تموز  2009 العدد (16)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

 July  2009 No (16)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب البيئة والتنمية في صور الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

قراءة في كتاب: 

 

"نحو شركات خضراء"

تأليف:  ليزا نيوتن

ترجمة:  إيهاب عبد الرحيم

سنة الإصدار:  2007

عدد الصفحات:  351 (قطع متوسط)

 

قراءة: محمود الفطافطة

 

المتصفح  لكتاب " نحو شركات خضراء" يجد،  للوهلة الأولى،  مدى المعلومات والإحصاءات والأمثلة والنماذج التي توردها الباحثة حول  مسؤولية مؤسسات الأعمال نحو الطبيعة. هذا الكم الهائل من الحقائق العلمية الواردة تصل بها المؤلفة لمطلب رئيس وحيوي،  يتمثل في ضرورة خلق حياة بيئية خضراء،  بعيدة عن ارتكاب الآثام بحق البيئة التي تمنحنا أكسجين النمو والحياة. هذه الحياة التي ترى ليزا نيوتن بأنها مهددة، ستظل مهددة بالخطر والانهيار أكثر مستقبلاً طالما وجد في عالمنا أناس يتربعون على شركات عالمية، همهم الوحيد هو الربح. الربح الذي يطغى فوق البشر والطبيعية والإنسانية عموماً.

هذا الكتاب الأول من نوعه في هذا المجال، والفريد من حيث المضمون والمعطيات والتحليل والاستشراف في بناه المعرفية والنظرية، يربط، وبمنحنى فلسفي عميق ومشوق، ما بين الأعمال والأخلاق، ويجد أن العلاقة بين الطرفين ليست متكاملة أو ودية، بقدر ما هي متنافرة، وفيها كثير من عناصر الهيمنة والاستحواذ، حيث يرى رجال الأعمال أن الطبيعة مسخرة لمطامعهم الخاصة، ولجني أرباحهم الطائلة، بينما الضحية في هذا المجال هي الطبيعة بكل ما تُؤتي من تلوث وتدمير وتعرية وتخريب.

 

أعمال وتنمية

ومع تجدد اهتمام قطاع الأعمال العالمي بالتنمية المستدامة،  يأتي هذا الكتاب المفعم بالأمل في الوقت المناسب، فيزودنا بعرض سليم من الناحية النظرية، بأسلوب رشيق، وبأطر واستنتاجات حكيمة وعلمية. و يتفحص الكتاب الذي بين أيدينا الوضع الحالي للعلاقات بين   شركات الأعمال والبيئة الطبيعية في العالم اليوم. ويناقش العديد من الأسئلة المتعلقة بالالتزامات الواجبة علينا تجاه البيئة، وتجاه احترام الكيانات التي لا توفر لها القوانين حماية خاصة، وتجاه العناية بالأجيال المستقبلية.

وتجادل المؤلفة بأن ممارسات الأعمال الملائمة للبيئة تحقق نتائج تتجاوز التوقعات، وبأن الشركة التي تود المحافظة على قدرتها التنافسية في القرن الواحد والعشرين عليها أن تتبع المعايير "الخضراء".  ويزود الكتاب القارئ بخلفية مبسطة عن علم الأخلاق،  وعرض للمجالات المختلفة لأخلاقيات الأعمال،  وتقرير عن الفلسفة البيئية، ونظرة عامة إلى القضايا القانونية المتعلقة بالبيئة ، بالإضافة إلى عرض شائق للمشكلات المتعلقة بالعولمة.

 وتذكر المؤلفة أنه لا تزال هناك طرق يمكننا العيش من خلالها في أنظمة بيئية سليمة، لكنها تحتاج إلى تعديلات جذرية في أنماط حياتنا وتوقعاتنا.  وترى الكاتبة أن مؤلفها بقدر ما يعتبر "مقالا" في الدراسات البيئية بقدر كونه مقالا عن أخلاقيات الأعمال. وهو في الأساس بحث فلسفي ، بقدر ما هو ملائم، يضع الافتراضات الجوهرية للسوق مقابل تلك الخاصة بالبيئيين لنرى أين يكمن أن تتحد تلك الافتراضات ويقوي بعضها بعضا، وليس فقط معرفة متى يعارض بعضها بعضاً.

 

التقدم التكنولوجي: إفادة وضرر معا

وأخذت الباحثة ليزا نيوتن في كتابها ادعاءات جميع الأطراف بان أي "تسويات" اتفق عليها في الماضي لم تعد ملائمة في ظل الظروف العالمية المتغيرة في وقتنا الحاضر. كما ساهمت في تقديم الإرشاد عبر المجالات المعقدة لإدارة الأعمال، التي تتأثر بالمخاوف المتعلقة بوضع البيئة الطبيعية ـ أي القانون، والاستراتيجيات، والتعامل مع الألغاز الجديدة للانتشار العالمي والتأثير الجديد للمنظمات غير الحكومية أو منظمات المجتمع المدني. وتوضح المؤلفة أنه يمكن للتقدم التكنولوجي أن يعزز البيئة الطبيعية، كما يمكن أن يضرها. وفي هذا الإطار العام، فإن الكاتبة نيوتن تؤكد أن كتابها جاء كمحاولة لرتق تلك الحقائق معا بطريقة تجعل سيل الأعمال أوضح قليلا في الزمن القادم، المفعمة بالتحديات.

ويبين الكتاب أن البيئة الطبيعية ظلت دوماً موطنا لنا، ومصدراً لكل شيء نحتاجه لنحيا . ولم يتضح سوى الآن،  أي خلال الخمسين عاماً الماضية، أن بعض الأنشطة البشرية لها تأثير مدمر على البيئة،  وبالتالي على مستقبلنا نحن.. ومع هذا الإدراك، كان علينا (وفق الكاتبة) الإقرار بوضع قيود على استخداماتنا للبيئة والتوصل إلى سيل جديدة لأداء الأعمال، توفق بين حاجات العالم الطبيعي وبين رغبات البشر في حياة جديدة. كما توضح الكاتبة أنه علينا أن نتعلم طرقا جديدة للتفكير، لإعادة تخيل علاقتنا بالعالم الطبيعي وبأولئك الذين يتطوعون لتمثيل مصالحه باعتبار أنه أبكم  وتحويلها إلى مقاربات تشكل طريقة أداء الأعمال في المستقبل.

 وتذكر أن قلب المشكلة يتمثل في أن كل مسعى بشري يمكن أن يسمى " اقتصادياً" بحق له تأثير مدمر، على الأرجح ، في العالم الطبيعي. وأن الأمر لا يقتصر على أننا لا نعرف دائماً ماذا نفعل حيال ذلك الأمر؛ بل إننا لا نعلم كيف نفكر حياله. نحن لا نعلم ما هو أكثر قيمة من ماذا، ولا أين تقع واجباتنا، ولا في أي اتجاه يجب أن نبحث عن السعادة البشرية" (وفق ما تذهب إليه المؤلفة).

 

تضرر الشفافية

وتؤكد الكاتبة أن الموارد وجدت لكي تستعمل، ويجب أن لا ينظر إلى البيئة الطبيعية إلا كموارد مخصصة لاستخداماتنا ، إلا أنها يجب ألا تهدر. علينا ألا نعيل فقط جيلنا  نحن، بل وأطفالنا أيضا. ومثل أي رب عائلة متعقل، علينا أن نصون الموارد الطبيعية للاستعمال المستقبلي. وتبين المؤلفة ليزا نيوتن أن الشفافية تتضرر عندما تقع عملية حماية البيئة بين يدي جماعات السلطة التي لا تواجه أي معارضة، وذلك هو سبب كون الديمقراطيات تعمل بصورة أفضل في وجود الكثير من المنازعات.

 

الأولويات الخضراء

وتحدد المؤلفة سبع نقاط فيما تسميه بـ"الأولويات الخضراء". هذه المجموعة تراها بالمقبولة جدا في تبيان التنافسية من خلال الإستراتيجية الخضراء، والمتمثلة في: (التعريف: أن تصف معضلاتك البيئية بعناية) و( المعلومات: احصل على الحقائق، أي البيانات التي تحتاج إليها لحلها) و( المنتفعين: حدد الأطراف التي يجب مراجعة مصالحها بأفضل صورة عند اتخاذ أي قرار) و(الإذعان : تأكد من  انك ملتزم  بالقانون والتشريعات البيئية) و( الطاقة: انظر أين يمكن تحقيق الفعاليات لتوفير أو تدوير الطاقة ) و( والموارد: انظر أين يمكنك توفير أو تدوير المواد التي تستخدمها ) و(البيئات الملائمة : انظر أين يمكن أن تسوق منتجاتك وخدماتك إلى المواضع البيئية الملائمة ).

 

المجتمع المدني: أمل ولكن!!

وتبين الكاتبة أنه في النهاية قد تكون منظمات المجتمع المدني هي أملنا الأفضل بالنسبة إلى مستقبل الأرض وحماية البيئة. وأن على هذا المجتمع أن يلزم الحكومات سواء كانت منتخبة ديمقراطية أم لا،  بتعزيز رفاهية الشعب، ويعني ذلك الأشخاص الأحياء، وليس الأجيال القادمة. في النظام الديمقراطي، فان النواب الذين لا يستطيعون تعزيز المصالح الاقتصادية لناخبيهم لن ينجحوا في الانتخابات القادمة، والطغاة الذين يتركون شعبهم في الفقر لن ينجوا من الثورة القادمة؛ ولذلك فبالنسبة إلى الحكومة، يحتل النمو الاقتصادي أولوية مطلقة، ويستلزم النمو في كثير من الأحيان وقوع اعتداءات على البيئة.

وفي مقابل الأمل في أن منظمات المجتمع المدني على عاتقها التغيير في هذا الأمر، فإن الكاتبة ترى أن الأسلوب التنظيمي لعمل مثل هذه المنظمات يجعل من الصعب عليها أن تساوم، فإذا انخرط العديد من منظمات المجتمع المدني في المناصرة العامة، فان منظمة المجتمع المدني التي تتهاون مع الهدف ـ سواء كان فردا، أو شركة، أو حكومة ـ تميل لان تهمش بين منظمات المجتمع المدني، مما يجعلها غير فعالة.

وتتطرق نيوتن إلى الاتجاهات الجديدة للأعمال، حيث تقول: "على المدى البعيد، وفي الجيل السابع من الآن، يجب أن يعيش مجتمع الأعمال في العالم نفسه الذي نسكنه جميعاً، كما أن المحافظة على المحيط الحيوي هي الالتزام الرئيسي الذي ندين به لذلك الجيل، للعيش بسعادة وجعلنا فخورين بهم – والعكس صحيح".

 

لعبة غير صفرية

إلى ذلك، تؤكد الباحثة أن معظم الحياة الاقتصادية "الأخلاقية البيئية" هي لعبة غير صفرية النتائج؛ بمعنى أنه يمكن إيجاد الحلول لكثير من المشاكل التي نواجهها جميعا. باصطلاحات عصرنا الحاضر، نحن نبحث عن، ونتوقع حلولا "للفوز، الفوز" . وبالإضافة إلى ذلك، من واجبنا كمواطنين وكأناس العمل على خلق مجموعة متنوعة من الأسس، أن ننشد تلك الحلول حيثما أمكن، حتى في المناطق التي نعتقد أنه في وسعنا، بموجب الحصانة التي بيدينا، أن نجعل مصالحنا تسود وفق الصالح العام والخير للعام. بكلمات أخرى: هذا الكتاب يعمل "على تحويل أكبر عدد ممكن من حقول النشاط البشري إلى مجالات للمنفعة المتبادلة وبعيدا عن الصيغ العدائية والمسابقات المستنفدة للموارد".

خلاصة القول:  هذا الكتاب يركز على جانبين أساسيين : في المقام الأول يركز على التفكير،  كما هي الحال في جميع أنماط الفلسفة، وثانيا على الفعل عبر المحاولة في تقريب أو تخطيط الاتجاهات التي ستجعل من الممكن تحقيق الاستدامة البيئية  في مجال الأعمال. إن هذا الكتاب لا يمثل " بيتا كامل البناء، بل أرضية يمكن للباحث أن يبني عليها مفهومه الخاص عن السطح البيني الذي يفصل بين النشاط الاقتصادي الذي نعرفه باسم " الأعمال" ، والبيئة الطبيعية التي نشأنا منها.

باختصار:  يمثل هذا  الكتاب إضافة مهمة إلى المكتبة العربية في مجال أخلاقيات الأعمال، ويدق أجراس الخطر حول الممارسات الأخلاقية الهدامة وتأثيراتها السلبية في كل من قطاع الأعمال نفسه، وفي البيئة الطبيعية التي نعيش فيها، والتي ستعيش فيها الأجيال القادمة من بني الإنسان.

 للأعلىé

 
     
     

 

التعليقات

 
 

.


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
:
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.