مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز - آب 2013 - العدد 56
 
Untitled Document  

معرض المعرفة البيئية: محاولة جيدة ولكن...

عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية

حينما علمت بتنظيم معرض للمعرفة البيئية في جنين، بالتزامن مع الاحتفال بيوم البيئة العالمي، انتابي شعور بالأمل كمقدمة للتغيير، وبخاصة أن قضايا البيئة في فلسطين مسكوت عنها، ولا  تحظى بفرصة للنقاش، مثلما لا تأخذ  حصتها في الظهور عبر وسائل الإعلام.
ما زاد من إيماني بأنني سأرى شيئا مختلفاً، العدد الكبير للمنظمين: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومرفق البيئة العالمي/برنامج المنح الصغيرة، ووزارة شؤون البيئة، ومعهد الإعلام العصري في جامعة القدس. كما أن جدول الفعاليات ليومي الاثنين والثلاثاء( العاشر والحادي عشر من حزيران الفارق)، كان حافلاً بالأنشطة والفعاليات، وعروض الأفلام، والمعارض، ما عزز الشعور بالأمل في تجربة جديدة، يمكنها أن تقدم رسالة مؤثرة، وأن ترفع ولو قليلاً من شأن القضايا الخضراء في مجتمعنا، في ظل وجود  25 مؤسسة مشاركة من بينها: GEF ، ومركز التعليم البيئي، ومركز ابحاث الأراضي، ومركز التطوير المائي والبيئي، ووزارة شؤون البيئة، واتحاد لجان العمل الزراعي، والاغاثة الزراعية، والمركز الوطني للبحوث الزراعية، ومؤسسة جهود للتنمية المجتمعية والريفية، ومركز العمل التنموي / معا، ومجموعة الهيدرولوجيين، ومعهد المياه، وAnera ، ومعهد أريج، وجمعية الحياة البرية، وشبكة المنظمات الاهلية البيئية الفلسطينية، ومجلس الخدمات المشتركة لإدارة النفايات الصلبة (رام الله والبيرة)، وبلدية نابلس قسم الصحة والبيئة، مؤسسة الرؤيا العالمية.

تصريحات
تمنحك كلمات الافتتاح لمحافظ جنين، طلال دويكات التشجيع، حين رسم صورة لحال البيئة في بلادنا، التي تتعرض لاستهداف من الاحتلال، وللممارسات المجتمعية الخاطئة، ومما قاله، أن الاحتلال يحارب البيئة بكل قوته، فيما تعد قضايا القتل والجرائم التقليدية التي تستهدف أشخاصاً بعينهم، أسهل ممن يلوثون البيئة ويدمرونها؛ لأن الأمر له علاقة بالأرض والهواء والماء، وتمس الناس جميعاً.
فيما بينت كلمة  المهندس أحمد أبو ظاهر مدير عام المشاريع والعلاقات الدولية  في وزارة شؤون البيئة، إن هذا المعرض "يأتي كواحد من جملة فعاليات تجري بالتزامن مع يوم البيئة العالمي، كانت قد بدأت في (29/أيار)  وتستمر حتى (19/حزيران) الجاري . وبين أن الهدف منه التشبيك بين المؤسسات العاملة والتعريف بالمشاريع والخبرات لدى كافة الأطراف، مبينًا أن فعاليات يوم البيئة لا تجري في (5/حزيران) المتفق عليه دوليا، بسبب تزامنه مع ذكرى النكسة الفلسطينية . "

مشهد في معرض المعرفة البيئية في جنين

"فوضى"المطبوعات
بعيداً عن الكلمات الرسمية، وفي أعقاب قص شريط الافتتاح يمكن التجول في قاعته الرئيسة، لمشاهدة الكثير من المطبوعات الورقية الفخمة والأنيقة، والكتب، والتقارير، والصور، والملصقات. وهو الشيء نفسه الذي لا تستوعبه؛ لأن الاحتفاء بالبيئة على الأقل يتم بالتوقف عن تلويثها، وليس استنزاف المزيد من الورق.
تبحث عن المنظمين، فتحاور أحمد ثوابتة وسلمى نزال، من جامعة القدس، وتسجل انطباعك السريع لهما، بأن الورق المطبوع لهذا الحدث، سيقدم رسالة عكسية، إذا ستذهب المنشورات أدراج الرياح، وتساهم في تلويث البيئة؛ ولأن نسبة القراءة متدنية جداً  عند الإنسان العربي، كما تقول الاحصاءات. فتقترح لو تم الاكتفاء بقرص مدمج واحد للحضور، يجمع  فيه كل ما تعرضه المؤسسات المشاركة، ويذهب المهتمون لطباعة ما يريدونه. ولو أن كل زائر أخذ نسخة واحدة من كل شيء جرى عرضه، سيحتاج حينها إلى "عتّال"؛ لتسهيل مهمته، مثلما تستفسر منهما عن علاقة بعض المشاركين بقضايا أخرى لا صلة لهم بها!
يأتي الرد: هذه أول تجربة لنا، وليس الهدف عرض الملصقات، وإنما التشبيك بين المؤسسات العاملة في المجال البيئي، وسنعقد لقاءً تقيمياً بعد انتهاء المعرض. وليس شرطاً أن يأخذ الزائر كل ما يراه، بل ينتقي ما ينال إعجابه، ويهتم به.

