التلوث البيئي: قضايا حساسة بأسلوب جاف وندرة مرجعية

قراءة: عبد الباسط خلف
د. عايد راضي خنفر.
التلوث البيئي الهواء-الماء -الغذاء.
عمان: دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 366 صفحة من القطع الكبير
من يكتف بقراءة عنوان كتاب: "التلوث البيئي الهواء-الماء-الغذاء" يظن أنه سيطالع بحثًا علميًا متميزًا يعالج قضية بالغة الحساسية والتعقيد، لكن هذا ما لن يجده في الإصدار الجديد الذي يمتد على 15 فصلاً متعاقبًا.
ومن يشاهد الغلاف الذي يحفل بصور غيوم ورعود وفيضان وأغصان شجرة وجمجمة إنسان وأرض جافة وكرة أرضية، لن يربط بين هذه العناصر وبين الكتاب، ولولا وجود دخان لمصنع لاستطعنا القول إننا أمام غلاف مبهم وغير واضح في هويته.
15 بابًا
يسرد الشطر الأول مقدمة حول تلوث الماء والهواء. فيما يتطرق الثاني لعناصر البيئة ومراحلها وغلافها الجوي. أما القسم الثالث فيتحدث عن مراحل التلوث، كالتآكل بالاحتكاك، والتبخر، والاحتراق. ويشتمل الرابع على عرض للملوثات وعناصرها ومصادر التلوث ومشتقاته. في حين يسرد الجزء الخامس معطيات التلوث الإشعاعي وتركيب الذرة والنواة والنشاط الإشعاعي وتفرعاتها. فيما تحمل أوراق الفصل السادس تقدير تلوث الهواء وأنواع الملوثات، وطرق جمع عينات الهباء الجوي وغيرها. ويورد البند السابع معطيات حول تقدير تلوث الهواء، وأسس طرق الرصد، وأجهزة الرصد البيئي. وتتحدث صفحات الركن الثامن عن التحكم والسيطرة في ملوثات الهواء وما يتفرع عنها. في حين ينهمك الشطر التاسع بالإشارة إلى التلوث المائي، وطرق جمع عينات الماء. باستعراض للقسم العاشر يجد القارئ حديثًا عن التحليل الفيزيائي-الكيميائي للمياه. فيما يتناول القسم الحادي عشر الكائنات الحية في الماء، كالطحالب، وفحص السموم، والرسوبيات الصناعية. ويحفل الجزء الثاني عشر بعرض يتناول الأحياء الدقيقة. ويشير القسم الثالث عشر إلى الكتلة الحيوية. وتتحدث المحطة الرابعة عشرة عن دراسة الإنتاجية الأولى، أما القسم الأخير فيشير إلى التلوث الغذائي.
نُدرة مرجعية
بتوغل أكثر في ثنايا الكتاب، يكتشف القارئ أسلوب المؤلف المدرسي وهو نمط رائج في الكثير من الإصدارات العربية. وقد يظن المتصفح نفسه أنه أمام مادة علمية جافة تنتظره في امتحان قريب، وعليه أن يستعد للحظة التي يكرم فيها المرء أو يُهان بتخزين معلومات جافة.
السمة البارزة في كتاب د. خنفر، الندرة التي تسلح بها في كتابه؛ فالمؤلف يتحدث عام 2010 عبر 366 صفحة بأربعة مراجع عربية، و13 مرجعًا أجنبيًا فقط، وأحدثها صدر عام 1992! ولم يستخدم هامشٌا واحدًا، بالرغم من التطور الهائل الذي تتسم به قضية التلوث، والأبحاث المتلاحقة التي تصدر عن جهات مختلفة وتتناقض أحيانًا في نتائجها. كما أن لغة العموميات دارجة، حين يقول:"أثبتت تجارب وإحصائيات عديدة أن المفاعلات الحرارية والذرية..." دون أن يأتي على دراسة محددة. الرسوم التوضيحية والأمثلة من الواقع نادرة هي الأخرى، كما أن بعض أشكال الإيضاح غير واضحة. كمثال تحمل الصفحة 268 صورًا بالأبيض والأسود لطحالب" خضراء وخضراء مُزّرقة"!
لغة جافة
تتسبب اللغة العلمية الجافة لخنفر في إضاعة القارئ العادي الذي لا يعرف شيئاً عن الكيمياء، ويهتم بموضوع التلوث؛ كمثال إضافي يشير الكاتب في صفحة 204 إلى اصطلاح"الطلب الكيميائي للأكسجين، ودراسة الإنتاجية الأولية، والإنتاجية الابتدائية الصافية" بلغة صعبة ومدرسية. كما يشير إلى ظاهرة الضباب الدخاني الكيموضوئي في الصفحة 63.
وأيضا، يختفي التمثيل من أسلوب الكاتب، فلا يورد كما في الصفحة 325 أمثلة محسوسة من الواقع لمعالجة "الملوثات الميكروبية". مثلما تغيب الملاحقة عن عمل د. خنفر؛ فيشير في الصفحة 109:"من أخطر ملوثات الجو في العصر الحديث هو التلوث بالمواد المٌُشعة المختلفة التي تُستعمل في القنابل الذرية والهيدروجينية، وفي الأفران الذرية الحرارية، وهي تؤدي إلى السرطان، وتؤثر على الصفات الوراثية للأجيال القادمة." لم يتحدث المؤلف عن الملوثات الأخرى كالإشعاعات المؤينة وغير المؤينة والكهرومغناطيسية، والتي فتح بعضها باب الجدل واسعًا، وبخاصة فيما يتصل بأبراج شركات الاتصالات الخلوية وغيرها.
مفاهيم ملتبسة
يتحدث الكتاب في الصفحة 323 عن أنواع الملوثات الغذائية، فيقول:" من أهم الملوثات الكيمائية في الأغذية هي المبيدات التي تستخدم في الزراعة بشكل غير صحيح، أو تستخدم في حفظ الغلال المخزونة..التلوث الكيميائي للأغذية يحدث بطرق ووسائل متعددة، فهو قد يحدث عن طريق الخطأ والإهمال، أو عن طريق الاستخدام الخاطئ وغير السليم للمواد الكيميائية المختلفة، فالمبيدات المستخدمة في مكافحة الحشرات والآفات الزراعية، بالرغم من ضرورة استخدامها للمحافظة على المنتجات الزراعية، فإنها قد تكون إحدى الملوثات الكيميائية." وكأن المؤلف يناصر الزراعات الكيماوية ويُلطف مصائبها، وربما لم يسمع بعد بشيء اسمه"زراعات عضوية."
اختزال غير موفق
يميل المؤلف إلى الاختزال في غير مكانه، كالحال عندما يشير إلى الملوثات الصناعية كثيراً في الصفحة324، عندما أشار إلى ملوثات قد تصل للغذاء من تلويث البيئة مثل التربة الزراعية أو البحار، أو استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة للري." كما أنه لم يتحدث عن مصطلح junk food أو المواد الحافظة والملونة والمثبتة وغيرها.
كما يتحدث د. خنفر بعموميات في الصفحة331، حينما أورد معلومات دون مصدر كالقول:"كل طن من المكونات الغذائية يحتاج إلى طن ماء للغسيل والتنظيف."
خلاصة القول، لا يمكن نفي الفائدة التي قد نخرج بها عند قراءة الكتاب، لكن الفائدة ستكون أكبر وأعم، لو أن المؤلف وضع في الحسبان أن البيئة لا تهم فقط دارسي الأحياء الدقيقة والكيمياء، بل هي الحياة. وعليه، كان يفترض عرض المعلومات وتحديثها بصورة مغايرة للسياق والجفاف الذي قُدّمت فيه.
aabdkh@yahoo.com
|