; اصدقاء البيئة والتنمية
 
 
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
أيلول 2011 العدد-38
 
:اصدقاء البيئة و التنمية

 

 

حين يحضر الرمز بقوة ويغيب الفرح!

تحسين يقين

فرحة منقوصة لعلها مؤجلة إلى موسم آخر!
يشكل موسم قطف الثمار في كل العالم مناسبة لفرح المزارعين؛ إلا هنا على هذه التلال، التي صار فرحها حزنا وغضبا؛ فلا أغاني الموسم ولا مواويله، وأشواقه؛ فهنا على هذه التلال والجبال، كما هناك في غير مكان، هنا في فلسطين، ثمة ما يعكّر صفو النفس والفؤاد، وليس فقط المشهد البصري للأرض مقطعة الأوصال، تلك الجريمة الكبرى ضد الطبيعة والبيئة والإنسان، إذ كيف يكون جبلٌ عمره ملايين السنين، ثم يشوه في أشهر فقط!
كم هي بائسة الحضارة هنا!
وكم هي ساخرة تكنولوجيا الحفر، والتي انقضت على أشجارنا لتقتلعها بغير رحمة، ثم شقت طريقا كبيرة، ثم زرعت جداراً من الشوك بيننا وبين ما تبقى من أرضنا هناك، وهناك يسكن الشوق للتلة الباقية وللجبل كامل الجمال والهواء والندى.
ثمار الصيف في قرى القدس الغربية تتوج بثمار العنب منذ القدم، حتى سميت تلك القرى بقرى العنب، وليست نسبة القرية للعنب أو العنب للقرية مقتصرة فقط على قرية أبو غوش المشهورة بالقرية، أو قرية العنب، (ننطق هنا القاف كاف) بل هي جميعها كانت مكانا لزراعة العنب، يشهد على ذلك منحوتات "المعاصر" في الصخر، والتي احتفظنا باسمها الأصلي، وإن لم نعد نستخدمها نحن الفلاحون منذ قرون، حيث كان أجدادنا الكنعانيون يملأونها كل موسم، لكن زراعة العنب قلّت، لصالح أنواع أخرى من أشجار الزيتون والأشجار المثمرة، فأصبحت محدودة، وكانت متركزة بشكل خاص في قريتنا بيت دقو، لكنها عادت بشكل ظاهر في فترة الستينيات والسبعينيات، حين توفرت آليات إصلاح الأراضي، وهكذا شهدنا وجودا لها في قرى بيت سوريك وبدو وبيت عنان والجيب وغيرها في شمال غرب القدس، فازدهر موسم العنب، فتنافس التجار على شرائه، لبيعه في الأردن ودول الخليج، وكان دخل المزارعين من العنب يسترهم من الموسم إلى الموسم القادم.
ولهذا كان موسم قطف العنب يشكل مناسبة لفرح القرويين في جبال القدس الغربية، بل كان الموسم أشبه بمهرجان اقتصادي اجتماعي يستمر طوال شهرين، من منتصف تموز إلى منتصف أيلول.. وهكذا ظل الفرح حتى سطا غازٍ علينا وعليه، وتسارع فعل الغازي على المشهد، وصولا إلى تخريب آلاف الدونمات لصالح جدار الفصل العنصري، والذي بات في مقاطع منه يفصل المزارعين عن كرومهم، كما حصل مع البدادوة والسواركة، (نسبة إلى بدو وبيت سوريك) وليس الوضع ورديا في بيت إجزا ولا الجيب..وقرى أخرى تقع محاذية لهذا الجدار المصنوع الذي ينتج كراهية الاحتلال، كما لا ينتج منتوج آخر من منتوجات الاحتلال!
ماذا يفعل البدادوة والسواركة وهم يمنعون من دخول بوابات الجدار للوصول إلى كرومهم؟ عشرة أشهر وهم يمنعون، فماذا تخبئ سلطات الاحتلال وحراس الجدار العنصري لهم!
في حزيران الأخير اعتصم عشرات من قرويي بلدتي بدو وبيت سوريك أمام بوابة مستوطنة هارادار المقامة على أراضي القريتين؛ حيث يتخوف المزارعون من مسلسل منعهم من وصول أراضيهم، بهدف تفريغ الأرض منهم، فطول الفترة الزمنية التي منعوا خلالها من ممارسة أعمالهم ليس له إلا تفسير واحد،  ألا وهو تطهير الأراضي الواقعة خلف الجدار منهم..
لاصحاب الكروم وراء الجدار الذين وعدوا بأن يحصلوا على أذونات وتصاريح لدخولها منذ 5 سنوات، لكن تم إخلاف الوعد مما يقرب من عام، لهؤلاء أن يخلعوا بوابة الجدار الإلكترونية، في سياق إصرارهم على حق العبور إلى الكروم المشتاقة لسواعدهم، لكن ضابط الارتباط وقائد المنطقة ومسؤول أمن الجدار في غلاف القدس، رفضوا السماح لهم بالعبور بحجج أمنية!
فأي أمن هذا الذي يمنع مزارعاً من الوصول إلى أرضه!
لم يستطع المزارعون قطف ثمار شجرهم، فلا تعتب أشجار العنب على أصحابها ولا تكثر بلومها..
فهل يشكل المزارعون خطرا على المستوطنين، وأنهم إنما يقومون بأعمال الزراعة فقط، وليس شيئا آخر.
يقولون أنه بعد إنشاء هذا المقطع من الجدار العنصري كانت سلطات الاحتلال تسمح لهم بالدخول من خلال تصاريح، لكن سلطات الاحتلال رجعت عن وعودها بالسماح للمزارعين بالدخول، مما يعرض الأرض للتصحر بسبب عدم الحراثة، كما يعرض الشجر للضعف بسبب عدم الرعاية اللازمة.
فهل تراني أعود إلى ضباط الاحتلال أحدثهم فقط عن تاريخ زراعة نوع واحد هنا، العنب، حتى يستحوا قليلا؟ فما بالي لو استقصيت عن الزراعة هنا؟ وما الزراعة يا صاحب غير الحضارة في أجمل تجلياتها!
لقد تأجل فرح القرويين، ولهم أن لا يشكل هذا الموسم موسم فرح، بل غضب..وحزن..
أعود من بيت سوريك إلى بيت دقو، ولعلني أسير نحو الكرم الشرقي ساعة ما بعض العصر، حيث الشمس تنحني للغروب، أتأمل بشوق المشهد، حالنا أفضل من السواركة والبدادوة، لكن كيف يكون الحال عاديا، وإنما نحن نقيم هنا على حافة الأشواك، وطريق الجدار المحمية من جيبات عسكرية ليلا ونهارا؟
الجمال هنا يحضر بقوة، صفوف العنب والمعرشات، والزيتون والسناسل والمنطار وطيب الهواء والشمس التي تتجمل في غروبها المثير لكل الأشواق، والذكريات والحنين لآخر المواسم، وآخر أيام الصيفية لفيروز وأغاني عبد الحليم حافظ أخص منها "يا مالكا قلبي"!
لصوت والدي الملعلع وهو ينادي علينا، لكل الأصوات والروائح والملامس، ولمذاق طعام الإفطار في الخلاء..
لكنني أقف متحسرا على تلك التلة الباقية وراء الجدار والتي صار يفصلنا عنها شارع وجدار وأشياك..
أكلم شجرة الزيتونة خلف شبك ملايين الشفرات، أقول لها ثلثاك بعيد وثلثك قريب يا زيتونة، هل ملت إلينا لنقطف ثمرك حتى لا تغضبين علينا؟!
والخوف هنا أيضا يحضر..
ولا أنكر؛ وكيف أنكر في ظل توقع أي تصرف أحمق أرعن لجنود احتلال لا ذوق لهم ولا خلق يمكن أن يقع منهم، كأن يضايقوا ويرهبوا، ويطلقوا علينا كرههم!
قبل عام أو أقل سطوا على أسرة أخي، فذعرت ابنتاه الصغيرتان، وهم يتناولون طعام إفطارهم تحت شجرة زيتون، بعد أسبوع من العمل!
نحن هنا وهم هناك..
لكننا لسنا آمنين شر الاحتلال هناك، وهو يستطيع أن يغزونا في أية لحظة، علما أن حكومته الوقحة تبني مستوطنة جديدة، يعتبرونها امتدادا طبيعيا للنمو الطبيعي لمستوطني جفعات زئيف!
الرمز حاضر هنا بقوة يا صاحب!
فحتى ولو قامت دولتنا بجانب دولتهم هل ستنتهي المأساة؟ هل سنشعر بالاستقلال والأمن والأمان؟
وكيف يمكن أن يكون والعقلية الإسرائيلية ما انفكت عنصرية حتى النخاع..!
هنا يحضر الرمز بقوة، وتغيب الفرحة، تتهشم، وتتكسر، ولكننا هنا نمارس العيش، فقليل من الماء يكفينا، وقليل من التراب، وقليل من الهواء، وكثير من النار!
أهذه عناصر الحياة؟
لعلنا اكتشفنا ذلك ونحن في طريقنا لاكتشاف الأبجدية، هناك حيث يتكون طائر وقصيدة وموال وسنسلة حجرية..
تاريخ قريب يشدنا لأرض قريبة جدا، وتاريخ بعيد يزرعنا هنا، لنصير شجرا وثمرا وخبزا وماء، فهل سيطول اعتصام الفلاحين هنا، أولئك الذين ينظرون بحسرة إلى أشجارهم؟
ومن يجيب؟
Ytahseen2001@yahoo.com

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
  مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية