المتحدة، البرازيل، الأرجنتين، الهند، كندا والصين من الدول الرائدة في هذا النوع من الزراعات؛ إذ تقدر المساحات المزروعة فيها بالمحاصيل المعدلة بـ 668 مليون دونم، 254 مليون، 229 مليون، 94 مليون، 88 مليون و35 مليون على التوالي.
وتتلخص الحجج الفرنسية حول الخطر الكامن في الذرة المعدلة وراثيا، وهي ذات الحجج لدى المناهضين للزراعات المعدلة وراثيا، في التأثيرات المحتملة للبروتين الذي ينتجه المحصول المعدل وراثيا، على التربة، وموارد المياه، والحيوان والإنسان.  ومن بين أمور أخرى، أشارت الحكومة إلى أن هذا البروتين قد يؤذي الفراش والنحل وأنواع مختلفة من الحشرات.  كما أشير إلى التخوف الفرنسي من أن الحشرات الضارة قادرة على تطوير مناعة ضد المحصول، أو بالعكس، فقد يؤدي المحصول إلى تكاثر حشرات ضارة أخرى.  ويشدد مناهضو المحاصيل المعدلة وراثيا على أن الأخيرة لا تقلل من استعمال المبيدات الكيماوية، لأن الحشرات تطور مناعة ضد تقنية التعديل الوراثي.
ومنذ عام 1998، حين منح الاتحاد الأوروبي ترخيصا لزراعة الذرة التي تسوقها شركة مونسانتو، منح الاتحاد ترخيصا إضافيا لمحصول معدل آخر فقط، وذلك في عام 2010، حيث سمح بزارعة البطاطا لأغراض صناعية، لصالح شركة BASF التي تعد أكبر شركة كيماويات زراعية في العالم.  إلا ان الشركة الأخيرة أعلنت في بداية هذا العام بأنها ستتخلى عن مشروع البطاطا المعدلة وتحوله إلى الولايات المتحدة؛ نظرا لمناهضة المستهلكين  والمزارعين والسياسيين.
وقد عادت في الآونة الأخيرة مسألة المحاصيل المعدلة وراثيا إلى الواجهة في بريطانيا أيضا؛ حيث عمد ناشطون مناهضون للتعديل الوراثي إلى تدمير تجربة كانت تجرى على المحاصيل المعدلة في شرقي إنجلترا.

الربح أولا وأخيرا
تسوق الشركات الاحتكارية العابرة للقارات؛ مثل شركتي "مونسانتو" و"نوفارتيس"، بذورا ومنتجات غذائية معدلة وراثيا، لغايات الربح بالدرجة الأولى.  وفي ذات الوقت، يسوق مسؤولو العلاقات العامة في هذه الشركات ادعاءاتهم للمستهلكين، والقائلة بأن الغذاء المعدل وراثيا مُغَذِ أكثر، وألذ نكهة، ويساهم في توفير الاستقرار في القطاع الزراعي بفضل تطوير نباتات مقاومة للآفات.
ويدعي أنصار التعديل الوراثي بأن هذه التكنولوجيا ستقضي على المجاعة في العالم، لأنها تتيح إنتاج كميات أكبر من الغذاء في فترة زمنية أقصر، وبتكلفة متدنية وصلاحية طويلة.  كما أن بعض الأغذية التي طورت بواسطة التعديل الوراثي يمكن استعمالها كأدوية وطعوم لتحسين الصحة العامة إلى حد كبير.  والسؤال هو:  ما مدى صحة هذه الادعاءات؟
تكمن مخاوف مناهضي المحاصيل المعدلة وراثيا، في عدم اليقين الناتج أساسا من عدم القدرة على توقع العواقب المستقبلية لهذه التكنولوجيا التي لا تزال في طور التجربة والتطوير الأولي.
وستؤثر قدرة هذه التكنولوجيا على إعادة تنظيم وبرمجة المادة الوراثية، بواسطة عملية إدخال عشوائية لمورثات حيوانية أو حتى بشرية إلى داخل الكروموسومات النباتية، الأسماك، الحيوانات – ستؤثر إلى الأبد على سلالات الأنواع المختلفة بواسطة الوراثة.  ولأول مرة في التاريخ، تحولت شركات التكنولوجيا الحيوية في العالم، إلى مهندسي الحياة التي يتعاملون معها باعتبارها ملكية خاصة لتلك الشركات!
أخذت الأغذية المعدلة وراثيا تزحف، في السنوات الأخيرة إلى منازل وأجسام الناس، دون علمهم.  وربما سمع بعض القراء ببذور النفل أو "ألف ألفا" (alfalfa ) المعدلة وراثيا التي تستخدم علفا أساسيا للأبقار في الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإن الأبقار التي تعلف بهذه البذور تنتج اللحم والحليب ومنتجاته التي تحوي مكونات معدلة وراثيا.  وينتشر هذا النبات أيضا في حوض البحر المتوسط.  وحاليا، يخاف العديد من المزارعين بأن تتلوث محاصيل "ألف ألفا" العضوية، بواسطة غبار لقاح المحاصيل المعدلة وراثيا.
وشهد العام 1996 دخول أول أصناف البذور المعدلة وراثيا إلى صناعة الغذاء بشكل تجاري.  وحاليا فإن البذور المعدلة وراثيا تنتج 86% من محاصيل الذرة، و93% من محاصيل الصويا في الولايات المتحدة.  وبحسب دائرة الغذاء والزراعة في كاليفورنيا؛ فإن 70% من الغذاء المعالج المسوق في محلات السوبرماركت في الولايات المتحدة يحوي مكونات معدلة وراثيا.  إذن، ما سبب الضجيج الكبير والاحتجاجات الكثيرة المناهضة للتعديل الوراثي؟   
الحقيقة أن مسألة التعديل الوراثي للمحاصيل ليست مسألة زراعية وبيئية وصحية صرفة، بل هي قضية رأي عام عالمية تؤثر فيها صراعات القوى والسياسة والكثير من رؤوس الأموال.
وتختلف تقنية التعديل الوراثي عما كان سائدا منذ مئات السنين عندما كان الإنسان يعمل على تحسين النباتات أو الحيوانات بواسطة الانتخاب والتحسين بالطرق الطبيعية التي تحاكي ما يجري في الطبيعة؛ وذلك بهدف عزل أو تثبيت صفة معينة مثل الحجم أو الشكل أو مقاومة ظروف مناخية معينة.
ويعتبر التعديل الوراثي أحد مكونات التقانة أو التكنولوجيا الحيوية، وهو عبارة عن إدخال مُوَرِّثَة أو عدة مُوَرِّثات/جينات (مقطع من DNA محدد الموقع على الكروموسوم) مأخوذة من كائن حي (نبات، أشجار، أسماك، حيوانات، إنسان، كائنات دقيقة) إلى كائن حي آخر بطرق صناعية. وتهدف هذه العملية إلى إكساب الكائن الذي أدخلت إليه المورثة، صفة جديدة لم تكن موجودة فيه من قبل. والمورثات عبارة عن أجزاء دقيقة جداً موجودة على الحمض النووي DNA ، مسؤولة عن الخواص المميزة لكل كائن حي، حيث تُخَزن فيها جميع المعلومات عن العمليات الكيميائية-الحيوية التي تتم داخل الكائن الحي. وتحتوي المادة الوراثية البشرية الكلية (الجينوم البشري) على أكثر من مئة ألف مورثة.

انتهاك ديني
كيف يمكننا معرفة فيما إذا كانت البندورة، الفلفل الأخضر، الدجاج المفرز، النقانق، الكورنفلكس وغير ذلك من
الأغذية التي يتناولها الناس معدلة وراثيا؟  وإذا كانت فعلا معدلة وراثيا، فهل تم حقنها بمقطع DNA لبقرة أو خنزير أو جوز أو محاصيل أخرى يمكن أن تتطور لدينا حساسية تجاهها؟  أو ربما تطورت لدينا مثل هذه الحساسية؟  ألا يعتبر مكون الخنزير في المحاصيل المعدلة وراثيا انتهاكا دينيا بالنسبة للمسلمين المؤمنين؟  وانتهاكا لحرية اختيار الغذاء النباتي بالنسبة للنباتيين؟ 
ثم ماذا بالنسبة للعامل السمي الذي قد تحويه المنتجات المعدلة وراثيا، لدرجة تشكيلها تهديدا جديا على حياة الإنسان؟  ولا بد هنا من التذكير بأن عدم القدرة على توقع عواقب الأغذية المعدلة وراثيا، وغياب الرقابة عليها تسببا عام 1989 في تسمم جماعي في الولايات المتحدة لأناس تناولوا مكملات غذائية معدلة وراثيا أنتجتها أكبر ثالث شركة كيماويات في اليابان.  وادعت الشركة في حينه، بأن الجراثيم تلوثت أثناء عملية التعديل الوراثي.  وقد تسبب التلوث آنذاك، في مقتل 37 أميركيا، وشلل دائم لـِ1500 فرد، كما أن 5000 شخص أصيبوا بمرض عصبي نادر يعرف بـِ EMS .  إثر ذلك فقط، منعت وزارة الصحة الأميركية تسويق المنتج!
كما وجد بحث آخر نشر في الدورية العلمية الأميركية Journal of Medicinal Food بأن مركبات "الفيتو إستروجين" (Phytoestrogen ) التي تستعمل كمضادات لأمراض السرطان والقلب، موجودة بتركيز منخفض في حبوب الصويا المعدلة وراثيا. 
علاوة على ذلك، أشارت أبحاث أخرى إلى أن جودة الأغذية المعدلة وراثيا وقيمتها الغذائية متدنيتان.
وعلى سبيل المثال، يحوي حليب البقر الذي حُقِن بهرمون BGH (Bovine Growth Hormone) الذي يزيد إدرار الحليب، مستويات مرتفعة من البكتيريا والدهون.  كما أثبت البحث بأن مستويات مرتفعة من هذا الهرمون الكيماوي في حليب البقرة ومنتجاته، قد يزيد من احتمال الإصابة بسرطان الثدي، والبروستاتا والأمعاء.

ويزعم أنصار التعديل الوراثي بأن إدخال المورثات النباتية إلى الأغذية؛ بحيث تتسبب في إنتاج ذاتي للسموم، من خلال  المحاصيل الزراعية المعدلة وراثيا، يولد مقاومة أكبر للمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب.  وبحسب ادعاء المهندسين الوراثيين، فإن المحاصيل المقاومة تقلل من استعمال المبيدات.  إلا أن النتائج في الواقع مختلفة تماما.
ويشير أحد الأبحاث الذي أجراه المركز العضوي في الولايات المتحدة، إلى أن التعديل الوراثي للمحاصيل الزراعية أدى إلى زيادة استعمال المبيدات الكيماوية المضادة للآفات بمقدار 174.91 مليون كيلوغرام خلال أول 13 سنة من الزراعة التجارية.
والمسألة الأساسية هنا، أنه مع مرور الزمن، تولد الأعشاب والآفات طفرات وراثية تجعلها مقاومة للسموم الطبيعية الناتجة من المحاصيل المعدلة وراثيا.  وعندئذ، يجبر المزارعون على استخدام مبيدات أقوى وبكميات أكبر لحماية المحاصيل؛ مما يؤدي إلى زيادة تعرض الناس للمواد السامة وتفاقم التلوث البيئي.

الشركات الاحتكارية تتحكم بغذائنا
تملك شركة احتكارية واحدة، هي شركة "مونسانتو"، أكثر من 90% من سوق تكنولوجيا البذور المعدلة وراثيا في العالم، والباقي تملكه أربع شركات أخرى.  ويمثل هذا، بشكل غير مسبوق، تبعية المزارعين للشركات الزراعية الاحتكارية العالمية التي تتحكم بغذاء العالم.
وتتجسد المأساة في حقيقة تلويث صميم مناطق التنوع المحصولي في العالم. ويعتبر ذلك، بالنسبة للحضارات التي ابتكرت الزراعة، عدوانا على حياتها وعلى المحاصيل التي عملت على إنتاجها ورعايتها وعلى سيادتها الغذائية.
ومن المدهش حقا ادّعاء أنصار التعديل الوراثي بأن استخدام ما يسمى بـِ(Terminator technology )، أي التكنولوجيا التي تحظر على المزارعين حفظ وإعادة إنتاج البذور التي تم جمعها، يهدف إلى منع التلوث الجيني.  وهذا يعني تهديد غذاء نحو 1.5 مليار نسمة في العالم يعتمدون على حفظ البذور من الحقول وإعادة إنتاجها. 
وقد أدانت العديد من منظمات المزارعين في العالم ومنظمات المجتمع المدني والعديد من الحكومات والمؤسسات العلمية هذه التكنولوجيا، حيث قاومت ضغوط الاحتكارات والضغوط السياسية، وهي تسعى إلى تطوير بدائل قابلة للحياة تأخذ باعتبارها أمن البذور والسيادة الغذائية طويلة الأمد.
إن مزيدا من الاستثمارات في هذه التكنولوجيا، سوف يزيد حتما من التحكم الاحتكاري للشركات في غذاء العالم ويفرض على الدول الفقيرة قوانين براءات الاختراع الخاصة بكبرى الشركات الاحتكارية ويلزمها بمعاهدات وأنظمة تجارية تضعف من قدراتها الداخلية على مكافحة المجاعة.  ويدور حاليا جدل علمي عالمي يهدف إلى التحذير من خطر التآكل الوراثي.  والمفارقة هنا أنه مع قدوم الهندسة الوراثية ازدادت تهديدات التآكل.

هل الهندسة الوراثية ضرورية لإطعام العالم؟
لقد تم منذ زمن تكذيب الإدعاء القائل إن الهندسة الوراثية للأغذية ضرورية لإطعام العالم.  ومع أن حصة الفرد من الإنتاج الغذائي العالمي تعد أعلى من أي وقت مضى، فقد تفاقمت المجاعة في العالم، الأمر الذي يؤكد أن التوزيع العادل وضمان حصول الناس على الغذاء يعدان أكثر أهمية من التكنولوجيا.  إذن، المشكلة لا تكمن في عدم كفاية الإنتاج الغذائي العالمي، لأن العالم ينتج كميات كبيرة من الطعام أكثر من حاجته؛ لكن المشكلة تكمن في أن الجياع والفقراء في "العالم الثالث" لا يملكون الأموال اللازمة لشراء أو زراعة حاجتهم من الغذاء، بمعنى أن الكميات الزراعية لا تشكل إطلاقا حلا للمشكلة. 
إن أهم ما تعلمناه من فشل "الثورة الخضراء"، هو أن "التقدم" التكنولوجي في مجال الهندسة الوراثية للمحاصيل المتصلة بالبذور التي تستجيب للمدخلات الخارجية، يسهم في تعميق التقاطب الاقتصادي – الاجتماعي – الطبقي، وزيادة عملية إفقار الأرياف والمدن، ويفاقم انعدام الأمن الغذائي.  وتكمن مأساة "الثورة الخضراء"، تحديدا، في تركيزها الضيق أحادي الجانب على التكنولوجيا التي تجاهلت أهم ما يتصل بأسس المجاعة البنيوية والاجتماعية.  وفي المحصلة، عززت التكنولوجيا البنى التي تفاقم من حدة المجاعة.  وهكذا، فإن "الثورة الجينية" لن تفعل أكثر من مضاعفة الأخطاء الأكثر سوءا "للثورة الخضراء".   
وعلاوة على ذلك، يعلمنا التاريخ أن التغييرات البنيوية المتصلة بضمان حصول الناس على الأرض والغذاء والسلطة السياسية، بالتوازي مع تطوير وممارسة تقنيات بيئية معتمدة أساسا على الأبحاث التي يقودها المزارعون، هي الكفيلة بإحداث تقليص جدي في المجاعة والفقر.  وفي المقابل، ستقودنا "ثورة الجينات" إلى الاتجاه المعاكس تماما؛ حيث إنها تعتمد على الأبحاث ذات الكلفة الخيالية والمُحْتَكَرَة من قبل النخبة التكنولوجية والصناعية التي تستخدم التقنيات المسجلة ببراءات اختراع، وبالتالي مُهَيْمَن عليها من قبل نخبة "علمية" و"صناعية" محدودة جدا.  ولو تم تحويل نفس المصادر المالية باتجاه شبكات الأبحاث المعتمدة على مشاركة الفلاحين والمزارعين وتحت قيادتهم، فإنها ستولد تكنولوجيا أكثر عدلا وإنتاجا وانسجاما حقيقيا مع البيئة.
والمسألة الأساسية هنا، هي أنه كلما ازدادت تبعية المزارعين لصناعات التكنولوجيا الحيوية، تضاءلت خياراتهم لدعم وتطوير أنظمتهم الزراعية والمعيشية. 
في الواقع، ما يسمى ملكية الشركات الفكرية عبارة عن قرصنة بيولوجية تقترفها تلك الشركات، لأن الموارد الوراثية التي تسعى الشركات إلى احتكارها تحت مسمّى "الاختراع المسجل" هي محصلة جهود المزارعين الجماعية لتحسين وإعادة إنتاج البذور عبر آلاف السنين.

