المسئولون عن معظم الانبعاثات الغازية هم أيضا محتكرو المعرفة بالتكنولوجيا النظيفة بيع الأوهام الكربونية من ينكر تغيّر المناخ اليوم أنكر مضار التدخين بالأمس

 

حزيران 2008 العدد (4)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

June 2008 No (4)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب الصورة تتحدث الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

منبر البيئة والتنمية:


 
 

المسئولون عن معظم الانبعاثات الغازية هم أيضا محتكرو المعرفة بالتكنولوجيا النظيفة

جورج كرزم

 

يوجد حاليا بين علماء المناخ إجماع حول وجود ارتفاع في درجة حرارة الأرض، والخلاف بينهم يدور حول شدته وخطورته. إلا أن بعض "العلماء" العاملين لصالح الشركات الصناعية الأميركية يشككون في كون البشرية سبب سخونة الأرض. 

إن تجاهل كون الانبعاثات الغازية الناتجة عن النشاطات البشرية هي السبب الأساسي في ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض والطبقات الدنيا من الغلاف الجوي، وبالتالي التغيرات السلبية الخطيرة التي أخذت تطرأ على الأنماط المناخية، والتي يتوقع أن تتفاقم خلال العقود القادمة. إن هذا التجاهل، قد يؤدي إلى زعزعة التوازن والاستقرار المناخي، محليا وإقليميا وعالميا، وتخريب البيئة التي نعيش في ظلها؛ وبالتالي إلحاق الأذى بالصحة والسلامة العامة، وتهديد وجود الأنظمة البيئية والاقتصادية والسياسية.

ومن الواضح أن الدول الصناعية الغربية تتحمل المسؤولية الأساسية في انبعاث الجزء الأكبر من الغازات الكربونية؛ وبالتالي عليها أن تعمل أكثر بكثير، مقارنة بدول الجنوب، على الحد من هذه الانبعاثات.  والحقيقة أن الدول الصناعية الغربية تستهلك أكثر من ثلاثة أرباع الموارد العالمية، وتنبعث منها نفس النسبة من غازات الدفيئة.  لذا، يستطيع سكان هذه الدول، فرادى وجماعات، التأثير إيجابيا، وإلى حد كبير، في مجتمعاتهم التي تلعب دورا أساسيا في عملية تدمير البيئة العالمية.  لكننا، في ما يعرف بالبلدان النامية والفقيرة (دول الجنوب)، نستطيع أيضا أن نؤثر في مجتمعاتنا، باتجاه حماية مواردنا وثرواتنا غير المتجددة والتي تنهبها حاليا الشركات الأميركية والغربية "العابرة للقوميات" التي عملت هي نفسها، وبالتعاون مع الأنظمة والشرائح الطبقية المنتفعة، وما تزال تعمل على تعميم وترسيخ أنماط حياتية استهلاكية ملوثة لإنسانية الإنسان والبيئة العربية.

من هنا، يمكننا أن نتفهم دفاع الدول الناشئة عن مواصلة إعفائها من الالتزام بتقليل الانبعاثات الكربونية المنصوص عليها في بروتوكول كيوتو، أو في أي اتفاق مستقبلي جديد؛ وذلك لأسباب تتعلق بحقوقها في التنمية أولا، ومسئولية الدول الصناعية الغنية تاريخيا عن فقرها وتخلفها ثانيا، ومسئولية تلك الدول أيضا عن القسم الأعظم من الانبعاثات الغازية ثالثا.  بل إن بعض الزعماء السياسيين في أميركا اللاتينية، مثل الرئيس البوليفي إيفو موراليس، يعتبرون أن النظام الرأسمالي هو المسئول الأول عن الاحتباس الحراري، وبالتالي، لا بد من إلغاء هذا النظام إذا كنا نريد بالفعل إنقاذ الأرض.

