المستعمرون يواصلون اعتداءاتهم اليومية على الينابيع الفلسطينية
|
برك وإنشاءات خشبية أقامها المستعمرون في محيط نبع النبي صالح قرب رام الله- تصوير سلوى دعيبس |
ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يواصل المستعمرون اعتداءاتهم اليومية على الينابيع الفلسطينية، واستيلائهم بالقوة على العديد منها. إذ عمد بعضهم مؤخرا إلى إنشاء مبان خشبية في مواقع الينابيع، كما حدث في محيط نبع عين القوس التابع لقريتي النبي صالح ودير نظام الواقعتين شمال رام الله. وقال بعض أهالي تلك القرى لآفاق البيئة والتنمية بأن مستوطني مستعمرة "حلميش" المجاورة هم المعتدون على ينابيع المنطقة؛ إذ شرعوا، منذ أكثر من ثلاث سنوات في السيطرة على بعض الينابيع، مركزين بشكل خاص على نبع عين القوس، حيث أقاموا حوله بركة جديدة ووضعوا طاولات للمتنزهين اليهود. ومنذ ذلك الحين، يمنع المستعمرون وجيش الاحتلال أهالي قرى المنطقة من الوصول إلى النبع، كما يحظرونهم من استخدام مياهه أو من فلاحة أراضيهم المحيطة به.
ومنذ نحو ثلاثة أعوام، مهدت سلطات الاحتلال لسيطرة المستعمرين على المنطقة وينابيعها؛ إذ أعلنت ما يسمى "الإدارة المدنية"، في شباط 2010، عن أكثر من 15 دونما في محيط نبع عين القوس "موقعا أثريا" يحظر فيه إجراء أي تطوير أو إنشاء أي بناء، وذلك بالرغم من كون الموقع برمته ملكية فلسطينية خاصة.
لقد كان واضحا أن المستهدف من الحظر الاحتلالي المذكور هو سكان القرى الفلسطينية؛ حيث أطلق بعد هذا الحظر العنان للمستعمرين كي يعبثوا كما يشاؤون في منطقة الينابيع وبحماية جيشهم؛ علما بأن نشاط المستعمرين العشوائي في محيط عشرات الينابيع الفلسطينية في الضفة الغربية تسبب في حالات كثيرة بدمار واضح للبيئة المحلية، بسبب إنشاء برك لجمع المياه ونهبها، وحفر قنوات لنقل المياه، وإقامة منشآت معدنية وخشبية مختلفة. ويتجسد هذا التخريب البيئي للمستعمرين، في تغيير سطح وطوبوغرافية الأراضي، وأنظمة الجريان في الينابيع، فضلا عن إدخال مواد غريبة إلى محيط الينابيع، ما يشكل تلويثا لمياهها.
الجدير بالذكر، أن تقريرا تفصيليا نشر سابقا في مجلة آفاق البيئة والتنمية (حزيران 2012) بَيَّن كيفية الاستيلاء البلطجي للمستعمرين على عشرات الينابيع الفلسطينية؛ إذ استولى الأخيرون في السنوات الأخيرة على عدد كبير من الينابيع التي منعوا الفلسطينيين الاقتراب منها، وأحيانا، باستخدام التهديد والعنف. كما شرع المستعمرون بإجراء "أعمال تأهيلية" في ينابيع كثيرة بهدف تحويلها إلى مواقع سياحية وترفيهية؛ فحرفوا أسماءها الفلسطينية ومنحوها اسماءً عبرية جديدة، للإيحاء بأن للمكان صلة بالتراث اليهودي. ناهيك عن التحذيرات العنصرية باللغة العبرية التي تنبه اليهود المتجولين في محيط تلك الينابيع من بطش المزارعين العرب، وتدعوهم إلى اليقظة!. كما كشف التقرير دعم "وزارة البيئة" الإسرائيلية للنشاط الاستعماري في الينابيع الفلسطينية.
زراعات عريقة متوارثة
شكلت ينابيع المناطق الجبلية المحتلة في الضفة الغربية موردا أساسيا للزراعات العريقة المميزة والفريدة التي توارثها الفلاحون العرب عبر الأجيال، منذ آلاف السنين. وتحيط بالعديد من تلك الينابيع أنظمة مائية متشعبة من القنوات والبرك والآبار الرومانية والعربية القديمة، ساهمت بشكل أساسي في تطوير الزراعة الجبلية، من خلال إنشاء الجدران الاستنادية (السلاسل الحجرية) والزراعة في الأراضي المنحدرة والزراعة على المصاطب.
وإجمالا، كان لعيون المياه لدى الفلسطينيين، قبل احتلال عام 1967، مكانة مرموقة في وجدانهم الشعبي؛ فكان السكان يتعاونون بسلاسة في أعمال صيانة وتنظيف الينابيع والقنوات والبرك؛ لما كان لها من أهمية مركزية في الزراعات الفلسطينية الغنية والمنوعة والمتداخلة التي وسمت آنذاك تلك المناطق.
بما أن الينابيع تحتل مكانة مرموقة في الوجدان الشعبي الفلسطيني، فضلا عن أهميتها كمصدر للمياه، للشرب والزراعة، فالمطلوب صهيونيا الاستيلاء عليها وتهويدها...لكن السؤال الأهم هو: ماذا نحن كفلسطينيين فاعلون لمواجهة هذا العدوان وردعه المعتدين؟
جهاد عسقلاني
|