المستفيد من تسويق المنتجات المعدلة في الضفة والقطاع
تفرض بعض الدول الالتزام بوضع إشارات واضحة على المنتجات المعدلة وراثيا، أو تمنع إنتاجها أصلا، أو تفرض قيوداً جدية على إنتاجها، بسبب عدم ثبوت أمانها بعد.  ومن بين هذه الدول:  مجموعة الاتحاد الأوروبي، أستراليا واليابان.  وفي المقابل، لا يستطيع مواطنو العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، معرفة ما إذا كان الغذاء الذي يتناولونه يحوي مكونات معدلة وراثيا أم لا.
وبالرغم من تزايد عدد العلماء الذين يحذرون من عدم إمكانية التنبؤ بعواقب تقنيات خلط المورثات، مما يشكل خطرا جسيما؛ إلا أن حكومات الولايات المتحدة وسلطاتها القانونية تدعي بأن الأغذية التي تحوي مكونات معدلة وراثيا لا تختلف جوهريا عن الأغذية العادية؛ لذا، فإنها لا تحتاج إلى ملصق خاص، كما لا تحتاج إلى فحوصات الأمان.
وبما أن المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 تابعة غذائيا لإسرائيل، فإن واقعها، من ناحية المحاصيل المعدلة وراثيا، يعد امتدادا لدولة الاحتلال.  وفي هذه الأخيرة، لا يزال التعديل الوراثي في مرحلته البحثية فقط.  لذا، لا يوجد، حاليا منتج زراعي محلي معدل وراثيا.  ومع ذلك، تستخدم الصناعات الغذائية الإسرائيلية مواد خام معدلة وراثية؛ وبخاصة حبوب الذرة والصويا.  كما يتم استيراد منتجات تحوي مكونات معدلة وراثيا، علما بأنه لا يوجد في إسرائيل قانون يفرض إجراء فحوصات للكشف عن مكونات معدلة وراثيا في الغذاء، كما لا توجد أي قيود على المنتجات المعدلة أو إشارات خاصة عليها.  وبالرغم من أن وزارة الصحة الإسرائيلية كونت لجنة خاصة لدراسة ما أسمته "الأغذية الجديدة"، ولتنظيم المسألة قانونيا، إلا أنه من غير الواضح متى سيعلن عن أنظمة خاصة في هذا المجال.
وبما أن الضفة الغربية وقطاع غزة تابعتان غذائيا واقتصاديا تبعية كاملة لإسرائيل وتشكل أسواقهما إسفنجا امتصاصيا للسلع الإسرائيلية، فيمكننا الاستنتاج بأن المنتجات الغذائية الإسرائيلية المعدلة وراثيا تنتشر في السوق الفلسطينية، كما لا يوجد أي دليل يشير إلى أن الصناعات الغذائية الفلسطينية لا تستعمل مواد خام معدلة وراثيا أيضا.   

البديل
لتفادي الأطعمة المعدلة وراثيا؛ من المحبذ تناول الغذاء البلدي أو العضوي قدر الإمكان؛ لأنه، وفقا للمعايير والقوانين المتعارف عليها، لا يحوي مكونات معدلة.  وفي حال عدم تناول الغذاء العضوي أو البلدي، فمن المفضل تناول الخضار والفاكهة المزروعة محليا وفي موسمها، لأن المنتجات الزراعية المحلية والموسمية إجمالا، غير معدلة وراثيا، حتى هذه اللحظة، كما يعد تناولها دعما للاقتصاد المحلي، ومناسبة لاستهلاك المحاصيل الطازجة قدر الإمكان.
وأخيرا، يجب علينا التوقف عن تناول الأغذية المصنعة، أو تقليل استهلاكها إلى الحد الأدنى؛ وبخاصة الأغذية المجمدة الجاهزة بأنواعها، والتركيز على استخدام المنتجات الخام الطازجة لإعداد وجبات أعلى قيمة غذائية وألذ نكهة.

التعليقات

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية