مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
حزيران 2013 - العدد 55
 
Untitled Document  

تبادل مياه عربية بمياه عربية
الأردن سيقيم منشأة تحلية في العقبة تزود المستعمرات الإسرائيلية في جنوب فلسطين بالمياه وفي المقابل ستزود إسرائيل الأردن بالمياه من بحيرة طبرية!
رغم إعلان سابق للحكومة الأردنية بأن مشروع قناة البحرين غير مجدٍ اقتصاديا فإن أمين عام "سلطة وادي الأردن" يقول بأن حكومته تدعم المشروع وترى فيه حلا لأزمة المياه الأردنية

مشروع قناة البحرين

جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية

رغم ما نشرته وسائل الإعلام الأردنية مؤخرا حول عدم قدرة النظام الهاشمي الالتزام بشكل كامل بتنفيذ مشروع قناة البحرين (الأحمر-الميت)، وإعلان الحكومة الأردنية بأن مشروع قناة البحرين غير مجدٍ اقتصاديا؛ وبخاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي الأردني وعدم قدرة المواطن الأردني على تحمل تكلفة المياه المحلاة في إطار المشروع- رغم ذلك، أعلن مؤخرا سعد أبو حمور المسؤول الأردني الكبير وأمين عام سلطة وادي الأردن وممثل الحكومة الأردنية في ما يسمى "لجنة المياه المشتركة" بين إسرائيل والأردن- أعلن  أن دولته تدعم المشروع وترى فيه وسيلة حيوية لمواجهة أزمة المياه الحادة في الأردن.  واللافت أن أبا حمور الذي كثرت زياراته مؤخرا  إلى إسرائيل، يعتبر أن مواجهة العجز المائي الأردني يمر عبر اتفاق بين الأردن وإسرائيل يُمَكِّن الأخيرة من الحصول على المياه من منشأة لتحلية المياه في مدينة العقبة، بحيث تنقل المياه من العقبة إلى جنوب العربة في إسرائيل؛ وفي المقابل تسمح إسرائيل للأردن بزيادة ضخ المياه من بحيرة طبرية نحو شمال الأردن! 
وفي نيسان الماضي، زار أبو حمور مدينة أسدود ليحضر ما يسمى "المؤتمر الوطني الإسرائيلي من أجل الاستدامة" الذي نظمته كل من بلدية أسدود ومجموعة "الأرض" الإسرائيلية وجمعية "مدن من أجل البيئة".  وتواجد أبو حمور على منصة المؤتمر جنبا إلى جنب مع "جدعون برومبرغ" مدير عام المنظمة البيئية الإسرائيلية "أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط" والتي تضم في صفوفها بعض الأردنيين والفلسطينيين أيضا.
ويعاني الأردن في السنين الأخيرة من ضائقة مائية حادة ومتواصلة؛ ما أدى إلى تخصيص سقوف مائية لمختلف مناطق المملكة.  ويقول أبو حمور بأنه "في كل حي سكني تتوفر إمدادات مياه متواصلة طيلة 48 ساعة مرة واحدة أسبوعيا".  وأثناء توفر المياه "يخزن المواطنون المياه في خزانات مثبتة على أسطح المنازل، ما يمكنهم من مواصلة استهلاكهم المياه في سائر أيام الأسبوع"، علما أن الحكومة الأردنية تدعم سعر المياه للاستخدام الزراعي والمنزلي.

فتات مائي وسلاح ضد العرب
وتكتسب مسألة المياه، بالنسبة للكيان الإسرائيلي، أهمية أمنية وإستراتيجية متعاظمة، علما بأن أزمة المياه تعتبر من أخطر الأزمات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وذلك بسبب سيطرة الاحتلال على مياهنا ونهبه لها، ليس فقط لصالح المستعمرات في الضفة الغربية، بل أيضا لصالح الإسرائيليين داخل إسرائيل.
وتتحدث إسرائيل عن مشاريعها المائية العدوانية علنا، إذ إنها تستخدم مسألة المياه كأداة ضغط سياسية وسلاح ضد العرب.  فإسرائيل تمنع الأردن الذي يعاني من العطش بسبب جفاف معظم أحواضه المائية وارتفاع نسبة الملوحة في مياه الشرب، من تحويل بعض مياه نهر الأردن إلى الأراضي الأردنية، ناهيك عن سرقة إسرائيل لمياه وادي عربة والمياه الجوفية في الحمة، علما أن اتفاق وادي عربة "يمنح" نظريا الأردن "حصصا" من مياه نهري الأردن واليرموك ومياه وادي عربة الجوفية. 
والفتات المائي الذي "يمنحه" الاحتلال للأردن عبارة عن تزويد الأخير  بـ 35 مليون متر مكعب سنويا من مياه بحيرة طبرية؛ وذلك في إطار اتفاق وادي عربة.  كما يستخدم الأردن مخزون المياه الجوفية الكبير على الحدود مع السعودية.  إلا أن أبا حمور يقول بأنه إثر دخول نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري إلى الأردن (؟!) ازداد كثيرا الضغط الواقع على المصادر المائية في الأردن، بما في ذلك مخزون المياه الجوفية بمحاذاة الحدود مع السعودية، والذي يعد مصدرا مائيا غير متجدد؛ إذ يتوقع أن تنتهي صلاحيته عام 2022.  ويتابع أبو حمور بأنه مع ضغط اللاجئين فستنتهي صلاحية ذلك الخزان قبل ذلك التاريخ ببضع سنوات.  وناشد أبو حمور دول العالم كي تساعد الأردن في مواجهته أزمة المياه.
والغريب أن النظام الهاشمي اتفق مبدئيا مع إسرائيل على حل مشكلة عجزه المائي من خلال عملية تبادل مياه عربية بمياه عربية أخرى، وذلك عبر إقامة الأردن لمنشأة تحلية في العقبة تزود للمستعمرات الإسرائيلية في جنوب فلسطين بالمياه، وتحديدا مستعمرات جنوب العربة.  ومقابل كل متر مكعب من المياه التي سيزودها الأردن للمستعمرات الإسرائيلية الجنوبية، ستزود إسرائيل الأردن بالمياه من بحيرة طبرية المنهوبة إسرائيليا أصلا، أو من منشآت التحلية الإسرائيلية في شمال فلسطين.
علاوة على ذلك، يزعم أبو حمور بأن المشروع الذي سيحسن الوضع المائي في الأردن على المدى الطويل، هو قناة البحرين المزمع إنشاؤها بين البحرين الأحمر والميت.  ولم يخف أبو الحمور بأن أهمية هذا المشروع تكمن أيضا في "تطوير علاقات التعاون الإقليمي"، في ترديد واضح لما يقوله المسؤولون الإسرائيليون الذين يتعاملون مع مشروع "قناة البحرين" باعتباره مشروعا "وطنياً إسرائيليا" كما أعلن سلفان شالوم العام الماضي؛ والذي شدد على أن هذا المشروع يعد "مشروعا وطنيا عظيما سيساهم في تنمية النقب والعربة" (معاريف 3/7/2012).

تقارير ومغالطات
بعد نحو عشر سنوات من النقاشات حول جدوى مشروع إقامة "قناة البحرين" (الأحمر – الميت) وآثارها البيئية، نشر البنك الدولي في كانون ثاني الماضي سلسلة تقارير زعم فيها بأن مشروع إنشاء القناة من البحر الأحمر إلى البحر الميت مُجْدٍ هندسيا، اقتصاديا وبيئيا.  وقد اعتبرت ما يسمى وزارة "التعاون الإقليمي وتطوير النقب والجليل" الإسرائيلية هذه التقارير خطوة هامة إضافية نحو إنجاز المشروع. 
وكما هو معروف، الهدف الإسرائيلي المعلن من مشروع "قناة البحرين" الذي اخترعه الإسرائيليون أصلا، هو تثبيت مستوى سطح البحر الميت، وتزويد دول المنطقة، وبخاصة الأردن، بالمياه والكهرباء؛ إضافة إلى ما يسمى "التعاون الإقليمي وتعزيز السلام في المنطقة". 
وفي المحصلة، سيُضَخ في مشروع "القناة" ملياري متر مكعب من المياه سنويا؛ وسيصل جزء كبير منها، في نهاية المطاف، إلى البحر الميت.  وستبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع نحو عشرة مليارات دولار يتوقع أن يتم توفيرها من خلال القروض و"المِنَح" الدولية.  ويدعي البنك بأن الأرباح الناتجة عن توليد الكهرباء والمياه يمكنها سداد جزء أساسي من القروض.  وبحسب الجدول الزمني للبنك، يتوقع في مطلع العقد القادم أن يصبح المشروع ساريا.
وقد بينت آفاق البيئة والتنمية في عددها الصادر في آذار الماضي التناقضات الكثيرة التي تضمنتها تقارير البنك الدولي المتعلقة بمشروع قناة البحرين؛ إذ زعم البنك في تقاريره بأن مشروع القناة مُجْدٍ اقتصاديا وبيئيا.  وأهم هذه التناقضات إقرار البنك الصريح بأن مشروع القناة سيؤدي إلى نمو طحالب حمراء غريبة وتكون كتل من الجبص الأبيض في البحر الميت، إضافة إلى وجود مخاطر جدية على المياه الجوفية في وادي عربة.  كما أشار البنك إلى أن القناة قد تفاقم ظاهرة الحفر البالوعية الناتجة عن انكماش البحر الميت وذوبان الطبقات الملحية الهشة في محيطه، ما يلحق الضرر بالمنشآت والبنية التحتية والطرق الممتدة على جانبي البحر، ويهدد الحياة والممتلكات والمنشآت.

التعليقات

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية