تموز 2008 العدد (5)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا 

July 2008 No (5)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب الصورة تتحدث الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

 

هل ينتظر بحر غزة شهادة وفاة بفعل التلوث!!!

سمر شاهين / غزة

 

لم يجد المواطن أبو أحمد غالي "45" عاما وزوجته مكانا للترفيه عن صغارهما إلا الإعداد لقضاء يوم "حزيراني" على شاطئ بحر غزة ... وبعد التحضير وإعداد ما لذ وطاب ليكون يوماً مميزاً في حياتهما خاصة، وأن أطفالهما يقضيان الإجازة الصيفية بين جدران المنزل حيث التلوث في الجو أثّر على كل صغير وكبير.

دقائق لا تتجاوز أصابع اليد حتى كانت الأسرة تقف على شاطئ البحر ...ولكن المفاجأة كانت اكبر من أن يحتملها الأب والأم اللذان يحرصان على سلامة أبنائهما من التلوث، فلم تعد مياه البحر زرقاء ... بل أصبحت تميل إلى اللون البني والقاذورات تسبح داخل المياه وكان البحر موطن لها  ... مما دفع الأب إلى الصراخ قائلا:  "ماذا حل بالبحر وماذا حل بالشاطئ.. أم إنني قد أخطأت العنوان وإن ذلك المسطح المائي الكبير الممتد أمام نظري ليس ببحر غزة".

ويعد البحر المتنفس الوحيد لسكان القطاع في ظل الحصار والإغلاق المشددين وانعدام المتنزهات.

آفاق البيئة والتنمية كانت على موعد مع عائلة ابو غالي وعدد من العائلات لتنقل بالكلمة والصورة الواقع الأليم لبحر غزة، وحجم التلوث الذي بات شاهد عيان على خطورة النزول إلى المياه في موسم السياحة وفصل الصيف....

ويضيف أبو غالى الذي التقته آفاق البيئة والتنمية ظهر السبت 21 حزيران قائلا:  "لقد سمعت مسبقا عن واقع البحر وأن هناك تلوثاً قد ألمّ به نتيجة الحصار والإغلاق ووصول مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى أجزاء منه، ولكن مفاجأتي أن أجد التلوث ماثلاً أمامي وأن الناس تقدم على دخول الماء والسباحة وكأن التلوث شيء عابر، ولن يكون له آثار سلبية مدمرة.  لن نكمل رحلتنا هذه وسأضطر أن آخذ أسرتي وأعود أدراجي إلى المنزل".  ويتابع: سأحاول جاهداً أن أوفر لهم بعض الكتب والقصص للاستفادة ولكن لن أجعلهم عرضة للتلوث والمرض.

وغادر البحر وأطفاله يناشدونه للبقاء لفترة ما؛ لأن جدران المنزل أصبحوا يلمون بكل تفاصيلها، ولكن هيهات! فالقرار اتخذ.

أما عائلة المواطن أبو محمد أبو عاصي فكانت لا تبالي بحجم التلوث الذي بدا واضحا من خلال تغيير الماء وميله إلى اللون الأسود، فالأطفال يلعبون وصرخاتهم وضحكاتهم تعمّ المكان، والأم والأب في حديث يطفو عليه "الانسجام"، كيف لا وقرار النزهة على البحر جاء بعد "معارك عائلية".

آفاق البيئة والتنمية كانت على موعد مع عائلة أبو عاصي وهي تلتهم بطيخة الصيف التي عمل الأب على دفنها في الرمال لتبقى باردة ومثلجة وتقول الأم وهي تلتهم ما تبقي في قطعة البطيخ:  "وأخيرا جئنا إلى البحر فالصيف هذا العام حار، والمعابر مغلقة، والأولاد قد ملوا المنزل، وروتين الحياة قاتل... أما هنا فرغم كل شئ فالبحر جميل".

ولكن ما هي مقاييس الجمال في ظل حجم التلوث الذي بات يهدد حياة الإنسان؟  سؤال طرحناه على رب الاسرة الذي استشاط غضبا ووجه حديثه لزوجته قائلا:  "إذا ما مرض أحد أبنائي فأنت من سيتحمل المسؤولية".

ويشير إلى أن البحر هو المتنفس الوحيد وأنه قاوم رغبة عائلته بالحضور إلا أن إصرارهم وشوقه هو إلى المجيء دفعه إلى الموافقة التي جلبت له السعادة والدلال من زوجته على حد قوله.

وخلال تجوالنا على شاطئ بحر غزة كان الآلاف من العائلات الغزية تستمتع بحرارة الشمس ولا تبالى بحجم التلوث، فهي اليوم أصبحت بحاجة لقضاء ولو دقائق قليلة خارج المنازل في ظل الحصار والإغلاق المشددين.

مشكلات العصر

د. عبد الرؤوف علي المناعمة أخصائي الأحياء الدقيقة، قال:  "تعتبر مشكلة تلوث شواطئ البحار والمحيطات من أخطر المشكلات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، نظرا لما تشكله من مخاطر صحية واقتصادية. وبالطبع هذه المشكلة ليست بجديدة فقد بدأت منذ زمن طويل امتد مع اعتقاد الإنسان بأن البحار والمحيطات قادرة على تطهير نفسها، نظراً لما تتمتع به من كميات ضخمة من المياه ووجود حركة دائمة ومخلوقات دنيا في السلسلة الغذائية تتغذى على النفايات.  وهذا الاعتقاد أدى إلى جعل البحار والمحيطات المأوى الأخير لمعظم النفايات بأشكالها وتراكيبها المختلفة من نفايات سائلة وصلبة إلى عضوية وغير عضوية، زراعية، صناعية وحتى حربية ونووية و نفايات طبية.

 وقال:  "لقد شعر الإنسان بخطورة تراكم الكميات الهائلة من النفايات وحاول ابتكار طرق آمنة للتخلص منها؛ ولكن للأسف لم يحقق نجاحات كبيرة في هذا المجال، فاتجهت الأنظار إلى المكب الكبير: البحار والمحيطات و المسطحات المائية الضخمة، وبدأت تظهر مشكلة التلوث عندما لم يعد بإمكان المسطحات المائية  تنقية الكميات الضخمة من النفايات التي تفوق قدرتها على التنقية الذاتية بآلاف المرات".

وفي تقرير للأمم المتحدة تعرض فيه إنجازاتها في مجال الحد من التلوث ورد أن "برنامج الأمم المتحدة للبيئة قاد جهودا كبيرة لتطهير البحر الأبيض المتوسط. وشجع أطرافا متنازعة مثل الجمهورية العربية السورية وإسرائيل، وتركيا واليونان، على العمل معا لتطهير الشواطئ.  ونتيجة لذلك، أصبح ما يزيد على 50 في المئة من الشواطئ التي كانت ملوثة صالحة للاستعمال اليوم".

وأشار إلى أن لشاطئ بحر غزة أهمية اقتصادية واجتماعية بالنسبة لسكان قطاع غزة فهو المتنزه الوحيد في القطاع وهو معرض للتلوث من مصادر عدة أهمها المياه العادمة الغير معالجة أو معالجة جزئيا، والتي تصب على شاطئ البحر بكميات كبيرة.

ومن المعروف أن شاطئ البحر هو المنفذ الوحيد لقطاع غزة للاستجمام فيه، حيث يستجم المواطنون في القطاع بمياه البحر دون معرفة مدى الضرر التي تسببه المياه العادمة على الصحة العامة، وما تحمله هذه المياه من ملوثات قد تكون خطيرة على صحة المواطن بل وعلى الثروة السمكية في المنطقة.

 

كارثة في الأفق

من جانبها طالبت مؤسسة الضمير المجتمع الدولي بالتدخل لمنع وقوع كارثة بيئية جديدة جراء تلوث مياه بحر قطاع غزة و شاطئه.

وقالت الضمير في بيان صحفي صدر عنها ووصل لآفاق للبيئة والتنمية نسخة عنه:  "إنها تحذر من كارثة بيئية وصحية جديدة جراء ارتفاع معدل التلوث في مياه البحر وشاطئه في قطاع غزة؛ وذلك نتيجة مواصلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض الحصار الخانق واستمرارها في منع إدخال كميات الوقود والمحروقات اللازمة لتشغيل عمل المرافق والقطاعات الحيوية وعلى رأسها قطاعا المياه والصرف الصحي، إضافة لتذبذب التيار الكهربائي وعدم توافره بشكل متواصل، حيث إن عمل محطات معالجة وضح المياه العادمة في قطاع غزة أصبح ذا كفاءة متدنية جداً؛ مما اضطر جهات الاختصاص مواصلة ضخ المياه العادمة في مياه البحر مباشرة دون معالجة أو معالجتها بشكل ضعيف جداً؛ الأمر الذي يشكل خطراً بيئياً ومكرهة صحية تهدد صحة المواطنين ومكونات البيئة الأساسية".

 ولفتت الضمير النظر إلى الاستمرار في ضخ المياه العادمة غير المعالجة أو المعالجة جزئياً مباشرة للبحر.

 

سموم متراكمة

وقالت الضمير:  "السموم المتراكمة في البحر تؤثر على الأسماك عند تناولها وتخزن تلك السموم في أجسامها، وقد يؤثر بعد ذلك على صحة الإنسان بعد تناوله إياها، وبالتالي إصابته بالعديد من الأمراض؛ لأن أثر التلوث سيظهر على بعض أنواع الأسماك حسب قدرتها على تحمل العيش في وسط ملوث من عدمه. وتكمن الخطورة في أنواع الأسماك التي تعد قشورها تراكمية مثل الجمبري حيث تحمل كميات كبيرة من السموم تؤدي إلى إصابة الإنسان بالتسمم أو أعراضه عند تناولها، إضافة إلى أن السباحة في المناطق الملوثة يؤدي إلى الإصابة بعدد من الأمراض مثل الأمراض الجلدية والعيون والجهاز التنفسي وبخاصة عند الأطفال؛ لذا يجب توخي الحذر عند تناول بعض أنواع الأسماك".

وحذرت الضمير من "أن تلويث مناطق الشاطئ التي هي المتنفس الوحيد لسكان القطاع  يؤدي لاختفاء المظاهر الجمالية للشاطئ بسبب تشكل تجمعات سائدة من الطحالب البحرية في مناطق تصريف المياه العادمة التي تتسبب في جعله غير مناسب للاصطياف، و تحول لون مياه البحر في تلك المناطق من اللون الأزرق الزاهي إلى الأسود الداكن، إلى جانب تصاعد روائح كريهة مما يؤدي إلى ارتفاع نسب تلوث الهواء".

 

عواقب صحية

وحذرت الضمير من أن "معظم الآثار التي يمكن أن تترتب على هذا التلوث ربما لا تظهر فورا، إلا أن آثار التلوث الناتجة عن ضخ المياه غير المعالجة للبحر وتلويث مياه الخزان الجوفي وتلويث الهواء سيتضح مداها في المستقبل القريب، و سيكون له عواقب صحية وبيئية خطيرة في قطاع غزة".

ودعت الضمير "المواطنين إلى ضرورة اتخاذ أقصى درجات الحذر والارتقاء لتحمل المسؤولية الجدية وعدم الاقتراب من المناطق الملوثة على شاطئ البحر، وتوعية  الأطفال  بعدم السباحة في تلك المناطق، وضرورة إتباع الإرشادات والإشارات المثبتة على الشاطئ التي تسمح  بالسباحة أو عدمها".

وناشدت المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل والخروج عن صمته لمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي من الاستمرار في إجراءات العقاب الجماعي التي طالت الإنسان و البيئة في قطاع غزة، و فتح  المعابر والحدود وإنهاء الحصار الخانق عن القطاع، وإجبار سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الإدخال الفوري للوقود والمحروقات اللازمة لجميع مناحي الحياة بشكل عام ولعمل المرافق والقطاعات الحيوية بشكل خاص، وعدم الخلط بين الأمور الإنسانية للمواطنين المدنيين بالأوضاع السياسية، ووقف دولة الاحتلال الإسرائيلي لانتهاكاتها للبيئة التي تدمر مكوناتها الأساسية وتنتهك حق المواطن الفلسطيني في العيش في بيئة صحية ونظيفة".

كما دعت الحكومة في غزة "إلى الوقوف أمام مسؤولياتها والتحرك العاجل لدعم البلديات والمرافق الحيوية  في قطاع غزة، والأخذ بالاعتبار سرعة التحرك وبخاصة مع استمرار التدهور الحاصل في الأوضاع المعيشية و البيئية  في القطاع، جراء الحصار والإغلاق الإسرائيلي للقطاع  وأزمة الوقود الطاحنة التي يعاني منها قطاع غزة".

وناشدت جهات الاختصاص بضرورة "تنفيذ حملات توعية بيئية للمواطنين، والقيام بالأبحاث والدراسات الضرورية لمنع الأذى البيئي والصحي عن المواطنين وتحديد المناطق الملوثة من عدمها على طول الشاطئ".

كميات كبيرة

إدارة الصحة والبيئة في بلدية غزة قالت: "إن الكميات الإجمالية من مياه الصرف الصحي التي يتم ضخها مباشرة لمياه البحر تصل إلى 60- 70 ألف متر مكعب يومياً، وهي عبارة عن مياه شبه معالجة أو غير معالجة نهائياً، حيث يتم ضخ مياه شبه معالجة من محطة غزة ( BOD  70) بمعدل يصل إلى 40 ألف متر مكعب، فضلا عن ضخ 20 ألف متر مكعب مياه غير معالجة نهائياً من محطات ضخ الساحل (محطة رقم 2 و 3) على شاطئ بحر غزة، إضافة لضخ ما يقدر ب 12000 متر مكعب مياه غير معالجة نهائياً من المنطقة الوسطى لواد غزة  ومن ثم إلى البحر.

ومن جانبها قالت مصلحة مياه بلديات الساحل: "كميات المياه العادمة التي يتم ضخها في مياه البحر بشكل يومي كان من الممكن إعادة حقنها في الخزان الجوفي، منعاً لتداخل نفس الكمية من مياه البحر مع مياه الخزان الجوفي، ومنعاً لزيادة نسبة الملوحة في مياه قطاع غزة  حيث إن 90% من المياه المنتجة في القطاع تعاني من نسبة عالية من الملوحة؛ مما يعني زيادة التكاليف المادية المترتبة على تحلية مياه الخزان الجوفي الملوثة التي تكلف حوالي مليون دولار يومياً.

 وحسب آراء المختصين فإن التلويث قد يطال الأسماك المصطادة في مناطق التصريف مما يشكل خطراً على صحة المصطافين وعلى صحة مستهلكي الأسماك الملوثة، بسبب تركز المواد  والمذيبات العضوية والمخلفات البشرية والمواد الكيماوية والميكروبات والفيروسات والكائنات الممرضة الأخرى في مياه الصرف الصحي، وبوصول تلك المواد لمياه البحر يتم حدوث خلل في مكونات مياه البحر، مثل: استنزاف نسبة الأكسجين وزيادة ثاني أكسيد الكربون؛ مما يؤدي إلى موت وهجرة الأسماك والكائنات البحرية، الأمر الذي يترتب عليه أثر اقتصادي سلبي في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعاني منها القطاع.  كما أنه  يجعل البيئة البحرية غير صالحة للحياة،  وقد تحول البحر المتوسط إلى بحر ميت خالٍ من الأحياء البحرية والتكوين البيولوجي لهذه المنطقة، إضافة لتغيير النظام البيئي نتيجة خلل في منظومة السلسلة الغذائية في هذه المنطقة، وانقراض بعض أنواع الكائنات البحرية وهجرة البعض الآخر بعيدا عن سواحل المنطقة الملوثة، وزيادة أعداد ما يعرف بقنديل البحر نتيجة موت السلاحف البحرية التي تتغذى عليه.

 للأعلىé

 

 

التعليقات

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
 
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.