تموز 2008 العدد (5)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

July 2008 No (5)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب الصورة تتحدث الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

شخصية بيئية :

سعد داغر: ممارسات تطبيقية في عشق البيئة

 

عبد الباسط خلف:

 

يُعيدنا المهندس الزراعي سعد داغر عدة عقود إلى الوراء، فيتذكر التفاصيل الصغيرة لمشهد طفولته في قرية مزارع النوباني بمحافظة رام الله. يروي وهو يغرق في الحنين إلى الماضي: كنت أرعى الأغنام، وأمضي وقتاً طويلاً في أرضنا،  نبذر ونحصد القمح في أرضنا المزروعة بالزيتون، ونجمع محاصيل الفقوس والبطاطا، ونقطف ثمار الزيتون، ونروي الحقل ونسقي الأغنام من "عين الليمون" و"العين التحتا"، ونبحث عن بيض الشنار(الحجل).

كان سعد، الذي رأى النور في لعام 1965، يقضي الصيف بطوله في الحقول، فينشء القنوات المائية التقليدية لسقاية المزروعات، ويجني ثمار البرقوق والتفاح والخوخ والتين، فتحقق العائلة اكتفاء ذاتياً من مساحة صغيرة.

يروي: أثرت هذه المشاهد في شخصيتي، وجعلتني أحب الأرض أكثر فأكثر، وأصقل في نفسي عشق البيئة المحيطة والخوف عليها مما يهددها.

درس سعد فترة قصيرة هندسة الميكانيك في معهد البولتيكنك بمدينة الخليل، لكنه غادر أرض الوطن باتجاه الاتحاد السوفيتي السابق، لدراسة الهندسة الزراعية التي حلم بها، فأمضى فيه من العام 1985 حتى سنة 1991. 

 

 

 

 

"تشرنوبل"..نقطة تحوّل

يُفصّل: تشعبت اهتماماتي، واتجهت للاهتمام بالحديث عن الطرق البديلة في مكافحة الآفات الزراعية. لكن حادثة"تشرنوبل" الشهيرة، وهي  أكبر كارثة نووية شهدها العالم في 26 أبريل عام 1986، والتسرب النووي الذي رافقها جعلا الرعب يدبّ في نفسي وأحدثا عندي نقطة تحول؛ خوفاً على البيئة وعناصرها التي بدأت تتأثر سلباً، وتعرضت للتدمير.

تابع سعد مراقبة السياسات التي تستهدف البيئة، فقرأ عن تجفيف البحيرات في آسيا الوسطى، وشاهد مراراً أفلاماً تتحدث عن "هيروشيما وناكازاكي"، فانحاز أكثر للبيئة وقضاياها.

يتحدث من وراء مكتب مزدحم بالأوراق: بعد عودتي من الخارج،عملت متطوعاً أربعة أشهر في الإغاثة الزراعية، ورحت أنفذ جولات إرشادية مع زملائي.

كانت المفاجأة التي أوقعت سعد في بحر من الحيرة، أن المرشدين يصممون عملهم على أساس المعالجة الكيماوية للآفات كلها، دون التطرق لتقوية البيئة والنبات، كمناعة طبيعية.

يضيف: خلال تواجدي في الاتحاد السوفيتي، لم أكن ألاحظ أحداً يلقي النفايات على الأرض، أما في رام الله فكان الحال مختلفاً.

 

تقليد

من القصص التي لا يستطيع داغر نسيانها، كيف أنه اتبع تقليداً خاصا به للحفاظ على نظافة مدينته، ففد كان يشتري المكسرات فيفرغها في جيبه، ويخصص الكيس للقشور. وذات مرة  اقترب منه أحد الأقارب، ووضع يده في الكيس لتناول بعض البذور، لكنه خرج بقشور، وقتئذ اتهم سعد بأنه يضع القشور فوق البذور، ولم تعجبه طريقة سعد في الحفاظ على البيئة، لأن رام الله كلها مكبٌ كبيرٌ للنفايات، وفق رأيه، وسلوكه الشخصي لن يقدم أو يؤخر، فهو كنقطة في بحر. كان جواب سعد التلقائي: إنني أمارس قناعاتي، وأبدأ بنفسي، وأطبق ما أدعو إليه.

يروي: شرعت خلال عملي في الإغاثة الزراعية من العام 1991 وصولاً إلى العام 2002، في برنامج الحد من الكيماويات السامة، ولاحقاً طورت الفكرة إلى الزراعات العضوية.

انتقل داغر للعمل مديراً لحديقة القيقب المنبثقة عن مدارس الفرندز، والتي تهدف بالأساس للتربية البيئية. يقول: عملنا في إطار مشروعات التدريب والتدريب العملي على قضايا البيئة، عبر المخيمات الصيفية.

 

أفكار

يتابع: أدخلت فكرة الزراعة باستخدام البذور الطينية، وهي كرة من التراب الذي نغربله ونجبله بالماء ونضع فيه البذور، ثم نلقي بها على الأرض قبل مواسم المطر.

يتحدث عن الطريقة التي لم تكن موجودة من قبل في فلسطين، فيقول: في هذه الكرات  نستطيع أن نزرع الأرض البور بمختلف المحاصيل  من دون حراثتها. بل إن التشققات الموجودة داخل الصخور تستطيع أن تستوعب هذه الكرات. يشير سعد إلى الإهمال الذي تعانيه الأراضي الزراعية من قبل الكثير من  أصحابها، وهو إهمال ذهب بمشهد مزارع النوباني وعيونها وأراضيها وثمارها الملونة بعيداً.

يستأنف الحديث: بدأت باستخدام ديدان الأرض في عمليات التخمير، وهي طريقة موجودة في العالم، لكنها لم تكن حاضرة في بلدنا. كان داغر أول من ربى هذه الديدان الحمراء وكثّرها، وأحضر منها سلالة أفريقية، عبر صديقة استرالية.

لاقت الكرات والديدان اهتماماً ومتعة خاصة من الطلاب، وصار سعد يشعر بأنها تحقق أهداف التوعية البيئية والتربية سريعاً.

يقول: طوّرت  أداة لتخمير النفايات العضوية وإنتاج "السباخ" ، فصممت وعاء اسطوانيا معدنياً، وثبته بدعامتين، وأحدثت فتحة من جانبه، ووضعت في داخله  جسماً دائريا من المعدن، لتقليب النفايات الطبيعية، وبعد ثلاثة أشهر نحصل على  سماد طبيعي. ومما يميز هذه الأداة حاجتها لجهد عضلي، وسهولة استخدامها، ومتعة مشاهدة نتائجها.

قول وفعل

يطبق سعد المبادئ والأفكار التي ينادي بها في بيته، فهو وزوجته وأولاده الأربعة منتصر، مريم، ياسمين، وأسامة من أقل الناس إلقاًء للنفايات في الحاوية، وربما الأقل استهلاكاً للمياه، فلا تتعدى فاتورة الشهرين مبلغ الأربعين شاقلاً(أقل من عشرة دولارات) كل شهرين.

يقول: لدينا طرق خاصة لتوفير استهلاك المياه، وهي الطرق التي بدأت بها خلال اجتياح الاحتلال لرام الله عام 2002، عندما قرأت خبراً عن قيام الاحتلال بقطع المياه عن المدينة لوقت قصير.

يضيف:  نجمع ماء الاستحمام في حوض بلاستيكي، ثم نضعها في وعاء خاص، بعدها نعيد استخدام المياه في "سيفون" الحمام بدلاً من الماء النقي. بينما نسقي النباتات الموجودة في البيت بماء الجلي، بعد خلطه بماء نقي؛ حتى لا  تصاب النباتات بالضرر.

يوالي: نستخدم طنجرة الضغط في سلق الخضار، وبهذه الحالة لا نحتاج لكميات كبيرة من المياه، إذ نعتمد على البخار في السلق، ونضع القليل من الماء في الوعاء المضغوط.

يستأنف: حتى الخضار التي نغسلها لا نستغني عن الماء المستخدم فيها، فنعيد استعماله في دورة المياه.

تفصل عائلة داغر النفايات  بعضها عن بعض، فتضع النفايات العضوية من بقايا الخضار والفواكه في كيس خاص ويصطحبها الأب إلى الحديقة يومياً، ويضعها في أداة التخمير الاسطوانية، ثم تتحول إلى سماد طبيعي. يقول: كل شيء جاء من الأرض يجب أن يعود إليها، هذه سُنة الطبيعة.

يتابع: نقلل بنسب كبيرة جداً من استخدام أكياس النايلون، ففي العادة نجمع الأكياس التي أحضرناها من السوق، ونعيدها إليه؛ فعندما نذهب إلى الشراء نصطحب الأكياس معنا، ولا نطلبها من البائع، وهو ما يثير فضول التجار واستغرابهم، فأقول لهم: ليس الهدف التوفير المادي عليكم، وإنما تقليل استخدام البلاستيك الذي لا يتحلل في الأرض، ويُخرّب البيئة.

يقول: غرست في أطفالي قيمة ترشيد استهلاك المياه، ليس بسبب الخوف من قطعها عنا من قبل الاحتلال، وإنما للقلق الدائم من شح المياه، وتراجع كميات الأمطار، ولعنة الجفاف.

"يوغا"

يحرص داغر على الاستيقاظ باكراً كل يوم، ويجري تمرين"يوغا"، وهي الرياضة التي احترفها وصار مدرباً لها منذ العام 2004، وتعنى باتحاد الجسد والعقل، وبطرق سيطرة الجسد على العقل وتحكم العقل بالجسم. يقول:  لليوغا (كلمة هندية سنسكريتية تعني الاتحاد) العديد من الفوائد: فهي تخفف الوزن، وتعطي الجسم ليونة عالية، وهي رياضة سهلة وشاقة في آن واحد.

أصدر سعد عدة نشرات وكتيبات حول الزراعة المنزلية وزيت الزيتون والسباخ(الكمبوست)، وساهم في إعداد دليل الأمن الغذائي الفلسطيني، والدليل المرجعي في التربية البيئية الصادرين عن مركز العمل التنموي (معا). واستقدم أصنافاً لنبات وأشجار من أمريكا الجنوبية لرام الله، كشجرة سيدة الغابة من البرازيل ذات الساق الأبيض المميز، والذرة السوداء والبطاطا من بوليفيا.

داغر أحد أعضاء الهيئة العامة في جمعية التنمية الزراعية (الإغاثة)، وهو عضو في مجلس إدارتها، إلى جانب عمله في حديقة القيقب التي تفع وسط رام الله بمساحة ستة آلاف متر مربع، وشغفه البالع بالتقاط صور للتنوع الحيوي في فلسطين، وتطوير الوعي البيئي لفئات المجتمع كلها.

aabdkh@yahoo.com

 

للأعلىé

 

 

التعليقات

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
 
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.