l الاحتلال يُعطّش حقول جنين ويدّعي أن المزارعين يسرقون المياه!
 
 
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز - آب 2012 العدد-46
 
Untitled Document  

مشروع مركز "معا" النموذجي في دائرة الاستهداف
الاحتلال يُعطّش حقول جنين ويدّعي أن المزارعين يسرقون المياه!

الجفاف والهلاك يهدد الحقول الزراعية في بيت قاد بفعل تدمير الاحتلال لآبار المياه في المنطقة

عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية

كان محمود عبد الناصر دراغمة يقلب كفيه وهو يعيد بناء لحظات تدمير الاحتلال لبئرين متجاورين للمياه تمتلكهما عائلته في سهل بيت قاد شرق جنين؛ بدعوى عدم الحصول على تراخيص.
يقول الشاب العشريني في يوم حزيراني شديد الحرارة: "دمروا موسمنا، وجفت حقول الخيار والبندورة، والفلفل، والبصل القنّار، ولم يعد للمياه أي وجود. لقد أتلفوا كل شيء في لمح البصر، وقالوا لنا بلغة عربية: ( أنتم تسرقون المياه، وتخالفون القانون)!"
ووفق دراغمة، فقد حمل صباح يوم السابع من حزيران أخبارًا سيئة للغاية، حينما بدأت جرافات الاحتلال، التي كانت تحرسها نحو عشر دوريات للجيش، بتدمير  6 آبار للمياه، في المنطقة المتفرعة من سهل مرج ابن عامر، والتي تلاصق قرية بيت قاد، شرق جنين.
وطال تدمير الاحتلال آبار دراغمة، وفعل الشيء نفسه بآبار عبد السلام القادي، ومحمد الشريف، وعصام ياسين، وعائلة الحثناوي، تاركين الموسم ينتظر الجفاف، فيما توقف المواطنون عن التزود باحتياجاتهم من المياه.

الحقول الفلسطينية في منطقة بيت قاد بجنين التي عطشها الاحتلال

جفاف
وكان دراغمة، قد بدأ بزراعة مساحات واسعة من أراضي سهل بيت قاد، وأخذ يوفر فرص عمل لعشرات العائلات، ويمنح الأهالي فرصة التزود بصهاريج المياه، دون عناء أو انتظار، لكن المشهد انقلب رأساً على عقب، ولم تعد مضخات الماء تعمل، وتوقفت الصهاريج عن نقل المياه للمواطنين الذين يطاردهم الجفاف، وأضطر أصحاب المزارع للتضحية بجزء كبير من محصولهم، وأخذوا يفتشون عن سبل مؤقتة لإنقاذ البقية، بتكلفة أعلى، عبر نقل المياه في صهاريج من قرية عابا غير القريبة من المكان.
يعود الشاب أحمد، لسرد قصة التدمير، حين انهالت الجرافات على مدخل البئر، وقطعت شبكة الأنابيب والكهرباء، وتركت مضخة الماء تسقط في قاعه، فيما تصاعدت معاناة المزارعين والأهالي إلى قمتها.
فيما يبدو الإرهاق على وجه الشاب محمد عبوشي، الذي يسكن قرب البئر، ولم يعد منذ أسابيع يحصل على المياه لمنزله، ولري بعض مزروعاته من الخيار والفلفل والبندورة، بينما أخذت أقراص دوار الشمس تتحدى الجفاف مؤقتاً، في وقت  اتضحت علامات الشيخوخة على نباتات الخيار، التي جفت مبكراً، قبل أن تحقق عائداً قياسًا بتكاليفيها الباهظة.
يضيف: "حرمونا من الشرب، وجففوا مزارعنا، ولا ندري كيف سنعيش دون ماء، ولكن الذي نتأكد منه أننا لن نرحل؛ لأن العالم كله ببساطة لا يتسعنا إذا خرجنا من أرضنا".

يستهدفون كل شيء
في مكان مجاور، أخذ  الثلاثيني  ياسر محاميد يراقب آثار تدمير الآبار على حقله من الخيار، وينتقل بعد وقت قصير لتفحص العطش على أشجار البرقوق والخوخ، ليقول بكلام يتشح حزناً: "منذ أربع سنوات ونحن ننتظر الموسم، لكن الاحتلال أفسد علينا فرحتنا، فعطش الشجر، وذبل محصول الخيار، وضاعت أحلامنا".
يقول: "هم( الاحتلال) يأخذون حماماً كل ساعة، ويزرعون الحدائق، والشوارع، لكنهم يريدون لنا أن نموت عطشاً، ويستكثرون علينا التمتع بالمياه التي تنبع من أرضنا، لقد سرقوا كل شيء، ولم يبقوا لنا إلا الإصرار على البقاء.
يضيف: "قال لنا جنود الاحتلال، وهم يقفلون الآبار ويدمرون شبكاتها ومضخاتها: (أنتم تسرقون المياه منا، وسنغلقها لكم). ولم يكتفوا بذلك بل تتبعوا الأنابيب، وفتشوا عن مخارجها، وتوقفوا عند البرك، وفتحات تزويد الصهاريج بالماء، وتعاملوا معنا مثل اللصوص!"
ويطالب محاميد سلطة المياه الفلسطينية، والجهات المسؤولة، بحماية المزارعين، وتوفير حلول عملية لهم للبقاء في أرضهم، والضغط على الاحتلال بكل الوسائل لعودة المياه، أو إطلاق يد المزارعين والسماح لهم باستئناف العمل بالحفّارات، التي تحفظت عليها السلطة، كي لا تنضم عشرات العائلات إلى قوائم الفقراء، الباحثين عن مساعدات، وهجرة الأرض.

المهندس علاء يشير إلى قطعة أرض مركز معا في بيت قاد قرب جنين المخطط أن تتحول إلى مزرعة عضوية نموذجية إلا أن الاحتلال دمر منبع مياهها الوحيد

التعطيش يُطارد محاولات "معا"
بجوار الآبار المستهدفة، تمتد بضعة دونمات محاطة بأسلاك شائكة، كان يفترض أن تكون مسرحاً لمزرعة عضوية ومشتل نموذجي لمركز العمل التنموي( معاً)، غير أن الحرب التي شنها الاحتلال على منابع المياه، يجعل مهمة المركز صعبة للغاية، وتحتم عليه البحث عن بدائل كالحصاد المائي، وجمع مياه الأمطار، وإقامة برك إسمنتية أو صهاريج، كما يشير طاقم المركز في جنين.
يقول المهندس علاء جمعة، في يوم شديد الحر، وهو يشير إلى قطعة الأرض التي ابتاعها المركز قبل عدة أسابيع: "في مثل هذه الظروف المناخية، يستحيل أن نتحدث عن زراعة دون ماء، وسنبدأ بالبحث عن حلول، وهي بالتأكيد لن تكون في متناول اليد".

أهداف طموحة
ووفق مدير عام  المركز سامي خضر ، فإن المركز جاء لمساعدة المجتمع المحلي ليصبح أكثر اعتمادا على ذاته في إنتاج غذائه، ولتحويل المشاكل الزراعية والبيئية إلى حلول غير مكلفة ومستدامة، ولإنتاج غذاء صحي، نظيف وآمن ضمن بيئة مستدامة،  ومن خلال استخدام يراعي الطاقة وللمصادر الطبيعية الأخرى، عدا عن تعزيز وعي المزارعين والفئات المستهدفة في المجال الزراعي والبيئي، وتوفير وسائل ونماذج تكنولوجية زراعية غير مكلفة تعزز الاستخدام الأكفأ للمصادر الطبيعية، إضافة إلى توفير تقنيات  زراعية معقولة تزيد من الاعتماد على الذات، وتصميم وتطوير حدائق ومزارع منتجة ومستدامة، وتوفير تقنيات متعددة للحفاظ على البيئة والتربة.
يضيف خضر: "وكنا نخطط لزراعة الموقع، وإنشاء مقر للتدريب وتنفيذ الزيارات الميدانية، إضافة إلى إنتاج الكومبوست والمبيدات العضوية والبذور والأشتال، وتوزيع نشرات حول الزراعة العضوية، بموازاة استخدامات الطاقة المتجددة، واستخدام الثروة الحيوانية وخلايا النحل.

هلاك المحاصيل الزراعية في منطقة جنين بفعل تدمير الاحتلال للآبار الفلسطينية وسرقة مياهها

زراعات آمنة
فيما يُعرّف الزميل جورج كرزم، مسؤول وحدة الأبحاث في مركز معا مفهوم " التنمية المستدامة" الذي سيعمد المركز إلى تطبيقه في بيت قاد، بـ وحدة الإنتاج والاستهلاك بمدخلات خارجية متدنية، يشترط فيها  توفر تقنيات أساسية في إطار من التداخل والتنوع والحد الأدنى من مدخلات الإنتاج الخارجية.
يقول: "يتطلب النظام توفر الحد الأدنى من الحراثة، والملش(الغطاء العضوي)، بجوار الدورة الزراعية،  وزراعة المصاطب، والزراعات المترافقة والمختلطة، وتطبيق التنوع الزراعي، وممارسات التدوير وإنتاج (الكمبوست)، عدا عن التسميد العضوي (الطبيعي) الأخضر، واستخدام البذور المحلية  البلدية والتشتيل، وجمع وحفظ البذور المحلية (البلدية) وإعادة إنتاجها، وتبني التشجير المتداخل، والتحكم غير الكيماوي بالآفات والأمراض الزراعية".

التعليقات

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية