تموز 2008 العدد (5)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

July 2008 No (5)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب الصورة تتحدث الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

منبر البيئة والتنمية:

التغيرات المناخية ...مؤتمر بالي... وتكريس الهيمنة الغربية على المعرفة والأسواق

 

جورج كرزم

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

تتوقع تقارير الأنماط المناخية الصادرة عن جهات علمية مختلفة أن ترتفع درجات حرارة الأرض في الوطن العربي ووسط أسيا بنحو درجتين مئويتين في الفترة ما بين 2030 و2050، ممّا سيفاقم مشاكل تعرية التربة وبالتالي سيهبط الإنتاج الزراعي كثيراً. وقد يصل هذا الوضع في بعض المناطق إلى حد الكوارث الطبيعية.  وتصل بعض التوقعات إلى حد القول إن تغيرات جذرية سوف تحدث في أنماط  المناخ بمنطقتنا، وتتمثل في هبوب العواصف المدمرة، وانتشار الجفاف فترات طويلة في العديد من المناطق، وبالتالي تدمير العديد من المناطق، وتشريد عشرات الملايين.  كما أن المجاعات وشح وتلوث المياه والفيضانات ستتسبب في انتشار الأمراض، وارتفاع ضخم في معدل الوفيات.

 

وبسبب الارتفاع الكبير في معدلات تلوث الهواء والناتج عن زيادة الانبعاثات الغازية من الصناعة ومخلفاتها، وارتفاع عدد السيارات، سوف تواجه الدول الكبيرة سكانيا والفقيرة في الموارد، صعوبات هائلة في التعامل مع مشاكل الفقر في المدن، وتوفير الماء النظيف، وكميات كافية من الغذاء، والطاقة، ونظام الصرف الصحي، ناهيك عما يسببه تفاقم استخدام المبيدات الكيماوية من تلويث الغذاء والماء.

وتقدر بعض الدراسات حول الضفة الغربية وقطاع غزة، أن أكثر من 270 ألف طن من غازات ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت تنبعث سنويا من كلتا المنطقتين.  ويعزى السبب الرئيسي في ذلك إلى سوء إدارة النفايات، كحرقها في الهواء الطلق مثلا، فضلا عن الانبعاثات الغازية الكبيرة من المركبات.  يضاف إلى ذلك كميات هائلة من الملوثات الإسرائيلية المنبعثة إلى أجواء الضفة الغربية، سواء من الملوثات الصناعية المنتشرة في المستعمرات الإسرائيلية، أو تلك المنتقلة عبر الرياح الغربية من داخل إسرائيل، وبخاصة من منطقة تل أبيب، باتجاه الضفة الغربية.

 

جذور الأزمة

وفي المستوى الكوني، تشير الدلائل العلمية إلى أن درجة حرارة سطح الأرض والطبقات الدنيا من الغلاف الجوي ترتفع باطراد منذ نحو مائتي عام، ويتوقع العديد من علماء البيئة والمناخ أن ترتفع حرارة الأرض والجو خلال المئة سنة القادمة أكثر من أي وقت مضى.  ويعزو أولئك العلماء السبب الأساسي في ارتفاع الحرارة، وبالتالي التغيرات السلبية الخطيرة المتوقع حدوثها في الأنماط المناخية، إلى النشاطات الإنسانية على سطح الأرض.  ويعتقد هؤلاء العلماء أن درجة وحجم التغير في المناخ العالمي سيكونان مدمرين وغير مسبوقين في تاريخ كوكبنا، حيث يتوقع أن تفقد العديد من الأنظمة البيئية، وبعض أشكال الحياة البرية، قدرتها على التكيف مع التغيرات. 

ويرى العلماء أيضا أنه إذا لم تتمكن المجموعات البشرية من إيقاف أو إبطاء السبب الأساسي في ارتفاع درجة حرارة الأرض، ألا وهو التراكم الكبير في الغازات الكيماوية الاصطناعية في الغلاف الجوي، وبخاصة الغازات الكربونية، فإن ظاهرة الاحتباس الحراري ستتفاقم، مع كل ما يعنيه ذلك من تغيرات مناخية مدمرة خلال العقود القليلة القادمة، مثل الارتفاع الكبير في منسوب البحار والمحيطات، والزيادة الكبيرة في العواصف والسيول والفيضانات، وتدمير الأراضي الزراعية، وانقراض العديد من النباتات والحيوانات.

وللأسف، لا يدرك العديد من الناس، حتى يومنا هذا، معنى ظاهرة الاحتباس الحراري، والتغيرات المناخية المخيفة المتوقع حدوثها نتيجة لتزايد انبعاث الغازات في الجو.

ظاهرة الاحتباس الحراري

تعد ظاهرة الاحتباس الحراري بالأصل ظاهرة طبيعية، وتتمثل في تسخين سطح الأرض وطبقات الجو الدنيا، إلا أن هذه الظاهرة تتفاقم بشكل سلبي مع الزيادة الكبيرة في الغازات الكربونية الصناعية المنبعثة إلى الجو، وبخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون.  ويتلخص تفسير هذه الظاهرة في أن الغلاف الجوي يسمح لنسبة عالية من أشعة الشمس الضوئية المرئية من الوصول إلى سطح الأرض وتسخينه.  ومن ثم، يعكس سطح الأرض جزءا من هذه الطاقة على شكل الأشعة تحت الحمراء التي تمتص معظمها جزيئات ثاني أكسيد الكربون، وبخار الماء، والميثان، وأكسيد النترات في الغلاف الجوي، وبدورها، تنعكس هذه الأشعة مرة أخرى إلى سطح الأرض، على شكل طاقة حرارية.  وتشبه هذه الظاهرة ما يحدث في الدفيئات الزجاجية التي تعكس ضوء الشمس، وتبثه بعيدا، وفي نفس الوقت تمتص الحرارة وتراكمها وتحبسها.  ولولا ظاهرة الاحتباس الحراري المتمثلة في احتجاز الأشعة تحت الحمراء، وبالتالي تدفئة سطح الأرض وطبقات الغلاف الجوي الدنيا، فإن درجة حرارة الأرض قد تصل إلى ْ70 مئوية تحت الصفر أو ربما أقل من ذلك.  وفي هذه الحالة ستتجمد المحيطات. 

لكن، ظاهرة الاحتباس الحراري ستتحول إلى كارثة إذا ما تواصل الارتفاع الكبير في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، والغازات الاصطناعية الأخرى التي تحتوي على الكلور والفلور والكربونات (CFCs)، فضلا عن غازي أكسيد النترات والميثان، والناتجة عن النشاط البشري في الصناعة ووسائل النقل، وخاصة تلك المنبعثة من عمليات حرق الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم الحجري والغاز الطبيعي.  فزيادة مثل هذه الغازات في الغلاف الجوي  بكميات كبيرة تفوق ما يحتاجه للحفاظ على المعدل الطبيعي لدرجة حرارة الأرض، يؤدي إلى أن يحتفظ الغلاف الجوي بكمية أكبر من الحرارة، وبالنتيجة، ترتفع درجة حرارة سطح الأرض.

ومع ارتفاع نسبة الغازات الكربونية في الجو، يتوقع العديد من علماء المناخ، عند نهاية القرن الحالي، أن يزداد تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على سطح الأرض، وما يعنيه ذلك من تغيرات مناخية نوعية، تتجلى في ارتفاع متوسط درجات حرارة سطح الكرة الأرضية بمقدار خمس درجات مئوية.  وسيؤدي هذا الارتفاع الحراري إلى الذوبان السريع لجبال الجليد والكتل الجليدية، وبالتالي إلى ارتفاع كبير في منسوب مياه المحيطات والبحار، فضلا عن انتشار الجفاف الشديد، وسقوط كميات هائلة من الأمطار في بعض المناطق، ستدمر عمليات الإنتاج الزراعي.

وقد أكد تقرير هيئة مستشاري تغيرات المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، والصادر عن اجتماعها المنعقد  بشنغهاي في الصين في كانون الثاني 2001، أن التلوث الهوائي والانبعاث الكبير المتواصل للغازات الكربونية، وبخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون، يعدان السبب الرئيسي في ارتفاع درجة حرارة سطح الكرة الأرضية.  وتشير بعض الدراسات إلى أن حرارة الأرض سترتفع ما بين 1.4 ْ و5.8 ْ في الفترة 1990 و2100م، مما سيؤدي إلى عملية تبخر ضخمة في موارد المياه العذبة، وبالتالي حدوث شح خطير فيها، وارتفاع منسوب المحيطات والبحار، بسبب ذوبان الثلوج في القطبين بأكثر من ثلاثة أمتار، وبالتالي غرق عدد كبير من الدول الساحلية. 

من بروتوكول كيوتو إلى مؤتمر بالي

"ألزم" بروتوكول كيوتو في العام 1997، نظريا، الدول "المتقدمة" بتخفيض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الكربونية بنسبة 5%، بالمقارنة مع مستوياته عام 1990، وذلك ابتداء من العام 2008 وحتى. العام 2012.

وبالرغم من الانقسام الذي حصل بين دول الشمال والجنوب في مؤتمر بوينس آيرس عام 1998 الذي هدف إلى إقرار خطة عمل لتنفيذ بروتوكول كيوتو، فقد تمكنت دول الجنوب من طرح خطة عمل تضمنت العديد من الإجراءات، الواجب اتخاذها لتخفيض نسبة الانبعاثات الغازية، ولكنها لم تضع جدولا زمنيا لتنفيذ هذه الإجراءات وخلت تقريبا من التوصيات الملزمة.

وقد تكرر في مؤتمر المناخ في لاهاي (نوفمبر 2000) الفشل في فرض "الإلزام الطوعي" لخفض الانبعاثات الملوثة، ولم تتمكن الوفود المشاركة من التوصل إلى اتفاق ملزم لتطبيق بروتوكول كيوتو.

وحاليا، يعد بروتوكول كيوتو الاتفاقية الدولية الوحيدة للحد من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) التي تقترب من مستويات قياسية.  ويشدد العديد من العلماء على ضرورة خفض هذه الانبعاثات إلى النصف، في المستوى العالمي، وإلى 80% للدول الصناعية، وذلك بحلول عام 2050.

وفي محاولة للحد من موجات الجفاف والفيضانات والحرارة وارتفاع مناسيب البحار التي يتسبب بها التغير المناخي، يلزم بروتوكول كيوتو 36 دولة من الدول الغنية الموقعة عليه بالحد من الانبعاثات الغازية الضارة الناتجة أساسا عن احتراق الوقود الأحفوري بنسبة تقل 5% عن معدلات عام 1990، وذلك في الفترة 2008 و2012.  وتعد الولايات المتحدة الأميركية الدولة الوحيدة من بين الدول الصناعية الثماني الكبرى (الولايات المتحدة، وبريطانيا، واليابان، وكندا، وروسيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا) التي لم تصادق على بروتوكول كيوتو الذي بدئ العمل به عام 2005، علما بأن الولايات المتحدة تعد المسؤول الأول عن انبعاث أكبر كمية من الغازات الملوثة للغلاف الجوي، والبالغة نحو ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. 

واستهتار النظام الأميركي لم ينقذ الولايات المتحدة من آثار الاحتباس الحراري، إذ ازداد في السنين الأخيرة تكرار وارتفاع الوتيرة في حدة الأعاصير والفيضانات المدمرة، كما حدث، على سبيل المثال، في إعصاري "كاترينا" و"ريتا" عام 2005.  

وفي تبريرها المتواصل لرفضها التوقيع على بروتوكول كيوتو، تتذرع الولايات المتحدة بأن البروتوكول سيتسبب في خسارة وظائف، فضلا عن أنه لا يلزم الدول النامية بتحقيق أهداف عام 2012، الأمر الذي تعتبره واشنطن جائرا، متجاهلة كونها الملوث الأكبر للغلاف الجوي في العالم.

ويمكننا القول إن بوتوكولات كيوتو التي أعلن عنها عام 1997، تشكل بداية متواضعة وهشة، وبخاصة لأنها ركزت اهتمامها على الاعتبارات الاقتصادية والسياسية الداخلية للدول، بغض النظر عن المصلحة الشمولية للبشرية.  وعلى سبيل المثال، راعت بروتوكولات كيوتو ألا تؤثر سلبيا على "النمو" الاقتصادي والصناعي المتواصل للدول الصناعية، علما أن هذا "النمو" يعد من الأسباب الرئيسية لتزايد الانبعاثات الغازية، الأمر الذي يشكل تناقضا صارخا مع ما ورد في نفس البروتوكولات بخصوص تخفيض الانبعاثات.

ولطالما أكد العديد من العلماء والاقتصاديين وخبراء السياسات، قبل مؤتمر بالي (كانون الأول 2007) بفترة طويلة، أن بروتوكول كيوتو لا يكفي لمواجهة أزمة الاحتباس الحراري والكارثة المناخية المتوقعة؛ ولهذا فقد رسموا استراتيجية يعتقدون أنها سوف تقلل من انبعاثات الغازات الكربونية.

أما مؤتمر بالي بشأن تغير المناخ، والذي نظمته الأمم المتحدة في كانون الأول 2007 في مدينة بالي (إندونيسيا) وحضره أكثر من 10 آلاف مشارك يمثلون 191 دولة، وممثلون عن منظمات دولية وحكومية وغير حكومية، فقد سعى إلى رسم إطار للتفاوض حول اتفاقية عالمية جديدة تشمل كل الدول بعد عام 2012.  

وقد أصر الاتحاد الأوروبي في المؤتمر على ضرورة أن تتضمن الخطوط العريضة لاتفاقية عالمية جديدة بشأن المناخ، إشارة إلى أهداف كمية صارمة لتخفيض الانبعاثات في عام 2020 بالنسبة للدول الغنية، بنسبة تتراوح بين 25%-40% دون مستويات عام 1990.  إلا أنه، في نهاية المؤتمر، وأمام الرفض الأميركي، تخلى الاتحاد الأوروبي عن هذا المطلب الأساسي، واكتفى بجملة عمومية تشير إلى تقرير الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ (التابعة للأمم المتحدة).  وذلك بالرغم من الفوضى المناخية التي بدأ يثيرها الاحتباس الحراري في أوروبا، إذ ضربت أوروبا في صيف 2007 موجتان حارتان تسببتا في ارتفاع درجات الحرارة إلى 46 درجة مئوية، مما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص واندلاع حرائق الغابات في اليونان.

وتدعي واشنطن بأن تحديد أي أرقام سيكون بمثابة مصادرة لنتائج المفاوضات.  وبالفعل، أفرز مؤتمر بالي ما يعرف بخطة عمل بالي حول تغير المناخ، والتي لم تنص على أي التزامات كمية أو رقمية لتخفيض الانبعاثات الغازية.  ويتلخص اتفاق بالي بضرورة إبرام اتفاقية طويلة الأجل خاصة بالمناخ تشمل جميع دول العالم، وذلك بحلول نهاية عام 2009، ويجب على الحكومات أن تتفق على التفاصيل.  ومن بين النقاط التي نصت عليها تلك الخطة أن "الأمر سيستلزم تخفيضا اكبر في الانبعاثات العالمية لتحقيق هدف الاتفاقية النهائي"، وبأن هناك "ضرورة ملحة للتصدي لتغير المناخ، وفق ما ورد في التقرير التقييمي الرابع للهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ"، وأوصت "بالتزامات وإجراءات يمكن قياسها والإبلاغ عنها والتحقق منها وطنيا، بما في ذلك أهداف قابلة للقياس كميا، لتخفيض الانبعاثات والحد منها من جانب جميع الأطراف في الدول المتقدمة.  وفي الوقت ذاته، ضمان إمكانية مقارنة الجهود، مع مراعاة الفوارق في ظروفها الوطنية".

إذن، نجحت الولايات المتحدة في فرض موقفها القاضي بعدم الإشارة في نص اتفاق بالي إلى أي التزام رقمي بخفض الانبعاثات الغازية الكربونية، علما بأنها لا تزال ترفض الالتزام باتفاقية كيوتو التي تعد أكثر تواضعا بكثير من الاقتراح الأصلي للاتحاد الأوروبي حول خفض الانبعاثات.  وذلك بالرغم من أن لجنة المناخ التابعة للأمم المتحدة تقول إنه من الممكن التغلب على ارتفاع حرارة الأرض بتكلفة تقل عن 0.1% من إجمالي الناتج المحلي العالمي السنوي حتى عام 2030.

وقد انسجم الموقف الأميركي، في جوهره، مع موقف الدول المنتجة للنفط التي من الطبيعي أن ترفض الالتزام باتفاقية تؤدي إلى إغلاق أسواق منتجهم الوحيد.

وباعتقادنا، يجب على الدول الصناعية الغنية تحديدا، وقبل مطالبتها الدول النامية والفقيرة بتخفيض انبعاثاتها الغازية الكربونية، أن تفعل هي نفسها المزيد لخفض جدي للانبعاثات الصادرة عنها، لأنها وبخاصة المسئولة عن أغلب الانبعاثات الضارة.

ومن المفيد الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي أعلن بأنه يسعى، على مستوى أعضائه، إلى تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 20% بحلول عام 2020، كما أنه مستعد للوصول إلى نسبة 30% إذا ما قبلت باقي الدول بالتزامات جديدة، وبخاصة الدول النامية الكبرى مثل الصين والهند والبرازيل.  ويسعى الاتحاد الأوروبي أيضا إلى تحقيق نسبة 20% من الطاقات المتجددة من إجمالي الطاقة المستهلكة، وذلك بحلول عام 2020.  ويهدف الاتحاد الأوروبي أيضا، بحلول عام 2020، إلى الوصول بحصة الوقود الحيوي إلى نسبة 10% من إجمالي ما تستهلكه دول الاتحاد من بنزين وديزل لأغراض النقل، فضلا عن تحسين وزيادة كفاءة الطاقة بنسبة 20%.

الصراع بين الأغنياء والفقراء واحتكار المعرفة والتجارة

تعهدت الدول الفقيرة في مؤتمر بالي بتخفيض غامض للانبعاثات الغازية، علما بأن الدول الغنية قدمت لها حوافز غير مشجعة.  فمن ضمن الحوافز المقدمة للدول الفقيرة وضع مؤتمر بالي برامج لإبطاء عمليات اجتثاث الأشجار وتوفير معلومات حول التكنولوجيات النظيفة، فضلا عن صندوق خاص لمساعدة المعرضين للكوارث المناخية، كي يتكيفوا مع الجفاف أو ارتفاع منسوب مياه المحيطات.

إلا أن العديد من الدول النامية، وبحق، تتخوف من أن دول الغرب الصناعي، وبخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تهدف إلى التعامل مع مسألة التجارة في السلع الصديقة للبيئة بنفس منطق تحرير السوق، حيث يتم إغراق أسواق العالم الثالث بالسلع الغربية، على حساب تنمية إنتاجها المحلي، وفي المحصلة احتكار الصناعات الغربية للمعرفة التقنية والتكنولوجيا والصناعة، وتكريس تبعية دول الجنوب الاقتصادية، وبالتالي السياسية، لدول الشمال.  لذا، فإن العرض الذي تقدمت به كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في سياق محادثات المناخ في بالي، حول فتح مجال التجارة في السلع البيئية، يهدف أساسا إلى مجرد حماية المنتجات الغربية وتعزيز الصادرات والتجارة من الدول الغنية.  وهذا ما حدا دولاً مثل البرازيل وباكستان على الإعراب عن تحفظها من اقتراح الدول الغربية بفتح أسواق دول الجنوب وخفض التعريفة الجمركية على سلع التكنولوجيا النظيفة، مثل أبراج الرياح والألواح الشمسية، وبخاصة لأن الدول النامية، إجمالا، لا تملك المعرفة والتكنولوجيا اللازمتين لصنع سلع صديقة للبيئة ومنافسة، كما لا تملك الأموال اللازمة لشرائها.  وما يؤكد هذا التوجه الغربي الاحتكاري، أن الاقتراح الأميركي-الأوروبي لم يتضمن الوقود الحيوي ولا تكنولوجيا إنتاجه، علما بأن البرازيل تعد منتجا كبيرا للوقود الحيوي من قصب السكر.

إذن، من الواضح أن الدول الغربية لا تتعامل مع مسألة إيجاد حلول للتغيرات المناخية بدافع الحرص على مستقبل البيئة العالمية ومستقبل الكرة الأرضية فحسب، بل، وأساسا بدافع حسابات الأرباح الاقتصادية، والفرص الاستثمارية والتجارية التي توفرها حلول المشاكل المناخية، بما في ذلك فرص توفير ملايين الوظائف في أسواق التشغيل الغربية.           

للأعلىé

 

 

التعليقات

 
 

البريد الالكتروني ِ: nawras_i12@yahoo.com

الموضوع: منبر البيئة والتنمية:3

التعليق:

في الحقيقة، فإنه عادة ما يتم التعامل مع مواضيع من هذا الطراز بشيء من الإطناب والمغالاة، لا بل والتركيز على ما تريد الدول (الغنية) الرأسمالية أن تقوله، وليس على ما نود (نحن) أن نسمعه كعين موضوعية تقيم مثل هذه المؤتمرات العالمية.وليس بالغريب أن نجد الباحث جورج كرزم يدرس المسألة من هذا الجانب، وهو غمرنا في كل عدد بالبديع من الآراء، التي تدل على التمحيص الموضوعي الهادف إلى النقد البناء.فمسألة كهذه، تؤكد على أن الهدف الأول والأخير، والذي صبغ ب(السرمدية) للدول الرأسمالية هو (تحصيل الأموال) مهما كانت الوسيلة.  ويؤكد رأي الأستاذ كرزم هنا أيضاً على تهميش دور البيئة من قبل تلك الدول التي لا ينقصها الثراء ورأس المال، مع العلم بأن أحد أهم أسباب ثروتهم هي الموارد الطبيعية، فتدبر!


 

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
:
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.