l موافقة إسرائيل، الأردن والسلطة الفلسطينية على تنفيذ مشروع "قناة البحرين"
 
 
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
أيـــلول 2012 العدد-47
 
Untitled Document  

الاحتلال يعتبر القناة "مشروعا وطنيا إسرائيليا عظيما سيساهم في تنمية النقب والعربة"
موافقة إسرائيل، الأردن والسلطة الفلسطينية على تنفيذ مشروع "قناة البحرين"
المشروع سيثبت ويعمق الوجود الاستيطاني الإسرائيلي في النقب والأغوار

جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية

أَبْلَغَ البنك الدولي مؤخرا سلفان شالوم نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير ما يسمى "التعاون الإقليمي"، بأن جميع الأطراف الإسرائيلية والأردنية والفلسطينية المرتبطة بمشروع قناة البحرين (الأحمر-الميت) قد أزالت تحفظاتها عن المشروع، وستُصْدِر قريبا إعلانا مشتركا حول البدء في تنفيذ المشروع؛ إضافة إلى نشر "الأبحاث" التي نفذها البنك الدولي باللغتين العبرية والعربية.  وبعدئذ سيتاح المجال لتقديم الاعتراضات ومناقشتها.  وقد عَبَّر كل من إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية عن موافقتهم كتابيا على نتائج "أبحاث" البنك الدولي، والتي زعمت أن مشروع القناة مجدٍ اقتصاديا وهندسيا وبيئيا!  وستنقل القناة المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت بهدف رفع مستوى سطح البحر الميت الآخذ في التراجع بقوة سنويا.  وسيتضمن المشروع منشآت لتحلية المياه؛ بحيث تزود الأطراف الثلاثة بالمياه المحلاة.  كما سيعمل رأسماليون إسرائيليون على الاستفادة من المشروع لتطوير "إيلات" (أم الرشراش) ومنطقة العربة اقتصادياً وسياحياً.      
وفي المرحلة الأولى، سيتم ضخ مائتي مليون متر مكعب من البحر الأحمر؛ حيث سيحول منها مائة مليون إلى منشأة تحلية في العقبة الأردنية، بينما ستتدفق الكمية المتبقية، عبر أنبوب، إلى البحر الميت.
وقالت "وزارة التعاون الإقليمي" الإسرائيلية بأنه سيتم البدء في تنفيذ المشروع خلال الأشهر القليلة القادمة.  وقد عبر سلفان شالوم لممثلي البنك الدولي عن "سعادته" للتقدم الذي أحرزه المشروع.  وسيتوجه شالوم إلى الدول التي مولت "الأبحاث"، كي تواصل دعمها لمرحلة المشروع التنفيذية؛ وأضاف شالوم بأن المشروع "سينقذ البحر الميت، وسيشكل رمزا للتعاون الإقليمي" (معاريف 3/7/2012).  وشدد على أن هذا المشروع يعد "مشروعا وطنيا عظيما سيساهم في تنمية النقب والعربة" (المصدر السابق).  إذن، يتعامل الاحتلال الإسرائيلي مع المشروع باعتباره مشروعا "وطنياً إسرائيليا"، وبالتالي، السؤال المشروع هو:  هل تساهم السلطتان الأردنية والفلسطينية في دعم مشروع إسرائيلي ظاهره بيئي-مائي، وباطنه سياسي-أمني-ديمغرافي-استيطاني استعماري خطير؟  علما بأن العديد من الناشطين البيئيين الإسرائيليين يعارضون مشروع القناة، لأسباب بيئية وجيولوجية وهيدرولوجية.  فمن ناحيتها، اعتبرت "شركة الدفاع عن الطبيعة" الإسرائيلية قناة البحرين أحد العوامل الرئيسية المهددة للطبيعة في فلسطين.  وفي تقريرها الذي نشر في مطلع هذا العام، أثارت الشركة شكوكا كبيرة حول دراسة البنك الدولي المتعلقة بالبعد البيئي لإنشاء القناة؛ وذلك بسبب كثرة عوامل عدم اليقين التي يحملها مشروع القناة.

كارثة بيئية
الغريب أن السلطة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل والأردن قد أقرت تنفيذ مشروع القناة، بالرغم من أن بحثاً سابقاً للبنك الدولي (كانون ثاني 2012)، كشف بأنه في حال إنشاء القناة بين البحرين الأحمر والميت، فإن ذلك قد يتسبب في تحول لون البحر الميت إلى الأبيض نظرا لتكون طبقات من الجبص؛ وقد تنمو به أيضا طحالب مائية غريبة.  كما يعتقد الباحثون بأن القناة قد تفاقم ظاهرة الحفر البالوعية الناتجة عن انكماش البحر الميت وذوبان الطبقات الملحية الهشة في محيطه.
وقبل البنك الدولي، سبق أن حذر مركز العمل التنموي/معا، استنادا إلى دراسات علمية سابقة؛ من أن هذا المشروع قد ينتج عنه تكوين بحر آخر يختلف في خصائصه وصفاته وطبيعة مياهه عن البحر الميت الموجود الآن، فتدفق مياه البحر الأحمر الأقل ملوحة إلى البحر الميت، سيؤدي إلى اختلال التركيز الكيميائي لطبقات مياه البحر الميت؛ وبالتالي تكون طبقة علوية خليط من ماء البحرين يكون تركيز الأملاح فيها أقل من التركيز الحالي للطبقة العليا.  كما استشهد مركز معا بما أكده بعض خبراء البيئة بأن البحر الميت سيتحول إلى اللون الأبيض ثم إلى الأحمر الدامي، في حالة اختلاط مياهه بمياه البحر الأحمر نتيجة تفاعل بكتريا الحديد وهو ما سيؤثر على طبيعة مياه البحر الميت وسينعكس ذلك على السياحة فيه.
وأشار مركز معا، إلى أن المشروع سيسبب كارثة بيئية ستحل بالبحر الميت بالدرجة الأولى؛ إذ أن العديد من علماء الجيولوجيا يؤكدون بأن تنفيذ هذا المشروع سيتسبب في حدوث زلازل مدمرة، وذلك نظرا لأنه، في المرحلة الأخيرة للمشروع، يتوقع أن تتدفق  كميات كبيرة من مياه البحر الأحمر في البحر الميت الذي يعد أخفض منطقة في العالم (نحو مليار ونصف المليار متر مكعب سنويا)، ما سيؤدي إلى زيادة الضغط على قعر البحر الميت، ما سيتسبب في اختلالات بطبقات الأرض في منطقة الأغوار التي تقع  فوق ما يعرف بفالق شمال أفريقيا النشط زلزاليا؛ بمعنى أن تدفق المياه في تلك المنطقة قد يحرك الفالق وينشط الزلازل في المنطقة.

تثبيت الاستيطان اليهودي في النقب والأغوار
تتجاهل أوساط في السلطة الفلسطينية، بأن هذا المشروع يعد تثبيتا وتعميقا للوجود الاستيطاني الإسرائيلي في النقب وفي الضفة الغربية بعامة، وفي مناطق الأغوار بخاصة.  فضلا عن أن إنشاء المشاريع الإسرائيلية حول القناة سيجذب العاملين الإسرائيليين إليها وسيعزز الاستيطان الإسرائيلي في الأغوار.
ووفقا للمعلومات التي تسربت من مفاعل "ديمونا"، سيوفر مشروع القناة مياها شبه مجانية لتبريد مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، والذي يتم تبريده حاليا باستخدام التبريد الهوائي المكلف، وسيشجع ذلك إسرائيل على إنشاء مفاعلات نووية إضافية وإنتاج المزيد من الأسلحة النووية.
وليس مصادفة أن استحدث نتنياهو، في حينه، وزارة جديدة أسماها وزارة "تطوير النقب والجليل" التي أوكلت إلى سلفان شالوم الذي اعتبر مشروع "قناة البحرين" ضمن أهم أولويات وزارته؛ ذلك أن مشروع قناة البحرين سيسرع في عملية الاستيطان الإسرائيلي لصحراء النقب التي تشكل نصف مساحة فلسطين، حيث ستوفر لها مصادر مائية وكهربائية رخيصة جدا.  وتكثيف الوجود السكاني الإسرائيلي في النقب يعني مزيدا من نهب أراضي العرب في المنطقة واقتلاعهم منها. 
إذن، ولتوفير الغطاء البيئي الإقليمي لمشروع قناة البحرين؛ وبالتالي إخفاء الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية والإستراتيجية الإسرائيلية التي يتضمنها المشروع، تحتاج "إسرائيل" إلى جهات عربية لتنفيذ "الحلم الصهيوني التاريخي" الاستراتيجي والمتمثل بشق القناة، تماما كما نفذت في الماضي مشاريع أخرى بأيدٍ عربية.
فهل المطلوب من الأطراف العربية أن تشارك الإسرائيليين في مشروعهم الهادف إلى إصلاح ما أفسده الأخيرون بشكل منظم؟
كما أن حزب الليكود وحكومته السابقة (حكومة شارون) كانا أيضا من أشد المتحمسين لمشروع القناة.  وقد صرح شارون في حينه، وتحديدا بعد الإعلان عن اتفاقية دراسة جدوى قناة البحرين (عام 2005)، بأن هدف "إسرائيل" من الآن وحتى عام 2020 هو توطين مليون يهودي في صحراء النقب.   
ومن اللافت، أن شمعون بيرس، الرئيس الإسرائيلي الحالي، كان، منذ سنين طويلة، ولا يزال، من أكثر المتحمسين لمشروع القناة الذي يتوقع أن يؤدي إلى تدفق نحو مليار ونصف المليار متر مكعب سنويا من مياه البحر الأحمر في البحر الميت.  وهناك أيضا رجال أعمال واقتصاد إسرائيليين كبار متحمسين للاستثمار في المشروع.

استخفاف بالعقل الفلسطيني
يضاف إلى ما ورد، أن السلطة الفلسطينية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من أشكال السيادة السياسية على الأرض والموارد المائية الفلسطينية التي تقع بالكامل تحت هيمنة الاحتلال، والتي (أي السلطة) تعد مجرد سلطة حكم ذاتي مرجعيتها السيادية قانونيا هي دولة "إسرائيل" (هذا ما نصت عليه اتفاقيات أوسلو وهو أيضا الفهم المتعارف عليه دوليا للحكم الذاتي)، خولت نفسها المشاركة في مشروع "قناة البحرين" (الأحمر-الميت) الذي يعد مشروعا "سياديا" يهدف أصلا إلى تثبيت الوجود الإسرائيلي الاستيطاني في فلسطين بعامة، وفي الأغوار وصحراء النقب بخاصة، فضلا عن المخاطر البيئية الكارثية التي يتضمنها المشروع.  وقد سبق أن تحدث "المفاوضون" عما أسموه  "دراسة الجدوى" للمشروع، بتمويل البنك الدولي، علما بأن هناك قرارا مسبقا بتنفيذ المشروع، وما "دراسة الجدوى" سوى القناع "العلمي" و"المهني" اللازم لتنفيذ المشروع، ولاسيما أن الرموز الفلسطينية المتساوقة مع هذا المشروع أشادت، منذ عام 2005، "بإيجابيات وفوائد وإنجازات" المشروع.  فإذا كان هناك حكم مسبّق بأن كل المشروع المقترح عبارة عن "إيجابيات"، فما هو المبرر، إذن، من عمل "دراسة الجدوى" التي يفترض بها أن تقرر إذا كان من المجدي، بيئيا واقتصاديا، تنفيذ المشروع؟  
ولا ينبس "المفاوضون" الفلسطينيون والأردنيون ببنت شفة حين يضع الإسرائيليون الطرفين الفلسطيني والأردني على قدم المساواة مع "إسرائيل" في المسؤولية عن التراجع الهائل في مستوى البحر الميت، أو حين تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أن سبب "تراجع مستوى البحر الميت بنسبة الثلث عما كان عليه في الستينيات هو استخدام الدول المشاطئة له، أي الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، مياه نهر الأردن الذي يغذيه للري".  وبالطبع، هذه "المساواة" غير صحيحة إطلاقا، بل كاذبة، إذ لا يوجد للفلسطينيين أية سيطرة أو سيادة أصلا على أي جزء من نهر الأردن.
إذن، الادعاء الفلسطيني الرسمي القائل بأن الانخراط الفلسطيني في مشروع قناة البحرين سيمنح الفلسطينيين "حقوق المشاطأة الكاملة وعلى قدم المساواة وبشكل متكافئ مع الأطراف الأخرى"، ليس أكثر من مجرد استخفاف مكشوف بعقول أبناء شعبنا، وكلام وهمي لا صلة له بالوقائع وموازين القوى الفعلية على الأرض.   
والأمر المثير للريبة، أنه لدى دفاعهما عن مشروع القناة، يتجاهل الطرفان الفلسطيني والأردني حقيقة أن إسرائيل تتحمل مسؤولية تدهور أوضاع البحر الميت، حيث تنهب سنويا مئات ملايين الأمتار المكعبة من مياه بحيرة طبريا ونهر الأردن اللذين يغذيان البحر الميت.  كما أقامت إسرائيل ما يزيد على 18 مشروعا لتحويل مياه نهر الأردن إلى مشروعاتها الزراعية في صحراء النقب؛ وحولت الأودية الجارية التي تتجمع فيها مياه الأمطار وتجري باتجاه الميت إلى المناطق المحتلة عام 1967، خصوصا إلى المستعمرات، وقد وصلت نسبة المياه المحجوزة والمحولة عن البحر الميت إلى حوالي 90% من مصادره.  كما حفرت إسرائيل ما يزيد على 100 بئر لسحب المياه الجوفية من المناطق القريبة التي تغذي أيضا البحر الميت بالمياه، إضافة إلى إقامة المصانع ومراكز استخراج الأملاح، وبخاصة البروميد، بصورة كبيرة، من البحر الميت، والتي تؤدي حسب آراء الخبراء إلى إرتفاع مستوى التبخر.
وفي الواقع، يشكل تنفيذ مشروع قناة البحرين شرعنة فلسطينية-أردنية رسمية لمواصلة نهب إسرائيل واستنزافها لمياه حوض نهر الأردن، بل تغطية هذا النهب من خلال القناة التي ستمنح الاحتلال الإسرائيلي فوائد ومزايا اقتصادية-مائية-سياحية وأمنية مجانية إضافية؛ وفي ذات الوقت، يواصل سرقته المنظمة لمياه بحيرة طبريا ونهر الأردن. 