معرض المعرفة البيئية

مغالطات
أواصل جولتي، وأجد منشورات كثيرة، مكتوبة بلغة جافة، أو بلغة الممول غير العربي بالطبع، ولا أفهم مثلاً معروضاً يفيد بأن هذا هو مسار شقائق النعمان في فلسطين: منهجيته، ودقته العلمية. ولا أستطيع معرفة القصد من وراء وضع خارطة الطرق لفلسطين، بجوار إبراز كلمة "إسرائيل"، ولا أدرك دقة إطلاق هذه العبارة على مشروع" محطة تصنيع الفحم الصديق للبيئة"؛ لأن إنتاج الفحم يقوم على ركيزة قطع الأشجار، ولا أجد تفسيرًا واضحًا، يدخل إلى عقول الزائرين غير الضالعين بالبيئة، حين نقرأ من النشرة التعريفية:" ...حيث أن هذه الطريقة تحد من الغازات السامة المنبعثة من الكربنة"! ولا أستطيع فهم العلاقة بين مؤسسات تتخصص في شأن تخصصي وتزج نفسها في شؤون أخرى بعيدة، كأن ترفع شعار حيوانات البراري وتجري تجارب لتصنيع الورق! ولا أجد إجابة لوجود (دمغة) تظهر علم الولايات المتحدة على كل صورة ( تكرر العلم الأمريكي 31 مرة، في  14 صفحة لكتيب لجهة ما. ولا أفهم زج جمعية تتغنى بشعار( أعيدوا الماء لنهر الأردن الآن!)، داخل المعرض، فيما تُعنون اسمها بالعربية والعبرية والانجليزية وتفتح نوافذ التطبيع على مصراعيها.

تطبيع بيئي!
أفتح حواراً مع إثنين من المدافعين عن التطبيع البيئي، فتأتي إجاباتهما، بأنهم يحرجان الاحتلال، ويطالبان بالحقوق الوطنية، ويملكان الوعي الكافي لحشر الاحتلال في الزاوية، وأنهما أصحاب مبادئ واضحة ومتخصصان ويهتمان بالقضايا الأكبر، ولا يمتلكان أجندة خفية تدين التطبيع علناً، وتمارسه سراً  كما يفعل البعض( يحدد أحدهم إسما لمؤسسة ما)، وأن التمويل في البلد موضة!
أقول لهما: هل غيرتم شيئاً؟ وهل أسمعتم شلومو ذات مرة ( الذي يحاوركم، وهو جالس في مستعمرة تُدمر البيئة وتسرق الأرض وتنهب الماء من تحت أقدامنا) أنه محتل، ويخالف كل القواعد الدولية، وأن مكانه الطبيعي ليس هنا؟ وإن إعادة الماء لنهر الأردن وحل كل المشاكل البيئية تأتي برحيل الاحتلال؟؟
وأيضاً مما يرد في إحدى منشورات المعرفة البيئية لجمعية أصدقاء الأرض الشرق الأوسط: " مسار الجيران الطيبين واحد من خمسة وعشرين مساراً تتعلق بموضوع المياه والمصادر الطبيعية والتحديات البيئية في منطقة الشرق الأوسط. والأهداف العامة لهذه المسارات هي: رفع الوعي الجماهيري حول الاهتمامات البيئية والمائية المشتركة للمجتمعات المتجاورة، والترويج للتعاون المشترك بين المجتمعات المتجاورة لحل المشاكل البيئية المشتركة، وتطوير إمكانية خلق سياحة بيئية في المنطقة"!

