|
|
![]() |
|
||||||||||||||
|
|
||||||||||||||||
|
نيسان 2008 العدد (2) |
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا |
April 2008 No (2) |
||||||||||||||
|
|
|
|
||||||||||||||
|
|
|
|
||||||||||||||
|
منبر البيئة والتنمية: الضفة الغربية وقطاع غزة بين المذابح البشرية والمجازر المائية والبيئية جورج كرزم مركز العمل التنموي / معا
في الوقت الذي كانت تُقْتَرَف فيه محرقة نيونازية جديدة ضد أبناء شعبنا في غزة، وتعيث فيه الطائرات الحربية الإسرائيلية فتكا وموتا ودمارا بشريا وبيئيا في كل زاوية وزقاق وحي من قطاع غزة، وتطحن المدفعية وعجلات المجنزرات والدبابات عظام أطفال بيت حانون وبيت لاهيا ورفح وخانيونس وأشجارهم ومحاصيلهم وأراضيهم، ويُعَطَّشُ ويُجَوَّعُ المقهورون هناك، لم يكتف بعض الفلسطينيين "الرسميين" بالتفرج وعدم التدخل لدى أصدقائهم الأميركيين والإسرائيليين لوقف المجزرة الجارية على قدم وساق، بل واصلوا الإيغال في اللقاءات الحميمة والترتيبات الأمنية مع رموز ومهندسي المجزرة، وربما كانوا "يشمتون" من موت "المارقين" و"المتمردين" من الرصاص والقصف، أو من العطش والجوع والمرض.
ويبدو أن حرب الإبادة والتجويع والتعطيش هذه، هي الضريبة الدموية الحتمية التي يجب على شعبنا أن يدفعها في غزة، كي تحيا وتزدهر الضفة الغربية بالمناطق الصناعية، والمجمعات التجارية والمدن الجديدة، وبحبوحة العيش التي يعدوننا بها، شريطة أن نواظب على الصمت والتفرج، بل والتحول إلى شياطين خرس. ففي رام الله، يتحدثون عن "مفاوضات الحل النهائي" التي سوف تشمل المياه أيضا، وفي غزة يشرب أهلنا المياه الوسخة والسامة ويعيشون كارثة بيئية وصحية، نتيجة تلوث مياه الشرب وانتشار الأمراض والأوبئة في أوساطهم. إذن، لم يكتف الاحتلال بما سبب استغلاله لمواردنا المائية وضخه الهائل للمياه، وبخاصة في قطاع غزة، من هبوط سطح الماء الباطني إلى ما دون مستوى التغذية الطبيعي، وبالتالي تدفقت المياه المالحة والملوثة إلى المياه الجوفية القليلة المتاحة لفلسطينيي القطاع، الأمر الذي جعل جودة هذه المياه متدنية جدا، بل وغير صالحة للاستخدامات البيتية والزراعية، لم يكتف الاحتلال بذلك، بل كثف في الأشهر الأخيرة، استخدام سلاح تعطيش شعبنا في غزة. وهو يستخدم مسألة المياه كأداة ضغط سياسية وسلاح ضدهم.
وليس ما يحدث في غزة من مجزرة مائية وبيئية وبشرية مفتوحة بالشيء الجديد، بل إن الهيمنة الإسرائيلية على مزيد من المصادر المائية العربية شكلت، تاريخيا، أحد أهم أسباب شن الكيان الإسرائيلي عام 1967 لحربه التوسعية؛ إذ إن الضفة الغربية تزود إسرائيل بـِأكثر من 25% من المياه. كما أن جزءا كبيرا من المياه العذبة التي يشربها الإسرائيليون في تل أبيب وضواحيها مصدرها المياه الجوفية في منطقة نابلس الجبلية، ناهيك عن احتياطي المياه الضخم في منطقة الخليل-بيت لحم. يضاف إلى ذلك، أنه في ظل التغيرات المناخية الحاصلة في السنين الأخيرة بمنطقتنا، وبالتالي شح الأمطار والتقلص الخطير المتزايد في احتياطي مصادر المياه الطبيعية في فلسطين التاريخية إجمالا، تكتسب مسألة المياه، بالنسبة للكيان الإسرائيلي، أهمية أمنية وإستراتيجية متعاظمة، علما بأن أزمة المياه تعتبر من أخطر الأزمات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وذلك بسبب سيطرة الاحتلال على مياهنا ونهبه لها، ليس فقط لصالح المستعمرات في الضفة والقطاع، بل أيضا لصالح الإسرائيليين داخل ما يسمى "الخط الأخضر". وتتحدث إسرائيل عن مشاريعها المائية العدوانية علنا، إذ إنها تستخدم مسألة المياه كأداة ضغط سياسية وسلاح ضد العرب. فإسرائيل تمنع الأردن الذي يعاني من العطش بسبب جفاف معظم أحواضه المائية وارتفاع نسبة الملوحة في مياه الشرب، من تحويل بعض مياه نهر الأردن إلى الأراضي الأردنية، ناهيك عن سرقة إسرائيل لمياه وادي عربة والمياه الجوفية في الحمة، علما أن اتفاق وادي عربة "يمنح" نظريا الطرف الأردني "حصصا" من مياه نهري الأردن واليرموك ومياه وادي عربة الجوفية. ويتجسد الإرهاب المائي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني تحديدا، بدوافع استعمارية عنصرية، في نهب إسرائيل أكثر من 70% من إجمالي موارد المياه السنوية في الضفة والقطاع لصالح مستعمراتها، ومن الباقي (30%)، فإن حوالي 18% عبارة عن مياه مالحة أو أن استخراجها صعب ومكلف، وهذا يعني بأن المتاح من المياه لسكان الضفة والقطاع ليس أكثر من 12% من إجمالي موارد المياه. وتقطع إسرائيل المياه عن بعض المناطق في الضفة، متى شاءت، بحجة "العجز عن تسديد أثمان" مياهنا المنهوبة لشركة "مكوروت" الإسرائيلية. كما يواصل الإسرائيليون عمليات حفر الآبار الجوفية في الضفة ويسرقون كميات ضخمة من مياهنا الجوفية وبالتالي يحرموننا من الاستفادة من مصادر مياهنا الطبيعية، علما أن معظم المستعمرات اليهودية تقع تحديدا في الأراضي الفلسطينية الغنية بالمياه العذبة. تكريس النهب
وقد ثبَّتَ اتفاق أوسلو 2 عملية النهب الإسرائيلي للمياه، حيث نص على أن كمية المياه السنوية المتوفرة للفرد الفلسطيني حاليا (في الضفة والقطاع) من المصادر المتجددة لا تتجاوز 82 متر مكعب، وهي من أدنى النسب في العالم، بينما تتجاوز الكمية للفرد الإسرائيلي 400 متر مكعب. بل إن أربعة ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع يستهلكون حاليا نحو 323 مليون م3 سنويا، بينما يستهلك ستة ملايين إسرائيلي نحو 2009 مليون م3 سنويا. كما أن المستعمرين في الضفة الغربية (نحو 500 ألف مستعمر) يستهلكون أكثر من 80 مليون م3 سنويا. وحسب سلطة المياه الفلسطينية، فإن فلسطينيي القطاع كانوا يحصلون، قبل الحصار التجويعي الحالي، على ما لا يزيد على 30% من احتياجاتهم المائية. وكان ينعكس هذا الواقع من خلال بقاء أهلنا في مخيمات غزة دون مياه لأيام عديدة، وبخاصة في الصيف. فإذا كان هذا هو واقع الإرهاب المائي ضد أهلنا قبل الحصار الحالي، فما بالك به في الحصار التجويعي والتعطيشي الجاري. وإن كانت حرب التعطيش مشتعلة في غزة حاليا، فإنها تتواصل، وإن بمدى أقل، في الضفة أيضا. فمدينة الخليل، على سبيل المثال لا الحصر، تتزود من الإسرائيليين بما لا يزيد على 5000 متر مكعب من المياه يوميا، علما بأن الحد الأدنى لاحتياجات المياه في الخليل نحو 30000 متر مكعب يوميا. وفي المقابل، تتمتع المستعمرات اليهودية بوفرة غير محدودة من المياه العذبة وعالية الجودة، ولا توجد لديها أية مشكلة في استهلاك ما تشاء من مياهنا، والمطلوب من الشعب الفلسطيني فقط أن يقتصد ويعطش ويحرم من الاستفادة من مصادر مياهه الطبيعية المتوفرة في الضفة الغربية تحديدا بغزارة، علما بأن الإسرائيليين يتمتعون بالمياه المدعومة حكوميا. وأخطر من ذلك، أن بعض الفلسطينيين يروجون للدعوات الإسرائيلية والأميركية القائلة بضرورة حل "أزمة" المياه لدينا، عبر إعادة استخدام المياه العادمة، أو عبر "استيرادنا" المياه من "الجيران". وبالطبع، يصب هذا الترويج، ضمنا وموضوعيا، باتجاه تثبيت "سيادة" إسرائيل على مواردنا المائية، وبالتالي، تخلينا عن حقنا في هذه السيادة وتحولنا إلى متسولين للمياه من الآخرين. إذن، المطلوب من أطفالنا أن يعطشوا ويحرموا من الاستفادة من مصادر المياه الطبيعية، إذ إن العديد من القرى الفلسطينية (نحو 257 قرية) لا يوجد فيها شبكات لتوصيل المياه. والعديد من هذه القرى التي تعتمد في مياهها على الصهاريج المحمولة، لا تستطيع الحصول على المياه بسبب الإغلاقات والحصار الإسرائيلي المفروض عليها واعتداءات المستعمرين. تسويق الأوهام
يتصرف بعض المسئولين الفلسطينيين وكأنهم يعيشون في دولة فلسطينية ذات سيادة، و"يتشرطون" على إسرائيل بأن عليها أن "تمنحهم" الحقوق "كاملة" وبأنهم "لن يسمحوا للمفاوض الإسرائيلي أن يحدد لنا بأن حقوقنا المائية أكبر من احتياجاتنا". وهم يستندون في هذا الموقف إلى أن "أوسلو اعترفت بحقوقنا المائية وبأن المفاوضات النهائية ستناقش الحقوق المائية للشعب الفلسطيني". نستنتج من هذا الكلام وكأن "المفاوض" الفلسطيني هو الذي يسيطر كليا على مصادر المياه وليس الإسرائيليين الذين يحددون الكميات التي على الفلسطينيين التصرف بها، ويقررون "تحريم" أو "تحليل" الكميات التي يسمح لنا الحصول عليها. ولو افترضنا أن "المفاوضات" مع الإسرائيليين حول المياه سوف تتجدد، فإن السؤال الحاسم الذي يطرح نفسه فيما يتعلق بمسألة المياه التي تعتبر من أكثر مسائل التفاوض خطورة وحساسية، هو: إلى ماذا سيستند "المفاوض" الفلسطيني في "مفاوضاته" حول المياه، في ظل ميزان قوى يميل كليا لصالح الكيان الإسرائيلي، وفي غياب آية قوة مادية حقيقية ضاغطة تمكن "المفاوض" من انتزاع حقوقنا في السيادة على مواردنا واستخدامها وإدارتها؟ هل سيتمكن فلسطينيو الضفة والقطاع، نتيجة لمفاوضات "الحل الدائم"، من استخراج المياه الجوفية أو من استخدام ما لمياه نهر الأردن؟ أم هل سيسمح الكيان للفلسطينيين بحفر أحواض تقلل من تسرب مياه الضفة إلى داخل الدولة اليهودية، كما فعلت الأخيرة في حدود غزة لمنع تسرب مياه الضفة إلى القطاع؟ في ظل فقدان توازن القوى مع الإسرائيليين بالمقاييس العسكرية التقليدية وغير التقليدية، فإن المفاوض الأقوى في أية مفاوضات هو الذي يفرض شروطه على الأضعف، حيث إن نتيجة "المفاوضات" ليست سوى تجسيد وتكريس للخلل القائم في موازين القوى. فالمطلوب، إذن، بالدرجة الأولى، ليس تسويق الأوهام والأكاذيب للناس بأننا سنحصل في "المفاوضات" على حقوقنا المائية الكاملة، بل النضال المبدئي العنيد بكافة أشكاله، لانتزاع سيادتنا على أرضنا ومواردنا المائية. التحليل والتحريم هنا لا بد من التحذير من إسرائيل التي تُنَظِّر بحماس وتضغط على الفلسطينيين لتطوير مشاريع هدفها المعلن "ترشيد استخدام المياه" و"إعادة استعمال المياه العادمة"، بينما الهدف الحقيقي من هذه المشاريع هو أن تعمل إسرائيل على احتساب المياه المعالجة من حصة المياه التي "تسمح" لنا الأخيرة باستخدامها؛ وبالتالي، تثبيت المعادلة المائية القائمة على أساس أن الاحتياجات المائية الفلسطينية تزداد بشكل هائل، في الوقت الذي تتقلص فيه كثيرا المصادر المتاحة. ويتجسد هذا الواقع، رقميا، في أن نصيب المستوطن اليهودي من المياه المنهوبة أكثر من عشرة أضعاف حصة المواطن الفلسطيني، علما بأن حصة الفرد الفلسطيني نحو 30 لترا يوميا، بينما حصة المستوطن أكثر من 400 لتر يوميا. بينما حسب المقاييس الدولية لمنظمة الصحة العالمية (WHO) يفترض أن يكون الحد الأدنى لحصة الفرد 150 لترا يوميا. ليس هذا فقط، بل إن الإسرائيليين هم الذين يقررون أيضا "تحريم" أو "تحليل" إقامة المشاريع المائية الهادفة للاستفادة من المياه الطبيعية المتدفقة. وفي كل الأحوال، لا "يمنحون التراخيص" اللازمة لهذه المشاريع. بل إنهم، وكي "يوافقوا" على "منح التراخيص" لإنشاء وتشغيل محطات التنقية الفلسطينية، يشترطون ربطها بمجاري المستعمرات، كما هو واقع محطة مدينة البيرة.
قناة البحرين والاستخفاف بالعقل الفلسطيني
يضاف إلى ما ورد، أن السلطة الفلسطينية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من أشكال السيادة السياسية على الأرض والموارد المائية الفلسطينية التي تقع بالكامل تحت هيمنة الاحتلال، والتي (أي السلطة) تعد مجرد سلطة حكم ذاتي مرجعيتها السيادية قانونيا هي دولة "إسرائيل" (هذا ما نصت عليه اتفاقيات أوسلو وهو أيضا الفهم المتعارف عليه دوليا للحكم الذاتي)، خولت نفسها المشاركة في مشروع "قناة البحرين" (الأحمر-الميت) الذي يعد مشروعا "سياديا" يهدف أصلا إلى تثبيت الوجود الإسرائيلي الاستيطاني في فلسطين بعامة، وفي الأغوار وصحراء النقب بخاصة، فضلا عن المخاطر البيئية الكارثية التي يتضمنها المشروع. ويتحدث "المفاوضون" عما يسمونه "دراسة الجدوى" للمشروع، بتمويل البنك الدولي، علما بأن هناك قرارا مسبقا بتنفيذ المشروع، وما "دراسة الجدوى" سوى القناع "العلمي" و"المهني" اللازم لتنفيذ المشروع، ولاسيما أن الرموز الفلسطينية المتساوقة مع هذا المشروع يتحدثون عن "إيجابياته وفوائده وإنجازاته". فإذا كان هناك حكم مسبّق بأن كل المشروع المقترح عبارة عن "إيجابيات"، فما هو المبرر، إذن، من عمل "دراسة الجدوى" التي يفترض بها أن تقرر إذا كان من المجدي، بيئيا واقتصاديا، تنفيذ المشروع؟ ولا ينبس "المفاوضون" الفلسطينيون والأردنيون ببنت شفة حين يضع الإسرائيليون الطرفين الفلسطيني والأردني على قدم المساواة مع "إسرائيل" في المسؤولية عن التراجع الهائل في مستوى البحر الميت، أو حين تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أن سبب "تراجع مستوى البحر الميت بنسبة الثلث عما كان عليه في الستينيات هو استخدام الدول المشاطأة له، أي الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، مياه نهر الأردن الذي يغذيه للري". وبالطبع، هذه "المساواة" غير صحيحة إطلاقا، إذ لا يوجد للفلسطينيين أية سيطرة أو سيادة على أي جزء من نهر الأردن. إذن، الادعاء القائل بأن الانخراط الفلسطيني في مشروع قناة البحرين سيمنح الجانب الفلسطيني "حقوق المشاطئة الكاملة وعلى قدم المساواة وبشكل متكافئ مع الأطراف الأخرى"، ليس أكثر من مجرد استخفاف مكشوف بعقول أبناء شعبنا، وكلام وهمي لا صلة له بالوقائع وموازين القوى الفعلية على الأرض. والأمر المثير للريبة، أنه لدى دفاعهما عن مشروع القناة، يتجاهل الطرفان الفلسطيني والأردني تجاهلا تاما حقيقة أن إسرائيل تتحمل جانبا كبيرا من مسؤولية تدهور أوضاع البحر الميت، حيث أقامت ما يزيد على 18 مشروعا لتحويل مياه نهر الأردن إلى مشروعاتها الزراعية في صحراء النقب. كما حولت الأودية الجارية التي تتجمع فيها مياه الأمطار وتجري باتجاه الميت إلى المناطق المحتلة، خصوصا إلى المستوطنات، وقد وصلت نسبة المياه المحجوزة والمحولة عن البحر الميت إلى حوالي 90% من مصادره. كما قامت إسرائيل بحفر ما يزيد على 100 بئر لسحب المياه الجوفية من المناطق القريبة التي تغذي أيضا البحر الميت بالمياه، إضافة إلى إقامة المصانع ومراكز استخراج الأملاح، وبخاصة البروميد، بصورة كبيرة، من البحر الميت، والتي تؤدي حسب أراء الخبراء إلى إرتفاع مستوى التبخر.
طموح قديم وكوارث بيئية وأهم من كل ما سبق، أن المنخرطين في مشروع القناة، يغيبون حقيقة أن هذا المشروع عبارة عن طموح قديم جدا للحركة الصهيونية، حيث خططت تلك الحركة لهذا المشروع منذ أكثر من مئة عام، وقد أُنْجِزَت خلال تلك الفترة عشرات الدراسات الإسرائيلية التي عالجت هذه المسألة. وفي عام 1902، أشار مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتسل، في كتابه "الأرض القديمة-الجديدة"، إلى مشروع قناة تربط بين البحرين الميت والمتوسط. كان ذلك قبل قيام الدولة اليهودية، وقبل أن تبدأ "إسرائيل" أصلا بسرقة المياه العربية، وبالتالي قبل بروز مشكلة جفاف البحر الميت. بمعنى أن فكرة إنشاء قناة البحرين، تاريخيا، لا علاقة مباشرة لها بمسألة "إنقاذ البحر الميت من الجفاف"، حيث إن المشروع الأنجلو - صهيوني القديم لإقامة دولة يهودية في فلسطين، أخذ بالاعتبار أن مثل هذه الدولة العصرية المزمع إنشاؤها على أنقاض الوجود البشري للشعب الفلسطيني، سوف تستهلك كميات ضخمة من المياه الفلسطينية المغذية للبحر الميت، الأمر الذي يستلزم لاحقا عملية تعويض مائي للأخير، وذلك من خلال شق ما يسمى قناة البحرين. أي أن فكرة القناة جاءت أصلا، وبشكل مخطط له بدقة، بهدف تعويض ما كان مبرمجا أن تنهبه الدولة اليهودية المزمع إقامتها، من مياه. وقد كتب، في حينه، الإسرائيلي ف. سيفر في صحيفة "عل همشمار" أن "قناة البحرين هي جزء من المشروع الصهيوني الكبير". وعمليا، يعد هذا المشروع تثبيتا وتعميقا للوجود الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكل عام ومنطقة الأغوار بشكل خاص، فضلا عن أن إنشاء المشاريع الإسرائيلية حول القناة سيجذب العاملين الإسرائيليين إليها وسيعزز الاستيطان الإسرائيلي في الأغوار. كما أن مشروع قناة البحرين سيسرع في عملية الاستيطان الإسرائيلي لصحراء النقب التي تشكل نصف مساحة فلسطين، حيث ستوفر لها مصادر مائية وكهربائية رخيصة جدا. وتكثيف الوجود السكاني الإسرائيلي في النقب يعني مزيدا من نهب أراضي العرب في المنطقة واقتلاعهم منها. وليس صدفة، أن شارون، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، صرح، وتحديدا بعد الإعلان عن اتفاقية دراسة الجدوى، بأن هدف إسرائيل من الآن وحتى عام 2020 هو توطين مليون يهودي في صحراء النقب. إذن، ولتوفير الغطاء البيئي الإقليمي لمشروع قناة البحرين؛ وبالتالي إخفاء الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية والإستراتيجية الإسرائيلية التي يتضمنها المشروع، تحتاج "إسرائيل" إلى جهات عربية لتنفيذ "الحلم الصهيوني التاريخي" الاستراتيجي والمتمثل بشق القناة، تماما كما نفذت في الماضي مشاريع أخرى بأيدٍ عربية. فهل المطلوب من الأطراف العربية أن تشارك الإسرائيليين في مشروعهم الهادف إلى إصلاح ما أفسده الأخيرون بشكل منظم؟ ثم لماذا تجاهل ما يؤكده العديد من علماء الجيولوجيا، ومنهم الإسرائيليون، بأن تنفيذ هذا المشروع سيتسبب في حدوث زلازل مدمرة، وذلك نظرا لأن تدفق كميات كبيرة من مياه البحر الأحمر في البحر الميت الذي يعد أخفض منطقة في العالم، سيؤدي إلى زيادة الضغط على قعر البحر الميت، مما يؤدي لاختلالات في طبقات الأرض في منطقة الأغوار؛ حيث إن هذه القناة ستمر فوق ما يعرف بفالق شمال أفريقيا النشط زلزاليا، وبالتالي فإن تسرب المياه في تلك المنطقة قد يحرك الفالق وينشط الزلازل فيها. |
||||||||||||||||
|
|
|
|
||||||||||||||
|
التعليقات |
||||||||||||||||
|
البريد الالكتروني: msilawi@yahoo.com الموضوع: منبر البيئة والتنمية التعليق:
حقا، وكما يبين التنموي جورج كرزم، إن طريقة عرض السلطة الفلسطينية لمخطط قناة البحرين فيه اسخفاف بعقول الناس! فأي مبتدئ في علوم البيئة يعرف تماما العواقب البيئية الكارثية التي ستتسبب بها هذه القناة. ثم لماذا يحاول بعض المسؤولين الفلسطينيين تصوير هذا المشروع الصهيوني باعتباره مشروعا أردنيا، كما اتضح من ندوة المياه المنشورة في هذا العدد؟ فمنذ متى أصبح المشروع أردنيا؟ عشرات الوثائق والدراسات الصهيونية تثبت أن المشروع اختراع صهيوني. أم أن الهدف هو تلطيف صهيونية المشروع الصارخة، وتبرير المشاركة الفلسطينية به، باعتباره مشروعا أردنيا هاشميا أصيلا؟ فإلى متى الاستمرار في تزوير الحقائق وتسويق الأكاذيب؟! معتز السيلاوي
|
||||||||||||||||
|
|
||||||||||||||||
|
الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة. |
||||||||||||||||