الحل البيئي
لقد سبق وأعلن كاتب هذه السطور، في مناسبات عديدة، بأن حل مشكلة استمرار تراجع مستوى البحر الميت، وبالتالي "جفافه"، يكمن في أن تتوقف إسرائيل عن نهبها لمياه بحيرة طبريا ونهر الأردن؛ بمعنى أن توقف إسرائيل حجبها لتدفق مياه بحيرة طبرية في نهر الأردن (نحو 650 مليون متر مكعب يتم نهبها سنويا من حوض نهر الأردن)، فضلا عن وقف نشاطات المصانع الإسرائيلية المستنزفة لمياه البحر الميت (أكثر من 250 مليون متر مكعب تستنزفها المصانع من البحر).  وهذا يعني توفير نحو 900 مليون متر مكعب سنويا من المياه المنهوبة مباشرة من البحر الميت أو من الروافد المغذية له، وهذه الكمية أكبر مما يحتاجه البحر لحل ما يسمى "مشكلة جفاف البحر الميت"، علما بأن البحر الميت يحتاج إلى نحو 800 مليون متر مكعب سنويا من المياه لوقف استمرار تراجع مستواه، وهذه الكمية تتناسب مع سرعة التبخر السنوية للبحر الميت.
أي أن وقف تدهور البحر الميت يكمن في إعادة الحياة إلى نظام الجريان الطبيعي لسلسلة بحيرة طبرية – نهر الأردن – البحر الميت، الأمر الذي سيساهم في إعادة أكبر قدر من التوازن البيئي الطبيعي الأصلي لحوض نهر الأردن، وبالتالي تقليص المخاطر وعدم اليقين.

التعليقات

ما دام مشروع القناة يهدف أساسا إلى تعزيز الاستيطان والأمن الاستراتيجي الإسرائيلي وتهويد الأغوار والنقب، فضلا عن الآثار البيئية الكارثية على البيئة الجيولوجيا والجغرافيا والهيدرولوجيا الفلسطينية، فكيف ترتضي السلطة الفلسطينية المشاركة في هكذا مشروع وما هي مصلحتها في ذلك؟؟؟ !!!
ناصر نصار

 

تقديري عاليا لجرئتكم  المهنية في الكشف عن الفساد السياسي والوطني المغلف بأغلفة بيئية وتنموية ...

عايدة السلواني

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية