تؤذي الجهاز العصبي وتتسبب في مرض "باركنسون" وتشوشات سلوكية وخلل في السمع والتركيز
الحكومة الإسرائيلية تحظر استعمال مجموعة من المبيدات الفسفورية العضوية ووزارة الزراعة تمنع استخدام المبيدات في مسافة تقل عن مائة متر من المساكن
خاص بآفاق البيئة والتنمية
قررت مؤخرا اللجنة الحكومية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق استعمال المبيدات في "إسرائيل"، تقليص عدد المبيدات المسموح استعمالها. هذا ما أعلنته في أيار الماضي وزارة الصحة الإسرائيلية التي تقود عمل اللجنة؛ وذلك على ضوء ازدياد شكاوي الجمهور الإسرائيلي من التعرض الخطِر للمبيدات، إضافة للملاحظات القاسية بهذا الخصوص التي وردت في تقرير "مراقب الدولة" الإسرائيلي الذي نشر في ذات الشهر. وسيمنع، خلال شهر تموز الحالي، استعمال المبيدات الكيماوية التي تحوي ثلاثة أنواع من المواد الفسفورية العضوية السامة، على أن يحظر خلال العامين القادمين استخدام عشرات المبيدات الأخرى.
وقد اتخذ هذا القرار الإسرائيلي إثر ما أثبتته الأبحاث التي جرت خلال السنوات الأخيرة بأن التعرض للمبيدات الكيماوية الفسفورية العضوية يؤذي أعضاء وأجهزة مختلفة في الجسم، وبخاصة الجهاز العصبي. والمتضرر الرئيسي من استخدام المبيدات هم العاملون في القطاع الزراعي والنساء الحوامل القاطنات في المناطق الزراعية.
ومنذ منتصف العقد الماضي تضاعف خمس مرات عدد شكاوى الجمهور الإسرائيلي المتعلقة بالإصابات الناتجة عن رش الكيماويات الزراعية، علما بأن مصدر أكثر من نصف الشكاوى وسط فلسطين؛ وذلك، كما يبدو، بسبب التوسع المتسارع في بناء الأحياء السكنية في التجمعات السكانية اليهودية، ما قلص المسافة بين المساكن والمساحات المزروعة.
الجدير بالذكر أن تقرير "مراقب الدولة" الإسرائيلي انتقد بشدة تقاعس الجهات الإسرائيلية المعنية وعدم تحركها لتقليص استعمال العديد من المبيدات الكيماوية، وامتناعها عن مواجهة واقع تعرض المناطق السكنية للرش الكيماوي في المساحات المزروعة. وذكر "المراقب" بأن القيود التي وضعت في الماضي، في إطار الأنظمة القانونية الخاصة باستعمال المبيدات قرب المناطق السكنية، غير كافية. وشدد على ضرورة التشدد أكثر في نص هذه الأنظمة وفي تطبيقها.
وفي سياق ردها على تقرير "المراقب" أعلنت وزارة الزراعة الإسرائيلية بأنها ستقر نظاما جديدا يحظر استخدام المبيدات الكيميائية في مسافة تقل عن مائة متر من المساكن. كما ستفرض تغطية الأرض بالبلاستيك في المسافة الواقعة بين 100 و350 مترا عن المساكن.
وأشار "المراقب" الإسرائيلي إلى قرب العديد من المساكن من المساحات الزراعية التي تُعَالَج بالكيماويات؛ كأن تكون المساكن محاطة بدفيئات الخيار وغيرها التي تبعد أمتارا قليلة عنها، ما يعني أن حركة الرياح تحمل يوميا الجسيمات والغازات السامة المتطايرة من المبيدات ومعقمات التربة الكيماوية إلى داخل المنازل. وقد رفعت مرارا شكاوى إسرائيلية كثيرة بهذا الخصوص إلى الجهات المعنية.
يذكر هنا أن غاز مثيل بروميد ( (CH3Br المعقم للتربة مُنِع استعماله في "إسرائيل"، كما حظرت وزارة الزراعة الفلسطينية العام الماضي استعماله أيضا في مناطق السلطة الفلسطينية، بسبب ضرره الكبير بطبقة الأوزون، وتسببه بأمراض خطيرة في الجهازين العصبي والتنفسي، وبأذى للدماغ والعينين والحلق والجلد والكلى والكبد. وقد سبق لمجلة آفاق البيئة والتنمية أن حذرت أكثر من مرة في السنوات الأخيرة من خطورة استعمال هذه الغاز الذي يتضمن أعلى درجة سمية ( 1a )، وطالبت بضرورة حظر استعماله. إلا أن الغاز والرائحة المتطايرة من بعض بدائله الكيماوية لا تقل شدة وخطورة عن مركب مثيل بروميد. لذا ازداد في السنوات الأخيرة استعمال البدائل الطبيعية للتعقيم، مثل التعقيم الحراري وغيره.
وقد دلت العديد من الأبحاث التي جرت في السنوات الأخيرة أن المبيدات الفسفورية العضوية بأنواعها المختلفة تؤذي ليس فقط الجهاز العصبي، بل تتسبب أيضا في تشوشات إدراكية وسلوكية لدى الأولاد، بالإضافة إلى حدوث خلل في السمع والتركيز. كما أن التعرض المتواصل لهذه المبيدات قد يتسبب على المدى البعيد في الإصابة بمرض باركنسون الذي من أبرز أعراضه الاضطرابات في حركة العضلات والرعشات (الرجفات) اللاإرادية في الأطراف والفك والوجه.
وقد أشارت وزارة الصحة الإسرائيلية إلى أن معظم الأولاد الذين أصيبوا هم أبناء نساء عملن في الزراعة أو أو عشن في محيط زراعي، وبالتالي تعرضت أرحامهن، أثناء الحمل، للمواد الفسفورية العضوية. وقد بين بحث أميركي تأثير حظر استعمال المبيدات الفسفورية العضوية على تركيز المبيدات في عينات بول الإنسان؛ إذ أن حظر استعمال العديد من هذه المبيدات أدى إلى هبوط واضح في تركيزها، بعد مرور بضع سنوات على الحظر.
|