|
|
![]() |
|
||||||||||||||
|
اذار 2009 العدد (12) |
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا |
March 2009 No (12) |
||||||||||||||
|
|
|
|
||||||||||||||
|
|
|
|
||||||||||||||
|
تراثيات بيئية: |
||||||||||||||||
|
البيئة في فكر خليل السّكاكيني علي خليل حمد كتب المربي الفلسطيني الكبير، خليل السكاكيني، على غرار شعراء الرومانسية وكتابها، منتقداً بيئة المدينة الملوثة وغير الصحية، في كل من الولايات المتحدة وفلسطين، ومثنياً على بيئة الريف الصّحية النقية؛ ولكنّه كتب في البيئة أيضاً ما لم يكتبه أولئك الشعراء والكتاب، ومن ذلك تأثير البيئة في حياة الإنسان وسلوكه ولغته، وكذلك في سوء استخدام البيئة بما يلحق الضرر والأذى بالآخرين. بل ذهب السكاكيني في حديثه عن البيئة إلى اعتبار أنها المسؤولة عن أعمال الإنسان الفرد إلى حدّ رفع المسؤولية عنه!
-1- جدلية العلاقة بين العنصرية والتلويث في الكتاب الثاني من يوميات السكاكيني (ص.66) كتب بتاريخ 19/2/1914 ضمن حواراته مع الخواجا (إبري) معلقا على سلوك اليهود في فلسطين مع جيرانهم العرب: "لا تراعون إحساسات الوطنية في شيء؛ فاللغة العربيّة تشوّهونها، والأزياء الوطنية أو المستحسنة لا تراعونها احتقاراً لغيركم واستخفافاً بهم؛ لا تراعون النظافة فجيرانكم من الوطنيين يتأذون من مجاورتكم، وهم لا يحسبون ذلك عدم مبالاة منكم بالنظافة، ولكنهم يعتقدون أنكم تتخذون الأوساخ والأقذار واسطةً لتبعدوهم عنكم لئلاّ يجاوركم منهم مجاور."
- 2- البيئة أحد محددات اللغة تحدث السكاكيني عن تأثير البيئة في أصوات اللغات بعامة، والعربية بخاصة، في الكتاب الثالث من يومياته (ص.90): "ساقنا الحديث إلى فلسفة اللغات، فقلت لهما: من تدبّر اللغات رأى قسماً كبيراً منها مبنيّا على تقليد أصوات الحيوانات والطيور، لأنّ الإنسان التاريخي عاش دهراً طويلاً على صيد الحيوانات وتربيتها، فكان يصرف أكثر أوقاته في الغابات والأدغال مترصّداً في كلمته؛ وكان يقلّد أصوات الحيوانات والطيور ليستكشف مكانها فيصيدها، ولذلك تكاد تكون اللغات البشرية لغات الطيور والحيوانات لا لغات البشر."
"ثم نظرنا في سرّ وجود حروف حلقية في اللغة العربية، فقلت: قد يكون لذلك سببان: الأول أن العرب لمّا كانوا أهل قفر وصحاري كانت عنايتهم بالجِمال أكثر من عنايتهم بسائر الحيوانات فقلدوا أصواتها، ومن تدبّر اللغة العربية رأى لأكثر مفرداتها علاقة بالجمل؛ والثاني، لمّا كان العرب سكان قفرٍ حارٍّ يعيشون في الهواء الطّلق، لم يكن لهم بدّ من فتح أفواههم لإخراج ما يجيش في صدورهم من الأنفاس الحارّة، واستنشاق الهواء استبراداً، فقويت بذلك حلوقهم، وليس أحسن واسطة لتقوية الحلوق من تعريضها للهواء الجافّ الطّلق النقي." -3- البيئة الملوثة نصيب الطبقات الكادحة كتب السكاكيني عن الظروف السّيئة التي يعمل فيها الكادحون في الغرب، وذلك في الكتاب الثاني من يومياته (ص.65): "جعلنا ننظر في هذه المدينة (الغربية) من الجهة السوداء. إن السّواد الأعظم في أوروبا وأميركا عمال يشتغلون في المناجم تحت الأرض، أو في المعامل حيث يتعرضون لأخطار عديدة، لا يعرفون نور الشمس ولا الهواء النفي الطلق.. ما هذه المدنية التي فيها ألوف من الأولاد لا يعرفون الطبيعة ولا يرون الحقول ولا الزهور؟ ما هذه المدنيّة القائمة على الحركة العنيفة والزحام الهائل، مما يدعو إلى هياج الأعصاب، بحيث كثر الجنون وتعددت البيمارستانان؟ ولعل السبب في ذلك إعراض الناس عن الزراعة [و] عن المعيشة في الحقول، وتهافتهم على الصناعة والتجارة ولو في المعايش الدنيئة في المدن."
-4- والبيئة الملوثة نصيب سكان المدينة أيضا "إذا كان الناس ينقرضون شيئاً فشيئاً، فلا بدّ أن أهل المدن أصحاب الدكاكين والمصانع، الذين يعيشون في المدن المكتظّة، البيت في وجه البيت، الذين لا يرسل الواحد طرفه إلا ارتدّ قليلاً [كليلاً؟] ولا يتنفّس إلاّ الهواء الموبوء، ولا يشرب إلاّ الماء الرّاكد الآسن، على أنّ كل واحد محتاج إلى الآخر – إذا كان الناس ينقرضون شيئاً فشيئاً فأهل المدن أوّل من ينقرضون لأن هذا الأسلوب الذي اختاروه من العيش لا يصلح للحياة، وكم جنت المدن والمصانع والآلات على الإنسانية، فإذا دعوت الناس فإنني أدعوهم إلى الطبيعة، إلى معيشة القرية لو كانوا يسمعون."
القرية هي البيئة المثالية يرى السكاكيني في القرية البيئة المثالية التي ينبغي أن يعيش فيها الإنسان؛ ومن ذلك قوله في الكتاب السادس من يومياته (ص.35): "ما أجمل الطبيعة وما أشوقني إلى العودة إليها!، ويا حّبذا لو فطن أبي فسكن القرية، أو علمني الزراعة، أو جعل منّي راعياً أو حرّاثاً، إذن لكنت سعيداً أن أعيش في أحضان الطبيعة الجميلة، بل يا حّبذا لو فطنا فجعلنا منك [بقصد ابنه سريّ] زرّاعاً بدلاً من محامٍ أو طبيب أو صحافي أو أستاذ أو غير ذلك، تبكّر في صباحك إلى الحقول على سفوح الجبال أو تحت أقدامها فتتفقّد أغراسك ومزروعاتك... ولكن إذا لم نكن من الفلاحين فماذا يمنعنا أن نسكن القرية، أو نتمتع بالطبيعة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا؟." |
||||||||||||||||
|
|
|
|
||||||||||||||
|
التعليقات |
||||||||||||||||
|
|
||||||||||||||||
|
الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة. |
||||||||||||||||