 

خريطة بالي وانعدام الضمير

تعد "خريطة طريق بالي" المنبثقة عن مؤتمر بالي للتغيرات المناخية الذي انعقد في كانون الأول 2007، مخيبة للآمال بالنسبة للكثيرين من النشطاء والخبراء البيئيين.  إذ لا تحتاج عملية إصدار وثيقة غير ملزمة وتتميز بالكلام العمومي الذي لا يحمل الدول الصناعية الغربية المسئولية الأساسية في الانبعاثات الغازية، وبالتالي إجبارها على الالتزام بتخفيض الانبعاثات بنسب كمية واضحة - لا يحتاج الأمر- إلى الإنفاق المالي الهائل على أكثر من عشرة آلاف مندوب، سافروا إلى بالي مدة أسبوعين في أسطول من الطائرات التي أطلقت كميات ضخمة من الغازات الكربونية التي كان يمكن تفادي انبعاثها، لو تم الاتفاق على "خريطة طريق بالي" من خلال البريد الإلكتروني.  والأهم من ذلك، لم يساهم مؤتمر بالي في تسهيل عملية تعميم المعلومات العلمية والتكنولوجية الخاصة بالسلع البيئية، وبالتالي، التعهد الغربي، في أي اتفاق مستقبلي، بكسر احتكار المعرفة العلمية والتقنية الخاصة بالمنتجات البيئية، وبالالتزام بتقديم المعلومات عن التكنولوجيا النظيفة.

وبسبب رفض كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا الالتزام بأي تعهد كمي لتخفيض الانبعاثات الغازية، فقد تخلت دول الاتحاد الأوروبي عن صياغة تدعو الدول الغنية إلى تكثيف جهودها لمواجهة ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغيرات المناخية، من خلال التزام تلك الدول بنسب كمية محددة لتخفيض الانبعاثات؛ مما جعل اتفاق بالي يفتقر إلى آليات للتفعيل، علما بأن الاقتراح الأوروبي الأصلي الذي دعا الدول الغنية إلى الالتزام بتحقيق أهداف كمية صارمة لتخفيض الانبعاثات في عام 2020، بنسبة تتراوح بين 25%-40% دون مستويات عام 1990، يتطابق مع الأهداف الصارمة لعلماء المناخ الذين يشددون على ضرورة الالتزام بها لوقف ارتفاع درجات الحرارة.     

وبأسلوب يفتقر تماما إلى الضمير والحس الأخلاقي، تصر الإدارة الأميركية على التعامل مع أي تحرك ينادي به العلم لمواجهة التغير المناخي، من منظور مصالحها المالية والتجارية.  فالولايات المتحدة، كما أوضح الرئيس جورج بوش الابن في خطابه السنوي التقليدي عن حالة الاتحاد في كانون الثاني 2006:  "تواجه تبعية في النفط الذي يأتي غالبا من مناطق غير مستقرة في العالم...والطريقة الوحيدة لإنهاء تبعيتنا هي التكنولوجيا...التقدم الخارق في التقنيات سيساعدنا على تحقيق هدف الحصول على بديل لأكثر من 75% من وارداتنا النفطية من الشرق الأوسط بحلول عام 2025...".  بمعنى أن الدوافع الأميركية الأساسية للتفتيش عن بدائل للطاقة النفطية، ليست بيئية تهدف إلى الحد من الانبعاثات الكربونية، بل تجارية واقتصادية وسياسية بالدرجة الأولى، نابعة من التخوف الأميركي من أي تغيرات أو انقلابات سياسية جذرية تطيح بالأنظمة الخليجية النفطية الحالية الحليفة للولايات المتحدة.  لذا، بما أن الحسابات الأميركية هي تجارية – سياسية في المقام الأول، فإن الإدارة الأميركية ترفض بقوة الالتزام بنسب كمية لتخفيض الانبعاثات الكربونية.

كما أن بعض الحكومات الأوروبية ليست بعيدة عن الجوهر التجاري - السياسي الصرف للتوجه الأميركي، ونذكر، على سبيل المثال، التاجر النووي ساركوزي الذي زار الخليج العربي مؤخرا، مروجا فيه ومسوقا لمفاعلات نووية فرنسية "سلمية" لتوليد "الطاقة النظيفة"، علما بأن هذه المفاعلات "السلمية" التي أصبحت فجأة مسموحة للأنظمة العربية الحليفة للغرب، ممنوعة على إيران.  ومن منظور بيئي، فإن إثارة المسألة النووية هي مجرد خدعة لصرف الأنظار عن التغيرات المناخية، علما بأن هناك بدائل أكثر أمنا للبشرية يمكن الوثوق بها بدرجة أكبر، مثل الطاقة المتجددة الأكثر نظافة وكفاءة.

 

الفقراء أول ضحايا الكوارث المناخية

 

تتوقع معظم سيناريوهات التغيرات المناخية المتوقعة خلال العقود القادمة، أن المناطق الأكثر فقرا وازدحاما بالسكان، وبخاصة الأسيوية والإفريقية والأميركية الجنوبية، هي التي ستعاني أكثر من غيرها من العواصف والأعاصير المدمرة، كما حدث في أوائل أيار الماضي في ميانمار (بورما) التي ضربها إعصار عنيف تسبب في قتل عشرات آلاف البورميين ومحو قرى بكاملها.  كما ستغرق مياه المحيطات المناطق الساحلية المنخفضة، وسيصيب الجفاف المميت العديد من المناطق الإفريقية والأسيوية والأسترالية، لأن توزيع هطول الأمطار يميل أكثر فأكثر إلى التحرك من المناطق الاستوائية إلى المناطق القطبية، ومن اليابسة إلى المحيطات.  وبما أن هذه التغيرات المناخية الكبيرة ستضرب بشكل أساسي المجتمعات الفقيرة التي تعتمد في معيشتها اليومية على إنتاجها المحلي من الغذاء، فإن عواقب التغيرات المناخية ستكون كارثية على هذه المجتمعات، وستتجلى في تفاقم سؤ التغذية والمجاعات والهجرات الجماعية والتفتت الاجتماعي.

 

ما العمل؟

وفي الواقع، تقف أنظمة الدول التي يتوقع أن تصيبها التغيرات المناخية الحادة، مثل النظامين الصيني والهندي، عالقة بين ضرورة خلق اقتصاد ديناميكي يلبي توقعات شعوبها، وبين مسئولية حماية بيئات بلدانها.  إلا أنه، وفي المستقبل القريب، أي في السنين وليس العقود القادمة، لا مفر من القيام بإجراءات جذرية، علما بأن بعض هذه الإجراءات قد بُدئ في تنفيذها.  ومن أهم هذه الإجراءات ما يلي:

  •  البحث عن أصناف محصولية جديدة أكثر مقاومة للجفاف والحرارة.

  • الالتزام الجدي الصارم بترشيد استهلاك الطاقة الأحفورية والتقليل حتى الحد الأدنى من استخدامها، والتحول السريع والواسع، وبخاصة في دول الشمال الصناعية، نحو مصادر الطاقة المتجددة المتمثلة أساسا في طاقة الرياح والبحار والمد والجزر وأنظمة الخلايا الكهروضوئية، علما بأن ألمانيا والدانمرك تعدان من أكثر الدول التي قطعت أشواطا متقدمة في هذا المجال.

  •  كسر احتكار المعرفة العلمية والتقنية الغربية بالتكنولوجيا الخضراء ووضعها بالكامل في متناول الشعوب الفقيرة.

ومن بين الإجراءات الفعلية التي على الدول الصناعية أن تنفذها، إن هي أرادت حقا التخفيف من خطورة تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، إلغاء الدعم الحكومي للوقود التقليدي (الكربوني)، وفرض سعر على تلوث الغلاف الجوي، من خلال فرض ضرائب على المنتجات حسب كمية ثاني أكسيد الكربون التي تبعثها.  وفي المقابل دعمها لتطوير ونشر تقنيات الطاقة المتجددة والفعالة.  وعلى حكومات هذه الدول أن تفرض على أوساطها الصناعية أنظمة عمل وخطوات فعلية تقلل بشكل جذري من عملية الاحتباس الحراري.  وعلى سبيل المثال، لا بد من زيادة كفاءة السيارات والشاحنات، ومحطات توليد الكهرباء، والمصابيح الكهربائية، وأنظمة التدفئة والتكييف، فضلا عن زيادة عدد الكيلومترات المقطوعة لكل لتر من وقود المركبات، مما سيخفض كثيرا نسبة ثاني أكسيد الكربون المنبعث إلى الجو.

وفضلاً عن ذلك، يمكننا تقليص معدل الطلب على  الكهرباء بنسبة نحو 40% من خلال استخدام التقنيات الموفرة في استهلاك الطاقة والمتوافرة حاليا في الأسواق.

ويفترض وضع معايير دولية جديدة أكثر صرامة لترشيد استهلاك الطاقة، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة،  ولابد من إنشاء وكالة دولية جديدة، أو توسيع صلاحيات الوكالات القائمة التي عليها أن تسهل عمليات الانتقال السريع إلى مرحلة استهلاك الطاقة المتجددة، في دول الشمال والجنوب على حد سواء.

وباعتقادي، يمكن أن يلعب المجتمع المدني الواسع والمنظمات الجماهيرية والقاعدية في دول الشمال، دورا ضاغطا وفاعلا باتجاه إرغام الحكومات الغربية على إحداث التغييرات الاقتصادية - السياسية والبيئية الجذرية اللازمة لإنقاذ كوكبنا الأرضي والبشرية من الفناء.

للأعلىé

 
 

علـى الحـافـة

بيع الأوهام الكربونية

حبيب معلوف / لبنان  

 

لا يعقل أن يكون لبنان قد تأخر عن اللحاق بالاستفادة من "تجارة الكربون"! لا يعقل أن يكون سماسرته قد تأخروا عن استجلاب المشاريع، وقد سبقتنا الكثير من الدول النامية، إلى مشاريع على شكل "هبات" من البلدان الصناعية "المتقدمة" والأكثر تلويثا في آن!

لا يعقل أن يكون لبنان قد تأخر عن الدخول في "بورصة الكربون" وهو الذي بنى مجده وشهرته وكيانه على التجارة والسمسرات!

ليست العلة لبنانية بالتأكيد. على الأرجح إن المشكلة في الآليات التطبيقية لاتفاقية كيوتو الشهيرة، التي لم تترجم كفاية تلك البدعة التي سميت في ما بعد «بتجارة أو بورصة الكربون». فما هي قصة الكربون؟ وما هي أهمية وقيمة وتأثير أن تبدأ البلدان النامية، ومنها لبنان، باستجلاب «المشاريع البيئية»، على مشكلة تغير المناخ؟!

كانت الاتفاقية الإطارية حول تغير المناخ التي أقرت في قمة الأرض المنعقدة في ريو العام 1992 قد أقرت بضرورة اتخاذ إجراءات محددة للحد من الانبعاثات المسببة بتغير المناخ، ولاسيما من ثاني أكسيد الكربون، على أن تبدأ الدول الصناعية الغنية والأكثر تلويثا مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان أولا، وعلى أن تعطى البلدان النامية فترة سماح لعشر سنوات. وقد تقرر عقد اجتماع في كيوتو العام 1997 لوضع آليات التطبيق.

خلال هذا الوقت، انتظر العالم المبادرات من الولايات المتحدة الأميركية، كونها الملوث الأكبر في العالم، لناحية إنتاج ربع الكربون العالمي. إلا أن الكونغرس الأميركي، كان قد أصدر قرارا قبيل انعقاد مؤتمر كيوتو العام ,1997 ينبه فيه، بأن مجلس الشيوخ لن يقوم بالتصديق على أي بروتوكول لن تكون فيه التزامات متوازنة لكل دول العالم،ومنها الدول النامية. وإذ أصر ممثلو الدول النامية في كيوتو، على عدم الالتزام بأي خفض للانبعاثات قبل أن تبدأ الدول الأكثر تلويثا، فذلك معناه تأخير عمليات التنمية في بلدانها، وأدرك الجميع أن المفاوضات ستنهار في تلك الليلة... تقدم ممثلو الوفد الأميركي بالاقتراح البدعة، الذي لا يلزم الولايات المتحدة بأي تخفيض للانبعاثات، ولا بأي إجراءات مكلفة على الاقتصاد، وهي بدعة «بيع الكربون». وتقوم هذه البدعة على تنفيذ مشاريع قليلة الانبعاثات في البلدان النامية بدعم من البلدان الملوثة والغنية، وتحسم الكميات المفترضة من رصيد البلدان الغنية. فإذا كان لبنان على سبيل المثال يساهم في انبعاث اقل من 0.005 من الكربون، والولايات المتحدة بـ25 منه، وتم تنفيذ مشروع للطاقة الشمسية أو الهوائية يوفر انبعاثات بنسبة 0.002 في لبنان، بتمويل أميركي، يصبح نصيب لبنان في بورصة الكربون 0.007 ويقل نصيب الولايات المتحدة الأميركية بنفس المقدار.

لنتصور ما هو حجم «الكذب العالمي» في هذا المجال. وضحالة المعالجات لقضايا كبرى، والتي تظهر بمثابة فتح حنفية مياه منزلية في بحر مالح، بهدف التخفيف من  ملوحته! فلا تركيب سخانات شمسية على بعض الأسطح يؤثر على التنمية في لبنان، ولا يقلل من انبعاثات تقدر بمليارات الأطنان سنويا في البلدان الغنية!
تأتي هذه الإجراءات الكاذبة، في وقت تؤكد التقارير العلمية أن النشاطات البشرية تساهم في إلقاء ما يقارب 8 مليارات طن متري من الكربون في الغلاف الجوي سنويا (وهي نسب مرشحة للزيادة الدائمة)، منها 6.5 أطنان ناجمة عن الوقود الأحفوري و 1.5 مليار طن ناجمة عن تدمير الغابات... وإن الغابات والأراضي المعشوشبة ومياه المحيطات تعمل كمصاف للكربون وتمتص نصف هذه الكميات تقريبا ... وإن المشكلة هي في تراكم النصف الباقي والمقدر بما يقارب 3.2 مليارات طن، الذي يبقى داخل الغلاف الجوي ويتسبب برفع درجة حرارة الأرض وبمشكلة تغير المناخ العالمي...إلخ.

كان بين الآليات المقترحة لخفض الانبعاثات في مؤتمر كيوتو، القيام بإجراءات تساهم في امتصاص غازات الدفيئة عن طريق عمليات التخفيض والتخزين، محددة بعض القواعد لاستخدام الأراضي والأنشطة المتعلقة بإزالة الأشجار والزراعة وإعادة التشجير.

وغني عن الإشارة إلى أن معظم الآليات التي كانت مقترحة، بقيت مثار جدل واسع، ولاسيما حول كيفية تصنيف الغابات وحجم المقطوع والمشجّر، والفرق بين الغابات والبساتين الزراعية... إلخ؛ مما أعاق تطبيق اتفاقية كيوتو في ما بعد.

إلا أن المشكلة أو المفارقة الحقيقية، في قضية "بيع الكربون"، هي في التفاوت في المشكلات بين البلدان المتقدمة وتلك النامية. ففي حين أن المشكلة الرئيسية في البلدان النامية، هي في الزيادة السكانية وقطع الغابات، التي تمتص الكربون، فإن المشكلة الكبرى في البلدان الصناعية هي في النظام الاقتصادي القائم على أسطورة "زيادة النمو"، عبر زيادة الإنتاج والاستهلاك... التي تزيد في الانبعاثات ونسب الكربون!
فأي حلول لا تغير في جوهر المشكلة في البلدان المتقدمة، أي في اتخاذ إجراءات تقلل من الانبعاثات، تكون كاذبة ومضللة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البلدان النامية، التي لن يؤثر فيها تركيب دولاب هواء جديد.
والمفارقة الثانية، أن البلدان الصناعية التي تملك وحدها إمكانية تحقيق الثورة التقنية البديلة لقيام اقتصاد متحرر من الوقود الأحفوري، باعتمادها خيار شراء شهادات الانبعاث من الخارج بدلا من خفضها في الداخل، يعرقل في الوقت نفسه التوجه نحو الابتكارات التقنية الخاصة بالمناخ بدل تشجيعها!
كما أن عمليات البيع عند البلدان النامية، يمكن أن تبقي على أوهام «التنمية» بدل البحث الجدي في تغيير أنماطها. وهكذا تعلق قضية تغير المناخ بين من يبيع الأوهام، ومن يشتري الوقت لكي لا يغير من نمط عيشه...على قاعدة:  "من بعدنا الطوفان".

لا نستغرب اليوم، أن يسارع القيمون عندنا على الاستفادة من عمليات البيع الوهمية، للحصول على مساعدات صغيرة، بدل البحث في استراتيجيات لتنمية مستدامة على المستويات الوطنية. وربما هذا ما يفسر تجاوز موازنات «المشاريع الدولية» موازنة بعض الوزارات عندنــا، كما هي الحال في وزارة البيئة، وتراجع وتفاقم كل القضايا البيئية الوطنية.

للأعلىé

 
 

من ينكر تغيّر المناخ اليوم أنكر مضار التدخين بالأمس

محمد التفراوتي

رئيس الشبكة المغربية للإعلام البيئي والتنمية المستدامة

كشف الأستاذ نجيب صعب عن تواطؤ براغماتي لأحد كتّاب كتاب ''الاحترار العالمي الذي لا يمكن وقفه... كل 1500 سنة'' قصد تمرير رؤية فكرية تعكس التوجه العام لنظرية تغيّر المناخ ومرد هذا التواطؤ ينسجم أو بالأحرى موجه لا محالة من طرف لوبي رأسمالي لم يجد بدا من صد شحنة هجمة علماء المجال البيئي سوى تدبيج تقارير مستعينا ب"علماء " براغماتيين للتأثير على الرأي العام أو للرد على حملة أل غور الناجحة للتحذير من عواقب تغير المناخ .

والغريب المريب في الأمر هو أن نفس المؤلف الرئيسي لكتاب المناخ، الدكتور فرد سنغر ، كان المشرف بما يسمى ب ''العلمي'' على تقرير نُشر عام 1994، والذي يُنكر وجود صلة بين ''التدخين السلبي''، أي آثار دخان التبغ على الناس المحيطين بالمدخّن، وأمراض القلب والرئة والسرطان. وقد استخدمت شركات التبغ، كما يوضح الأستاذ صعب، هذا التقرير لمواجهة الأبحاث العلمية لوكالة البيئة الأميركية، التي أوصت بمنع التدخين في الأماكن العامة لوقف آثاره على غير المدخنين.

" وكما يعلم الجميع، فقد أصبحت المضار الصحية للتدخين السلبي حقيقة علمية معترفاً بها، على الرغم من تقارير سنغر وغيره."

ويقول الأستاذ صعب في نفس السياق:" لماذا أصدّق كل هؤلاء العلماء عوضاً عن تصديق مؤلّفَيْ هذا الكتاب؟ لأن الحجج الانتقائية التي يعرضانها دفعتني إلى اكتشاف تاريخ علمي مشبوه".

وعقب ناشر ورئيس تحرير مجلة ''البيئة والتنمية'' في افتتاحية عدد نيسان الماضي على كتاب ''الاحترار العالمي الذي لا يمكن وقفه... كل 1500 سنة''. لمؤلفيه ، فرد سنغر ودينيس آيفري، واللذان يعتمدان نظرية تقول إن هناك دورة طبيعية تمتد 1500 سنة، يتبدل فيها المناخ بين البارد والحار،بقوله " ونحن الآن على أبواب دورة الحر. في الظاهر، قد نفهم أن الاستنتاج واحد، وهو أن المناخ يتغير نحو حرارة أعلى. لكن الفارق أن الكتاب يقول إن هذه ظاهرة طبيعية لا يمكن وقفها، ولا علاقة للنشاطات الإنسانية بها. إذاً، لا بأس في أن نواصل الأنماط الاستهلاكية المنفلتة، فنزيد انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من المصانع والسيارات ومحطات توليد الطاقة، ونقطع الغابات، ونلتهم موارد الطبيعة بنهم ـ فالمناخ سيتغير في أي حال. ليس هذا فقط، وفق سنغر وآيفري: فزيادة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ستفيد الزراعة، وارتفاع درجات الحرارة سيطيل عمر الناس ويدعم التنمية. هذا الكتاب يتوجه أساساً إلى المستهلك الأميركي، رداً على الحملة الناجحة للتحذير من عواقب تغير المناخ، التي أطلقها نائب الرئيس السابق آل غور".

وذكر نجيب بالردّ العلمي السابق على نظريات الكتاب واستنتاجاته ، والذي كان دقيقاً وواضحاً، في التقرير الرابع للجنة الحكومية الدولية حول تغيّر المناخ، الذي عمل عليه آلاف العلماء حول العالم، وأجمعوا للمرة الأولى على أن المناخ حتماً يتغيّر، والسبب الرئيسي هو النشاطات الإنسانية وليس عوامل الطبيعة. وقد أيدت هذا الاستنتاج الهيئات العلمية المستقلة والرسمية في الولايات المتحدة نفسها، التي كان بينها، حتى فترة قريبة، من ينكر وجود إثبات علمي على أن الانبعاثات من الصناعة والنقل وتوليد الطاقة هي المسؤولة عن الاحتباس الحراري.

فقد ذكّرتني استنتاجاتهما بآلاف ''الدراسات العلمية'' التي صدرت خلال السنوات الستين الأخيرة ، يفيد الأستاذ صعب ، لتنكر وجود صلة بين التدخين والإصابة بأمراض القلب والرئة والسرطان، وتبيّن أنها ممولة من ''كارتيل'' مصنعي التبغ. اليوم أصبح الأمر محسوماً، ولم تعد العلاقة بين التبغ والأمراض موضع نقاش، بل أصبحت المسألة محصورة في معادلة أنه إذا أردت أن تدخّن وتموت أو تعتلّ صحتك، فهذا قرارك. وقد تم منع التدخين في الأماكن العامة في دول العالم المتحضرة، وانضمت إليها بعض الدول العربية، على اعتبار أنه لا يحق للمدخّن الذي لا تهمه صحته أن يعرّض الآخرين للخطر رغماً عن إرادتهم.

وعلل الأستاذ صعب دواعي التحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع وعلاقته بتغيّر المناخ بكونه حين فكّر بالرابط بين المسألتين، قام ببعض الأبحاث، فكشف كما سيق ذكره، أن المؤلف الرئيسي لكتاب المناخ، الدكتور فرد سنغر نفسه، كان المشرف ''العلمي'' على تقرير نُشر عام 1994 والذي ينكر آثار دخان التبغ على الناس المحيطين بالمدخّن، ومختلف الأمراض الخطيرة..

و"قد استطعنا كشف مجموعة كبيرة من الهيئات ذات الأسماء البراقة التي ارتبط بها فرد سنغر، وكلها بتمويل من مجموعات استخدمتها لمحاولة تمرير أجنداتها في الإدارة الأميركية، تحت غطاء العلم، مثل: مؤسسة واشنطن للقيم في السياسة العامة، والمركز الدولي للبيئة العلمية. والواضح أن دور سنغر في جميع الحالات كان لعب دور ''حصان طروادة'' لإنكار الحقائق العلمية تحت غطاء العلم. لكن ''ورقة التوت'' تسقط سريعاً حين نراجع التاريخ المشبوه له ولزملائه، والجهات التي تموّل مؤسساتهم وتقاريرهم". إذ تظهر ارتباطاتهم أنهم ''بنادق برسم الإيجار''.

وتساءل الأستاذ صعب بمرارة ، "أما بعد، فماذا يريد سنغر وآيفري والذين يروجون لكتابهما؟ هل نفهم الرسالة دعوة إلى الاستمرار في الأنماط الاستهلاكية المنفلتة، التي تقوم على الهدر المفرط للطاقة والموارد؟"

وجادل الأستاذ صعب مناقشا بالدرس والتحليل ما جاء في الكتاب أو ''فضيلة الشك'' حسب وصفه في كون المناخ يتغيّر، ولكن لعوامل طبيعية مرتبطة بدورة الـ1500 سنة العادية. مانحا إياه " نصف الحق"مفترضا أن هناك ''نصف شك'' أيضاً ذّلك بأن النشاط الإنساني يساهم في تسريع هذا التغيّر وزيادة حدّته.

"ماذا تخسر الإنسانية إذا أخذنا ''نصف الشك'' هذا في الاعتبار، فاعتمدنا الاستخدام الرشيد والنظيف لمصادر الطاقة التقليدية، وطورنا مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، واعتدلنا في استهلاك الموارد الطبيعية بدل استنفادها؟ وهذا ليس لتخفيف الانبعاثات فقط، بل للحفاظ على مواردنا المحدودة، حماية للأجيال المقبلة".

مجيبا في نفس السياق أن اعتماد هذه الخيارات سيوفر فرص عمل جديدة ويؤمن مستقبلاً أفضل للحياة على الأرض. والخاسر الوحيد بعض الشركات الجشعة التي ترى أن استمرارها في الربح الشخصي السريع أكثر أهمية من استدامة الربح العام واستمرار الحياة على الأرض.

وأوضح الأستاذ صعب بجلاء تخوف سنغر وآيفري من الآثار المدمرة لتدابير الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الاقتصاد الأميركي. "حتى اليوم، لم تكن الولايات المتحدة جزءاً من المساعي العالمية لمواجهة تغير المناخ، لكنها استمرت في سياسات السوق الاستهلاكية المفتوحة والنمو المتفلّت. فهل منع هذا الاقتصاد الأميركي من الانهيار المفجع الذي نعاينه اليوم؟

وهل ستعاني الإنسانية الويلات إذا تحوّلت صناعة السيارات الأميركية من إنتاج الدينوصورات التي تتجرع الوقود بنهم وتبث أطنان الغازات، حفاظاً على ما يُسمى ''طريقة الحياة الأميركية''، إلى السيارات الصغيرة النظيفة المقتصدة في الوقود والقليلة الانبعاثات؟

وماذا يُضرّ منتجي النفط لو خُفِّضت كمية الإنتاج وارتفعت الأسعار، وبقي بعض الاحتياطي في باطن الأرض ثروة للأجيال المقبلة؟

قد نفهم لجوء بعض مدّعي العلم إلى الشعارات الديماغوجية والجدل الشعبوي لاستقطاب التمويل من مؤسسات ذات مصالح خاصة، أو لترويج كتاب يخالف الإجماع العلمي. لكن من غير المقبول أن تتبنى بعض المؤسسات العربية هذه الادعاءات، بلا مناقشة.

نرجو أن تراجع الهيئات الرسمية في الدول المنتجة للنفط التاريخ العلمي لمثل هؤلاء الكتّاب، قبل أن تتبنى نظرياتهم".

للأعلىé

 

 

التعليقات

 
 

البريد الالكتروني: dahdahm@yahoo.com

الموضوع: منبر البيئة والتنمية

التعليق:

مقالة تحليلية تتميز بالعمق وشمولية الرؤيا البيئية التنموية، وبخاصة أنها تكشف الدور الأميركي الخطير والتدميري ضد البيئة العالمية بل وضد مجرد استمرار الوجود البشري والحيواني والنباتي على الكرة الأرضية..

ماهر دحداح


 

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
:
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.