مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز - آب 2012 العدد-46
 
Untitled Document  

لوبي رأس المال والصناعة نجح في حزيران الأخير في دفع الحكومة اليابانية لإعادة تشغيل مفاعلين
اليابان أغلق في أيار الماضي جميع مفاعلاته النووية التي كانت تغطي ثلث استهلاكه للكهرباء
أكبر ثالث اقتصاد في العالم أصبح دون كهرباء من مصدر ذري

المفاعل الذري في توماري باليابان- تصوير رويترز

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

أغلقت في أيار الماضي شركة الكهرباء اليابانية في "هوكئيدو"، المفاعل الذري رقم 3 في محطة الطاقة "توماري".  وبهذا أصبح أكبر ثالث اقتصاد في العالم، ولأول مرة منذ خمسين عاما، دون كهرباء من مصدر نووي.  وحتى الآونة الأخيرة، لم يصدق أحد بأن هذه الخطوة اليابانبة الشجاعة قابلة للتنفيذ؛ إلى أن حدثت الكارثة النووية في مفاعل فوكوشيما.
ويشكل إغلاق المفاعل المدني الأخير من بين 54 مفاعلا ذريا لإنتاج الكهرباء تغيرا دراماتيكيا في سياسة الطاقة المتبعة في بلاد الشمس المشرقة.  وبالرغم من ابتهاج مناهضي الطاقة الذرية، إلا أن مبادرة الانفصال المؤقت لدولة اليابان عن التيار الكهربائي المتدفق من المفاعلات الذرية تتضمن عدداً غير قليل من المخاطر الاقتصادية والبيئية.
الزلزال والتسونامي اللذان ضربا اليابان في آذار العام الماضي، بالإضافة إلى كارثة فوكوشيما التي أعقبت الكارثة الطبيعية، أجبروا اليابان على إعادة النظر بنظام العلاقات الخطر الذي تديره مع الطاقة الذرية.
لقد جاء قرار إغلاق المفاعل في "توماري" بالرغم من قدوم أشهر الصيف الرطبة التي يشغل فيها عشرات ملايين اليابانيين المكيفات، ما سيزيد من تكرار انقطاعات التيار الكهربائي ويفاقم الأضرار الواقعة على الصناعة اليابانية المتضررة أصلا.
وفي تقريرها الذي نشر في أيار الماضي، أشارت "الدائرة الحكومية للسياسة القومية" إلى نقص متوقع بمقدار 5% في تزويد الكهرباء في طوكيو؛ بينما توقعت شركات الكهرباء في اليابان هبوطا بمقدار 16% في تزويد الكهرباء غرب اليابان وفي مدينة أوساكا الصناعية.
وقال يوكيو أدانو وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة الياباني بأن الدولة تقف في مواجهة خطر حدوث عجز كبير في الكهرباء.  وأشار إلى أن "احتمال رفع سقف الوقود المستورد إلى شركات الكهرباء الحرارية سيترجم إلى ارتفاع في فواتير الكهرباء التي سيرغم المستهلكون على دفعها".
الجدير بالذكر، أنه قبل الكارثة التي أصابت اليابان في آذار 2011، كان نحو 30% من استهلاك الكهرباء في اليابان يعتمد على محطات الطاقة الذرية.  بل كان من المخطط حتى عام 2030 أن يتم رفع مدى الاعتماد على الكهرباء من مصدر نووي إلى 50%، وذلك من خلال إنشاء مفاعلات جديدة.  إلا أنه، إثر تسرب كميات ضخمة من المواد المشعة إلى الهواء والبحر وبالتالي تلويث الغذاء والماء وإخلاء عشرات آلاف السكان من منطقة الكارثة، انهارت فلسفة الاعتماد الكبير على الطاقة الذرية لإنتاج الكهرباء.
وخلال الأشهر الستة عشر التي مضت منذ الزلزال، تم تدريجيا إيقاف عمل عشرات المفاعلات المدنية التي لم تتضرر مباشرة من التسونامي، لأغراض الصيانة والرقابة.  وقد تم تحويل استهلاك الكهرباء المنزلية والصناعية إلى محطات الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري (الفحم، الغاز الطبيعي والمازوت)، ما تسبب لأول مرة خلال السنوات الثلاثين الأخيرة في ميزان تجاري سلبي لليابان.
وحاليا، تعد اليابان المستورد الأول في العالم للوقود السائل.  وتقدر وكالة الطاقة الدولية بأن إغلاق جميع المفاعلات الذرية اليابانية سيرفع الاستهلاك اليومي للنفط في اليابان إلى 4.5 مليون برميل نفط؛ ما يعني إنفاق مالي إضافي بنحو مائة مليون دولار يوميا.  ومن اللافت أن المحاولات الأخيرة التي قام بها يوشيهيكو نودا رئيس الحكومة الياباني، لإعادة تشغيل مفاعلين ذريين، قد باءت بالفشل، بسبب المعارضة الشعبية اليابانية القوية لاستخدام الطاقة الذرية.
وسوف لن يعاد تشغيل أي من المفاعلات التي أغلقت، ما لم تجر عليها فحوصات مشددة بهدف التحقق من مدى قدرتها على الصمود أمام الضغوط الخارجية، من طراز التسونامي الذي أغرق العام الماضي المفاعل في فوكوشيما وتسبب في أخطر تسرب إشعاعي عرفه العالم منذ كارثة تشرنوفيل.
وفي المقابل، يتحرك حاليا لوبي رأس المال ورجال الصناعة وأصحاب الأعمال القوي في اليابان باتجاه مضاد للمزاج الشعبي المناهض للمفاعلات الذرية، في محاولة لإعادة تشغيل المفاعلات.
وبالفعل، بدأت ضغوط لوبي الشركات اليابانية الضخمة تؤتي أوكلها؛ إذ قررت الحكومة اليابانية أواسط حزيران الماضي، إعادة تشغيل المفاعلين رقم 3 والمفاعل رقم 4 في محطة "أوهي" النووية بمحافظة فوكوي وسط البلاد، إثر موافقة المحافظ إسي نيشيكاوا على ذلك، لتكون أول مرة يعاد تشغيل مفاعلات، بعد أن أوقف العمل، حتى أيار الماضي، بجميع االمفاعلات اليابانية وعددها خمسين.  وجاء ذلك خلال اجتماع مع رئيس الحكومة يوشيهيكو نودا.
وإثر هذا القرار، احتشد مئات اليابانيين أمام مكتب رئيس الوزراء حاملين لافتات ضد استئناف تشغيل المفاعلين.
ومن ناحيتها، باركت المنظمات والحركات البيئية في اليابان قرار الحكومة اليابانية بإغلاق المفاعلات، وقالت بأنه "لو تجاهلنا مؤقتا المخاطر القائمة في المدى القصير، فإن أمام اليابان فرصة غير مسبوقة للتخلص من تبعيتها للطاقة الذرية".

التعليقات

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية