مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
حزيران 2013 - العدد 55
 
Untitled Document  

وقف الشيخ لولو:  مأساة جديدة تضاف إلى منطقة مخيم شعفاط
انتشار الاسهال والالتهابات الجرثومية وظهور الثعابين والجرذان بكثرة
إغلاق الاحتلال لعبارة الجدار العنصري وسوء التصرف من بعض مواطني المخيم جعل بيوت الشيخ لولو على ضفاف مستنقعات المياه العادمة
وكالة الغوث تلوم بلدية القدس وممثل لجنة الشيخ لولو يلوم الوكالة والضحية هم السكان

أسرة أبو كويك تحاول تنظيف عبارة الجدار العنصري بعض الشيء لتقليل المياه العادمة

تقرير: ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

من مسافة قريبة خلف الجدار، يمكن مشاهدة غابات خضراء من اشجار الصنوبر، ومن أعلى الجبل اكواخ مؤلفة من طابقين بساحات وحدائق وملاعب وشوارع وأعمدة إنارة... حياة مثالية لمستعمرة بسغات زئيف المقامة على أراضٍ فلسطينية كانت امتداداً لمنطقتي بيت حنينا وحزما شمال القدس، فمنذ أنشئت المستعمرة وهي شوكة في حلق اهالي مخيم شعفاط وبلدة عناتا ومناطق راس شحادة، راس خميس والشيخ لولو، وخاصةً مع اقامة جدار الضم والتوسع وإحاطته للمنطقة، ليعزلها ويضعها في سجن كبير فتغرق في النفايات والمياه العادمة والشوارع المهترئة والأبنية العشوائية والضوضاء المستمرة.
وفي المنطقة الواقعة بين قرية عناتا ومخيم شعفاط، والممتدة إلى بطن الوادي حتى عناتا من الشرق، والمحاطة من الشمال بمستوطنة بسغات زئيف، كانت زيارة آفاق البيئة والتنمية للتعرف عن قرب على الواقع البيئي حيث تقطن 12 عائلة على ضفاف المياه العادمة، في وقف الشيخ لولو الذي أخذ اسمه هذا،  تيمناً بالشيخ ابو لؤلؤة أحد المحاربين الذي جاءوا مع الناصر صلاح الدين الأيوبي أيام فتح بيت المقدس.

أخاف على أولادي من المياه العادمة تقول حياة
انتشار القاذورات في محيط حي الشيخ لولو والجدار العنصري وفي غياب حاويات النفايات

من منطقة حرجية الى مكرهة صحية
من أمام بيت بطابقين، جميل المعمار محاط بالشجر والورود، وعلى الشارع المحاذي للجدار المطل على تجمع المياه العادمة تحدثت حياة ابو كويك الأم لخمسة أبناء عن قصتها مع المكرهة الصحية والتي دفعت عائلتها مؤخراً الى الانتقال لبيت مستأجر خارج المنطقة، لكن عائلة زوجها الممتدة ما زالت تقطن فيه.
"لم نعد نحتمل رائحة المجاري صباحاً ومساءً، كما ان الطريق من والى البيت صعب ومزدحم وخطر ويزداد صعوبة في الشتاء، الشوارع والمنطقة لم تعد كما عهدتها حين تزوجت قبل 20 عاماً، كانت خالية ومنظمة البيوت، ومليئة بالشجر". قالت حياة.
وتشير السيدة ابو كويك الى ان الحياة في المنطقة ازدادت سوءاً بدرجة كبيرة  عام 2004 حين تم نصب جدران الضم والتوسع، فعزل المنطقة وهمشها ونشر الفوضى فيها.
ما تتحدث عنه حياة هو نتيجة مخططات بلدية الاحتلال في القدس التي تنتهج سياسة الترانسفير عبر تضييق الخناق على المقدسيين، وترحيل عدد كبير منهم الى خارج حدود القدس الشرقية، وذلك لجعل القدس عاصمة لكيانهم بأقل عدد ممكن من السكان العرب، ولأن اثبات مكان الاقامة ضروري للمقدسي لاستمرار بقائه في القدس، ونظراً لغلاء المعيشة فيها بذات الوقت، فعلى الاسرة المقدسية أن تثبت اقامتها في منطقة تتبع بلدية الاحتلال حتى لو كانت فعلياً لا تتلقى منها أي خدمات بنية تحتية، وفي نفس الوقت تكون معقولة الاسعار فيما يتعلق بشراء او استئجار البيوت مقارنة بأسعار المعيشة المرتفعة جداً في القدس خارج الجدار، الأمر الذي انطبق على مخيم شعفاط وبلدة عناتا فجعلهما يتحملان فائضاً كبير جداً عن قدرتهما من حيث استيعاب الزيادة السكانية الهائلة، مقابل تراجع مستوى الخدمات بشكل كبير، والنتيجة واقع بائس.
وأضافت أبو كويك بأن المصيبة الأكبر تكمن في اغلاق الاحتلال للعبارة قبل أشهر، وذلك منعاً لتسلل المجاري الى داخل المستعمرة، ما جعل المجاري القادمة من مخيم شعفاط وراس خميس والمتجهة شرقاً الى الشيخ لولو تملأ الوادي وترتفع احياناً حتى حدود الجدار العليا، معقبة بأن وجود الجدار أولا، وإغلاق الاحتلال للعبارة ثانياً، ونتيجة السلوك الخاطئ عبر ربط بعض مواطني مخيم شعفاط لمجاري بيوتهم بالعبارة ثالثاً، جعل الوادي كما تشاهدون.

خلف هذه المياه العادمة تمتد أحراج ومساكن جميلة في مستعمرة بسغات زئيف
شوارع سيئة ومبان عشوائية في الشيخ لولو

جرذان وعرابيد وانزلاقات خطرة
وفي منطقة الوقف لولو بالكاد تجد حاويات معدنية للنفايات، وكل ما يراه العابر للمنطقة هو اكوام من النفايات على اطراف الشوارع، وآثار حرق في نفس المكان، وبالنسبة لعائلة ابو كويك فالحرق اسفل الوادي اسبوعيا لمجموع نفايات المنزل هي السياسة المتبعة. وعند تعقيب "آفاق البيئة" بأن الحرق ضار على البيئة والصحة؟ اجابت ابو كويك: "ريحة الحريق ولا ريحة المجاري".
وكان يجاور حياة اثناء حديثها ابناها عادل وعنان وهما طالبان في الثانوية العامة وقد ابديا انزعاجهما من المكان، حيث قال عادل: "كلما اردت ان "أغير جو" وأخرج لقراءة درسي في الخارج، تحاصرني رائحة المجاري، فأصاب بالدوار".
وعندما يمتلئ الوادي بالمياه العادمة والقاذورات التي تجرفها مياه الامطار شتاءً من مخيم شعفاط وراس خميس، يستأجر جمال ابو كويك زوج حياة جرافة تقوم بتنظيف ما تقدر عليه حتى يخف تراكم المياه  المبتذلة بعض الشيء، إلا انها تبقى متجمعة ما دامت المجاري تفيض من المخيم*

المياه العادمة تتدفق في أراضي الشيخ لولو
فيلم يبين تنظيف أسرة أبو كويك لعبارة الجدار العنصري بهدف تقليل المياه العادمة في حي الشيخ لولو

تجمع المجاري جذب تباعاً الجرذان والعرابيد، كما ان غياب أي سور او سياج عند اعلى الوادي يعرض حياة المواطنين للخطر، وهذا تماما ما حدث قبل اشهر حين زارت اخت حياة شقيقتها في الشيخ لولو ، وانزلق ابن الاخت الصغير الذي يبلغ ثلاثة اعوام من اعلى الوادي ليسقط بالقرب من بركة المجاري ما عرضه لكسر اصبع قدمه ولإصابته برضوض، الأمر الذي منع أختها من زيارتها مجدداً في الشيخ لولو.

اسهال والتهابات جرثومية
وأثناء حديث آفاق مع حياة انضمت للحوار سلفتها سمر "زوجة شقيق زوجها" قائلة: "بناتي الصغيرات دائما في المنزل، فلا مكان يلعبن فيه، ولا اماكن تنزه، طفلتي جنى  مرضت بإسهال شديد قبل مدة، وتم تشخيص اصابتها بأنها جرثومة تنتقل عبر المياه الملوثة، كما أن طفلتي الأخرى تعاني دائما من سخونة ورشح ".
وتكمل: "المكان الكريه هنا نفر الاقارب منا فامتنعوا عن زيارتنا مكتفين بالاتصال بنا عبر الهاتف". وتضيف سمر بأن المركز الصحي القريب منهم يحذرهم من انتشار امراض مثل الكبد الفيروسي والكوليرا والملاريا نتيجة تلوث المنطقة بمياه المجاري.
وبطلب أخير تمنت حياة وسمر ايجاد حل لتجمع المجاري عبر فتح العبارة، وتزويد الوقف بحاويات وترميم الشوارع ووضع اعمدة إنارة حتى تصبح الحياة اكثر انسانية ورحمة من الوضع الراهن.

مساكن خطرة في حي الشيخ لولو
منزل فلسطيني جميل بمحاذاة المياه العادمة في محيط حي الشيخ لولو

الوكالة حلت المشكلة من طرفها، لكن اغلاق العبارة اسرائيلياً هو المعرقل
وفي سؤال مجلة آفاق البيئة والتنمية لرئيس قسم صحة البيئة في وكالة الغوث للاجئين الاونروا عن دور الوكالة في مفاقمة الوضع فيما يتعلق بتجمع المجاري قال نبيل مصباح: "بداية مشكلة المجاري في وقف الشيخ لولو حدثت نتيجة تصرف غير مسؤول من سكان المخيم حيث قام بعضهم  بربط مياه مجاريهم مع عبارة مياه الامطار لإبعاد خط المجاري عن بيوتهم، ولكن  تخفيفاً للمشكلة ولالتزام الوكالة بالصحة البيئية، قامت بفصل كل البيوت المخالفة بحيث قللت من المشكلة الى ما نسبته 80%، وما تبقى فهي تعمل على معالجته عبر كشف البيوت المخالفة المتبقية.
لكن المشكلة الأكبر، يشير مصباح، هي في قيام بلدية القدس بإغلاق العبارة في وقف الشيخ لولو قبل سبعة اشهر، وذلك  بكتل إسمنتية، ما جعل مياه الامطار التي تجرف قاذورات الطريق تتجمع في المنطقة؛ أضف إلى ذلك أن مياه المجاري  المتدفقة من بعض بيوت المخيم إلى العبارة تزيد الطين بلة.
وحول الوضع البيئي السيئ في وقف الشيخ لولو فأشار مصباح الى ان الوكالة تغطي فقط منطقة المخيم، والشيخ لولو خارج نطاق خدماتها، مشيراً الى ان أعداد سكان المخيم تضاعف بشكل هائل، والوكالة عاجزة عن تلبية احتياجات المنطقة. لافتاً الى تجميع الوكالة ما بين 16-20 طن يوميا من النفايات، مشيراً الى البدء قريباً في مشروع بالتنسيق بين وكالة الغوث ومؤسسة التعاون لتحسين آلية جمع النفايات ونقلها خارج حدود المخيم، وتشمل توفير تراكتورات، حاويات ضاغطة، وسيارات لنقل تلك الحاويات.

الوكالة تملك الميزانية لكنها لا تقوم بدورها كما يجب
ولكن كان لأمين سر لجنة خدمات مخيم شعفاط ورئيس لجنة خدمات وقف الشيخ لولو محمود الشيخ رأي آخر في توجيه اصابع الاتهام، فبالإضافة الى تأكيده على أن المشكلة الرئيسية بسبب الاحتلال جراء اغلاق العبارة، إلا ان الوكالة ملامة على حد قوله لسببين: الأول لأن بإمكانها ان تتصرف في هذا الامر وتطالب بلدية القدس بفتح العبارة، وثانياً لأنها تهمل منطقة الوقف خدماتيا متذرعة بأن المنطقة خارج نطاقها ولا تملك الامكانيات المادية الكافية. مؤكداً بحكم عمله كأمين سر لجنة خدمات مخيم شعفاط بأن المخيم قادر مادياً على توفير عمال نظافة لجمع وقف منطقة الشيخ لولو صغيرة المساحة والتي لا تتجاوز 33 دونم، أي انها لا تحتاج اكثر من عامل نظافة يومياً.
وبلمحة سريعة عن الوقف أشار الشيخ الى انه كان بمساحة 55 دونماً، وكانت ارضه مشجرة بالصنوبر، ولكن نتيجة للتوسع السكاني، فقد تم قطع الاشجار من قبل السكان وبناء بيوت مكانها، الامر الذي استفز الاحتلال قبل بناء الجدار، حيث قام بهدم 17 بيتاً بحجة اقترابهم من مستوطنة بسغات زئيف، وبعد ذلك قام ببناء الجدار مقتطعاً 22 دونماً، فلم يتبق الا 33 دونماً من وقف الشيخ لولو.

منطقة الشيخ لولو الفقيرة والضائعة بين مخيم شعفاط والأوقاف والنتيجة انعدام كلي للخدمات
هل تستطيع تخيل حياة هذا الطفل في مثل هذا المكان؟

ما زلنا ننتظر
وحول واقع الشيخ لولو وضرورة تلقي المساعدة لتحسين مستوى الوقف، اشار الشيخ الى ان لجنة الوقف توجهت لوزير القدس عدنان الحسيني، والذي بدوره وجه كتاباً لوزير الاوقاف منذ شهرين، لكن حتى اللحظة لم نتلق أي رد.
وعن مطالباتهم في الكتاب الرسمي فكانت اولها الاهتمام بهم واعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من الوطن بقراه وبلداته وخربه:  توفير ابسط الخدمات من  انارة شوارع، علاج مشكلة الصرف الصحي، توفير خدمات جمع النفايات وتأمين حاويات معدنية، تأهيل وتزفيت الشوارع.
وبالنسبة لدور الشعب ومساهمته في التخفيف من المشكلة فأعرب الشيخ: "من تعاملي مع الشعب الفلسطيني المنكوب، فإنه أضحى يتعامل بمبدأ "اخدمني بفيدك" ما يفسر بتعبيره هذا، انعدام الثقة بين المسؤول والمواطن". مضيفاً بأنهم سيصبرون مهما كان المستقبل حالكاً لأن وجودهم في المخيم ليس بقاءً ابدي بل محطة انتظار للعودة الى الديار الأولى.
وختم الشيخ: " نحن مستعدون لتحسين وإصلاح وضع العبارة ولكننا بحاجة الى معدات وتمويل كافٍ من وزارة الاشغال العامة أو الحكم المحلي او وكالة الغوث، ولقد قدمنا كتباً ورسائل رسمية عديدة وما زلنا ننتظر...".

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية