الجدران والحواجز الأمنية والقواعد العسكرية والمستعمرات تجسد أبشع عملية قهر وإذلال لشعب تحت الاحتلال
الجدار العنصري وشارع "عابر إسرائيل" يغلقان ممرات إيكولوجية رئيسية في فلسطين ويهددان الحياة البرية ويعزلان الحيوانات ويدمران تنوعها الوراثي ويعرضانها للانقراض
|
الغُرَير، حيوان ثديي قصير القوائم-تصوير بيتر تريمينغ |
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تنتشر في مختلف أنحاء الضفة الغربية الجدران الإسرائيلية العنصرية والحواجز الأمنية بكافة أنواعها، والبنى التحتية الاستيطانية من طرق وأنفاق وأسوار؛ إضافة إلى القواعد العسكرية والمستعمرات والمستعمِرين أنفسهم؛ ما يعد أبشع عملية قهر وإذلال لشعب يرزح تحت نير الاحتلال ويجرد يوميا من إنسانيته ويسجن خلف الجدران العازلة، وتصادر وتغلق وتدمر أخصب أراضيه الزراعية، وتنهب موارده الطبيعية والمائية، ويخرب ويدمر الغطاء الأخضر والتنوع البيولوجي في ربوع أراضيه، بل وفي سائر أنحاء فلسطين التاريخية؛ تحت سمع وبصر ما يسمى العالم الحر و"أساتذته المختصين في الديمقراطية وحقوق الإنسان".
ومن المنظور الإيكولوجي، تشكل الجدران والحواجز والبنى التحتية الاستيطانية والمستعمرات عائقاً أمام الحفاظ على الأنظمة البيئية والمعالم الطبيعية، والترابط بين المناطق المحمية. ولها آثار مميتة على تنقل الحيوانات البرية، نتيجة لتجزئة الأنظمة البيئية بين الأرض المحتلة عام 1948 والضفة الغربية من جهة، وغياب التواصل بين الممرات البيئية الطبيعية من جهة أخرى. ويتسبب الجدار العنصري، وما يسميه الاحتلال بمنطقة العزل “الأمنية” الشرقية، في تدهور الغطاء النباتي في الضفة الغربية نتيجة عزل أكثر من 45 كم2 من الغابات الطبيعية المزروعة - أي ما يقارب 55% من المساحة الكلية للغابات - عن البيئة المجاورة، ناهيك عن عزل أكثر من 40 منطقة محمية يُمنع الفلسطينيون من الوصول إليها أو إدارتها.
وتشكل الأراضي الزراعية المهددة ما يقارب 30% من مساحة الأراضي الزراعية الكلية في الضفة الغربية.
ويعزل الجدار الكثير من آبار المياه والينابيع الفلسطينية، ما يحول دون استخدامها من قبل الفلسطينيين.
وطبقا لإحصائيات فلسطينية رسمية، اجتثت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من مليوني شجرة من الأراضي الفلسطينية، منذ بداية الانتفاضة الأولى عام 1987 وحتى عام 2008؛ وذلك لغرض إقامة الطرق الإسرائيلية والقواعد العسكرية والمستعمرات، ولبناء الجدار العنصري. وقد تمت النسبة الكبرى (نحو 68%) من عملية اقتلاع الأشجار بعد عام 2000.
|
معدل انقراض الحيوانات البرية في فلسطين من بين أعلى المعدلات في منطقة البحر المتوسط |
تدمير الحياة البرية
يهدد الجدار العنصري التنوع الحيوي والحياة البرية في فلسطين، بسبب تدميره للأنظمة البيئية الفلسطينية وعزله للحيوانات البرية المتواجدة في جانبي الجدار، وبالتالي إعاقة حركتها الطبيعية؛ ما يعوق حصولها على الغذاء ويعيق عملية تكاثرها؛ وبالتالي يهددها بالانقراض. وتولد عمليات العزل مجموعات صغيرة ومعزولة من الحيوانات البرية، ما يؤدي إلى تقليص كبير في تنوعها الوراثي وتشكيل خطر جدي على مجرد وجودها.
وتسبب الجدار في إغلاق شبه كامل للممر الإيكولوجي (ecological corridor ) الرئيسي في فلسطين التاريخية، والذي يصل مناطق جبال الكرمل وجبال نابلس شمالا مع منطقة جبال الخليل والنقب جنوبا. ناهيك عما سيسببه قريبا من إغلاق كامل للممر الإيكولوجي جنوب غرب القدس.
يضاف إلى ذلك، إنشاء الطريق السريع الكبير المسمى "عابر إسرائيل" (بما في ذلك شارع رقم 6) على أراض فلسطينية منهوبة من أصحابها الأصليين في الأرض المحتلة عام 1948؛ إلى جانب العديد من خطوط السكك الحديدية؛ كل ذلك يشكل عوائق اصطناعية تساهم إلى حد كبير في شل الحركة الطبيعية للحيوانات البرية وتكاثرها، إضافة إلى تراجع أو انقراض بعض الأنواع النباتية.
ونتيجةً لهذا الجدار، أغلقت "ممرات إيكولوجية" طبيعية وحيوية لحركة الحيوانات ولتكاثر وانتشار النباتات؛ حيث كانت تلك الممرات قبلئذ مفتوحة وحرة. وحاليا، أصبحت حركة الحيوانات الأرضية مقيدة وفي بعض الحالات مستحيلة. لذا، ليس غريبا أن تشاهد، حاليا، الضباع والثعالب والحيوانات البرية المختلفة في داخل المناطق السكنية؛ وذلك لأن الجدار قطع خطوط حركتها الداخلية. ولو أخذنا بالاعتبار أن هذه الحيوانات البرية لا تحظى بأية حماية، بل كثيرا ما تلاحق وتقتل، فإن أعدادا كبيرة منها ستتناقص، بسبب فقدان أماكن عيشها، وسوف تتغير مناطق توزيعها، وسوف يتعرض القليل المتبقي منها لخطر الانقراض. ومع تناقص بعض الأنواع الحيوانية، وانقراض بعضها الآخر، سيتأثر التوازن البيئي أيضا، وستتناقص أو تنقرض بعض الأنواع النباتية، وسيزداد عدد الحشرات والأعشاب الضارة، فضلا عن إمكانية حدوث تغيرات جينية، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على طبيعة وبنية الأراضي والتربة الزراعية، وبالتالي طبيعة المناخ السائد في محيط الجدار العنصري.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يهدد الجدار تهديدا كبيرا الحياة البرية في منطقة بيت لحم، لأنه يشكل حاجزاً غير طبيعي يمنع استمرار الحياة البرية الطبيعية بين الريف الشرقي والريف الغربي للمنطقة. وبالفعل، أخذت أعداد متزايدة من الحيوانات البرية تنفق في أثناء محاولتها الانتقال ما بين المناطق الريفية في منطقة الفصل، وهي المنطقة التي يسميها البعض "منطقة الموت".
|