أفلام
أتابع  قليلاً عرض مجموعة من الافلام حول المشاكل البيئية الراهنة في فلسطين، التي تضمنت كما يقول المنظمون": فيلماً من انتاج الـ  UNDP  بعنوان (every drop matters) وأفلام اخرى من انتاج المؤسسات المشاركة في المعرض، كما قدم تلفزيون القدس التربوي فيلمين من انتاجه وبتمويل من مرفق البيئة العالمي، حول التنوع الحيوي في فلسطين، وإدارة النفايات الصلبة .
ومما قاله المنظمون في رسالة اخبارية مكتوبة: "كما تضمن المعرض زاوية لفن النفايات التي يتم اعادة استعمالها كوسيلة للتقليل من حجم النفايات الصلبة، نظمت هذه الزاوية بمساهمة من الوكالة الالمانية للتعاون الفني  (GIZ) ،  وتضمن المعرض كذلك منتجات زراعية عضوية ونماذج من النباتات الطبية وكذلك مجسمات لإنتاج الغاز الطبيعي ونماذج حول اعادة تصنيع الورق وبالإضافة الى الحجم الكبير من المعلومات المعرفية حول المشاكل البيئية والحلول المطروحة المقدمة من قبل المؤسسات المشاركة والتي وصلت الى 25 مؤسسة. فيما عرضت المؤسسات المشاركة منتوجات صديقة للبيئة، كان من بينها أكياس محمولة لرمي النفايات، وفحم منتج بطريقة صديقة للبيئة . ( تم ابداء الرأي بخصوصه).
وشهد المعرض زاوية للألعاب حول التوعية البيئية نفذها الموظف في وزارة شؤون البيئة بنابلس أيمن عبد ربه، وقدم خلالها مجموعة من ألعاب الأطفال الصديقة للبيئة، والتي نفذها بشكل يدوي مستفيدًا من خامات بيئية كالحديد والخشب، بعد تزيينها بلاصق . كما تضمنت انشطة الاطفال مسرحيات حول التوعية البيئية وأهمية العمل الجاد في الحفاظ على بيئة صحية ونظيفة في فلسطين نفذتها جمعية التنمية الريفية المستدامة، كذلك تضمن المعرض ورشة عمل للأطفال حول مهارات التحقيق الصحفي نفذتها مؤسسة انترنيوز . وقد قدمت في المعرض ثلاث محاضرات ألقاها كل من د. عامر مرعي من جامعة القدس حول ادارة النفايات الصلبة ود. زياد الميمي من جامعة بيرزيت حول التغيير المناخي وأثره في فلسطين ومحاضرة القاها د. بنان الشيخ من المركز الوطني للبحوث الزراعية حول التنوع الحيوي البيئي في فلسطين . وسيتم اطلاق صفحة الكترونية خاصة بمشروع شبكة المعرفة البيئية  http://www.gefsgp-envirnet.psبهدف ربط جميع المؤسسات المشاركة في المشروع وذلك للتأسيس لقاعدة معرفية بيئية تسهم في رفع الوعي البيئي كما سيتضمن الموقع روزنامة للفعاليات البيئية . "

نشاط بيئي للأطفال في يوم المعرفة البيئية

حوارات خضراء
أفتح حوارات أخرى، مع بعض المشاركين، فيخبرني  المهندس في المركز الوطني للبحوث الزراعية سامح جرار، بأنهم أدخلوا أو هجنوا  40 نوعاً من القمح في فلسطين، التي تتفاوت في إنتاجها، حسب طبيعة الأرض وكمية الأمطار. لكن جرار يؤكد أن زراعة القمح لم تعد مجدية في المساحات الصغيرة، وتحتاج لأراض شاسعة. بينما يرى الموظف في وزارة شؤون البيئة ايمن عبد ربه، الذي عرض في جناح خارجي نحو 30 لعبة بيئية تربوية للأطفال، صممها بنفسه من مواد تذهب في العادة إلى مكبات النفايات: أن الاقبال ليس كاف، وأنه كان ينتظر وصول مجموعات من المدارس والمؤسسات، ليشرح لهم المفاهيم البيئية بشكل عملي، حتى ترسخ ثقافة اعادة التدوير في الأذهان.
وتقول جيهان دعنا، من مؤسسة روضة الشباب الفلسطيني بالخليل، ومنسقة مشروع (نحو قيادات بيئية) أن المعرض يتقاطع مع أهداف المؤسسة، التي تعقد بعد كل مشاركة لقاء تقييمياً، للتعرف على ما تم الاستفادة منه، أو التعرف إليه من مفاهيم أخرى.
وتعلق لمى، وهي مهندسة متخصصة بالبيئة، على المعرض، بأنه ضرب شعار يوم البيئة العالمي( وفّر، كل، فكر) في مقتل، وهذا يتضح من أطباق الطعام المتبقية، حيث لم يراع المنظمون تقديم كميات تناسب الرغبة والعمر، والأهم تقديم رسالة متكاملة تدعم البيئة عملياً، وليس نظرياً.
وبصفتي الشخصية كمشارك في المعرض، فلم ألمس تفاعلا كبيراً مع الأفلام، التي عرضت حقائق وأرقام لم تكن واضحة فنياً، رغم أهميتها, حالها كالمحاضرات وبخاصة في اليوم الثاني، التي لم تجر وسط حضور كبير، فلم ار في هذا اليوم غير زيارات خجولة للأجنحة المختلفة، في وقت حزّم المشاركون حقائبهم، قبل الوقت المقرر، وغابت عدة مؤسسات عن متابعة معروضاتها، فيما انتشرت بقايا قصاصات ورق ومطبوعات لتجد مصيرها وحيدة على الأرض.
أغادر المكان، ولا أقلل من محاولة المنظمين، لكنني أتمنى لو أن المعرفة البيئية هذه، خرجت بشكل أفضل، لنغير شيئاً على الأرض.  ومن يعمل لا بد أن يقع في الخطأ، لكن هدف ما قيل المساعدة في التصويب لقادم الأيام.

التعليقات

رائع ---أظهرت الواقع بكل صدق أشكرك أستاذ عبد الباسط على الشفافية والمصداقية الي معدومة عند الكثير

سوسن تميمي

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية